أحمد يحيى الديلمي
بحسب آراء الفقهاء وعلماء الدين والطبيعة، تم الاتفاق على أن الكوارث التي تحدث هنا وهناك عبارة عن ظواهر كونية لا علاقة لها بطبيعة التدين ولا سلوكيات البشر القائمين في نفس الأرض، وكما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحدكم أو لحياته )، أو كما قال .
من هذا الحديث يتضح لكل ذي عقل وبصيرة أن هذه الظواهر الكونية تحدث نتيجة تفاعلات فيزيائية في باطن الأرض، ثم تأتي اللحظة التي تهبط فيها التربة نتيجة الاحتراقات الكبيرة والتفاعلات غير العادية بين المعادن الموجودة في باطن الأرض فتصيب من على وجه الأرض من البشر لا فرق بين مسلم أو مسيحي أو بوذي أو يهودي ولا تميز بين أحد .
صحيح أن الله سبحانه وتعالى قد جعلها من المصادر الأساسية للعقاب البشري، إلا أن النقطة الأخيرة تظل محدودة وغير ثابتة، كون الزلازل والكوارث والهزات الأرضية تحدث كما قلنا نتيجة التفاعلات والاحتراقات وعوامل التعرية في الأرض، من هذا المنطلق لا أدري كيف نتعامل مع ذلك الشخص الذي يدعي العلم، فلقد أطل من إحدى القنوات السعودية ليتحدث على أن ما جرى في المغرب وليبيا عقاب إلهي، ولم يتحدث أبداً عن تلك الكوارث التي حدثت في جدة ولم يصفها بأنها عقاب إلهي، وكأن هناك حالة من الشذوذ الفكري تختار عينة من البشر والأرض التي يمكن أن توظف لها مثل هذه الكوارث، ويستهدف أهلها باتهامات باطلة وزائفة، ولا يدري هذا الشخص أن مدينة مراكش في المغرب هي المدينة الإسلامية المحافظة الوحيدة حتى في لباس نسائها ورجالها، فكلهم يرتدون الملابس المحتشمة باعتبارها في الأساس من أقدم المدن التي دخل فيها الإسلام أقامها عقبة بن نافع وأسس فيها أول مسجد في المنطقة، أي أنها إسلامية بكل المقاييس مع ذلك نجد مثل هذا المأفون يتكلم عن العقاب الإلهي ويحرض دولته على عدم إرسال أي مساعدات، وكم كنت أتمنى لو أن الرجل أشار ولو من بعيد إلى موضوع تطبيع حكومة المغرب مع دولة الكيان الصهيوني واعتبره أحد أسباب الكارثة، لكنه لا يرى كذلك على ما يبدو ويعتبر أن ما في رأسه هو الحقيقة، وهذه مشكلتنا نحت المسلمين في كل مكان وزمان، نتبنى المواقف على خلفيات مريضة ملوثة بالحقد والكراهية للآخرين، ثم نطلقها على عناتها دون أن نُدقق في المعنى والنتائج .
تعالوا نتفحص مبادرات الدول العربية والإسلامية حيال هذه الكارثة الطبيعية المروعة، ففي الوقت الذي نتقدم فيه بالشكر والتقدير لحكومة الجزائر حكومة وشعباً لأنها بادرت إلى فتح المجال الجوي وإرسال المساعدات إلى المغرب رغم أن العلاقة مقطوعة بين البلدين بعد أن تمكنت كلٌ من أمريكا وفرنسا وبريطانيا من توتير الموقف بين البلدين وإيصاله إلى القطعية، مع ذلك كانت الكارثة مدخلاً لإعادة المياه إلى مجاريها وهو موقف عظيم يحسب لدولة الجزائر، أما السعودية وقطر والإمارات وهما رأسا الحربة للأسف الشديد لا تزال هذه الدول تعد بإرسال خبراء للإنقاذ، رغم أن أنين المساكين تحت الأنقاض قد عانق السماء ووصل إلى سمع كل مسلم صادق الإيمان ولم يصل إلى آذان ابن سلمان أو ابن زايد أو تميم، كلهم مشغولين بقضايا التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني والتآمر على أبناء جلدتهم من الدول العربية في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين وليبيا وحتى المغرب لم تسلم رغم العلاقة الوطيدة بينها وهذه البلدان، لكنهم مصرون على التآمر رغم أنف الشعب الفلسطيني المسكين ورغم تضرر الكثير من الدول العربية والرفض المطلق من أبناء الدول التي طبعت، مع ذلك لا يزال الحبل على الغارب، ولا تزال السعودية تُمهد لإعلان الفضيحة الكبرى للتطبيع مع الكيان الصهيوني بعد وصول وفد صهيوني إلى الأراضي المقدسة لحضور مؤتمر اليونسكو، وهُنا نتساءل: هل بقي هناك أخلاق لدى المسلمين أو ذمم حقيقية لدى العرب تنضح بالعروبة؟! لا أخفيكم أن الإجابة ستكون سلبية وهذا مصدر الخشية، ونتمنى من الله أن يعيد الصواب إلى العقول وأن يُزكي النفوس كي نعود إلى المواقف الصحيحة المؤيدة لكل ما هو إسلامي وعربي، والله من رواء القصد ..
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: مع ذلک
إقرأ أيضاً:
ملاحون عرب لم تسمعوا بهم
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
مازلت ارى ان مقرراتنا المدرسية المخصصة لمادة التاريخ لم تكن موفقة في التعامل مع الملاحين العرب الذين كانوا روادا في الملاحة الساحلية والفلكية. ربما سمعتم بالربان شهاب الدين احمد بن ماجد، وسمعتم عن المهري وعن جاسم القطامي، لكنكم لم تسمعوا ولم تقرأوا عن الملاحين الذين انطلقوا من السواحل العمانية وتوجهوا نحو مرافئ الأندلس، ثم شقوا عباب بحر الظلمات (المحيط الأطلسي) حتى وطأت أقدامهم أرض أمريكا قبل كولومبس بكثير. فإن كنتم لا تدرون يتعين عليكم ان تقرأوا كتاب: (العُمانيون اكتشفوا أمريكا قبل كريستوفر كولمبوس) للكاتب محمد الجويلي، وهو من إصدارات عام 2009. بإمكانكم الحصول عليه مجاناً بصيغة PDF. .
يعتقد الكثيرون اننا نمزح عندما نقول ان الملاحين العرب اكتشفوا امريكا قبل كولومبس، ولا يعلمون ان هذه الحقائق التاريخية اثيرت حولها التساؤلات داخل الولايات المتحدة نفسها، وذلك بمناسبة مرور خمسمائة سنة على مزاعم كولومبس، الذي لم يكن باستطاعته عبور المحيط الأطلسي لولا خرائط الملاحين العرب المكدسة في خزانة قرطبة، ثم عثر عليها الأسبان هناك بعد سقوط الأندلس سنة 1492. وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك بالقول أنّ الملاحين العرب رسموا خرائط السواحل الأمريكية المطلة على المحيط الهادي قبل رحلة كولمبس بسنوات. .
تؤكد الدلائل التاريخية أنّ الخليج العربي هو الحاضنة الأولى لكل الفنون البحرية في العالم. حيث اقتحم السومريون البحر منذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وكانت لهم الريادة في ترويضه وتطويعه. وكان عرب الخليج يسكنون المنطقة التي أطلق عليها السومريون تسمية (مجان)، ولهم الدور الفاعل في دفع الملاحة البحرية وصولا إلى أرقى درجات تطورها، ويعود لهم الفضل أيضاً في إقامة علاقات منتظمة مع شعوب بعيدة لا يصلهم بها إلاّ البحر. .
يقول المسعودي في كتابه مروج الذهب: (إنّ رجلاً من أهل الأندلس يُقال له خشخاش، وكان من فتيان قرطبة، جمع جماعةً من شبابها، وركب بهم مراكب أبحرت بهم في المحيط الأطلنطي، فغاب فيه ثم انثنى بغنائم واسعة، وخبَرُه مشهور عند أهل الأندلس)، كانت رحلة خشخاش بن الأسود من ميناء (ولبة) الأندلسية سنة 889 تقريبا، وقد أكد هذا الأمر الدكتور يوسف مروة، وأضاف: ذكر المؤرخ أبو بكر بن عمر القوطية: (أنه في عهد الخليفة هشام الثاني في الأندلس قام ابن فروخ، وهو بحّار عربي آخر من غرناطة، بالإبحار من مدينة قادس الأندلسية عام 999 إلى المحيط الأطلسي، ونزل في جزيرة غاندو (وهي من جزر الكناري الكبرى اليوم)، زائرا الملك غواناريجا، ثم اتجه غرباً، حيث رأى جزيرتين الأولى كابراريا، والثانية بويتانان ثم رجع إلى الأندلس في مايو عام 999). .
وهناك كلامٌ كثير في هذا الموضوع المهم، ولكن يبقى السؤال: متى يعترف الغرب بأفضال العرب عليهم ؟ الجواب: عندما يقدّر العرب أفضالهم على العالم، ويعيدوا بقوّةٍ ما فقدوه بسبب خمولهم وبعدهم عن العلم والاكتشافات. .
من المؤكد ان معظم العرب لا يعلمون شيئا عن الغارة البحرية التي شنتها السفن الليبية عام 1803 ضد السفينة الحربية الأمريكية يو إس إس فيلادلفيا (USS Philadelphia)، حتى وقعت في قبضة الدولة الحاكمة في طرابلس، وكانت تلك الغارة واحدة من سلسلة عمليات تضمنت حصارا بحريا فرضه العرب على السفن الأمريكية. وكان حاكم طرابلس (يوسف القرمانلي) هو الذي يبسط نفوذه على مسطحات البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. .
فأرسل الأمريكيون سفينتهم الحربية (فيلادلفيا) بقيادة الأميرال وليام بينبردج William Bainbridge لدك حصون القلاع الليبية، لكنها وقعت في الأسر مع طاقمها الذين يزيد تعدادهم على 300، وشكلت الحادثة صدمة لدى الكونغرس، وحصل يوسف باشا على سفينة من الطراز الأول، وأسر عددا كبيرا بينهم قباطنة بارزون، وهو ما استدعى اعطاء الاوامر باسترجاعها أو على الأقل حرقها في أسوء الحالات، وهذا ما حدث بعد أسابيع اذ تمكنت فرقة امريكية من حرقها خفية واعتبر حرقها لدى الأمريكيين عملا بطوليا وألهم مخيلة الشعراء والرسامين. .
كتب الكابتن وليام بينبردج وهو في الأسر إلى وزير البحرية الأمريكية يقول:
(تقهرني الظروف وتجبرني على الكتابة إليكم عن أسوأ خبر رأيته في حياتي وأنه لمن المؤلم أن أقول أن هذا الخبر هو فقدان البارجة فيلادلفيا التي كانت تحت قيادتي، وكم أتمنى أن يغفر لنا الجميع هذه الكارثة التي لا يمكن وصفها). .
هذا غيض من فيض، وبالتالي يتعين على الأكاديميات العربية تخصيص مقررات دراسية تسلط الأضواء على النشاطات الملاحية الرائدة. .