نوف الموسى

العودة إلى الكتابات الأولى، للفنانين التشكيليين الرواد في دولة الإمارات، تفتح مساراً رئيسياً لإعادة النقاش حول الفنون وتشكلاتها في المنطقة المحلية، وحاجتها الأساسية القائمة على المبحث الفكري والفلسفي للحياة الاجتماعية وتحولاتها، والأسئلة الوجودية أمام ضرورية النقد والاستفهام حول مسيرة الترابط والتشكل التراكمية، التي اتخذت من بداية الثمانينيات سمة تفاعلية تسعى إلى تكوين ملامح رصينة لهوية الفنون التشكيلية وممارساتها في الإمارات.

في معرض «التفكير فنياً: فنانون كتّاب من الإمارات»، للقيّمة الفنية د. نهى فرّان، الذي أقيم بمركز مرايا للفنون، بمدينة الشارقة، جاءت تلك الكتابات، باعتبارها دعوة لتغير نمطية التفكير بالفنون والفنانين الإماراتيين، من خلال أن يقف المشاهد أمام الإصدارات والكتب العلمية ودفاتر الملاحظات اليومية والمقالات الصحافية والهوامش الانطباعية المكتوبة على الخامات والمواد الفنية المختلفة، في محاولة لاستشفاف المسيرة التفكيرية للمخيلة الفنية، وكيف يمكن للكتابة بوصفها عملية ذات أبعاد متعددة وعميقة، أن تتحرك من هوة اللاواعي في التجربة الإنسانية، وتستجلب من هناك الحالات الإبداعية، بوصفها مادة خام، إلى المنطقة الواعية في حياة الفنان، حيث يبدأ من التجريد العام إلى بناء صلات وروابط بين تلك الحالات الإبداعية وإتمام فعل «المعنى» في العمل الفني. 

كتابات وتأملات
التوقف مثلاً عند مقالة الفنان حسن شريف وهو يكتب عن أعماله في إحدى الصحف المحلية، معلناً أن أعماله تفتقد البداية والنهاية، قائلاً: «في بعض الأحيان، أشعر أنني قد وصلت إلى أدنى قدر من الانتباه»، في اعتقادي، أنها جملة شخصية جداً، فمن تلك الذاتية ندرك ربما الإيقاع المتفرد للفنانين الإماراتيين، أيّ مصدر «الفكرة». فهم يتحركون في فضاءات مشتركة، إلا أنهم يحافظون في ذات الأوان على إحساسهم الشخصي، مثلما هو تأكيد الفنانة نجوم الغانم، أنها لطالما مارست الفنون التشكيلية كحاجة ذاتية، وكذلك هي التأملات العابرة الطويلة للفنان عبدالله السعدي للبيئة الطبيعية، من انطلق بكتابة يومياته في المرحلة الثانوية، فهي تُعد امتداداً لحالة فكرية اتسقت مع تطور المصدر اللانهائي للأفكار، من اللاواعي في الإنسان، إلى اللاواعي في الطبيعة، والتي تتجلى بوضوح في الأبحاث والدراسات العلمية للمنتجات الفنية الخاصة بالفنان د. محمد يوسف أسماها «من الطبيعة إلى الطبيعة». حيث يستمتع المشاهد بتجسيدها اللافت بصرياً في العمل الفني التفاعلي «محول القصص» للفنان ناصر نصر الله، الذي ابتكر في كتابه «مخلوقات الأشياء اليومية»، صلات لانهائية للأشكال البصرية في حياتنا اليومية، وذلك بالتوازي مع حضور الميثولوجيا في أعمال الفنانة د. نجاة مكي، التي أعلنت عن فنتازيا حضور «فينوس» آلهة الحب والجمال في الأساطير الرومانية، من خلال استقرائها التاريخي للأبعاد الحضارية والفنية للعملات المعدنية، تعبيراً عن الأهمية الآثارية لمنطقة مليحة بالشارقة، وجميعها إضاءات فكرية، لمعرض «التفكير فنياً: فنانون كتّاب من الإمارات»، الهادف إلى قراءة الإصدارات الفنية، بوصفها ركيزة أساسية لفهم المجتمع الفنانين، وإدراك المصادر الإبداعية الأساسية في حياة الفنانين الإماراتيين.

أخبار ذات صلة تقرير دولي: الإمارات رائدة عالمياً في استخدام الطاقة الشمسية خولة السويدي: الفن أرقى لغات الحوار الإنساني والتواصل

فعل الفنون
لا يُمكن رؤية الأعمال الفنية بمعزل عن مرتكزها الفكري والاجتماعي والثقافي، هنا توضح القيّمة والباحثة الفنية د. نهى فرّان، في حديثها لـ «الاتحاد الثقافي»، حول أهمية التأريخ لإدراك القيمة الحضارية من فعل الفنون في المجتمعات، فمن خلال سنوات طويلة قضتها في البحث والتوثيق وإجراء الحوارات لرصد انطلاقة الحركة التشكيلية في دولة الإمارات، تؤكد القيّمة الفنية د. نهى فرّان، أن تنوع الأساليب والتقنيات الفنية المعاصرة المتعاقبة بين الأجيال الفنية في المنطقة المحلية، يضعنا أمام سياقات جمالية وفنية بصرية خاصة، تتخذ من الإشكاليات والهموم في البيئة المحلية مصدراً رئيسياً لطرح السؤال، إنها محاكاة جوهرية انطلقت من ذوات الفنانين، وتطورت بطبيعة الحال وفق أدوات الحركة الفكرية المعاصرة، مبينةً أن معرض «التفكير فنياً: فنانون كتّاب من الإمارات»، يعيدنا إلى نقطة الصفر، من حيث الحاجة العلمية لتفكيك المفاهيم الأولى لفهم كيفية النشأة وتطورها، ودراسة الحالات الإبداعية وإفرازاتها، إنها فعلياً دعوة للطلاب والفنانين الشباب والنقاد والمتلقين في المجتمع الفني، بقراءة إصدارات الفنانين، وتبنيها في المنجزات الوطنية ضمن المحافل الثقافية الكبرى، والمنتديات النقاشية والمؤسسات التعليمية، والمبادرات الثقافية، في كونها مساحة نقاشية رئيسية تضفي على العمل الفني، أياً كان شكله ونطاقه وقطاعه الإبداعي، معنى إنسانياً في الوعي المجتمعي العام، أن نتجاوز مسألة رؤية العمل التشكيلي في المعرض الفني، بل ينتقل معنا في مناهج التفكير لتفاصيل حياتنا اليومية من خلال قراءة الإصدارات الفنية.

مفهوم الفن
في معرض «التفكير فنياً: فنانون كتّاب من الإمارات»، قدم الفنان علي العبدان، من خلال عمله الفني «صندوق الفن»، سؤالاً حول مفهوم الفن، واضعاً ورقة وقلماً على الطاولة للجمهور، للإجابة عن السؤال، الذي لم يتفق بحسب تعبير العبدان على تعريف واحد وفقاً للإجابات التي حصل عليها نتاج تفاعلهم مع العمل الفني، وبالعودة إلى المنهجية العلمية التي يتبعها في جّل سياقاته النقاشية حول الفنون والفلسفة والتراث الموسيقي، دائماً ما يعمد الفنان علي العبدان، إلى إبقاء مساحات التأويل مفتوحة، ما يسمح باستدامة البحث كعملية اكتشاف مستمرة، لا يمتلك فيها الأفراد حقيقة واحدة مطلقة، بل ما يميل إلى تسميته بالتأثير المتبادل بين الثقافات الإنسانية المتباينة في العالم، ما يجعلنا نلاحظ الكيفية التي يرى فيها الفنان المحلي محيط المجتمعات الفنية العالمية من حوله.
يذكر أن الفنان علي العبدان قدم كتاب «القرن الجديد، اتجاهات الفن التشكيلي في الإمارات بعد العام 2000». وهو بذلك يهدينا الصبغة الزمنية لتجربة الحركة التشكيلية ومفارقاتها ما بعد انتهاء فترة التسعينيات في مجتمع دولة الإمارات، ما يجعلنا نتأمل مسألة تُطرح دائماً في آلية وصف الحياة الثقافية والتحولات الاجتماعية، فهل الأعمال التشكيلية تعتبر محركاً رئيسياً للوعي العام، أم أنها نتيجة حتمية وصفة مصاحبة للمتغيرات المجتمعية؟ ومتى يمكن أن تحدث النقلة في أيّ مجتمع فني؟ ولذلك فإن الاطلاع على المسيرة التاريخية للمفاهيم الفكرية في الفنون المحلية وتطورها، لا تحقق لنا إدراكاً فنياً بذاته فقط، وإنما تُطلعنا بشكل بدهي على الأنماط الحياتية، التي حرص الفن على وضعها أمامنا في الفضاءات العامة، حتى نستشعر قوة تأثيرها في تشكيل أفكارنا ومعتقداتنا وسلوكياتنا العامة، وهي ذات المواجهة التي شرحها الفنان حسن شريف، في مشروعه الشهير، بكسر إطارات اللوحة الفنية (مجازياً) في الوعي المجتمعي، ووضع الأعمال الفنية على الأرض، وإعطاء الحق الكامل للمشاهد أن يتفاعل بكامل إرادته حتى وإن استفزه العمل، والاستفزاز هنا ردة فعل طبيعية تجاه النمطية والاعتياد والتكيف المفرط.

تطور تقنيات السرد
الاحتفاء بالكتابة في حياة الفنانين الإماراتيين، وإسهاماتهم في الحركة الفكرية والثقافية في الإمارات، هو بيان لتطور تقنيات السرد في مجتمعنا المحلي، تنتقل الحكاية من التجارب الحسية وتكشف عن ولادات صغيرة لأشكال بصرية لانهائية، من شأنها أن تبني مستقبل تجاربنا اليومية، منها عندما يتحدث الفنان ناصر نصر الله، عن رحلته الأولى في بداياته مع الفنان عبدالرحيم سالم إلى «بيت الشامسي»، وتلقيه الدورات الفنية من الفنان الإماراتي محمد كاظم، وتغني الفنان عبدالله السعدي بقصائده في دفتر الملاحظات اليومية، حيث يقول فيها: «أيها السّراح العظيم، غفت الأشجار ونام المزارعون، فتعال وأيقظهم فكفاهم شخيرٌ وكفاك رحيل، قد كنت بالأمس هنا، واليوم ذهبت إلى البعيد»، وتعود متسائلاً ألهذا يرسم السعدي كل تلك المناظر الطبيعية بأفقها الواسع الفسيح الممتد، ما يجعل موروث البيئة الطبيعية وإشاراته مصدراً رئيسياً لمكونات الحركة الفنية التشكيلية في الإمارات، مثلما هي قصيدة الشاعرة نجوم الغانم: «الفصول تتعاقب، والمدن تقترب من بعضها، حتى لا تكادُ تعرفُ ما الذي يجعلها مختلفة، المسافرُ توقفَ للحظةٍ، كانت السماء هي الوحيدة التي عرفها من كل ما رأى، وهي الآن أقلُّ زرقةً»؟ وفي نفس السياق، وثقت القيّمة الفنية د. نهى فرّان إشارة للفنان د. محمد يوسف بيانه «إن أهم بيئة لزرع الهوية هي أن تدخل عالم الفن من خلال معطياتك ودلالتك المحلية للوصول إلى العالمية، فاستخدمت أدوات وعناصر تعودت الناس أن تراها ضمن إطار معين، لكنني أنقلها من بيئتها الأصلية إلى بيئة جديدة، وهذا جوهر العمل الفني».

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الفن التشكيلي الفنون التشكيلية الاتحاد الثقافي الإمارات محمد يوسف حسن شريف العمل الفنی فی الإمارات الفنیة د من خلال

إقرأ أيضاً:

خاص لـ "الفجر الفني" عفاف مصطفى: العمل مع محمد سلام في "كارثة طبيعية" تجربة مليئة بالراحة والجمال (حوار)

 

 


عفاف مصطفى هي واحدة من الفنانات المصريات اللواتي استطعن أن يتركوا بصمة مميزة في عالم الدراما والسينما، وبرزت بفضل قدرتها على أداء أدوار متنوعة تجمع بين الكوميديا والدراما، مما جعلها وجهًا مألوفًا ومحببًا للجمهور المصري والعربي.

على مدار مسيرتها الطويلة، شاركت عفاف مصطفى في العديد من الأعمال الدرامية الناجحة التي رسخت مكانتها كفنانة متميزة. كانت حضورها قويًا في أعمال عديدة، حيث قدمت أدوارًا تركت أثرًا عميقًا لدى المشاهدين. كما برعت في تجسيد الشخصيات المعقدة والمركبة، مما أبرز موهبتها وقدرتها على التلون والتنوع.

لم تقتصر أعمال عفاف على الدراما التلفزيونية فقط، بل كان لها أيضًا حضور مميز في المسرح والسينما. شاركت في أفلام ومسلسلات مع أسماء كبيرة في الوسط الفني، واستطاعت أن تثبت نفسها كفنانة ذات طابع خاص، قادرة على تقديم أدوار الأم، الصديقة، والمرأة القوية.

تتميز عفاف مصطفى بخفة ظلها وحضورها الكاريزمي، مما أهلها للعب أدوار مختلفة وناجحة أضافت لمسة مميزة لكل عمل تشارك فيه. كما أنها تُعرف بالتزامها الكبير واحترامها للمهنة، ما جعلها محط تقدير زملائها في الوسط الفني.

 

 

خلال السنوات الأخيرة، استمرت عفاف مصطفى في اختيار أدوار تتماشى مع خبرتها الطويلة، لتقدم أعمالًا تجمع بين الجودة والرسائل الهادفة. ومع استمرار عطائها الفني، تظل واحدة من أبرز الأسماء التي تثري الساحة الفنية المصرية.

 

 

وفي حوار خاص لموقع الفجر الفني  تحدثت الفنانة عفاف مصطفى عن تفاصيل تعاونها مع الفنان محمد سلام في مسلسل "كارثة طبيعية"، الذي لا يزال قيد التصوير.

 

 

 

وقالت عفاف  : "الشغل مع محمد سلام منتهى الجمال والبساطة والراحة. وجوده في أي عمل بيضيف طاقة إيجابية مش طبيعية، وده بيساعد كل فريق العمل، مش بس الممثلين، إنه يقدم أفضل ما عنده. بالنسبة لي، لما بكون قدام إنسان موهوب وشاطر زي محمد، بطلع أحسن أداء عندي، لأن التفاهم والانسجام معاه بيديني راحة نفسية كبيرة".

وأضافت: "محمد سلام مش بس فنان موهوب، لكنه إنسان بيحب الخير للناس ودايمًا حريص على إنه يخلق جو لطيف في التصوير. مسيرته الفنية كلها نجاحات، وأعماله بتشهدله دايمًا بالتنوع والتميز سواء في الكوميديا أو الأدوار الدرامية".

وتابعت عفاف مصطفى حديثها عن العمل قائلة: "مسلسل 'كارثة طبيعية' عمل مختلف ومليء بالتحديات. السيناريو مكتوب بحرفية شديدة، وأنا متحمسة جدًا لتفاعل الجمهور مع الأحداث ".


مسلسل "كارثة طبيعية"، من المقرر عرضه عبر منصة "watch it"، وهو من تأليف أحمد عاطف غياض، وإخراج حسام حامد، ويقدم فيه الفنان أحمد سلام، أول بطولة مطلقة.

 

مقالات مشابهة

  • حزن في الوسط الفني.. 3 وفيات خلال 48 ساعة
  • يوسف عمر في حوار لـ الفجر الفني:" خطوة عرض " مين يصدق " في مهرجان القاهرة مهمة.. وهذة كانت كواليس الفيلم
  • من الهواية إلى الإتقان.. «حسن» فنان عصامي يحول الحبر إلى لوحات تنبض بالإبداع
  • خاص لـ "الفجر الفني" عفاف مصطفى: العمل مع محمد سلام في "كارثة طبيعية" تجربة مليئة بالراحة والجمال (حوار)
  • السيد بلعرب يرعى انطلاق فعاليات «رنين» الفنية في أروقة ولاية مطرح
  • توصية بتجديد صياغة السردية الفلسطينية وتعزيز التغطية الإنسانية
  • اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات العمل لرؤساء لجان بامتحانات الدبلومات الفنية 2025
  • "النقد الفني في سبعينيات القرن الماضي.. وجهي العملة" على مائدة القومي للمسرح
  • تكريم سميرة عبدالعزيز خلال ندوة «النقد الفني في سبعينيات القرن الماضي».. صور
  • في عيد ميلاده.. تعرف على أبرز المحطات الفنية في حياة الفنان أحمد صيام