لجريدة عمان:
2024-11-23@15:40:41 GMT

في تفسير هندسة الصراع الدولي المعاصر

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

حضرت منذ عدة أيام جلسة فكرية خاصة سياسية، مع بعض المهتمين والمتابعين لما يجري في عالم اليوم، وما تعيشه الإنسانية في حاضرنا الراهن، من حروب وتوترات وصراعات مختلفة تحتاج إلى فتح الأفكار حولها، وما هي خلفيات هذه الصراعات القائمة، فجاءت الحوارات في هذا الموضوع متباينة الرؤى في ملابساتها وإشكالياتها، من حيث التحليل والتقييم وتفسير أسبابها، فالبعض يرى أن ما يجري الآن من صراعات وتوترات وانقلابات، هو مرتب ومدبر من القوى الدولية المؤثرة والمهيمنة في العالم، بهدف التخطيط والتدبير لمصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، بحسب مخططات الاستراتيجيين فيها، حتى وإن كان الظاهر للعيان الخلاف -بحسب رأي أحدهم في تلك الجلسة- ذلك أن الخلاف الذي كان بارزًا من القوى الكبرى ليس جديدًا، والصراع على المكاسب والمغانم قديم، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ـ سابقا ـ أو ما يسمى بالحرب الباردة، التي انتهت، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي في 1991 م، وتزعم الولايات المتحدة ما يسمّى بالأحادية القطبية، لكن هذا المتحدث يراها معدة ومحددة، وربما هي أقرب للمؤامرة بالاتفاق بينهم لاستنزاف القوى الصغرى وتفكيكها وجعلها تابعة، عندما كانت شبه متماسكة في الداخل.

والبعض الآخر يرى أن ما يجري الآن هو إيذان بنظام دولي جديد، يتشكل مع هذه الأزمات والصراعات الجارية، ولذلك يعتقد صاحب هذا الرأي أن من المهم أن يبرز نظام جديد لإنقاذ النظامين السابقين، نظام الثنائية القطبية الذي بدأ بعد الحرب الكونية الثانية بين المعسكرين الكبيرين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كما أشرنا آنفا، وانتهاء بسقوط معسكر أوروبا الشرقية وحلف وارسو في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وظهور القطب الواحد للولايات المتحدة بعد ذلك، ومن هو في فلكها السياسي الرأسمالي، سواء من دول الاتحاد الأوروبي، أو من الدول التابعة له من دول العالم الثالث.

وكان رأيي -وربما أكون مخطئا- أن الصراع الدولي القائم الآن، ومنذ أن قامت الدول المركزية الكبيرة منذ قرون لم يتغير، فالصراع قام معها وسيستمر، بسبب المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية، وحتى الدينية فهي تلعب في التوترات والاختلافات، ولذلك أرى أن مسألة الصراع متفق عليها، ليس دقيقا من وجهة نظري، ذلك أن المصالح والاختلاف الآيديولوجي، هو أهم ما يسهم في الصراعات والتوترات، ويستحيل أن تتفق دول كبرى متباينة الاتجاهات الفكرية والسياسية، مع بعض لقيام حروب وصراعات وانقلابات، نعم قد تتفق دول في كتلة واحدة من حيث الفكر الآيديولوجي، على خطط استراتيجية شريرة أو خيّرة، أو غير ذلك، لكن في رأيي لا يمكن أن تتفق الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية على قيام مثلا روسيا بالحرب ضد أوكرانيا، فهذا ليس منطقيا ولا عقليا، وهو أقرب إلى المستحيلات أن يحصل بينهم، فالصراع الاقتصادي الآن في اعتقادي هو المحرك الأول، وكل كتلة سياسية تحاول إضعاف الطرف الآخر، من أجل استنزافه عسكريا واقتصاديا، وهذه مسائل حصلت، وستحصل في المستقبل، دون أن تكون هناك اتفاقات بين هذه القوى لافتراق المصالح والمنافع والأسس الأيديولوجية بينهم.

وأعطي مثالا لما جرى في المعسكر الاشتراكي وسقوط الاتحاد السوفييتي وتفكك بقية دول معسكر حلف وارسو، فجمهورية أوكرانيا إحدى الدول الكبيرة من حيث الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية والنووية في هذا المعسكر، فعندما استقلت جمهورية أوكرانيا مع بقية الدول الأخرى ضمن الاتحاد السوفييتي سابقا، وقعّت عام 1995، اتفاقية شراكة مع حلف شمال الأطلسي، وتم بموجب هذا الاتفاق، في أن تفكك أوكرانيا (1900) رأس نووي وتسليمها لروسيا، مقابل التزام حلف الناتو بوحدة أراضي أوكرانيا وسلامة أراضيها الدولية المعترف بها دوليا، والهدف من إبعاد الترسانة النووية من أوكرانيا، هو إبعاد الخطر النووي عن أوروبا مستقبلا، وخفض أسلحتها الأخرى، ووقوف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا، بعد الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، كان اتفاقا مسبقا، ولا يعني أن ما تم كان متفقا عليه مع روسيا الاتحادية، لذلك الصراعات السياسية والعسكرية الدائرة الآن في العديد من القارات، لا يمكن تفسيرها تفسيرا مؤامراتيا، أو هو اتفاق بين أطراف متباينة الاتجاهات السياسية، كما أن الحديث عن نظام عالمي جديد عادل ومنصف، يستحيل أن يتحقق، في ظل التكتلات القائمة الآن على أسس آيديولوجية، وسيستمر كذلك هذا التوجه وفق: (إما معنا أو ضدنا)، إذًا النظام الذي أسسه المنتصرون في الحرب العالمية الأولى وما بعدها في الحرب العالمية الثانية هو قائم، بنفس التوجهات السياسية والآيديولوجية.

نعم الصراعات القائمة بعضها، قد يكون في مصلحة أطراف بعينها، ومناقضة لأطراف أخرى، لكنها تقوم لأسباب في الداخل في الغالب، وليس من خلال الخارج، فما تم في السودان في شهر أبريل الماضي من صراع، كان خطأ جسيما أن تؤسس مليشيات عسكرية في الدولة موازية للجيش، وتخضع لقيادة من خارج المؤسسة العسكرية، وقد كتبت عما جرى بين الجيش السوداني وبين مليشيات الدعم السريع، وأن قوات عسكرية ضخمة برأسين وقيادتين من الأخطاء الكبيرة، لكن ما جرى في السودان ليس من مصلحة لا الدول الغربية، ولا الشرقية، ولا كذلك دول الجوار التي ستتأثر بالحرب، وما يقال عن تدبير من الخارج، هو مجرد هروب من الأخطاء ومن المراجعة الصحيحة لبعض السياسات، واللجوء إلى نظرية المؤامرة (الجدار القصير)! أما ما جرى من انقلابات في النيجر، ثم في الجابون، سببها سياسات داخلية، وهي ليست في مصلحة حتى الغرب نفسه، الذي تضررت بعض دوله مما جرى فيها، خاصة في الجانب الاقتصادي والعسكري وخاصة فرنسا.

ولا شك أن غياب الاستقرار وظهور بعض مظاهر الفساد، هو نتيجة لغياب العدل وتفشي الفقر من جانب، وتبني سياسات غير سليمة من جانب آخر، وأدت إلى أزمات أخرى، وهذه وإن تأخرت لا بد أن تأتي بمشكلات سياسية تؤدي لعدم الاستقرار السياسي، وهو ما حدث في النيجر ثم الجابون. والنظام الدولي المهتز يسهم في الأزمات في غياب أسس عادلة عند الأزمات والصراعات التي تحدث، وتأتي الأمم المتحدة وتطرح كلاما فضفاضا لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا شك أن النظام الدولي الراهن بدأ في التراجع عن التوازن والعدل والنظر إلى القضايا والمشكلات القائمة بنظرة مزدوجة ومقاييس غير عادلة، مما برز لدى كثير من دول ومنظمات ورجال قانون التشكيك والريبة والتوجس من قراراته وتوجهاته، إلى جانب بؤر التوتر والاختلافات السياسية القائمة بين الدول وبعضها، والدول وبعض الكتل السياسية داخل البلد الواحد، وكذلك عدم الجدية في طرح وحلحلة المطالب العادلة للشعوب التي تطالب بالاستقلال والحرية، وعلى رأس هذه القضايا قضية فلسطين التي لم تحل حتى الآن، على الرغم من أن القرارات الدولية الواضحة والثابتة، لكن بعض الدول الكبرى تقف دون تحقيقها، وهذه القرارات لأسباب سياسية واستراتيجية ومصلحية، ونتج عن هذه المواقف تراجع للمنظمة الدولية وتحجيم لأدوارها الأساسية، وتم السيطرة على مجلس الأمن من قبل الدول المؤثرة، وجعلت مجرد صدى لرغبات وميول هذه الدول، وهذه بلا شك نذر سلبية على الأمن والاستقرار الدوليين.

وبدلا من تركيز النظام الدولي على تحقيق العدل وإشاعة التعايش السلمي وتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنه، كما يقول د. إسماعيل مقلد: «أفرز ما يسمى اصطلاحا بالحرب الباردة [ Coldwar ] الذي شاع استخدامه في العلاقات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة، وهذه الحرب الباردة عملت على تأسيس نظرية الصراع الدولي، وأنماط القوة في المجتمع الدولي، وتوازن الرعب النووي، وسياسة الاحتواء، وغيرها من حقائق القوة والصراع في الاستراتيجية الدولية المعاصرة. ولعل أخطر إفرازات الحرب الباردة نظرية «الصراع الدولي»، ذلك أن الصراع في صميمه هو تنازع بحكم الاختلاف في التوجهات والسياسات. وهذه النظرية هي التي قسمت العالم إلى معسكرين متصارعين وعملت على استنزاف الاقتصاد للدول الصغيرة وجعلتها أسيرة هذا الصراع لاختيار مدى قوة التوازن الدولي، واختبار الأسلحة التي يتم تصنيعها». ومنها ندرك أهمية تغيير ما تم فرضه من نظم وقوانين، والتي جاءت بسبب انتصار دول على دول أخرى، وأصبحت القوانين التي فرضت هي التي بقيت كما هي منذ ما يقرب من ثمانين عاما، في الوقت الذي تطالب الدول الكبرى، الدول الأصغر أن تغّير نظمها وقوانينها، حتى هويتها لتتلاءم مع ما يستجد من أفكار ونظرات وثقافات في الغرب! وهذه الرؤى التي أريد لها أن تفرض، ستبقى كما هي قضايا عالقة في الأمس واليوم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الصراع الدولی الحرب الباردة بعد الحرب ما جرى

إقرأ أيضاً:

الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين

يمانيون../ اعتبر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، اليوم السبت، أن حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من عامين والهجمات في الشرق الأوسط “رسالة تخويف” إلى دول الجنوب.

وقال بيترو في تصريحات صحفية لقناة الجزيرة: إن كولومبيا مستعدة لاعتقال رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المُقال يوآف غالانت تنفيذا لأمر المحكمة الجنائية الدولية.

وأضاف: إن “هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين”.. مشيرا إلى أن “ما يحدث بفلسطين والمنطقة ليس مجرد حرب بل رسالة تخويف من دول الشمال إلى الجنوب بأكمله”.

وتابع: إن “الدول التي تحلم بالسيطرة على العالم تزيد التوترات والحروب حفاظا على سيادتها وتحكمها”.. موضحا أن “الدول الكبرى تضرب بعرض الحائط القانون الدولي وحقوق الإنسان والحضارة الإنسانية”.”.

ويشير مصطلح “الجنوب العالمي” إلى بلدان مختلفة حول العالم تنتشر في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ولا تقع جميعها في نصف الكرة الجنوبي، لكنها كانت توصف أحياناً بأنها نامية أو أقل نمواً أو متخلفة، وذلك لأنها بشكل عام، أكثر فقراً، ولديها مستويات أعلى من عدم المساواة في الدخل وتعاني من انخفاض متوسط العمر المتوقع وظروف معيشية أقسى من البلدان الموجودة في “الشمال العالمي” أي الدول الأكثر ثراء التي تقع غالباً في أميركا الشمالية وأوروبا.

وحول تضامن بلاده مع الشعب الفلسطيني، قال بيترو: “عانينا من الوحشية والقتل ولذا فإننا نشعر أكثر بمعنى الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني”.. لافتاً إلى تأثر شعبه “بهول مشاهد الإبادة التي يراها في غزة وتجعله يسترجع ذكريات قاسية”.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
  • سلوفاكيا تعرب عن رفضها استخدام الأسلحة الأمريكية لضرب روسيا وتحذر من تصعيد دولي
  • سلوفاكيا ترفض استخدام الأسلحة الأمريكية لضرب روسيا وتحذر من تصعيد دولي
  • في خطوة غير مسبوقة.. طهران تفتح معرضاً يضم أبرز لوحات الفن الغربي من بينها أعمال لبيكاسو وفان غوخ
  • هل نُزع فتيل الحرب بين إيران والاحتلال الإسرائيلي بعد الهجمات الأخيرة؟
  • بوتين: لدينا الحق في ضرب الدول الداعمة لأوكرانيا ضد روسيا
  • ما الدول التي لا يستطيع «نتنياهو» دخولها بعد قرار المحكمة الجنائية؟
  • معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالانت في عزلة دبلوماسية؟ ومستعدة لاعتقالهما!
  • «الكرملين»: إدارة بايدن تواصل صب الزيت على نار الصراع في أوكرانيا
  • مبارك الفاضل: الشعب السوداني وقع ضحية الصراع الدولي وهو ينزف وينزح دون وجيع