لا تدخر إدارة بايدن جهدا لتعزيز ما يمكن القول إنه ميزة واشنطن الأهم أمام القوى العظمى المنافسة لها وبخاصة الصين. وتكمن هذه الميزة في الشرق الأوسط.

وبمزيد من التحديد، تدفع الولايات المتحدة بشدة إلى صياغة اتفاق تمنح بموجبه الولايات المتحدة ضمانات أمنية رسمية للمملكة العربية السعودية، وفي المقابل يقيم السعوديون علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين.

وقد حدث في لقاء قمة العشرين في نيودلهي أن تبادل الرئيس جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان مصافحة دافئة. في الأسبوع الماضي، قام وفد أمريكي رفيع المستوى بزيارة الرياض سعيا إلى اتفاقية محتملة في أعقاب رحلتين منفصلتين قام بهما في الصيف الحالي مستشار الأمن الوطني جيك سوليفان ووزير الخارجية أنطوني بلينكن.

يسهل أن نرى ما الذي سوف يكسبه السعوديون والإسرائيليون، في ظل مواجهتهم تهديدات أمنية في المنطقة، وبخاصة من إيران. سوف تكسب المملكة العربية السعودية حماية أمنية يمكن الركون إليها، فضلا عن منافع محتملة أخرى. وبالنسبة لإسرائيل، من شأن إقامة علاقات رسمية مع المملكة العربية السعودية أن تعزز موقفها أمام إيران. ويمكن أيضا أن تكون أهم فتح دبلوماسي لإسرائيل منذ معاهدة السلام سنة 1979 مع مصر، ومن شأنها أن تكون حافزا على اقتداء دول أخرى ذات أغلبيات سكانية مسلمة سنية بالمملكة العربية السعودية.

غير أن السعوديين والإسرائيليين لا يبدون لهفة كبيرة على إبرام الصفقة، في حين جعلتها إدارة بايدن أولوية واضحة. فما نفع هذه الصفقة لواشنطن بعيدا عن النصر الدبلوماسي؟

الميزة الأساسية التي تقدمها هذه الصفقة الثلاثية للولايات المتحدة هي تقوية قبضتها على ثلاثة ممرات مائية ذات أهمية حيوية محيطة بشبه جزيرة العرب هي مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. وهذه الشرايين روابط حيوية للصين، ومحور اهتمام أمريكي.

يمكن القول إن مضيق هرمز الذي يصل الخليج العربي ببحر العرب وبالمحيط الهندي بصفة عامة هو الصمام البحري الأهم في العالم، إذ يمر به قرابة ثلث النفط المنقول بحريا ونسبة أقل قليلا من الغاز الطبيعي المسال كل عام. ويتجه أغلب هذه الطاقة إلى آسيا، ومن ذلك 45% من واردات الصين النفطية السنوية.

ولا تقل قناة السويس أهمية، فهي التي تربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وتربط آسيا وإفريقيا وأوروبا. يمر بها قرابة 12% من التجارة العالمية سنويا، والصين هي المستخدم الأكبر لها. إذ تمثل السفن الصينية 10% من السفن التي تعبر القناة. ومما تحمله هذه السفن على سبيل المثال أكثر من 60% من السلع التي تبعثها الصين إلى أوروبا.

وفي الطرف الآخر من البحر الأحمر الممر المحوري الثالث وهو مضيق باب المندب الذي يسيطر على مدخل البحر الأحمر المفضي إلى قناة السويس فهو مماثل لها في الأهمية بالنسبة للتجارة العالمية. وليس من قبيل الصدفة أن القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة خارج الصين تقع في جيبوتي، على بعد ثمانية وستين ميلا فقط من باب المندب، ولا من قبيل الصدفة أن الصين استثمرت مليارات الدولارات في ذلك البلد.

وفي سياق سعي حثيث إلى توسيع حضورها في ممرات التجارة والموارد، سعت الصين إلى التودد لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لكسب موطئ قدم استراتيجي في الخليج العربي، وتقيم ميناء صغيرا نسبيا على مقربة من أبوظبي حذرت واشنطن من أنه قد يخدم أهدافا عسكرية.

في الوقت الراهن، ليس أمام الصين مجال كبير للمناورة. إذ تسيطر الولايات المتحدة وحلفاؤها على هذه الممرات المائية المحيطة بشبه جزيرة العرب. وبوسع صفقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية أن تضمن هذه الميزة لعقود قادمة. فقد تضع شريكي الولايات المتحدة العسكريين الرئيسيين في الشرق الأوسط في تعاون معلن، فتخلق بذلك عمليا سلسلة إقليمية متشابكة توشك أن تحيط شبه الجزيرة العربية إحاطة تامة بضمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل ومصر والأردن، والجميع أصدقاء قدامى لواشنطن.

والادهي أن الضمانات الأمنية الأمريكية للرياض من شأنها بلا شك أن تضمن ألا تؤدي مغازلة المملكة العربية السعودية المتزايدة للصين أبدا إلى موطئ قدم استراتيجي ذي شأن لبكين في المملكة، وذلك خط حرص السعوديون حتى الآن على تفادي اجتيازه.

قد تسمح أخيرا هذه الشبكة المائية المعززة للولايات المتحدة، في حال تحققها، بتحقيق هدف قديم لها وهو تقليص بعض قواعدها العسكرية الضخمة في منطقة الخليج، ومنها قاعدة العيديد الجوية في قطر، التي تعد فعليا من بقايا غزو العراق عام 2003. ويمكن إعادة تشكيل القواعد الأصغر لتتولى الاستجابات السريعة للتهديدات المحلية بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين، وقد تستثنى من ذلك قاعدة البحرين التي تضم القيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس.

تسعى إدارة بايدن بقوة إلى هذه الصفقة الثلاثية؛ لأن من شأنها أن تضمن ميزة تنافسية عالمية لا تقدر بثمن.

لكن الأمر الذي لم يزل غير واضح حتى الآن هو ما إذا كانت واشنطن تتمتع بنفوذ كاف على الحكومة الإسرائيلية، التي تبدو حساسة تجاه التنازلات التي تسعى إليها المملكة العربية السعودية تجاه الفلسطينيين، أو ما إذا كان هناك ما يكفي من الوقت للتوصل إلى مثل هذا الترتيب المعقد قبل إعادة انتخاب الرئيس.

يبدو أن واشنطن والرياض قد تكونان مستعدتين للتغلب على خلافاتهما الثنائية. لكن دونما مشاركة إسرائيلية وتطبيع سعودي إسرائيلي، لن يمنح اتفاق ثنائي واشنطن ما تحتاج إليه، وهو الشبكة القوية من الدول الصديقة تعتمد على التقارب بين الشريكين الاستراتيجيين الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

إن الطبيعة الثلاثية لهذه المبادرة تضيف صعوبة خاصة إلى صعوبة تحقيقها. لكن الفوائد الاستراتيجية الهائلة المحتملة تفسر بسهولة سبب قيام الإدارة بهذه المهمة الضخمة الآن، مع احتمال وجود وقت كاف قبل الانتخابات والتقبل الظاهري من السعوديين. وسوف تستفيد كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية كثيرا وبوضوح، لكن الولايات المتحدة سوف تكون الرابح الأكبر.

حسين إبيش كاتب المقال باحث مقيم كبير في معهد دول الخليج العربية في واشنطن

«خدمة نيويورك تايمز»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة الولایات المتحدة إدارة بایدن

إقرأ أيضاً:

زاخاروفا: إدارة بايدن كانت تجهز أوكرانيا للذبح منذ البداية


أكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق استغلت أوكرانيا "بشكل سافر"، مشيرة إلى أنها كانت تعدها للذبح منذ البداية.

ولفتت زاخاروفا الانتباه إلى تصريحات وزير الخارجية الأوكراني السابق دميتري كوليبا الذي قال إن كييف "لم تعد قادرة على الاعتماد على أمريكا" ويجب أن "تعتمد على نفسها فقط".

وشبهت الدبلوماسية الروسية الموقف بنكتة عن "بقرة التفت بعد عملية التلقيح الصناعي نحو المخصب وسألته: هل من قبلة؟"، معلقة: "جو بايدن وعصابته استغلوا أوكرانيا. استغلوها بوقاحة بما في ذلك لأغراض إثراء شخصي. هؤلاء من يجب محاسبتهم. بخلاف تلك البقرة، فإن الديمقراطيين الليبراليين الأمريكيين كانوا يعدون أوكرانيا للذبح منذ البداية".

وأكدت زاخاروفا أن الوضع بشأن أوكرانيا "درس بليغ لكل من ينخدع بوعود السياسيين الغربيين المضللين، ضاربا عرض الحائط باستقلاليته وكرامته".

وسبق أن أكد مبعوث إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أوكرانيا كيث كيلوغ أن أكبر خطأ ارتكبه الرئيس السابق جو بايدن هو رفض التواصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين لتسوية الأزمة الأوكرانية.

وأكد كيلوغ أن ترامب يعتزم السعي إلى تسوية النزاع على أساس شروط "عادلة وصادقة"، وأعرب الرئيس الأمريكي عن تفهمه لموقف روسيا المعارض لانضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو"، معتبرا أن النزاع في أوكرانيا هو فشل ذريع لجو بايدن، ونتيجة لذلك يموت الناس وتدمر المدن

مقالات مشابهة

  •  لماذا قررت واشنطن اليوم استعادت أنظمة “باتريوت” كان في طريقها للسعودية 
  • زاخاروفا: إدارة بايدن كانت تجهز أوكرانيا للذبح منذ البداية
  • في تصريح جديد.. نتنياهو: يجب تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل
  • الصين تتهم واشنطن بدعم استقلال تايوان
  • الأونروا لـعربي21: هذا موقفنا من قيام واشنطن برفع الحصانة القضائية عنا
  • وزير الخارجية الأمريكي: روسيا وأوكرانيا أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق سلام
  • تهديد إسرائيلي جديد.. و"مهلة" للتوصل إلى صفقة في غزة
  • واشنطن ترفع الحصانة القضائية عن وكالة الأونروا
  • واشنطن تطرح تطبيعًا سُوريًّا – إسرائيليًّا مُقابل إلغاء العُقوبات؟ لماذا على أردوغان عدم الخشية على مصالح بلاده بسوريّة؟
  • تحليل لـCNN: لماذا قد تكون الجولة المقبلة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية أكثر صعوبة؟