لماذا تعمل إدارة بايدن بجد للتوصل إلى اتفاق سعودي إسرائيلي؟
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
لا تدخر إدارة بايدن جهدا لتعزيز ما يمكن القول إنه ميزة واشنطن الأهم أمام القوى العظمى المنافسة لها وبخاصة الصين. وتكمن هذه الميزة في الشرق الأوسط.
وبمزيد من التحديد، تدفع الولايات المتحدة بشدة إلى صياغة اتفاق تمنح بموجبه الولايات المتحدة ضمانات أمنية رسمية للمملكة العربية السعودية، وفي المقابل يقيم السعوديون علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين.
يسهل أن نرى ما الذي سوف يكسبه السعوديون والإسرائيليون، في ظل مواجهتهم تهديدات أمنية في المنطقة، وبخاصة من إيران. سوف تكسب المملكة العربية السعودية حماية أمنية يمكن الركون إليها، فضلا عن منافع محتملة أخرى. وبالنسبة لإسرائيل، من شأن إقامة علاقات رسمية مع المملكة العربية السعودية أن تعزز موقفها أمام إيران. ويمكن أيضا أن تكون أهم فتح دبلوماسي لإسرائيل منذ معاهدة السلام سنة 1979 مع مصر، ومن شأنها أن تكون حافزا على اقتداء دول أخرى ذات أغلبيات سكانية مسلمة سنية بالمملكة العربية السعودية.
غير أن السعوديين والإسرائيليين لا يبدون لهفة كبيرة على إبرام الصفقة، في حين جعلتها إدارة بايدن أولوية واضحة. فما نفع هذه الصفقة لواشنطن بعيدا عن النصر الدبلوماسي؟
الميزة الأساسية التي تقدمها هذه الصفقة الثلاثية للولايات المتحدة هي تقوية قبضتها على ثلاثة ممرات مائية ذات أهمية حيوية محيطة بشبه جزيرة العرب هي مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. وهذه الشرايين روابط حيوية للصين، ومحور اهتمام أمريكي.
يمكن القول إن مضيق هرمز الذي يصل الخليج العربي ببحر العرب وبالمحيط الهندي بصفة عامة هو الصمام البحري الأهم في العالم، إذ يمر به قرابة ثلث النفط المنقول بحريا ونسبة أقل قليلا من الغاز الطبيعي المسال كل عام. ويتجه أغلب هذه الطاقة إلى آسيا، ومن ذلك 45% من واردات الصين النفطية السنوية.
ولا تقل قناة السويس أهمية، فهي التي تربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، وتربط آسيا وإفريقيا وأوروبا. يمر بها قرابة 12% من التجارة العالمية سنويا، والصين هي المستخدم الأكبر لها. إذ تمثل السفن الصينية 10% من السفن التي تعبر القناة. ومما تحمله هذه السفن على سبيل المثال أكثر من 60% من السلع التي تبعثها الصين إلى أوروبا.
وفي الطرف الآخر من البحر الأحمر الممر المحوري الثالث وهو مضيق باب المندب الذي يسيطر على مدخل البحر الأحمر المفضي إلى قناة السويس فهو مماثل لها في الأهمية بالنسبة للتجارة العالمية. وليس من قبيل الصدفة أن القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة خارج الصين تقع في جيبوتي، على بعد ثمانية وستين ميلا فقط من باب المندب، ولا من قبيل الصدفة أن الصين استثمرت مليارات الدولارات في ذلك البلد.
وفي سياق سعي حثيث إلى توسيع حضورها في ممرات التجارة والموارد، سعت الصين إلى التودد لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لكسب موطئ قدم استراتيجي في الخليج العربي، وتقيم ميناء صغيرا نسبيا على مقربة من أبوظبي حذرت واشنطن من أنه قد يخدم أهدافا عسكرية.
في الوقت الراهن، ليس أمام الصين مجال كبير للمناورة. إذ تسيطر الولايات المتحدة وحلفاؤها على هذه الممرات المائية المحيطة بشبه جزيرة العرب. وبوسع صفقة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية أن تضمن هذه الميزة لعقود قادمة. فقد تضع شريكي الولايات المتحدة العسكريين الرئيسيين في الشرق الأوسط في تعاون معلن، فتخلق بذلك عمليا سلسلة إقليمية متشابكة توشك أن تحيط شبه الجزيرة العربية إحاطة تامة بضمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل ومصر والأردن، والجميع أصدقاء قدامى لواشنطن.
والادهي أن الضمانات الأمنية الأمريكية للرياض من شأنها بلا شك أن تضمن ألا تؤدي مغازلة المملكة العربية السعودية المتزايدة للصين أبدا إلى موطئ قدم استراتيجي ذي شأن لبكين في المملكة، وذلك خط حرص السعوديون حتى الآن على تفادي اجتيازه.
قد تسمح أخيرا هذه الشبكة المائية المعززة للولايات المتحدة، في حال تحققها، بتحقيق هدف قديم لها وهو تقليص بعض قواعدها العسكرية الضخمة في منطقة الخليج، ومنها قاعدة العيديد الجوية في قطر، التي تعد فعليا من بقايا غزو العراق عام 2003. ويمكن إعادة تشكيل القواعد الأصغر لتتولى الاستجابات السريعة للتهديدات المحلية بالتنسيق مع الشركاء الإقليميين، وقد تستثنى من ذلك قاعدة البحرين التي تضم القيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس.
تسعى إدارة بايدن بقوة إلى هذه الصفقة الثلاثية؛ لأن من شأنها أن تضمن ميزة تنافسية عالمية لا تقدر بثمن.
لكن الأمر الذي لم يزل غير واضح حتى الآن هو ما إذا كانت واشنطن تتمتع بنفوذ كاف على الحكومة الإسرائيلية، التي تبدو حساسة تجاه التنازلات التي تسعى إليها المملكة العربية السعودية تجاه الفلسطينيين، أو ما إذا كان هناك ما يكفي من الوقت للتوصل إلى مثل هذا الترتيب المعقد قبل إعادة انتخاب الرئيس.
يبدو أن واشنطن والرياض قد تكونان مستعدتين للتغلب على خلافاتهما الثنائية. لكن دونما مشاركة إسرائيلية وتطبيع سعودي إسرائيلي، لن يمنح اتفاق ثنائي واشنطن ما تحتاج إليه، وهو الشبكة القوية من الدول الصديقة تعتمد على التقارب بين الشريكين الاستراتيجيين الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
إن الطبيعة الثلاثية لهذه المبادرة تضيف صعوبة خاصة إلى صعوبة تحقيقها. لكن الفوائد الاستراتيجية الهائلة المحتملة تفسر بسهولة سبب قيام الإدارة بهذه المهمة الضخمة الآن، مع احتمال وجود وقت كاف قبل الانتخابات والتقبل الظاهري من السعوديين. وسوف تستفيد كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية كثيرا وبوضوح، لكن الولايات المتحدة سوف تكون الرابح الأكبر.
حسين إبيش كاتب المقال باحث مقيم كبير في معهد دول الخليج العربية في واشنطن
«خدمة نيويورك تايمز»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة الولایات المتحدة إدارة بایدن
إقرأ أيضاً:
حرب السودان.. جهود دولية إنسانية دون حل في الأفق
مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
التغيير ــ وكالات
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
أوضح هدسون أنه تم فرض عقوبات على بعض الأفراد في قوات الدعم السريع، والتي لم تكن فعالة لتغيير سلوكيات هذه القوات، وفي الوقت الذي ظهرت فيه دلائل على تقديم دولة الإمارات لأسلحة في السودان إلا أن واشنطن لم تتحدث بصرامة معها بهذا الشأن، تم الاكتفاء بنفي أبو ظبي إرسال أسلحة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تفضل علاقاتها مع الإمارات وإن كان ذلك على حساب مقتل العديد من المدنيين في السودان.
وقال هدسون إن رد وكالات الأمم المتحدة لم يكن كافيا في السودان، وهذا يعود للتمويل وللأولويات التي تفرضها الدول الأعضاء على المشهد، إذ أنها لا تحظى بذات الأولوية مثل ما يحدث في حرب أوكرانيا، أو حرب إسرائيل في غزة.
وتسيطر قوات الدعم السريع بشكل شبه كامل على إقليم دارفور ومساحات واسعة من منطقة جنوب كردفان ومعظم وسط السودان، بينما يسيطر الجيش النظامي على شمال وشرق البلاد.
وحتى الآن، لم يتمكن أي من المعسكرين من السيطرة على كامل العاصمة الخرطوم التي تبعد ألف كيلومتر شرق مدينة الفاشر.
وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف وشردت أكثر من 11 مليون شخص وتسببت بما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في الذاكرة الحديثة.
ويتهم الجيش وقوات الدعم السريع باستهداف المدنيين والمرافق الطبية بشكل عشوائي، وبقصف مناطق سكنية عمدا.
ملايين السودانيين اضطروا للنزوح بسبب القتال الجاري في البلاد منذ أبريل 2023
مع استمرار الحرب في السودان تزداد معاناة ملايين المدنيين من انعدام الأمن الغذائي، بينما لا تلوح في الأفق أي مؤشرات لحل سياسي ينهي القتال الدائر في البلاد منذ 15 أبريل 2023.
الدبلوماسي الأميركي السابق ومدير الشؤون الأفريقية الأسبق في مجلس الأمن القومي، كاميرون هدسون أكد أنه لا يوجد مؤشرات تلوح في الآفق بشأن اتفاق للتهدئة في السودان.
ويرى أن تركيز الجهود الدولية حاليا يتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية، ولا جهود تتعلق بالعملية السياسية في السودان، مشيرا إلى أن مساعي واشنطن في جمع الأطراف المتحاربة في السودان لم تنجح.
وأعلنت واشنطن الخميس عن تخصيصها مبلغا إضافيا بقيمة 200 مليون دولار لمواجهة الأزمة الإنسانية في السودان، ليرتفع بذلك إجمالي المساعدات الأميركية إلى 2.3 مليار دولار.
وأضاف هدسون أن واشنطن أيضا لم تنجح في وضع حدود للقوى الدولية التي تغذي الصراع في السودان، لافتا إلى أن الولايات المتحدة “في وضع صعب” فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة في السودان، خاصة مع تبقي شهر واحد لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن.
ولا يعتقد أن الأزمة في السودان تتصدر أولويات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.
منذ أبريل 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي.
وقال هدسون إن تقديم المساعدات لوحدها للسودان غير كافية، ولكن ما نحتاج إليه هناك هو حل سياسي للأزمة، مشيرا إلى أن واشنطن لم تستخدم كل الأدوات المتاحة لها للضغط في هذا الإطار، إذ لم تفرض عقوبات، ولم يتم إيقاف تغذية الصراع من قوى إقليمية.
والخميس، حذر برنامج الأغذية العالمي من أن السودان قد يشهد أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، مع 1.7 مليون شخص في البلد إما يعانون الجوع أو هم معرضون له، إضافة إلى ذلك، يعاني حوالي 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في البلد.
الوسومأزمة إنسانية الحرب جهود دولية حل سياسي