لجريدة عمان:
2024-12-28@13:37:57 GMT

مستـقـبل العـمل اليـدوي والذهـني

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

على أي ممـن يبدون حماسة شديـدة للذكـاء الاصطناعي فيـرون إليه من حيث الفـوائد الوفيرة التي ستـنجـم منه ومن استخدامـاته في مياديـن الحياة المختلفة، ويعقـدون عليه عظيم الآمال في تيسيـر المعسور من الأعمال، بل وينتظرون منه أمـكـنـة المستحيل... (على أي منهم) ألا يذهـل -في حـمأة حماسته غير المحسوبة- عن هـول ما يحمله هذا الذكاء في ركـابه من نتائـج انقلابيـة ستبـدل -مع الزمـن- وجـه التاريخ الإنساني وتـولـد بيـئة انحلاليـة تذهب بالشرط الإنساني في المطاف الأخير.

ما مـن تهويـل أو تزيـد في ما نقوله؛ لأن نـذره تطـل منذ الآن. وربـما سنكـتشف، في امتداد زمـن الذكـاء الاصطناعي، بأن هذا الأخـير سيفعل بالإنسان أضعـاف أضعـاف ما فعلتـه الصناعـة والتـقنيـة بالطبيعة والبيئة خلال الثلاثمائـة عـام الأخيرة!

إذا كان الإنسان قد انفصل عن ماضيه الحيواني فصار إنسانا حين اهتدى إلى العـمـل (تتـوسـل يـده وفكـره لتوفير قـوتـه وأمنه من طريق إعادة تحديد مكانته في الطبيعة بوصفه كائـنا منـتجـا داخلها)، فإن العـمل هذا بات جوهـرا يتحدد به ويتقـرر به مصيره في العالم. والعمل من نوعيـن: يدوي -وهـو الغالب في تاريخ الإنسانيـة- وذهني (حين قامـت الدول ونشأت الصنائع الإداريـة والسياسية، وحين بدأت الكتابـة وقامت العلوم والمعارف). أضحى هذا الجوهـر الإنساني مهـددا بالإفناء من خلال ذكاء اصطناعي قادم وزاحـف بحيث سيـعطـل العمل رمـة، وفي وجـهيـه معا: اليدوي والذهنـي. وهكذا لن يكون إفنـاء العمل إلا الوجـه الثـاني لإفناء الجوهـر الإنساني بما يعنيه هذا من تعطيل كامـل لمـلكـات الإنسان التي طورها فيه لآلاف السنين. لـننظـر، سريعا، إلى ما سوف يكون عليه الوضع الاجتماعي والإنساني غـداة التـوسع في استخدام الذكـاء الاصطناعي في ميادين الإنتاج والخـدمـات والثـقافـة والفكـر والبحث العلمي.

أول ما يمكن أن نتوقـعه، في مثـل تلك الحال، أن يـشـرع العمل اليـدوي البشري في الاضمحلال التدريجي وصولا إلى الزوال. هذا ليس توقـعا افتراضيـا، بل عليه ألـف دليل من تجربة الانتقال من التصنيع المعتمد على قـوة العمل البشريـة إلى التصنيع الآلي في حقبة الأتمـتة وصولا إلى إنتاج الروبـوتات. كان هـربرت ماركيـوز قد درس ذلك الانتقال، بدقـة شديدة، قبل قرابة الستين عاما، وانتهى إلى استنتاجات خالفه فيها الكثر الكثير من الدارسين قبل أن يؤكـده الواقع. ولقد شهدنا، في مجرى ذلك التحـول، على ظواهـر جديدة من قبيل نشوء صناعات إلكترونيـة لا تحتاج إلى أيدي عاملة بمقدار احتياجها إلى التـقـنـيين والمهندسين. هكذا بدأت الخبرة العلميـة تعـوض العمـل، والقـوة الذهنيـة القـوة البدنيـة وتناقصت معـدلات تشغيل الأيدي العاملة - التي كان الطلب عليها في الميتروپـولات الرأسماليـة شديدا إلى درجة استقـدام الأيدي العاملة من بلدان المستعمـرات السابقة - في الوقـت عـيـنه الذي تعاظمت فيه، بالتـبعة، أعداد العاطلين عن العمل وارتفعت نسب البطالة في بلدان العالم كافـة. وهكذا، كلـما زادت عمليـات هـندسة الإنـتاج على القـواعـد الإلكترونيـة والآلية زادت -بالتبـعة- فـرص الاستغناء عمـن تبقى من قـوى عاملة في مؤسسات الإنتاج.

من الواضح، إذن، أن هذه سيرورة بدأت منذ عقـود. لكنها ستشهد، اليوم، على منعطـف حاسم مع البـدء في تطبيق أنظمة الذكـاء الاصطناعي؛ هذا الذي لن يكون ما قبله شيئا بالنظـر إلى نجوم ظواهـر منه غير مسبوقـة، وأشدها خطرا اضمحـلال ظاهرة العمل الإنساني. سيتولى الإنسان الآلي القيام بالأعمال جميعها التي كان الإنسان يقوم بها منذ عشرة آلاف عـام: في الأرض ابتداء، ثم في المصانـع ووحـدات الإنتاج من المستويـات المختـلفة (من الصناعات الخفيفة والتحويلية إلى الصناعات الثـقيلة والإلكترونيـة الدقـيقة)؛ في أعمال الإنشاءات (من البناء) والتهيئـة العقاريـة إلى إنجاز مشروعـات البنى التحية)؛ في الخـدمات الاجتماعيـة المختلفة (النـقل والمواصلات والخدمات المنزليـة والسياحية)... إلخ. بالنتيجـة، ستختفي - بالتدريـج - فئـات وطبقاتٌ اجتماعيـة عـدة (الطبقة العاملة وفئـات من الطبقة الوسطـى)، وستختـفي معها مؤسسات نشأت، في الماضي، بالتناسب مع حاجات تلك القـوى: من قبيل النقابات والاتحادات والروابـط ذات الطبيعة المطلبيـة.

ولن يكون مصير العـمل الزراعي أفضل حالا. كان هذا قد ضـرب في مقتـل قبل قـرون ثلاثة غـب الثـورة الصناعيـة (آخرها) وما ولـدتـه من حاجات، حيث نجحت الصناعـة في امتصاص قسـم عظيم من القـوى العاملة في الأرض والفـلح، من طريق بـلـترتها -بعد انتزاعها القسري من الأرياف والقـذف بها إلى الحـواضر- ثـم الـزج بها في العمـل الصناعـي. أما اليوم فسيذهب الذكـاء الاصطناعي بالفلاحين والمزارعين إلى العطالة الكاملة بعد أن يـخرجهـم -بقـوة التـكنولوجيا- من حقل الإنتاج كما أخرج العمـال قبلهم. وهكذا فما لن يكون في جملة عمل الإنسان الآلـي في الحقول والمزارع ستتكفـل به المختبرات. وكما أن الثـورة البيولوجيـة -قبل ثلـث قـرن- أتاحت إمكانيات مهـولة أمام تعديلات في المزروعـات وفي المواشي، الأمـر الذي نشأ منه ارتـفاعٌ كـبيرٌ في المنتوجات كان كافيا لتغطية الحاجـات المتزايـدة بتزايـد الديمغـرافيا، كذلك ستـتيح برامج الذكـاء الاصطناعي إمكانيات غير مسبوقة لإنتاج المـواد الزراعيـة في المختبرات. هكذا سنشهد على انتـقالـة دراماتيـكية -ولكنها مخيفة في الوقـت عينـه- من الطبيعة إلى المختبرات: الحـقل الجديد لـ«العـمل» والإنتـاج! وهكذا، أيضا، سنصحو على عالـم جديد ليس فيه عـملٌ يـدوي، وليس الإنسان فيه بالإنسان العامـل الصانع، كما عـرفـه التاريخ منذ آلاف السنين، بل إنسـانٌ خائـر القـوى والملكـات ومستـمرئٌ الدعـة والكسـل والتـنبلـة؛ العمل الوحيد فيه هـو «العـمل» الذي تقـوم به الآلة نيابـة عنه وقـد انتحلت صورتـه (في شكل «إنسـان» آلـي)!

لـن يكون العمل اليـدوي وحـده ضحيـة هـذا الزحـف المتمادي للذكـاء الاصطناعي، سيصيب العمل الذهـني عـين ما أصاب الأول؛ فحين سيـعـتاض عن البحث العـملي البشري، الذي يقوم بـه أفـرادٌ أو فـرق عـمل، باللـواذ بالذكـاء الاصطناعـي وتأليـفـاته؛ وحين سيستـغـنـى عن أعمال المـفكريـن بمنتوج آلـة لا تفكـر؛ وحين يستعان بهذا الذكـاء لـ«كـتابـة» روايـة أو سيناريـو فيلم، أو رسم لـوحـة تشكيليـة، أو وضـع عمـل موسيقي...، فـإن في ذلك إنهـاء بئيسـا للإنتاج الثـقافـي والفكري الإنساني المبـدع وتعبيرا صارخـا عن تحقيـر العمل الذهنـي وامتهان رمزيـة قـواه. وعندي أن هذا العدوان التكـنو- رأسمالي على العمل إجمالا، والعمل الذهـني تحديدا، إعلانٌ صارخ عن نهاية حضارة الإنسان... إن هـو نجح ولم يجـد في البشريـة الحـرة من يقاومـه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکـاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

«مستقبل وطن» يبحث خطة العمل الحزبي خلال الفترة المقبلة في 5 محافظات

واصلت الأمانة المركزية بحزب مستقبل وطن، سلسلة الاجتماعات التنظيمية الموسعة، مع أمانات شمال وجنوب سيناء، بورسعيد، الإسماعيلية، دمياط، لبحث خطة العمل الحزبي واستراتيجية العمل في المحافظات الخمسة خلال الفترة المقبلة، في مقر الأمانة المركزية للحزب الرئيسي بالقاهرة.

وجاء ذلك بحضور كل من النائب خالد شلبي، أمين التنظيم المركزى، والنائب خالد عبد المولي، أمين مساعد أمانة التنظيم المركزية، والنائب سالم شتيوي، أمين الحزب بمحافظة شمال سيناء، ومجدي بيومي، أمين الحزب بمحافظة جنوب سيناء، والنائب عادل اللمعي أمين الحزب بمحافظة بورسعيد، والنائب حماد موسى، أمين الحزب بمحافظة الإسماعيلية، فضلا عن مشاركة هيئة مكتب أمانة التنظيم المركزية، وأمناء الحزب والتنظيم بأقسام ومراكز المحافظات الخمسة.

تعزيز الربط التنظيمي

وفي البداية، أكد النائب خالد شلبي، أمين التنظيم المركزي لحزب مستقبل وطن، أهمية تعزيز الربط التنظيمى، من خلال الاجتماعات والزيارات الميدانية، معتبرًا الوحدات الحزبية حجر الأساس في تحقيق مستهدفات الحزب.

ومن جانبه، أكد النائب خالد عبد المولى، أمين مساعد أمانة التنظيم المركزية، أن أولوية الحزب الأولى هي المواطن ولذلك يتم التعامل بسرعة ومرونة مع شكاوى المواطنين في كافة مراكز وأقسام الجمهورية.

تشكيل لجنة لفرز العضويات

بدوره، أوضح النائب حماد موسى، أمين الحزب بالإسماعيلية، أنه تم تشكيل لجنة لفرز العضويات الفعّالة في المحافظة، مؤكدا أن الفترة المقبلة ستشهد تحقيق المستهدف وزيادة أعداد العضوية.

ومن ناحيته تناول النائب عادل اللمعي، أمين الحزب بمحافظة بورسعيد، خطة عمل المحافظة، والأنشطة والخدمات التي ينفذها الحزب لخدمة المواطنين بالإضافة لتطور الهيكل التنظيمي بشكل تدريجي.

وأوضح مجدي بيومي، أمين الحزب بمحافظة جنوب سيناء، العمل على تعزيز التواجد الفعلي على الأرض، فضلا عن تنفيذ فاعليات خدمية تصب في صالح المواطن.

وتحدث النائب سالم اشتيوي سالمان، أمين الحزب بمحافظة شمال سيناء، عن طبيعة الأنشطة الحزبية داخل المحافظة، ومعايير اختيار العضويات، ونوعية الفاعليات التي يتم تنفيذها.

مقالات مشابهة

  • في ثورة فيديو الذكاء الاصطناعي.. هل تغير ميتا موفي جين وسورا إيه آي مستقبل صناعة الفيديو؟
  • "مستقبل وطن" يواصل سلسلة الاجتماعات التنظيمية الموسعة مع محافظتي الشرقية والدقهلية
  • «مركزية مستقبل وطن» تجتمع مع أمانتي الشرقية والدقهلية لمناقشة خطة العمل الحزبي
  • «مستقبل وطن» يبحث خطة العمل الحزبي خلال الفترة المقبلة في 5 محافظات
  • الأكاديمية السلطانية للإدارة تختتم برنامج مستقبل العمل بالكويت
  • «مستقبل وطن» يستكمل سلسلة الاجتماعات التنظيمية مع عدد من المحافظات
  • «مستقبل وطن» يعلن تشكيل غرف عمليات لمتابعة أداء أمانات المحافظات
  • "روبوتو".. أول مسرحية لهند البلوشي بالذكاء الاصطناعي
  • "مستقبل وطن" يطلق سلسلة الاجتماعات التنظيمية الموسعة
  • «مستقبل وطن» يطلق سلسلة الاجتماعات التنظيمية الموسعة لبحث خطة العمل