المشكلة الحقيقية التي تعيب اقتصاد الصين
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
جَـلَـبَ التباطؤ الاقتصادي الحالي في الصين مجموعة متنوعة من التفسيرات، لكن التوقعات تشترك إلى حد كبير في شيء واحد: فعلى الرغم من تقلب بيانات الأمد القريب بعض الشيء - كانت معدلات النمو السنوية مُـشَـوَّهـة بفعل سياسة خفض الإصابات بمرض فيروس كورونا (كوفيد) إلى الصِـفر - يتوقع أغلب المراقبين أن يستمر نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني على اتجاهه الهابط.
الواقع أن التركيز على النمو أمر مفهوم بطبيعة الحال. لعقود من الزمن، كانت الصين تمثل حصة كبيرة من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي. علاوة على ذلك، سوف يساعد حجم اقتصاد الصين -أحد العوامل الرئيسية في تحديد مدى قدرتها على الاستمرار في توسيع قدراتها العسكرية- في تشكيل تطور توازن القوى مع منافستها الرئيسية الولايات المتحدة. لكن النمو ليس القناة الوحيدة -بل وربما ليس حتى القناة الرئيسية- التي من خلالها يؤثر الاقتصاد الصيني على بقية العالَـم. فالتوازن بين المدخرات والاستثمار مهم أيضا، وربما حتى أكثر أهمية. تتمثل إحدى الخصائص المميزة للاقتصاد الصيني في معدلات الاستثمار والادخار المرتفعة إلى حد غير عادي، والتي تتجاوز 40% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا ضعف المستوى في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأعلى حتى من المعدل في بلدان آسيا الأخرى المرتفعة الادخار، مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
كان الاستثمار -وبخاصة في البنية الأساسية العالية الجودة- جزءًا لا يتجزأ من عملية الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي السريع في الصين. أقامت الصين شبكة السكك الحديدية العالية السرعة الأكبر في العالَـم في وقت قياسي. واليوم، حتى المدن المتوسطة الحجم لديها خطوط مترو، والمطارات الجديدة اللامعة العديدة في الصين تجعل محطات الطيران الشائخة في الولايات المتحدة وأوروبا بجانبها تبدو سببًا للشعور بالخزي. ولكن، كما أشار كينيث روجوف من جامعة هارفارد، فإن مثل هذا الاستثمار يولد عائدات متضائلة. يتجلى هذا بأوضح صورة في نكبات قطاع البناء. على مدار العقد الأخير، جرى بناء عدد كبير للغاية من المساكن في الصين حتى أن نصيب الفرد في مساحة المساكن المبنية بلغ 40 مترا مربعا (430 قدما مربعا) - وهذا يعادل مثيله في ألمانيا أو اليابان.
بعبارة أخرى، شيدت الصين المخزون الرأسمالي الذي يضاهي الاقتصادات المتقدمة، فلبت فعليًا الطلب على الإسكان - قبل أن تصل إلى مستوى الدخل المرتبط به. هذا يحد بشدة من قدرة الاستثمار على الدفع بزيادات أكبر في الدخل. عند هذه النقطة، يُـفـضي بناء المزيد من المساكن ببساطة إلى إيجاد مزيد من مدن الأشباح - اللامعة، الجديدة، الخاوية. ولأن مدى عُـمْـر المخزون الإضافي من المساكن - والبنية الأساسية في عموم الأمر - طويل، فلن يتغير هذا بشكل كبير في أي وقت قريب.
من المؤكد أن حكومة الصين قادرة في الأرجح على إيجاد سبل جديدة لدعم قطاع البناء، بما في ذلك من خلال إيجاد مشروعات البنية الأساسية التي يمكن على الأقل جعلها تبدو مستحقة للعناء والجهد - على سبيل المثال، في الأقاليم الداخلية الريفية والأكثر فقرا. ولكن في مجمل الأمر، من المتوقع أن يتراجع الاستثمار تدريجيا من الآن فصاعدا.
واجهت اليابان مشكلة مماثلة قبل بضعة عقود من الزمن. فبعد انفجار الفقاعة العقارية في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، حاولت الحكومة انتشال الاقتصاد من الركود الحاد من خلال توجيه أموال ضخمة نحو الاستثمار في البنية الأساسية. لكن معظم الطرق الجديدة لا تؤدي إلى أي مكان، وعلى هذا فقد اضطرت الحكومة إلى الاستسلام بعد بضع سنوات من الإنفاق. في الصين، قد تبدو الاستجابة لانخفاض الاستثمار بسيطة: إذ يستطيع الصينيون أن يستهلكوا المزيد. ولكن لنتذكر هنا أن نسبة المدخرات في الصين مرتفعة أيضًا إلى حد غير عادي، وأنها ظلت على هذه الحال على الرغم من الجهود التي بذلتها السلطات على مدار العقد الماضي لتعزيز الاستهلاك المحلي كمحرك للنمو.
وعلى هذا فمن غير المرجح حدوث ارتفاع كبير في المستقبل المنظور، فضلًا عن الاستهلاك، تستطيع الصين توجيه المدخرات نحو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ولكن مع اقتراب مثل هذا الاستثمار بالفعل من 300 مليار دولار سنويا -وهذا أعلى كثيرا من نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا- تصبح قدرة مصادر الطاقة المتجددة على استيعاب المدخرات الصينية محدودة. في ظل تراجع الاستثمار، تتدفق المدخرات المرتفعة لدى الصين إلى بقية العالم عبر فوائض الحساب الجاري.
في الصين، نجد أن هذه الفوائض أكبر حتى من تلك التي تحتفظ بها بلدان أخرى لديها مدخرات زائدة، مثل ألمانيا واليابان، بسبب حجم الفائض المحتمل وحجم الاقتصاد الهائل. إذا ظلت المدخرات عند مستواها الحالي (أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي)، ولكن مع انخفاض الاستثمار إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي -وهي نسبة تظل مرتفعة- ستضطر الصين إلى الإبقاء على فائض الحساب الجاري عند مستوى عشر نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للحفاظ على توازن الاقتصاد. ولأن الناتج المحلي الإجمالي في الصين من المتوقع أن يصل إلى 20 تريليون دولار قريبا، فإن هذه النسبة قد تعادل ما يقرب من تريليوني دولار. هذا أضخم عدة مرات من الفوائض السابقة التي حققتها ألمانيا أو اليابان، وضخم بالقدر الكافي للتأثير على توازن الادخار/الاستثمار العالمي.
الواقع أن أحد التأثيرات غير المباشرة المترتبة على فائض المدخرات لدى الصين - الضغوط الكفيلة بدفع أسعار الفائدة إلى الانخفاض - سيكون حميدا نسبيا. لكن مخاطر أخرى أكبر تلوح في الأفق: فسوف تعمل فوائض الحساب الجاري الصينية الضخمة على تغذية اتجاه متسارع بالفعل نحو حماية الصناعات المحلية ضد المنافسة الصينية. هذه الحال ليست حتمية بالضرورة. فمن خلال استثماراتهم في تكنولوجيات مثل: البطاريات، والألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، يصبح المصدرون الصينيون على المسار لاكتساب ميزة متزايدة الثِـقَـل في الصناعات الخضراء التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة.
وقد ترحب أوروبا والولايات المتحدة بالواردات الخضراء الرخيصة كوسيلة لخفض تكاليف سياساتهما المناخية. لكن هذا يبدو احتمالا بعيدا في ظل مناخ المواجهة الجيوسياسية الغالب اليوم. بدلا من ذلك، بوسعنا أن ننتظر مزيدا من سياسات الحماية، التي من شأنها أن تزيد من التكاليف في حين لن تفعل شيئًا لتقليص المدخرات الصينية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من الناتج المحلی الإجمالی فی الصین
إقرأ أيضاً:
خبير اقتصادي: الدولة تسعى إلى زيادة الأيدي العاملة في مجال الصناعة
قال الدكتور بلال شعيب، الخبير الاقتصادي، إن مرور العالم بمجموعة من الأزمات بدأت منذ جائحة كورونا، كان لها تأثيرا كبيرا على وقف سلاسل الإمداد، ونقص الأغذية والمعروض من السلع بشكل كبير، لذا أدرك العالم أهمية توطين الصناعة والاهتمام بالمنتجات المصنوعة والمزروعة محليًا.
أزمات بسبب الحروبوأضاف خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «إكسترا نيوز»: «الحرب الروسية الأوكرانية عملت على إدخال العالم في دوامة من الأزمات، لا سيما مع ارتفاع مؤشرات التضخم وارتفاع الأسعار العالمية، وبالتالي فإن الدولة المصرية لديها مستهدف في قطاع الصناعة، إذ أنها تشهد تطورا كبيرا في مجال الصناعة».
الصناعة تسهم بحوالي 14% من الناتج المحلي الإجماليولفت إلى أن الصناعة تسهم بحوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب أن الدولة تحاول الوصول إلى 20% من مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الأيدي العاملة في مجال الصناعة للوصول إلى 8 ملايين عامل.