خبراء: العولمة في خطر ولا سبيل سوى التكامل
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
الشارقة: «الخليج»
أكد خبراء اقتصاديون وصناع قرار دوليون، أن العولمة التي أسهمت في خدمة اقتصادات الدول، ورفعت معدل دخل الفرد عالمياً أكثر من أربعة أضعاف ما كان عليه في السابق، أصبحت اليوم في خطر نتيجةً لتراجع النمو وتنامي مؤشرات الركود والتضخم، بسبب الأحداث الجيوسياسية العالمية والتنافس التجاري بين الأقطاب العالمية المركزية.
جاء ذلك خلال جلسة «التحديات الاقتصادية.. من يتحدث عن الفيل في الغرفة؟» ضمن فعاليات اليوم الأول بالمنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2023.
وقال ديفيد داوكوي لي أستاذ الاقتصاد بجامعة تسينغهوا: «نشهد انكماشاً في اقتصاد الصين وتضخماً في بقية الدول بسبب سياسات اتبعتها بعض الحكومات على رأسها الولايات المتحدة خلال أزمة الجائحة، حيث تم إصدار صكوك بنكية توازي ربع الدخل السنوي للفرد. الحل يكمن في الخطط بعيدة الأجل التي تضعها الحكومات لرفع دخل الأفراد وتحريك الاقتصاد وعجلة الإنتاج وتنشيط التصدير وبالتالي الحد من مستويات التضخم».
من جهته، قال د. رجاء المرزوقي المنسق العام ورئيس الفريق التفاوضي الخليجي: «الأسوأ من حدوث التضخم هو توقعات المجتمع حول التضخم التي تسهم في زيادة اضطراب السوق وتدفع باتجاه الركود، ما يؤكد أهمية الشفافية في تواصل الحكومات مع مجتمعاتها، حتى تعمل على إدارة توقعاتها وتتجنب ردات فعلها التي تقود في مثل هذه الأوقات إلى تأخر عودة التوازن بين العرض والطلب».
من ناحيته، قال البروفيسور فان غانغ أستاذ الاقتصاد بجامعة بكين: «إن التضخم مرتبط بالاستهلاك، ويؤثر بشكل كبير في الأفراد والشركات لأن الجميع يواجهون ارتفاع التكاليف، كما أن الحكومات تتحمل المزيد من الأعباء في مرحلة التضخم، ما يجعل من دور الاتصال الحكومي أساسياً في تعزيز الصلة والثقة بينها وبين المجتمعات عند حدوث أزمات التضخم».
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات
إقرأ أيضاً:
الهوية الثقافية ومعركة البقاء والتجديد
يرى البعض أن العولمة الاقتصادية دخلت في مرحلة التآكل، أو أنها تعيش أزمة وجودية، إلا أن تأثير العولمة الثقافية ما زال كبيرا ويشكل خطرا على الهويات الوطنية الشرقية بشكل خاص التي تتقاطع في مناطق كثيرة مع الهويات الغربية التي تتبنى مسارات لا تنتمي للرؤية الأخلاقية في الحضارة الإسلامية والكثير من الحضارات الشرقية.
وساهم الانفتاح الاقتصادي والتدفق المعلوماتي في تعظيم الخطر على الثقافات الوطنية في دول العالم الإسلامي، هذا الأمر جعل سؤال الهوية الثقافية أكثر حضورا وإلحاحا مما كان عليه قبل عقود ماضية.
وتمثل الهوية الثقافية العمود الفقري لكل أمة، فهي مجموعة القيم والعادات والتقاليد واللغة والدين التي تمنح الشعوب طابعها المميز وتحدد مساراتها الحضارية، وإذا غابت هذه المفردات تفقد المجتمعات استقلالها المعنوي، وتذوب في ثقافات أخرى لا تعكس تاريخها ولا تعبر عن وجدانها الجمعي ولا منظومتها الأخلاقية. ويتحقق هذا الخطر في ظل غياب الوعي بأهمية الحفاظ على الهوية الوطنية وصيانتها وتعزيزها منذ وقت مبكر من عمر الأجيال الجديدة التي تبدو أكثر عرضة لفقد الانتماء الثقافي الوطني.. وهذا لا يعني أن علينا بناء جدران كبيرة بيننا وبين العالم.
والعولمة ليست ظاهرة أحادية الوجه؛ فقد فتحت آفاقا واسعة للتبادل الثقافي والتقارب بين الشعوب، لكنها في الوقت نفسه فرضت نمطا ثقافيا عالميا يميل إلى طمس الخصوصيات المحلية لصالح ثقافة مهيمنة.. وفي هذه المساحة يمكن رصد التحدي الحقيقي والذي يمكن التعبير عنه عبر طرح السؤال الآتي: كيف يمكننا أن نستفيد من العولمة دون أن نفقد أصالتنا؟ إن التأثير الثقافي الغربي، الذي تغذيه وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا العملاقة، يفرض أنماطا فكرية وسلوكية جديدة تزعزع كثيرا من الثوابت الثقافية المحلية. فتوحيد القيم الثقافية عالميا، وفقا للرؤية الرأسمالية، يضرب التنوع الثقافي ويؤدي إلى ضرب المنظومات الأخلاقية والقيمية والمبادئ والعادات والتقاليد والفنون، بل إن بعض اللغات مهددة بالضياع والانحسار.
على أن مواجهة خطر العولمة الثقافية لا يعني الانغلاق أو رفض الانفتاح! إننا بحاجة ماسة إلى وجود استراتيجية عربية واعية تعزز مناعة الهوية الثقافية، وتجعلها قادرة على التكيف دون الذوبان. إننا في حاجة ماسة للاحتفاء بمفرداتنا الثقافية وبلغتنا العربية ولهجاتها وبمنظوماتنا القيمية والأخلاقية وببناء الأسرة وتقويتها وتقوية كل أركان مجتمعاتنا وتطوير المحتوى الثقافي والإعلامي لمواجهة كل الهيمنات الغربية. لا بد من إنتاج محتوى ثقافي يعكس الهوية الوطنية، ويعزز الانتماء دون الانغلاق، مع تشجيع الفنون والآداب الوطنية التي تعكس روح الدولة الوطنية، وتجعلها درعا يحميها من الانصهار الثقافي.
هذا الأمر يحتاج إلى بناء توازن بين المحافظة على القيم الثقافية واستيعاب المستجدات المعرفية والتكنولوجية. الوعي النقدي هو السلاح الأهم في هذه المعركة، فالمجتمع الذي يمتلك قدرة تحليلية تجاه ما يُعرض عليه من أفكار وقيم يكون أكثر قدرة على انتقاء ما يتناسب مع ثقافته، وأقل عرضة للتأثر السلبي بتدفقات العولمة.
لم تكن العولمة في يوم من الأيام هي نهاية التاريخ لكنها -وهذا ما علينا الإيمان به- مرحلة من مراحل تطوره، وكما واجهت الأمم السابقة تحديات حضارية كبرى واستطاعت أن تحافظ على هوياتها، فإن القدرة على التكيف مع التحولات دون فقدان الأصالة تبقى السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الراهنة.
إننا بحاجة أن ننظر إلى مطلب الحفاظ على الهوية الثقافية باعتباره مشروع تجديد مستمر، والتحدي الحقيقي لا يكمن في منع التغير، بل في توجيهه لخدمة الأمة، بحيث يكون التفاعل مع العولمة عامل إثراء لا أداة إلغاء، وامتلاك هُوية قوية لا يعني رفض العالم، بل يعني المشاركة فيه بوعي ورؤية تحفظ للأمم تميزها وخصوصيتها.