بينها العراق.. خطر الزلازل يداهم الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
شفق نيوز/ حدد تقرير، الدول العربية المعرضة لخطر الزلازل، وذلك على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب يوم الجمعة الماضي وأودى بحياة ثلاثة آلاف شخص.
حيث عزز زلزال المغرب عزز مخاوف واسعة لدى شعوب المنطقة العربية من خطرٍ مماثل قد يضرب بلدانهم، لا سيما أن زلزال الحوز جاء بُعيد أشهر قليلة من زلزال 6 شباط/ فبراير الماضي، الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، مخلفاً حصيلة مفجعة من الضحايا، وبما يعكس حركة نشاط زلزالي في منطقة الشرق الأوسط عموماً.
ومع تلك المعطيات تُثار العديد من التساؤلات؛ على رأسها التساؤلات المرتبطة بالدول العربية الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي من واقع الجغرافيا وكذلك سجلات الزلازل القديمة، علاوة على مدى الاستعداد الاستباقي داخل تلك الدول للتخفيف من مخاطر الزلازل وآثارها والتعامل معها، في ضوء الكلفة البشرية والمادية الواسعة لكارثة الزلازل العنيفة، بحسب تقرير لسكاي نيوز عربية.
الحزام الزلزالي
نظرياً ومن الناحية الجغرافية، تقع عدة دول في المنطقة العربية داخل أو بحدود ثلاثة أحزمة زلزالية رئيسية، وهي:
الحزام الزلزالي الأسيوي - الأوروبي (يبدأ من جبال الهيمالايا - سلسلة جبلية تقع في آسيا، وتفصل سهول شبه القارة الهندية عن هضبة التبت - مروراً بكل من إيران والعراق وحتى باكستان، وانتهاءً بالقارة الأوروبية.
الحزام العربي - الأفريقي: عبر البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالسواحل التركية، وكل من لبنان وسوريا والأردن، ووصولاً إلى مصر، وبما قد يمتد إلى دول المغرب العربي.
حزام صدع شرق القارة الأفريقية: يمتد من لبنان وسوريا وفلسطين والأردن، ويصل حتى سلاسل جبال غرب البحر الأحمر وحتى أديس أبابا.
الدول العربية في دائرة الخطر
لا توجد دولة من الخليج العربي شرقاً حتى المغرب العربي غرباً "بمنأى عن الخطر الزلزالي في الوطن العربي"، طبقاً للمشرف على مركز الدراسات الزلزالية ورئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض، عبد الله محمد العمري، والذي يشير إلى أن هناك صفائح تكتونية نشطة بين فترة وأخرى، وبما يسفر عن زلازل مختلفة القوة.
ويُشار إلى أن الصفائح التكتونية، تمثل الطبقة الخارجية من سطح الأرض (الغلاف الصخري الليثوسفير، والذي يتكون من القشرة وطبقة الوشاح الصلب).
وتتحرك تلك الصفائح ببطء بين الغلاف الصخري والغلاف المائع من 2 سم إلى 15 سم في العام، ويصاحب ذلك نشاط زلزالي وبركاني فضلا عن تشكل التضاريس (مثل الصدوع والجبال والفوالق وغير ذلك، في عملية قد تستغرق ملايين السنين).
وهناك تسع صفائح رئيسية بحجم القارات، وصفائح أخرى ثانوية متوسطة وصغيرة.
ويقول العمري إن "الصفيحة العربية تحدها خمسة حدود حركية وفيها تتصادم الصفيحة العربية مع الأوراسية، وينتج عنها زلازل في إيران.
كذلك الصفيحة العربية تتصادم مع الأوراسية من جهة الشمال وتحدث بين الفينة والأخرى زلازل في العراق".
وأضاف "تتصادم الصفيحة العربية مع الصفيحة الأوراسية والأفريقية وتحدث الزلازل في تركيا مثلما حدث في شباط/ فبراير الماضي".
وتابع "إذا اتجهنا غرباً نجد أن الصفيحة الأفريقية تصطدم مع الصفيحة الأورسية في الشمال في المناطق قبالة قبرص وما حولها، وتنتج عنها زلازل في اليونان وبحر إيجة".
وبخصوص المغرب الغربي، فإن منطقة النشاط الزلزالي تزداد من الجزائر اتجاها للغرب وتتعرض المنطقة لعديد من الزلازل مثل الأصنام في الجزائر في العام 1980 وزلزال أغادير في 1960 وزلازل أخرى عبر التاريخ. وبينما الزلازل في هذه المنطقة نادرة الحدوث، لكن إذا ما وقعت عادة ما تكون كارثية كما حدث في الزلازل المذكورة والزلزال الحالي.
وبالنسبة لخليج السويس، فلا تحدث بتلك المنطقة زلازل كثيرة، مقارنة بخليج العقبة، لا سيما وأن العقبة يربط البحر الميت بالبحر الأحمر.
إذا اتجهنا جنوباً نجد خليج عدن، حيث ثلاثة أذرع زلزالية تلتقي عند هذه المنطقة.
خطر متوسط القوة
ويوضح المشرف على مركز الدراسات الزلزالية ورئيس الجمعية السعودية لعلوم الأرض، في معرض حديثه أن الخطر الزلزالي في المنطقة العربية "متوسط الحدوث"، لكن تأثيراته عادة ما تكون قوية نظراً لعدم الاستعداد التام في الوطن العربي لهذه الكوارث وكيفية التعامل مع الخطر الزلزالي بالشكل المطلوب.
وفي ضوء انعدام الثقافة لدى المجتمع، فضلاً عن عدم توافر كود البناء في كثير من الدول العربية التي لم تأخذ بعين الاعتبار معاملات الأمان الزلزالي بدقة عالية.
ويتابع: "لا توجد حقيقة صرامة كافية في تطبيق كود البناء في الدول العربية مثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة من أجل تخفيف مستوى الخطر الزلزالي، داعياً في الوقت نفسه إلى ضرورة تنظيم مؤتمرات سنوية وورش عمل تتعلق بتخفيف المخاطر الزلزالية، تخرج تلك الملتقيات بتوصيات محددة في مسألة تبادل المعلومات وعمل خرائط زلزالية موحدة، بدلاً من أن تعمل كل دولة عربية على حدة وبمنأى عن الدول الأخرى بما يهدد بنقص البيانات والمعلومات".
الصفيحة العربية
وبحسب هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، فإن "الصفيحة العربية" هي إحدى الصفائح المكونة للقشرة الأرضية، وتتحرك باتجاه الشمال الشرقي نتيجة لاندفاع مواد من باطن الأرض على طول أخدود البحر الأحمر الذي يتسع سنوياً بمعدل 15 مليمتر تقريباً ما يتسبب في حدوث عديد من الزلازل حول حدودها مع الصفائح المحيطة بها، كما نشاهد على امتداد حوافها الشرقية والشمالية الشرقية المشكلة لجبال زاجروس في إيران أو على امتداد حوافها الشمالية في تركيا.
والصفيحة العربية (Arabian Plate) تمثل منطقة جغرافية تمتد في جزء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتمتد من منطقة البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي ومن شمال تركيا إلى جنوب السودان.
هذه المنطقة هي واحدة من المناطق الأكثر نشاطا من حيث الزلازل في العالم بسبب تصادم الصفيحة العربية مع الصفيحة الهند والصفيحة أفريقيا. يعتبر نظام الزلازل في الصفيحة العربية معقداً وقد يسبب زلازل كبيرة ومدمرة.
خارطة الزلازل
أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بالقاهرة، عباس شراقي، يحدد موقف مجموعة من الدول العربية على خارطة النشاط الزلزالي، سواء لارتباط تلك الدول بفوالق ونقاط تلاقي الصفائح (الطبقة الصخرية الصلبة التي تحيط بالكرة الأرضية)، على النحو التالي.
سوريا
تأتي سوريا في مقدمة البلدان العربية من حيث النشاط الزلزالي، لا سيما أنها مجاورة لتركيا التي تلي من حيث النشاط الزلزالي الدول الواقعة في الحلقة الملتهبة في المحيط الهادئ (مثل إندونيسيا واليابان).
وتقع تركيا بالقرب من خطوط الصدع الرئيسية، وتتأثر بها سوريا كما حدث في زلزال 6 شباط/ فبراير الماضي. كما أن سوريا لديها بعض الفوالق، لكنها تتأثر بشكل كبير بتركيا أيضاً بحكم الجوار.
المغرب
المغرب من الدول التي تدخل في خارطة النشاط الزلزالي، لا سيما لوقوعه على البحر المتوسط، وهناك فواصل بين الصفيحة الأفريقية والصفيحة الأوروآسيوية، ولذلك معظم الزلازل هناك تكون على السواحل.
مناطق أخرى في المغرب تتأثر بالفوالق بسبب التقاء وضغط الصفيحة على الأفريقية على العربية (وهو الضغط الذي تسبب في طي الأرض وتكون الجبال المغربية).
علاوة على أن هناك فالقاً كبيراً من جبال الأطلس يبدأ من أغادير ويمتد بالقرب من مراكش ويصل في الداخل المغربي، نحو الجزائر والمتوسط. ويشار إلى أنه حدث زلزال على نفس الفالق في أغادير سنة 1960 بدرجة 6.8. الزلزال الحالي نشأ على نفس الفالق، ولكن بعيد عن أغادير ومراكش بحوالي 100 كيلومتر.
دول عربية أخرى يمكن اعتبارها أكثر عرضة للنشاط الزلزالي، منها اليمن وجيبوتي والصومال، في منطقة خليج عدن، وهذه منطقة نشاط زلزال (أقل درجة من المغرب).
تعد مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والأردن، بمنطقة حزام الزلازل. (بسبب خليج العقبة والسويس والبحر الأحمر). ويعد خليجا العقبة والسويس أكثر نشاطاً في هذا السياق.
مدينتا شرم الشيخ والغردقة في مصر ومنطقة البحر الميت في الأردن ولبنان وفلسطين أكثر عرضة أيضاً، نظراً لأنهم على الفالق امتداد الأخدود الأفريقي العظيم.
ويلفت شراقي إلى أن الزلزال يمكن أن يحدث في أية دولة وأي مكان، لكن بنسبة 90% عادة ما تحدث الزلازل في المناطق التي تشهد التقاء صفائح أو فوالق، مضيفاً لقائمة الدول العربية الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي كل من (مصر وليبيا والجزائر وتونس) لوقوعهم على البحر المتوسط، والفاصل بين أوروبا وأفريقيا، موضحاً أن هذا الفاصل يقطع المغرب نفسه، على عكس الوضع بالنسبة لمصر التي يبعد الفاصل عنها حوالي 700 كيلومتر من الشواطئ المصرية.
دول الخليج
أما بالنسبة للدول الخليجية، فيقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بالقاهرة، إنها بحكم قربها النسبي من إيران (التي هي دولة نشاط زلزالي) تتأثر، كما أنها مشابهة للحالة بالنسبة للبنان وفلسطين والأردن على البحر الميت.
إيران
وإيران هي واحدة من أكثر الدول عرضة للزلازل في العالم ولها تاريخ معها حيث كان أسوأها عام 1990 حيث قتل أكثر من 40 ألف شخص.
ويُشار إلى أن الفوالق هي تصدعات أو شقوق تحدث في الصخور في القشرة الأرضية بفعل حركة انزلاق نسبي للكتل المتاخمة من طبقات الصخور الموجودة على جانبيها، سواء كانت هذه الحركة في الاتجاه الرأسي (أعلى/أسفل) أو الأفقي (جانبًا إلى جانب). يمكن أن تكون هذه الحركة نتيجة للضغوط والقوى التي تؤثر على القشرة الأرضية بفعل تحركات الصفائح التكتونية وغيرها من العوامل الجيولوجية.
سجلات الزلازل القديمة
من جانبه، يُحدد مدير مرصد الزلازل الأردني، غسان سويدان، أبرز الدول العربية التي تدخل في نطاق مخاطر الزلازل المُحتملة، بناءً على سجلات الزلازل القديمة التي يعتمد عليها في رسم التقديرات المرتبطة بمخاطر الزلازل، وهي كل من (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن واليمن ومصر والجزائر).
وبالنسبة لدول الخليج العربي، يوضح سويدان أن "المناطق الشرقية هناك قد تكون الأكثر عرضة للزلازل لقربها من الحدود الشرقية للصفيحة العربية".
ويحدد مدير مرصد الزلازل الأردني، الإجراءات التي يُمكن من خلالها الاستعداد المسبق للزلازال، على النحو التالي:
تخصيص مراكز أبحاث علمية مشتركة (بين الدول العربية) وتبادل الخبرات.
دعم البحث العلمي لدراسات الزلازل والمخاطر الطبيعية.
تفعيل كودات البناء المقاومة للزلازل.
تخصيص دعم حكومي لأفراد المجتمع لإعادة البناء على أسس علمية هندسية مقاومة للزلازل.
وطبقاً لبيانات المعهد الجيولوجي البريطاني وكذلك هيئة المسح الجيولوجية الأميركية، فإن ثمة ثلاثة أحزمة تقع فيها معظم الزلازل، أبرزها منطقة تسمى"الحزام الناري" أو "حلقة النار" على حافة المحيط الهادئ وتحدث فيها أكثر من 80% من الزلازل، نتيجة الحركة التكتونية المستمرة للصفائح في هذه المنطقة.
ووفق تلك البيانات، تشهد المنطقة العربية تطوراً مقلقاً للنشاط الزلزالي وذلك خلال العقد الأخير، وسجّلتها دول كثيرة خاصة على مستوى شعور السكان بزيادة وتيرة الهزّات الأرضية.
وحسب الدراسات، فإن ما يقرب من 30 مليون شخص من سكان المنطقة العربية أي ما يعادل خُمس سكان العرب في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، معرضون لمخاطر زيادة احتمالات حدوث زلازل مدمرة في المستقبل.
استعدادات مسبقة
وفي ظل تلك المعطيات الجغرافية وكذلك تاريخ النشاط الزلزالي في المنطقة، تبدو أهمية الإجراءات الاستباقية في الدول العربية للحد من مخاطر النشاط الزلزالي، سواء من خلال اعتماد أكواد البناء التي تراعي معايير السلامة والأمن، للتخفيف من حجم المخاطر والخسائر، وكذلك الاستعدادات المرتبطة بالتدخل في حالات الكوارث الطبيعية من خلال التدريب المسبق وفق خطط مشتركة بين جميع الجهات المعنية.
هذا ما يؤكده أستاذ علم الزلازل في الجامعة الأردنية، نجيب أبو كركي، والذي يشير إلى أن الاستعدادات المرتبطة بالكوارث الطبيعية بشكل عام هي استعدادات متفاوتة من بلد لآخر.
الأمر يتطلب تدريباً فعالاً وإنجاز خطط مسبقة للتعامل، سواء للتخفيف من الخسائر وكذلك التعامل معها بعد وقوع أي من الكوارث.
من الضرورة بمكان -في سياق التخفيف من مخاطر الزلازل والتعامل المسبق استعداداً لأي من الكوارث- أن تكون هناك إدارات أو جهة معنية بهكذا موضوع في كل دولة عربية، تدعمها القوانين اللازمة، تتولى تلك الجهة مسؤولية اتخاذ الإجراءات الاستباقية وكذلك التعامل مع الكوارث.
ويضيف: "من الجيد أيضاً أن تكون هناك إدارة على المستوى العربي معنية بمواجهة الكوارث الطبيعية، من خلال التنسيق العربي المشترك عبر جسم تابع لجامعة الدول العربية يمكنه المشاركة في مسائل الإنقاذ وغير ذلك عند الطلب يُمكن أن يكون ذلك الجسم مدعوماً بمئات المتطوعين أو الموظفين ليكونوا جاهزين للتدخل عند الضرورة، على أن يتم تنظيمه بشكل واضح وقوانين معينة، وبما يعزز اللحمة العربية والتضامن العربي في مجال مواجهة الكوارث الطبيعية".
ويلفت إلى أن الكوارث الطبيعية كالزلازل لا يُمكن إيقافها أو التنبؤ بها بشكل سريع، وبالتالي ما يُمكن فعله هو الاعتماد على استعدادات خاصة (لتقليص الخسائر) من خلال أساليب خاصة في البناء وعبر القوانين التي تدعم ذلك بشكل عقلاني ومدروس، وغير ذلك، علاوة على تعزيز قدرات الإنقاذ ورفع الأنقاض والتدخل السريع، مستشهداً بالأردن التي تشهد الأسبوع المقبل تمريناً تشارك فيه جميع الوزارات على مستوى معالجة أوضاع الزلازل، وهو تمرين كان مخطط له قبل أشهر لفحص جاهزية تلك المؤسسات.
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير عاشوراء شهر تموز مندلي العراق الدول العربية الکوارث الطبیعیة النشاط الزلزالی وفلسطین والأردن المنطقة العربیة الدول العربیة الشرق الأوسط البحر الأحمر هذه المنطقة الزلازل فی أکثر عرضة زلازل فی من خلال إلى أن حدث فی
إقرأ أيضاً:
ماذا يخطط ترامب لمنطقة الشرق الأوسط؟
من يشاهد الفيلم التسويقي عن غزة والذي يلعب بطولته كل من ترامب وملهمه آيلون ماسك وذراعه التنفيذي نتنياهو، مع ما يتضمنه من مشاهد خيالية عن أبنية مرتفعة بنماذج ناطحات سحاب، أو من مشاهد ولا في الأحلام لمنتجعات سياحية بنماذج غربية، مع مروحة من الصور غير الواقعية يحاول أن يرسمها هذا الفيلم ، لا يمكن إلا أن يتوقف حول الهدف من هذا التسويق، والذي لا يمكن أن يكون فقط للدعابة أو للتسلية، وخاصة في هذا التوقيت الاستثنائي من المشاريع السياسية الصادمة التي يروج لها ترامب، والتي يعمل فعلياً على السير بها وتنفيذها.
فماذا يمكن أن يكون الهدف أو الرسالة من هذا الفيلم التسويقي؟ وأية رسالة أراد إيصالها الرئيس ترامب؟ وما المشاريع الأمريكية الغامضة (حتى الآن) والتي تنتظر منطقة الشرق الأوسط برعاية أمريكية؟
بداية، وبكل موضوعية، لا يمكن إلا النظر بجدية إلى المستوى الحاسم بنسبة كبيرة، والذي يفرضه ترامب في أغلب الملفات التي قاربها حتى الآن، وبفترة قصيرة جداً بعد وصوله إلى البيت الأبيض رئيساً غير عادي.
أول هذه الملفات كان التغيير الفوري لاسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، مع كامل متتمات هذا التغيير في المراجع العلمية والجغرافية المعنية كافة، وذلك حصل خلال رحلة جوية له فوق الخليج المذكور.
ملفات الرسوم الجمركية مع كندا والمكسيك ودول أخرى، والتي دخلت حيز التنفيذ مباشرة بعد توقيعه الأوامر التنفيذية الخاصة بها، بمعزل عما يمكن أن يكون لهذا الملف من ارتدادات سلبية على تجارة الولايات المتحدة نفسها.
ملف التهديد الجدي بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وتداعياته التي ما زالت قائمة، مع ملف التهديد الجدي بالعمل لجعل كندا الولاية 51 للولايات المتحدة الأمريكية.
ملف قناة بنما وفرض انتزاع المميزات التجارية التي كانت الصين قد اكتسبتها من اتفاق رسمي مع سلطات بنما بعد إلغاء الأخيرة الاتفاق.
أهم هذه الملفات أيضًا، والتي فرض الرئيس ترامب تغييرًا دراماتيكيًا فيها بوقت قياسي، هو ملف الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث وضعها على سكة الحل القريب، بعد أن كان البحث في إمكانية إيجاد حل قريب لها مستحيلاً، وذلك بمعزل عن الصفقات التجارية الضخمة (وخاصة في المعادن الحيوية مثل الحديد والصلب أو النادرة مثل الليثيوم) ، والتي يبدو أنه على الطريق لفرضها مع أوكرانيا، واجتماع البيت الأبيض الأخير، العاصف وغير المتوازن مع الرئيس الأوكراني، والذي اضطر مرغمًا لإنهاء زيارته إلى واشنطن بعد أن أهين وهُدّد بعدم العودة إلا بعد إعلان استعداده لقبول الصفقة كما هي، والتي ستكون بديلًا عن استمرار هذه الحرب، ولو على حساب أوكرانيا وأراضيها، وأيضاً ستكون على حساب اقتصاد وموقع الأوروبيين حلفائه التاريخيين في حلف شمال الأطلسي.
أما في ما خص فيلم ترامب التسويقي عن غزة، والمقارنة مع الجدية التي أظهرها في متابعة ومعالجة الملفات الدولية المذكورة أعلاه، فيمكن استنتاج عدة مخططات ومشاريع أمريكية مرتقبة، في غزة بشكل خاص، أو في فلسطين وسورية ولبنان بشكل عام، وذلك على الشكل الآتي:
مشروع تهجير أبناء غزة بحجة تسهيل وتنفيذ إعادة الإعمار، رغم ما واجهه من رفض فلسطيني وعربي وإقليمي،ما زال قائماً بنسبة نجاح مرتفعة، والتسريبات حول دعمه قرارًا مرتقبًا لنتنياهو بالانسحاب من تسوية التبادل قبل اكتمالها، بعد فرض شروط جديدة، تؤكد أن ما يُخطط أمريكياً وإسرائيلياً لغزة هو أمر خطير، ولتكون المعطيات التي خرجت مؤخراً وقصدًا للإعلام، عن موافقة أمريكية سريعة لإسرائيل، لحصولها على صفقة أسلحة وذخائر وقنابل شديدة التدمير على وجه السرعة، تؤشر أيضاً وبقوة، إلى نوايا عدوانية إسرائيلية مبيتة، بدعم أمريكي أكيد.
أما بخصوص ما ينتظر سورية من مخططات، يكفي متابعة التوغل الإسرائيلي الوقح في الجنوب السوري، دون حسيب أو رقيب، لا محلي ولا إقليمي ولا دولي، والمترافق مع استهدافات جوية كاسحة لكل ما يمكن اعتباره موقعًا عسكريًا، أساسيًا أو بديلًا أو احتياط، وكل ذلك في ظل تصريحات صادمة لمسؤولين إسرائيليين، بمنع دخول وحدات الإدارة السورية الجديدة إلى كل محافظات الجنوب، وبحظر كل أنواع الأسلحة والذخائر من مختلف المستويات في جنوب سورية، مع التصريح الواضح بتأمين حماية كاملة لأبناء منطقة السويداء دفعاً لهم لخلق إدارة حكم ذاتي مستقل عن الدولة السورية.
أما بخصوص لبنان، فالعربدة الإسرائيلية مستمرة، في ظل الاحتلال والاستهدافات الواسعة وعلى مساحة الجغرافيا اللبنانية، رغم وجود لجنة مراقبة خماسية عسكرية، برئاسة ضابط أمريكي وعضوية فرنسي وأممي ولبناني وإسرائيلي. وليكتمل المشهد الغامض (الواضح) حول مخططات الرئيس ترامب المرتقبة للمنطقة، يكفي متابعة تصريح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن تفاؤله بشأن الجهود المبذولة لانضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، مرجحًا أيضاً انضمام لبنان وسورية إلى الاتفاق، بعد الكثير من التغييرات العميقة التي حدثت في البلدين المرتبطين بإيران”.