"ذاكرة الطفولة" زاوية نضيء فيها على طفولة أديب عربي نصغي لأولى تجاربه ورؤاه، أولى أفراحه وأحزانه، نمخر عباب مرحلة.. بصماتها خالدة في أعماق الذات، وتتسرب لأطراف الأصابع، عبر النتاج الأدبي بين لحظة وأخرى.

الطبيعة تلعب دوراً مهماً في تشكيل لغة الكاتب ومزاجاته وإحساسه بالألوان

دراسته في روسيا 6 أعوام أثّرت عليه كثيراً فأتقن اللغة واطّلع على الأدباء الروس 

عطف معلمته الأولى عليه جعله يحب المدرسة وبواظب على الذهاب إليها

يقول الأديب السوري أدهم سراي الدين: "تلعب الطفولة دوراً فريداً ومميزاً في حياة كل أديب أو فنان، فبينما تغيب ذاكرة الشخص العادي تحت ضباب السنين، يتكئ الكاتب على ذاكرته الطفولية فيكتبها قصة أو شعراً أو رواية وهي ممزوجة ( بالنوستالجيا) والخيال، إنه الحنين العميق للإنسان، للمكان ولشقاوة الطفولة وبراءتها، هكذا يمجّد الأديب ذاكرته ويعكسها في روح تجربته فيوظف صورها المطبوعة على جدران مخيلته، في مناجاة همومه الوجودية وفي عكس الواقع المعاش وفي تعزيز الفضيلة والجمال والخيال أيضاً".

تشكيل الشخصية

ويضيف في حوار لـ24 "لعبت سنواتي الأولى دوراً هاماً في تشكيل شخصيتي وأدواتي التفاعلية وكان لوالدتي -صاحبة القلب المملوء شفقة و حناناً- ولجدتيّ  الأثر الكبير على تطوري روحياً وأنا طفل صغير نكد، وأتذكر تلك الأماسي التي كنت أقرأ فيها لجدتي الأمية صاحبة القلب النبيل الذي تمتزج فيه البساطة و الحكمة، والطيبة، حتى يخيّل إلي وأنا أتذكرها الآن أن قلبها خزان من الحكم الشعبية الذي يمتزج مع بساطة روحها الشفيفة، عاد إلى ذاكرتي، و أنا في المرحلة الابتدائية، عندما كنت أقرأ لجدتي من كتاب (قصص الأنبياء)، الذي كانت تحتفظ به في بيتها، كنا نجلس تحت ظل شجرة الليمون في أرض الدار وأقرأ لها قصة يوسف الصديق أو قصة النبي يحيى عليهما السلام، وها أنا تجاوزت الخمسين لكن قلبي يحمل حنيناً هائلاً للأمكنة القديمة وللبوابة العتيقة ولحجارة البيت الزرقاء ولأرض الدار وشجرة التوت الباسقة ذات الجذع العريض، ولدعوات جدتي وأمي لي وأنا ذاهب في سبيلي في هذه الدنيا، وقد عكست هذا في كثير من قصصي مثل: و"كانت طفولة"،"ولو بعد حين"، "غداً  يذوب الثلج"، "أصدقاء أوفياء حتى آخر الدنيا"، إضافة إلى ما كتبته عن الطفولة والذكريات  في روايتي الأخيرة "البجع الأسود".

مثل أعلى

ويذكر "ولدت في سوريا، في السويداء، وهي  مدينة جبلية جنوب دمشق، كانت حياة أسرتنا بسيطة، والدي الأديب وهيب سراي الدين ( وقد كتب أكثر من 27 كتاباً: روايات ومجموعات قصصية  ودراسات) كان يعمل مديراً للمركز الثقافي في مدينتنا، وكان بالنسبة لي مثلاً أعلى، كنت أرقبه منكباً على أوراقه يسوّدها و يعيد كتابتها وأشاهد فرحه عندما ينجز روايته بعد عمل وسهر طويلين، ولا أزال أتذكر قدومه مع أول المساء يحمل في يده نسخاً من إصدار روايته آنذاك ( الرجل و الزنزانة)، كانت بسمته رائعة وسعادته مشرقة على وجهه الأسمر الذي لفحته الشمس، لا أزال أذكر قدومه كأنه حدث بالأمس، كان والدي قارئاً نهماً ومن خلال حبه صرت شغوفاً بالكتب وبالمكتبات والمراكز الثقافية، أتردد عليها في أي مدينة أحط فيها رحالي، فتوطدت علاقتي مع  الكلمة وصار حبي للقراءة كبير، هوايتي المفضلة زيارة المكتبات وتصفح الكتب على رفوفها وقراءة عناوينها وأنا أشم رائحة ورقها الطازج، بالإضافة إلى مكتبتنا الكبيرة في منزلنا".

ويتابع سراي الدين "صداقات الطفولة تبقى في أديم الذاكرة أكبر، فتعمّق جذورها في قلبي، أتذكر ألعابنا الصغيرة ونحن في أول العمر، كيف كنا نرمي بعضنا بكرات الثلج في ساحة المدرسة أو نصنع تماثيل بيضاء، وفي الصيف نصنع سياراتنا الصغيرة من بقايا أسلاك الحديد والنحاس، لكن وبعد أن كبرنا و تغرّبنا، كل واحد سار في طريقه يدفعه قدره أحياناً أو طموحه أحياناً أخرى، فتفرّقنا وتبعثرنا في أماكن و مدن مختلفة، ولم يبق من صداقاتنا إلا كلمات يتيمة نرسلها لبعضنا البعض من وقت لآخر، عبر مجموعات الصداقة أو بطاقات معايدة خرساء على( الواتس أب) أيام الأعياد".

أحلى الأيام

ويقول: "لا أزال أتذكر كيف كنا نلعب جميعاً -أولاد حارتنا- في الكرم الغربي نبقى نلعب هناك حتى غروب الشمس بعد المدرسة، وفي الصيف اعتدنا أن نشكل فريق كرة القدم، سميناه، "فريق الصقور" كنا نذهب ونتبارى مع فرق أخرى قريبة من حينا، لقد كانت أحلى الأيام، سقى الله تلك الأوقات".

وبالنسبة لعلاقته مع معلميه، يضيف: "للمعلمين فضل كبير على طلابهم، ولا تزال تجتاحني ذكرى معلمتي الأولى، كان ذلك أول تجربة لي في المدرسة، أول يوم في الصف الأول، كنت حينها خائفاً، فبدأت أصرخ باكياً أنني لا أحب المدرسة وأريد أن أعود إلى بيتي وأنني أريد أمي، عندها اقتربت مني معلمتي الأولى، كانت صبية رائعة الجمال تقدمت نحوي ووضعت يدها على رأسي ومسحت على شعري بحنان غريب، وقالت لي: "لا تبك سوف تكون سعيداً في الصف"، ومن عطفها علي صرت أحب المدرسة وواظبت على الذهاب إليها كل يوم".

أول رواية 

ويعتقد سراي الدين، أن أهم ما يجب أن يقوم به الكاتب إضافة إلى فعل الكتابة هو القراءة المتواصلة  والمتمعنة  إلى درجة  تصل 50 % من وقته المخصص لعمله في الكتابة، حقيقة لا زلت أذكر أول رواية قرأتها وقد كانت من مؤلفات والدي، وكانت بعنوان (حفنة تراب على نهر جغجغ) من خلالها أحببت القصص والروايات، لقد شدتني إليها فقرأتها وبقيت مستيقظاً حتى أول بشائر الصباح حتى أنتهي من قراءتها، وعندما انتهت حزنت كثيراً وتمنيت لو أن هناك مزيداً من الفصول حتى أقرأها، بعد ذلك بدأت بالاطلاع على الآداب الأخرى: العربية والروسية والفرنسية والألمانية واليابانية وغيرها من الكتب.

ويتابع: "أتذكر كيف كان والدي يعلمنا -أخي الأديب حسان سراي الدين وأنا– كيف نكتب، ويصحح لنا أعمالنا الأولى وكيف صرنا نتلمس الجمال ونراه من خلال نسج الكلام وتشكيل الصور عبر حركة الأصوات وتدفق الكلمات على الورق الأبيض، يبدأ الانسان بالقراءة والإعجاب بتدفق التعابير والصور في النصوص الأدبية، ثم لا يلبث أن يبدأ بمحاولة التعبير عما يجول في خاطره من مشاعر وأحاسيس أو انطباعات من خلال المداد، كانت كتاباتي الأولى بريئة تحمل دهشة  طفولتي و فرحها في الحياة، لكن ومع مرور الوقت والسنين راحت تجربتي تعبّد طريقها كما يحفر النهر مجراه منحدراً من قمة جبل عال  وراحت كتاباتي تمثل نموي الفكري، من خلال تجاربي الشخصية ومن خلال اطلاعي العميق على مختلف الآداب العالمية و الفلسفة و تكنيكات القص والرواية، أعتقد أن كل هذه العوامل أضافت إلى تجربتي الكتابية وحملتها من مراحل اعتبارها كهواية إلى محطات أكثر".

فضاء الدهشة

وعن تجربته مع أول تجربة سفر له، يقول: "السفر تجربة مهمة  في حياة كل إنسان وخاصة لمن يتخصص في فن الكلام و القصة، لقد كانت تجربتي الأولى في السفر إلى موسكو من أجل الدراسة هناك، أقمت في روسيا نحو 6 أعوام وقد أثّرت تلك التجربة عليّ كثيراً من خلال تعلمي وإتقاني للغة الروسية، واطلاعي من خلالها على الأدباء الروس: دوستويفسكي، تولستوي، تشيخوف، شولوخوف وغيرهم الكثير، أعتقد أن  الشعب الروسي قريب للشرق أكثر منه للغرب، والطبيعة هناك في مدن روسية خلابة و المكان شاسع  بفضاءاته، ولا زلت أتذكر دهشتي وأنا في طائرتي، كانت تحوم في سماء موسكو قادمة من دمشق، رحت أتأمل المدينة البعيدة، بدت لي حينها غابة خضراء مكونة من أشجار كثيفة تتبعثر البيوت في أرجائها، وأعتقد جازماً أن الطبيعة تلعب دوراً  كبيراً  في تشكيل لغة الكاتب ومزاجاته و إحساسه المتنوع والعميق بالألوان".

ويختم سراي الدين حول الحب الأول: "لا شك أن علاقة الأدب والحب علاقة عضوية، إن التجارب والمحاولات الأولى الأدبية تصف تلك المشاعر الجياشة الجديدة، التي يبدأ الانسان يشعر بها وهو يغادر عالم الطفولة وبراءته، ويدخل عالماً جديداً مليئاً بمشاعر جياشة فيبدأ باختبار وجيب قلبه كيف يتصاعد ويتسارع، ووجهه كيف يصفر عندما يرى محبوبته أو يذهب لمقابلتها"، موضحاً أن كثيراً من الكتّاب كتبوا عن هذه التجربة وهناك رواية لأديب روسي اسمه إيفان تورغنييف عنوانها (الحب الأول).

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني من خلال

إقرأ أيضاً:

وزير المالية: سددنا 3 مليارات دولار من الدين الخارجي حتى الشهر الماضى

قال أحمد كجوك، وزير المالية، إن الدين الخارجى للعام المالى الجارى فى الموازنة العامة للدولة انخفض بواقع 3 مليارات دولار حتى نوفمبر الماضى، وهو ما يعنى نجاح حزمة الإجراءات الموضوعة للتعامل مع هذا الأمر.

وقال وزير المالية، خلال مناقشة قرار رئيس الجمهورية رقم 574 لسنة 2024، بشأن اتفاقيات حصول وزارة المالية على تسهيلات تجارية بقيمة 2 مليار دولار أمريكي من خلال بنك الإمارات دبي الوطني كابيتال ليمتد، وبنك ستاندرد تشارترد، وبنك الإمارات دبي الوطني ش. م. ع، وآخرون، بالجلسة العامة لمجلس النواب اليوم، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالى،:" إننا نقترض، لكننا نقوم بالسداد بأكثر مما نقترض فيؤدي بدوره إلى خفض الدين، وهذه الاتفاقية تضمنت شروط ميسرة وتضمنت تسهيلات كبيرة.

وأكد وزير المالية خلال كلمته:" الاتفاقية التى نحن بصدد مناقشتها تمنح تمويلا بقيمة 2 مليار دولار، بشروط وتيسيرات مبسطة جدا، ومن ثم فهى فرصة جيدة، ولا مانع إذا كانت هذه القروض بشروط ميسرة وأقل مما نسدده، لضمان توفير الموارد شريطة أن تكون مثل هذه الاتفاقيات مبسطة وميسرة، لتوفير الموارد دون أن يكون هناك ضغط فى السوق. 

مقالات مشابهة

  • غلطة سراي يخطط لضم لابورت من النصر
  • بوجبا يتأهب للعودة من بوابة جالطة سراي
  • رئيس اقتصادية النواب: الحكومة جادة في خفض الدين العام الخارجي
  • وزير المالية: الدين الخارجى بالموازنة العامة للدولة انخفض بواقع 3 مليارات دولار
  • السلاب: انخفاض الدين الخارجى مؤشر ايجابى يؤكد قدرة مصر على سداد إلتزاماتها
  • وزير المالية: سددنا 3 مليارات دولار من الدين الخارجي حتى الشهر الماضى
  • البابا فرنسيس يحذّر من استخدام الدين لإثارة الانقسام
  • «الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح»
  • وزير المالية: خفض الدين الخارجي لمؤسسات الدولة إلي 79 مليار دولار
  • مشروع الاحتلال لتنخيل تراب الأقصى يقترب من نهايته.. لماذا؟