نشر موقع "أويل برايس" الأمريكي تقريرًا تحدث فيه عن تأثير ارتفاع أسعار النفط على الاقتصادات العالمية وسياسات الإنتاج، فرغم الجهود المشتركة التي تبذلها السعودية وروسيا لزيادة أسعار النفط، إلا أن هناك حدًا غير معلن قد يؤدي إلى تراجعهما عن مواصلة رفع الأسعار.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن القرارات التي اتخذتها السعودية الأسبوع الماضي بمواصلة خفض إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميًا حتى نهاية هذه السنة، وقرارات روسيا بتمديد خفض الصادرات بمقدار 300 ألف برميل يوميًا لنفس الفترة، قد تسببت في دفع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.



وقد أدى هذا بدوره إلى زيادة الضغوط التضخمية التي تهدد الاقتصاد الأمريكي والعديد من الدول المتحالفة معها. والسؤال المطروح بالنسبة لهؤلاء المستوردين الصافين للنفط هو عند أي مستوى ستتوقف السعودية وروسيا عن دفع الأسعار إلى الارتفاع؟


وحسب الموقع؛ يدور الجزء الأول من هذه المعادلة حول ما إذا كان من الضروري رفع الأسعار أو لا لتعزيز الاقتصادين السعودي والروسي، أو ما إذا كان رفع الأسعار مجرد جشع، أو لعبة قوة جيوسياسية، أو مزيج منهما.

وأوضح الموقع أنه من المفهوم الشائع أن اقتصاد السعودية قائم على عائدات النفط الهائلة، وقد ساعدها في ذلك انخفاض تكلفة إنتاج برميل النفط في العالم (إلى جانب إيران والعراق)، حيث تبلغ تكلفته نحو دولارين فقط. ومع ذلك؛ يتم خصم جزء كبير من هذه الإيرادات تقريبًا من المصدر، من خلال التزامات سداد أرباح الأسهم الضخمة التي يجب أن تقوم بها منظمة أرامكو السعودية كل ثلاثة أشهر.

وحتى مع وصول متوسط سعر خام برنت إلى حوالي 80 دولارًا أمريكيًا للبرميل في الربع الثاني، فقد ذهب 65 بالمئة من صافي دخلها إلى سداد الديون للمساهمين. وإذا بقي صافي دخلها على حاله في الربع الثالث، فإن سداد الديون سيرتفع إلى 98 بالمائة.

وما يتبقى بعد هذه الاستقطاعات يمثّل حجر الأساس للإنفاق السعودي، والذي لا يشمل فقط الوظائف الأساسية للدولة - مثل الصحة والتعليم والدفاع - ولكن أيضًا المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والمشاريع الضخمة التي لا طائل لها.

من الناحية النظرية؛ يبلغ سعر التعادل المالي للنفط في السعودية 78 دولارًا أمريكيًا لخام برنت. ولكن من الناحية العملية ــ بما أن سعر التعادل المالي للنفط هو الحد الأدنى لسعر البرميل الذي تحتاج إليه أي دولة مصدرة للنفط لتلبية احتياجات الإنفاق المتوقعة مع موازنة ميزانيتها الرسمية ــ فإن سعر التعادل المالي الحقيقي للنفط ليس له حدود محددة؛ وينطبق الأمر نفسه على روسيا.

وأشار الكاتب إلى أن سعر التعادل المالي للنفط بالنسبة لروسيا كان يبلغ حوالي 40 دولارًا أمريكيًا للبرميل. وبعد غزوها لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، ارتفع هذا المبلغ رسميًا إلى 115 دولارًا أمريكيًا للبرميل. وعلى نحو غير رسمي، وبما أن الحروب لا تلتزم بميزانيات يمكن قياسها بسهولة ويتم الالتزام بها بصرامة، فإن سعر التعادل المالي غير الرسمي للنفط هو ما يعتقد الرئيس فلاديمير بوتين أنه ينبغي أن يكون في أي لحظة.

إذًا؛ يتمحور الجزء الأول من المعادلة حول حقيقة أن كلًّا من السعودية وروسيا بحاجة مطلقة إلى الاستمرار في رفع أسعار النفط، وهو ما ينقل المعادلة إلى جزئها الثاني، وهو على أي مستوى ستواجهان ضغوطًا هائلة من عملائهما للتوقف عن القيام بذلك؟

وذكر الموقع أن المجموعة الأولى من العملاء تشمل الولايات المتحدة وحلفائها الأساسيين؛ حيث تسببت أسعار النفط والغاز المرتفعة باستمرار في ارتفاعات هائلة في معدل التضخم وأسعار الفائدة المطلوبة لمكافحته، وهو ما يزيد بدوره من احتمالات الركود الاقتصادي.


بالنسبة للولايات المتحدة نفسها؛ فإن هذه المخاوف لها تداعيات محددة للغاية: الأولى اقتصادية والثانية سياسية، فالسبب الاقتصادي هو أن كل ارتفاع قدره 10 دولارات أمريكية للبرميل في سعر النفط الخام يؤدي تاريخيًا إلى تغير يتراوح بين 25 إلى 30 سنتًا في سعر جالون البنزين. وفي مقابل كل سنت واحد يرتفع متوسط سعر جالون البنزين فيه؛ تتم خسارة أكثر من مليار دولار أمريكي سنويا من الإنفاق الاستهلاكي، ويعاني الاقتصاد الأمريكي.

وأشار الموقع إلى إن علاقة روسيا بهذه الدول مضطربة مقارنة بعلاقتها مع تلك الدول بالسعودية، نظرا للتصعيد المستمر للعقوبات ضد صادراتها من الطاقة، وذلك رغم أن السعودية انتقلت إلى مجال نفوذ الصين، حيث يبدو أنها لا تهتم على الإطلاق بما تريده الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال.

وتم التأكيد على ذلك بشكل واضح عندما رفض ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، حتى تلقي مكالمة هاتفية من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث أراد أن يطلب من السعودية المساعدة في خفض أسعار الطاقة التي تشل الاقتصاد.

وأكد الموقع أن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة عاجزة عن إقناع السعودية بتغيير رأيها؛ حيث إن آلية قطع جزء كبير من عائداتها النفطية من خلال التدمير الفعال لشركة أرامكو السعودية موجودة بالفعل في الولايات المتحدة، في شكل مشروع قانون "نوبك". ومن شأن هذا التشريع أن يفتح الطريق أمام مقاضاة الحكومات ذات السيادة بسبب التسعير الجائر وأي فشل في الامتثال لقوانين مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة.

إن منظمة "أوبك" عبارة عن اتحاد احتكاري بحكم الأمر الواقع، وتتزعم السعودية المنظمة بالفعل، وتعتبر شركة أرامكو السعودية هي شركة النفط الرئيسية في السعودية، ويعني سن قانون "نوبك" أن التداول في جميع منتجات أرامكو السعودية - بما في ذلك النفط - سيخضع لتشريعات مكافحة الاحتكار، مما يعني حظر المبيعات بالدولار الأمريكي. وسيعني ذلك أيضًا تفكك شركة "أرامكو" في نهاية المطاف إلى شركات تأسيسية أصغر حجمًا غير قادرة على التأثير على أسعار النفط.

وتابع الموقع قائلًا إن هذا يترك مجالا لكبار العملاء الآسيويين، وخاصة الصين والهند؛ حيث يمكن للصين شراء النفط من عدة مصادر رئيسية - بما في ذلك إيران، والعراق، وروسيا، وحتى السعودية نفسها، من بين مصادر أخرى كثيرة - بخصومات تتراوح بين 25 إلى 45 بالمئة، وفقًا لعدة مصادر تحدث إليها موقع "أويل برايس" حصريًا في الماضي. ومع ذلك؛ فإن استعداد الصين لتشجيع أسعار النفط والغاز المتصاعدة ضمنيًّا من المرجح أن يفوقه التأثير غير المباشر لذلك على اقتصادها بمرور الوقت.

ولفت الموقع إلى أن الصين لا تزال تعتمد بشكل كبير على الصادرات إلى الولايات المتحدة وحلفائها، لذلك في ظل تزايد تأثير ارتفاع أسعار النفط والغاز على هذه الاقتصادات، سوف ينزلق الاقتصاد الصيني إلى الحضيض. وكما رأينا منذ نهاية سنة 2022، فإن الانتعاش الاقتصادي للبلاد بعد ثلاث سنوات من إدارة كوفيد المشددة للغاية كان أقل من مضمون، ويمكن أن ينظر إليه على أنه عند نقطة تحول خطيرة بالنسبة لحكومة الرئيس شي جين بينغ.

إن قرار الحكومة الصينية في 15 آب/ أغسطس بالتوقف عن نشر بيانات البطالة في صفوف الشباب بعد أن وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 21.3 بالمئة في حزيران/ يونيو، لن يغير السخط المتزايد في هذا القسم من مجتمعها. وتعلم الحكومة أنه قبل سلسلة الانتفاضات العنيفة التي اندلعت سنة 2010 والتي ميزت بداية الربيع العربي، بلغ متوسط البطالة في صفوف الشباب في تلك البلدان 23.4 بالمئة.

لذلك، إما أن الصين لا تؤثر على السعودية وروسيا نحو تخفيف ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما سيقلل الطلب الرئيسي على صادراتها، ويثقل كاهل اقتصادها بشكل أكبر، ويقلل الطلب على النفط والغاز، ويعمل على خفض الأسعار. أو يتحقق ذلك، وتنخفض الأسعار بسبب ذلك.


ونظرا لهذه المجموعة من العوامل، يبدو أن سعر التوازن الثابت لخام برنت على المدى القصير يتراوح بين 80 و85 دولارا للبرميل، مع سقف يبلغ حوالي 95 دولارا للبرميل. وعلى المدى الطويل، من المفترض أن تؤدي هذه العوامل إلى العودة إلى "نطاق ترامب" طويلة الأمد لتسعير النفط.

واختتم الموقع التقرير بالتوضيح أن هذا النطاق يتكون من سعر خام برنت يتراوح بين 40 إلى 45 دولارًا أمريكيًا للبرميل كحد أدنى، إلى 75 إلى 80 دولارًا أمريكيًا للبرميل كحد أعلى (أي السعر الذي يصبح بعده التهديد الاقتصادي للولايات المتحدة وحلفائها واضحًا، ويلوح في الأفق تهديد سياسي لرؤساء الولايات المتحدة الحاليين). وقد تم فرض هذا النطاق بصرامة في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لدرجة أنه خلال فترة رئاسته بأكملها تم انتهاكه مرة واحدة فقط؛ لمدة حوالي ثلاثة أسابيع.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة أسعار النفط السعودية روسيا السعودية نفط روسيا أسعار صحافة صحافة صحافة تغطيات سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أسعار النفط والغاز الولایات المتحدة السعودیة وروسیا أرامکو السعودیة

إقرأ أيضاً:

أسعار النفط تتجه لانخفاض أسبوعي

أسعار النفط تتجه لانخفاض أسبوعي

مقالات مشابهة

  • العراق يتفوق على السعودية في صادرات النفط إلى أمريكا: بداية تغيير موازين القوى؟
  • ليبيا.. إنتاج شركة سرت من النفط يصل إلى أعلى مستوى منذ 2007
  • النفط يستقر مع تقييم الأسواق لتوقعات خفض الفائدة
  • زيادة أسعار البيض في أمريكا بعد تفشي إنفلونزا الطيور
  • أسعار النفط تسجل خسارة أسبوعية.. وبرنت قريب من 73 دولارا
  • استقرار أسعار النفط.. وخام برنت يسجل 72.94 دولارًا للبرميل
  • النفط يتراجع عالميا.. برنت إلى 72.47 دولار للبرميل
  • انخفاض أسعار النفط مدفوعًا بمخاوف بشأن الطلب وقوة الدولار.. وخام برنت يسجل 72.47 دولارًا للبرميل
  • الدولار واليورو يواصلان الارتفاع.. كم بلغت قيمة الليرة التركية اليوم؟
  • أسعار النفط تتجه لانخفاض أسبوعي