دجلة يصارع الموت ويتحول لمستنقع لـ التلوث.. اهالي بغداد يناشدون الحكومة - عاجل
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
بغداد اليوم - بغداد
تحذر وزارة البيئة في العراق من مخاطر يواجهها أهالي العاصمة بغداد، بسبب الارتفاع الخطير في نسب تلوث مياه نهر دجلة، الذي يمر وسط العاصمة، والذي يعاني من الجفاف منذ عدة سنوات، وسط مناشدة بإيجاد حلول.
وكانت وزارة الموارد المائية العراقية قد حذرت عدة مرات من تأثيرات خطيرة للمياة الملوثة تهدد مناطق سكنية في العاصمة بغداد، مؤكدة وجود تلكؤ في معالجة المشكلة، وسط دعوات لاتخاذ معالجات عاجلة وفرض عقوبات على المتسببين بتلوث المياه.
وعقد مجلس حماية وتحسين البيئة في محافظة بغداد اجتماعات مع الجهات المختصة بملف البيئة، وهي وزارات الصحة والبيئة والزراعة، فضلا عن أمانة بغداد، لبحث ظاهرة التلوث وإيجاد المعالجات لها، على إثر تلقيه شكاوى كثيرة من مواطنين بشأن تلك الملوثات، إلا أن أي حلول لم تظهر على الملف.
مستنقع للتلوث
واليوم الأربعاء، ووفقا لمدير قسم التخطيط في دائرة بيئة بغداد، حيدر يوسف محمود، فإن "أنابيب الصرف الصحي الثقيلة في بغداد تطرح مخلفاتها إلى نهر دجلة مباشرة، مما حوله إلى مستنقع ملوث بالمياه الآسنة"، مبينا أن "مياه الصرف الصحي تطرح في النهر بدون معالجة، أو قد تكون هناك معالجة تصل إلى 50 بالمائة بسبب ما تعانيه أنابيب المعالجة من تكسرات أو البعض الآخر من التقادم، فضلا عن زيادة عدد السكان في العاصمة، حيث تعمل وحدات المعالجة لكثافة سكانية تصل إلى 3 ملايين نسمة".
دجلة "يصارع" الموت
وأضاف محمود أن "هناك كمية تتراوح بين 500 إلى مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي يتم طرحها في نهر دجلة يومياً، وهي كبيرة وغير معالجة بشكل كامل"، مؤكدا أن "نهر دجلة يصارع الموت جراء انخفاض الإطلاقات المائية خلال الأعوام الماضية، وأن ذلك سيؤثر في سرعة جريان النهر وركود المواد الملوثة".
وأشار مدير قسم التخطيط في دائرة بيئة بغداد إلى أن "الدائرة تقوم من خلال فرقها بقياس نسب التلوث في النهر التي تختلف بحسب المواد العالقة والعناصر الثقيلة ونوعية مياه الصرف التي تلقى فيه، حيث يعاني من مختلف التلوثات، وأصبحت مياهه غير صالحة للاستهلاك"، مطالباً بـ"إنشاء مشاريع استراتيجية لإنشاء محطات معالجة وفق أعلى المعايير، وبذل جهود مضاعفة من قبل الجهات الحكومية المعنية لتحسين الإطلاقات المائية".
وتضم العاصمة بغداد 18 محطة للمجاري، والتي تلقي مخلفاتها الثقيلة من دون معالجة في مجرى نهر دجلة بمعدل يصل إلى 700 ألف متر مكعب يوميا.
حلول ومعالجات
من جهته، حذر الخبير البيئي، غسان الربيعي، من استمرار تفاقم أزمة تلوث المياه من دون حلول، مؤكدا أن "الملف يحتاج إلى حلول عاجلة وأخرى على المدى البعيد"، مبينا أن "الحلول العاجلة تتمثل بمنع طرح مياه الصرف الصحي في النهر، ومحاسبة المخالفين، والحلول الأخرى مرتبطة بالتحرك على صعيد دول الجوار، وخاصة إيران، لإعادة الحصة المائية للعراق".
وشدد الربيعي على أن "أهالي العاصمة سيواجهون أمراضا خطيرة وتلوثا بيئيا واسعا في حال لم تتم معالجة الملف"، محملا الحكومة مسؤولية "عدم بذل أي جهود وتحركات لحل أزمة المياه مع دول الجوار".
ويجري ذلك في ظل أزمة الجفاف التي يعانيها العراق، بسبب قطع إيران لروافد نهر دجلة، وما أدى إلى انخفاض في مناسيب المياه، فضلا عن التجاوزات على الأنهر من قبل المواطنين والمؤسسات الحكومية، ما تسبب بتصاعد مستويات التلوث في الأنهار، ومنها نهر دجلة.
المصدر: العربي الجديد
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: الصرف الصحی میاه الصرف نهر دجلة
إقرأ أيضاً:
أربيل بين المعارض والمتاريس اللغوية.. من سوق للسيارات إلى متجر للغواية - عاجل
بغداد اليوم - أربيل
تحوّلت عبارة "معارض أربيل" في الآونة الأخيرة إلى مادة يومية للطرائف والدعابات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها سرعان ما فقدت طابعها الترفيهي، لتصبح رمزًا مركّبًا يختزل مفارقات المدينة التي تجمع بين النظام والانفتاح، بين الجمال المدني والانفلات الليلي. ففيما كان يُقصد بها سابقًا معارض السيارات التي تشتهر بها العاصمة الكردية، باتت المفردة مرادفًا شعبيًا للنوادي الليلية، وتعبيرًا ساخرًا عن ازدهار تجارة الجنس في المدينة، في مشهد يختصر تحوّلًا لغويًا-اجتماعيًا يعكس تغيرًا في البنية الرمزية لأربيل نفسها.
من معرض سيارات إلى معرض غريزة.. كيف تغيّر المعنى؟
في حديث لـ"بغداد اليوم"، يوضح الباحث في الشأن الاجتماعي سيروان كمال هذا التحول الدلالي، قائلاً إن "أربيل ما زالت فعلًا تحتضن عددًا كبيرًا من معارض السيارات، ويُقبل عليها المواطنون من محافظات الوسط والجنوب لأسباب منها النظافة وسلاسة التعامل الإداري في التسجيل"، إلا أن المفارقة أن ذات المصطلح أصبح مرتبطًا في أذهان الناس بـ"معارض من نوع آخر"، يقصد بها انتشار النوادي الليلية التي تقدم خدمات تتجاوز الترفيه التقليدي.
ويُرجع كمال هذا التغيّر إلى "الانفتاح الذي تمارسه حكومة الإقليم، إلى جانب وجود أعداد كبيرة من الجنسيات الأجنبية، ما أسهم في تحوّل المدينة إلى بيئة حاضنة للنشاطات الليلية، وسط غياب شبه تام للرقابة الفعلية"، لافتًا إلى أن "الكثير من هذه النوادي تابعة لأطراف نافذة، ما يجعلها بمأمن من المساءلة القانونية، ويخلق نوعًا من الحصانة غير المعلنة".
هذا التحول في المعنى لم يكن نتيجة مصادفة لغوية، بل نتيجة تراكم ثقافي مدفوع بالواقع؛ إذ أن التداخل بين الأنشطة الاقتصادية والسياحية والترفيهية، وفّر أرضية خصبة لتغيير الدلالة الاجتماعية للمفردة. لم يعد "المعرض" سوقًا للسيارات، بل أصبح مجازًا للعرض الجسدي، والغواية الليلية، والانفلات المقنّن تحت يافطات تبدو قانونية من الخارج.
الهروب إلى أربيل.. خيار الفن والهوى
ويتحدث كمال عن موجة انتقال كبيرة للعاملين في هذا القطاع من بغداد ومدن أخرى إلى أربيل، بمن فيهم المطربون، والعاملات في النوادي، وحتى من يمارسن البغاء، بسبب المضايقات الأمنية والاجتماعية في مناطقهم الأصلية. ويشير إلى أن "حالات قتل وتهديد طالت العديد من العاملين في هذا المجال في بغداد، ما جعل أربيل تبدو أكثر أمنًا وجذبًا لهؤلاء"، خصوصًا مع وجود شبكة حماية غير رسمية تمنح هذه النشاطات غطاءً من الحماية مقابل علاقات معقّدة مع أصحاب النفوذ.
وتبدو أربيل في نظر الكثير من الفنانين والعاملين في مجال الترفيه الليلي، نقطة انطلاق جديدة أو "ملاذًا آمنا" للعمل بحرية أكبر، بعيدًا عن القيود الاجتماعية والدينية التي ما زالت تحكم سلوك الجمهور في مدن أخرى. بهذا المعنى، لا تمثل المدينة مجرد فضاء جغرافي، بل فضاءً نفسيًا واجتماعيًا للهروب من الواقع والانخراط في أنماط حياة بديلة، مهما كانت مثيرة للجدل.
تأثير على سمعة المدينة... ونقمة على النكتة
وعلى الرغم من أن "الترند" بدأ كمزحة، إلا أن آثاره النفسية والاجتماعية باتت ملموسة. فالشاب الذي يقرر زيارة أربيل للسياحة أو شراء سيارة، بات عرضة لنوع من "الوصم الضمني"، وكأن المدينة فقدت براءتها الرمزية، بحسب كمال، الذي يرى أن "هذا الخطاب الساخر يُلحق ضررًا تدريجيًا بسمعة مدينة لها تاريخ أكاديمي وثقافي عريق، وفيها علماء وأدباء ومعالم سياحية محترمة".
ويضيف أن "المدن الهشة مجتمعيًا تُصبح ضحية للصور النمطية إذا لم يتم التصدي لها بخطاب ثقافي عقلاني"، داعيًا إلى "تقنين هذه الموجة الخطابية على وسائل التواصل، وإعادة الاعتبار للصورة المتوازنة للمدينة".
إن اختزال أربيل في عبارة "المعارض" على هذا النحو، لا يعكس فقط خللًا في نظرة الجمهور، بل يكشف أيضًا غيابًا واضحًا في السياسات الثقافية والإعلامية التي يفترض أن تحمي صورة المدينة من الابتذال، وأن تروّج لوجهها الأكاديمي والتاريخي والتنموي، لا أن تتركها ضحية لإشاعات الفضاء الرقمي.
ترف سياحي أم انفلات منضبط؟
في السنوات الأخيرة، تحوّلت أربيل إلى مركز جذب سياحي داخلي، وبدت في نظر الكثيرين من أبناء الوسط والجنوب العراقي أقرب إلى "دبي العراق"، لكن هذا الانفتاح لم يكن مصحوبًا بسياسات اجتماعية حامية أو رؤية ثقافية شاملة، بل ترك المجال مفتوحًا أمام مظاهر الترف الليلي وتجارة الجنس المقننة تحت عناوين "سياحية" أو "فنية".
وفي ظل غياب الوضوح في تعريف ما يُسمى "السياحة الترفيهية"، بات من الصعب التمييز بين ما هو انفتاح وما هو انفلات، بين ما يُعد تطورًا حضريًا وما يقترب من السقوط الأخلاقي المنظم. هذه السيولة المفاهيمية، وغياب التشريعات الواضحة، أسهما في ترسيخ نمطية متوحشة، زادت من قوة الخطاب الساخر الذي حوّل اسم "المعارض" من رمز للتجارة والانضباط إلى مجاز للغواية والانفلات.
في النهاية، ليست المشكلة في أربيل كمدينة، بل في السياقات التي تُترك فيها المدن وحدها في مواجهة موجات السخرية والتهكم دون أدوات دفاع ثقافية، وفي غياب رؤية تنموية تُعيد إنتاج المعنى بعيدًا عن النكتة العابرة. فالنكتة، حين تتكرر كثيرًا، قد تتحول إلى قناعة. وحين ترتبط بمكان، فإنها تقتل ذاكرته بالتدريج.