جريدة الوطن:
2025-01-11@16:39:13 GMT

ضاعف حسناتك بأثرك الطيب

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

إنّ من الأمور الحتمية التي اقتضها حكمة الله تعالى في خلقه المعاملة فيما بينهم، فالمعاملة بين الناس لابد منها فلا مفر ولا مناص من ذلك، فالناس يحتاج بعضهم إلى بعض، وكذلك أيضًا فلا يمكن لبشر أن يعيش وحده في منعزل عن العالم، ومن هنا كان للمعاملة في حياة البشر فيما بينهم دورًا أساسيًا هامًّا، يعيشون بها وتعيش بهم وبينهم، فلا غنى عن التعامل بين البشر، ومن هنا جاء الإسلام ليضبط هذه المعاملات بحسن الخلق، وضبط النفس وسعة الصدر وحب الناس والمساوة بينهم والمسارعة إلى تقديم أيادي العون لكل من يحتاج أو لا يحتاج، فأما من احتاج فالمسارعة إلى تلبية طلبه من الواجبات، وأما من لا يحتاج فتقديم يد العون له من المندوبات، وهكذا يكون المجتمع وفق هذه المعايير مجتمع متكامل، كل من بحث عن شيء وجده، ومن احتاج إلى شيء أعين عليه، ومن سعي إلى شيء حققه، ومن طلب شيئا أخذه، فالكل في شريعة الإسلام مطالب بهذه الأخلاق الطيبة التي تذهب سخيمة الصدور، وتقتل الكراهية بين الناس في مهدها، أخلاق تكتب بأحرف من نور على صفحات العقول الآثار الطيبة، وترسم في طيات القلوب المعاملة الحسنة التي تجعل من قدمت له يذكر صاحبها ما عاش بخير وثناء، فيكون من ترك هذا الأثر الطيب في مضاعفة مستمرة لا تنتهي لأمور كثيرة ، منها رضا الله ورسوله، وحسن المعاملة بين الناس، وترك الأثر الطيب في قلوبهم، والأكثر من ذلك الدعوات الطيبة التي كلما ذكر أثره توالت من القلوب وتتابعت على الألسنة لتكتبها الملائكة في صحائف أعماله،يالها من حسنات تتزايد بشكل مستمر من عمل واحد طيب انتهي بزمانه ومكانه، ولكن حسناته لاتزال في استمرار وتزايد ما عاش من قدمت له، فلماذاـ أخي الكريم ـ يامن منّ الله عليك بمنّةٍ عظيمةٍ تجعل الناس في احتياج إليك؟، لماذا لا تسارع لأن تترك في قلوبهم وحياتهم وحياتك أنت قبلهم أثرًا طيبًا تجبى إلى صحائف أعمالك ثمراته بلا انقطاع؟، يامن وليت مسئولية أو إدارة أو تجارة أو أي عمل آخر ولو كنت توصل إنسانا جراء أجرة تأخذها، إذا تركت في نفس من تنقله أثرًا طيبًا، لم تنقطع أجرتك الأخروية، على الرغم من قبضك الأجرة الدنيوية، فالأخ الفاضل والأخت الفاضلة اللذين في مكتب لخدمة الناس كلنا نتقاضى ونقبض أجرا دنيويا، فلما لا نستغل ذلك بأجور أخروية أجورها لا تقف عن المضاعفة والتزايد، ألا فلنتقن العمل، ولنحسن إلى الناس، ولنجود لهم خدماتنا، ولنتعاون معهم على قضاء مصالحهم، وسد احتياجاتهم، وتلبية طلباتهم، والأمر لن يهذ سدى بل إنه سيترك لنا أثرًا طيبًا في قلوبهم نذكر به في حياتنا وبعد مماتنا، تزيد به لنا الحسنات، وتتضاعف بينا الطيبات، ولا ننسى الناحية الأخرى فلو أنك تركت أثرا سيئا، فما يكون حال من قدمت له هذا العمل السيئ؟ كيف سيذكرك إذا ما تذكر الموقف؟ ربما تذكرك بشي من الكراهية، بل وربما دعا عليك خاصة إذا كان من عملك مظلوما، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ولا تنسى أن الخير والشر مكتوب لك أو عليك، فعند الله تعالى مكتوب لك من آثار الخير ومن آثار الشر التي قمت بها وأنت الذي حددت نوعها بين الخير والشر، ولاشك أن الآثار باقية في حياتك وعند لقاء ربك بعد مماتك، وسيجزيك الله على تلك الأعمالَ التي تتضمن أقوالك وأعمالك وأفعالك وسلوكياتك وجميع أحوالك، فاجعل عملك خيرًا كله،فسيكتبه الله تعالى لك وسيجزيك عليه السوء سوءًا وبالإحسان إحسانًا، فاختر بنفسك أثرك بين الناس وعند الله.

محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: بین الناس

إقرأ أيضاً:

بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد التوبة الجديد بحلايب

نشرت الفضائية المصرية، بثا مباشرا لنقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد التوبة الجديد بحلايب محافظة البحر الأحمر.

وحددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم لتكون تحت عنوان: "ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من الخطبة توعية جمهور المسجد بأهمية التعايش السلمي باعتباره من أهم أسباب استقرار المجتمع.

وقالت الوزارة إن موضوع الخطبة الأولى موحد على مستوى الجمهورية، وإن موضوع خطبة الجمعة الثانية يستهدف معالجة مفهوم المواطنة، بباقي المحافظات.

ونشرت وزارة الأوقاف (النموذج الثاني) لموضوع خطبة الجمعة بعنوان: 
"ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"
الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، ونور السماوات والأرض، وهادي السماوات والأرض، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: 
فهذه كلمات نورانية خرجت من لسان الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه، لتعبر عن دعوته الشريفة إلى التحلي بأسمى آيات الإحسان والبشر والبر والإكرام في التعامل مع خلق الله تعالى: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق»،  وها هو خير الخلق وحبيب الحق صلوات ربي وسلامه عليه قد وسعت ابتسامته الصادقة وأخلاقه السامية الدنيا بأسرها، في مزيج محمدي مدهش يجعل القلوب تأرز حبا إلى حضرته وتستبشر بدعوته.

فيا أيها المحمديون، إن هذا السر النبوي الشريف هو الذي جذب القلوب والأرواح والعقول، ليؤسس فلسفة الحب بين البشر جميعا، فاعلموا أيها الناس أنكم لن تصلوا إلى القلوب بأموالكم ولا بعوارض دنياكم، وإنما تسعون قلوب البشر بالأخلاق التي أتم الجناب الأنور بناءها، ورفع قدرها، حين قال عن ذاته الشريفة: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». 
فقف أيها العقل عند منتهاك، وأنت ترى الأخلاق المحمدية تسمو فوق السماء برا وبشرا ووفاء ولطفا، حين تبدو نواجذه الشريفة، كأن النور يخرج من بين ثناياه، لتفتح ابتسامته الصافية وكلماته الطيبة قلوب الناس إجلالا واحتراما وإقبالا على هذا الدين القويم ولهذا النبي المصطفى الأمين الذي كرمه ربه بهذا الوصف المقدس {وإنك لعلى خلق عظيم}.


أيها المحمدي، ألم يحك التاريخ لك عن الرسائل والخطابات النبوية للأمراء والقياصرة والأكاسرة وقد جمعتها لغة واحدة هي لغة الاحترام والتفخيم والبهاء وبذل السلام؟! ألم تكتب الصفحات عن رقي التعامل النبوي مع وفد نجران الذي أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في أن يصلوا صلاتهم بمسجده الشريف في مشهد يبهر الدنيا ويأسر القلوب؟! 
أيها النبيل، اعلم أن هذا الحال الشريف هو باب هداية الخلق، ومفتاح الإقبال على الحق، فحبيبك صلى الله عليه وسلم هو من أبهر الدنيا بأصول التعامل مع الناس على اختلاف عقائدهم، وهذا تلميذه النجيب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يعدد محاسن الإسلام ومفاخره ومناقبه للنجاشي في مشهد عجيب، وحوار مهيب درس جعفر أدواته، وعرف كيف يخاطب الأدب النبوي قلوب الملوك ليسعها ببسط الوجه وحسن الخلق، حين قال للنجاشي: «أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام»، فما كان من النجاشي إلا أن انفتح قلبه، واستبشر وجهه ووجدانه بهذا الدين العظيم، فبكى حين تذكر أخلاق عيسى عليه السلام الذي جعله الله تعالى باب بر ووفاء وحنان ورحمة وعلم، وجعله الله تعالى آية في العطاء والتسامح والسلام؛ لينطلق لسانه قائلا: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة». 
أيها السادة، لقد استقى الشعب المصري هذه الأنوار المحمدية وتلك العظمة المصطفوية، فكانت اللحمة الوطنية حاضرة بكل ربوع المحروسة، وكان احترام شركاء الوطن منهجا مرسوما، فأصبح الشعب المصري نسيج وحده بجميع طوائفه تعايشا وتكاملا، تغمره السكينة والطمأنينة، مجبورا مستورا منصورا.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الناس، إن شريعتنا الغراء تفيض الخير على الجميع، شعارها إكرام الخلق وإيصال الرحمة إليهم على اختلاف عقائدهم ومشاربهم وأفكارهم، وإن شئتم فانظروا إلى المعاملات، بيعا وشراء، عدلا وقسطا، وزواجا مباركا وحسن جوار، في إطار متين من الإرشاد الإلهي الذي يجمع الناس جميعا تحت مظلة المواطنة التي تجمع ولا تفرق، يقول ربنا سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.
أيها النبيل، انتبه إلى وصف رب العالمين لمقام النبي الأمين صلوات ربي وسلامه عليه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، ولقول الجناب المعظم صلى الله عليه وسلم: «بعثت للناس كافة»، فالآية الكريمة والحديث الشريف يرسخان لمواطنة حقيقية قوامها التواصل بالخير والتعاون والتكافل بين أبناء الوطن جميعا، على ميثاق الحقوق والواجبات الذي لا يفرق بين مواطن وآخر، في ظل وطن واحد لا تعكر صفوه شبهة، ولا تؤرقه فتنة.
ألا تعلم أيها النبيل أن المواطنة أساس البنية الاجتماعية المتماسكة والترابط المجتمعي في ظل وطن واحد تجمعنا شوارعه وحاراته، وتحوطنا أحلامه وطموحاته؟! إنها إيمان حقيقي بالتعددية والتنوع الإنساني الذي أراده الله رب العالمين في الكون، {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}.
فلننشر ثقافة المواطنة والتعايش بين أبناء الوطن جميعا؛ حتى ننعم بالسلام والأمان، ويفيض الخير على وطننا المبارك.

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس
  • وزير الأوقاف يلتقي قيادات الدعوة وشيوخ القبائل بحلايب وشلاتين
  • علي جمعة: التوكل على الله يبدأ بالثقة الكاملة والرضا بأمره
  • يسري نصر الله في ضيافة «كلام الناس» بهذا الموعد اليوم | صورة
  • صفات المتقين .. خطيب الجامع الأزهر: الورع ترك الشبهات ومراقبة الخطرات
  • بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد التوبة الجديد بحلايب
  • موضوع خطبة الجمعة اليوم بمساجد الأوقاف على مستوى الجمهورية
  • «الطيب» جابر الخواطر
  • هجوم الطائرات المُسيّرة على «الأبيض» .. تحول جديد في الصراع يُضاعف مخاوف المدنيين 
  • أمين الفتوى يوضح أقوى علاج للسحر والحسد.. فيديو