جريدة الوطن:
2025-04-16@23:47:42 GMT

التحري الإحصائي ذاكرة العمل

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

التحري الإحصائي ذاكرة العمل

يظلُّ التناقض الذي يحكم التستُّر والمكاشفة جوهر الدلالة على إمكان التعرُّف على ما يجري، أو عكس ذلك، أعني الغفلة والجهل. بل العمى أحد أشدِّ الأخطار في التغطية وسحب الأنظار بعيدًا عن الوقائع، الأمْرُ الذي من شأنه أن يكرِّسَ الخطأ، ولذلك قيل بأهمِّية الاستدراك القائم على تصفُّح ما يجري دَوْريًّا، لِنعرفَ إن كان بالمستوى المطلوب، أو عكس ذلك، وعِنْدها تكُونُ المعالجة واجبًا لا يُمكِن التنصُّل عَنْه.


إنَّ الانخراط في المهمَّات الإحصائيَّة إحدى الضمانات التي لا يُمكِن التنصُّل عَنْها لأيِّ سببٍ كان، وهكذا أصبحت المتابعات الإحصائيَّة إحدى المحطَّات التي لا بُدَّ من التوقف عِنْدها إداريًّا، الأمْرُ الذي يتطلب اعتماد اليَّات معيَّنة في سبيل ذلك، ليس فقط ضِمْن المفهوم الحسابي الرَّقمي، وإنَّما في إطار مقتضيات العمل الأخرى. إنَّ الاستغراق في العمل بِدُونِ محطَّات من هذا النَّوع يقود إلى التهويم ليس إلَّا، أمَّا المناسبة فمتابعة إلى ما شهدته مسقط يوم الاثنين الماضي بانعقاد الاجتماع العاشر للجنة الدائمة لشؤون العمل الإحصائي بدوَل مجلس التعاون الخليجي. الملاحظ، أنَّ المشاركين فيه تناولوا خمسة مواضيع ذات أهمِّية خاصَّة تتعلق بـ(تطوُّر العمل الإحصائي الخليجي، دراسة التقرير الإحصائي بشأن منظومة الحماية الاجتماعيَّة بدوَل مجلس التعاون، مشروع قياس الاقتصاد الرَّقمي، متابعة تنفيذ توصيات الاجتماع التاسع الصادرة عن اللجنة، سَير العمل بشأن دراسة مؤشِّرات إحصائيَّة لقياس مدى تنفيذ قرارات المجلس الأعلى). إنَّ الفحص الدقيق لهذه الموضوعات التي طرحت في الاجتماع يشير إلى أنَّ محرِّكها الأساسي هو مسؤوليَّة الانضباط في الإنجاز.
إنَّ ما أُعتمد من اليَّات المتابعة والدراسة والقياس، كُلُّ ذلك لمعرفة مدى المنجز الحاصل، إن كانت السياقات المعتمدة بالمستوى المطلوب أَم أنَّها بحاجة إلى التطوير، وهنا بيت القصيد في الانسجام مع حقيقة أنَّ العالَم، كُلَّ العالَم الآن يقيِّم مستمسكات النجاح على مدى ما يتحقق من مخرجات العمل، أي عملٍ كان، فبقدر ما يكُونُ العمل الإحصائي بأدوات تطبيقيَّة ملائمة تكُونُ النتائج صحيحة بنسب عالية. إنَّ التعويل على هذا المنهج باتَ حجر الزاوية الذي لا يُمكِن بأيِّ حالٍ من الأحوال الاستغناء عنه. ولا شكَّ أنَّ مناهج من هذا النَّوع تقتضي مفردات علميَّة تطبيقيَّة، ولذلك أصبحت علوم الإحصاء أحد أهم مرتكزات الإدارة الحديثة، بل إنَّ هذا النَّوع من المفهوم بات واحدًا من مستلزمات الملكيَّة الفكريَّة نظرًا لوجود آليَّات تطبيقيَّة ذات سريَّة معيَّنة وجزء أساسي من الأمن القومي للدوَل والتكتُّلات. وتأسيًا على ذلك، وفي ضوء حيثيَّات الاجتماع المشار إليه، يظلُّ الجوهر قائمًا على مدى قياس المُتحقِّق في عالَم تحكُمه المنافسة المتوحِّشة عمومًا والاشتغال على وفق نظريَّة الاحتمالات. لقَدْ تحوَّلت المعلومة إلى سلعة، لكنَّ بَيْعها يخضع في أغلب الأحيان إلى شروط قَدْ لا يُمكِن الإيفاء بها، ومن هنا، فإنَّ اعتماد مجلس التعاون الخليجي على ما لدى دوَل المجلس من إمكانات بشأن ذلك واحد من المقاييس اللازمة في هذا التوجُّه. إنَّ الإدارات المعتمدة بكُلِّ منظوماتها المعروفة من إدارة التطوير إلى إدارة الأزمات، مرورًا بالإدارة الحديثة التي تقيم وجودها على التقانة لا بُدَّ أن تظلَّ تحت طائلة العمل الإحصائي في سياقه الحسابي الرَّقمي، وفي إطار المفردات الإداريَّة العامَّة. الطريف في الأمْرِ أنَّ العمل الإحصائي العامَّ ـ برغم ما يملك من محرِّكات حسابيَّة ـ تظلُّ الإدارة العاطفيَّة واحدة من مغذِّياته التي لا يُمكِن الاستغناء عَنْها لحقيقة أنَّ العاطفة جزء أساسي من مُكوِّنات العمل، بمعنى التعاطف معه.
بخلاصة عامَّة، إنَّ الفرص المتاحة أمام دوَل مجلس التعاون الخليجي ليست سهلة عمومًا، ذاتيًّا، وكذلك على صعيد التحدِّيات الإقليميَّة والدوليَّة ممَّا يقتضي المزيد من الشطارة الإداريَّة المبنيَّة على معارف إحصائيَّة تستبين وتستنتج وتقيس.

عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: العمل الإحصائی مجلس التعاون

إقرأ أيضاً:

حين تكتب الحرب ذاكرة شعب- في مأساة المثقف السوداني ومعقولية الخراب

في عامها الثالث، لم تعد الحرب في السودان حدثًا عابرًا يُروى بين فقرات الأخبار، بل تحولت إلى نسيج يومي يُحاك من أشلاء الذكريات والجراح. صارت واقعًا يُعاش بكل ثقله: بيوتٌ تتهاوى كأوراق الخريف تحت دوي المدافع، وأطفالٌ يلهون فوق ركام مدارسهم، كأنهم يتحدون فكرةَ أن الطفولة لا بدّ أن تكون بريئة. هنا، لم يعد هناك فاصل بين الخاص والعام؛ فكل دمعة تسقط في بيت ما تُعد جزءًا من نهرٍ من الأحزان يغمر الأمة. الأحياء تتحول إلى خرائب، والأسواق التي كانت تعج بالحياة تصمت إلا من صدى الخطى الثقيلة لقدامى الجوعى.
الأمهات، بوجوهٍ نحتتها رياح اليأس، يُجدنَ فنَّ الصبر، بينما يتساقط الأقرباء والأصدقاء كأوراق شجر في عاصفة لا تنتهي.

في هذا المشهد الكابوسي، تبرز الكتابة كفعلٍ مُقاوِم، ليست مجرد أداة لتوثيق الألم، بل محاولة لإنقاذ الذات من الغرق في العدم. يكتب المثقفون بحبرٍ مخلوط بالتراب والدم، مسجلين تفاصيل البيوت التي انمحت، وأسماء الأحبة الذين صاروا ظلالًا في ذاكرة المدينة.
اليوميات التي يسطرونها ليست سردًا بطوليًا بقدر ما هي همساتٌ يائسة لاستعادة شيء من الإنسانية المهدورة. تصبح الكتابة بيتًا مؤقتًا، هشًا لكنه يقاوم السقوط، يحمل بين سطوره عبق الأيام الماضية ورائحة المقاومة.

الكتابة كوثيقة اجتماعية- بين التاريخ والوجع
لا تقتصر هذه النصوص على الرثاء، بل تتحول إلى وثائق تُجسد تداخل التاريخ مع المأساة؛ فهي تسجل تحول الوطن إلى شتات، والمستقبل إلى لغزٍ مُظلم. الكاتب هنا ليس مراقبًا من برج عاجي، بل هو ابن الأرض الذي يعيش تحت القصف، يكتب بألمٍ عن جاره الذي اختفى
وعن السوق الذي تحول إلى مقبرة جماعية. النصوص تكشف كيف صار "الوطن" فكرةً هاربة، بينما يختزل الواقع معاناة البحث عن رغيف خبز أو زجاجة ماء.

من الاستثناء إلى القاعدة- الحرب كحالة دائمة
في ذهن المثقف السوداني، لم تعد الحرب استثناءً، بل جزءًا لا يتجزأ من الهوية. يقول الكاتب أمير تاج السر: «نحن أبناء الحروب المتراكمة، نعرفُ صوت الرصاص أكثر من صوت الموسيقى»، معبرًا عن واقعٍ عاشه وجيله منذ طفولتهم في وطنٍ حُفر في ذاكرة الألم.
وقد أضاف الناشر العربي على غلاف إحدى الروايات عبارة "الحياة تستحق النشيد رغم قسوتها"، وهي ليست دعوة لتفاؤل ساذج، بل تأكيدٌ على إيمانٍ بأن الفن يعد آخر حصون الكرامة. وكأن صوت المثقفة البريطانية هيلينا كينيدي، حين تحدثت عن النزوح كجريمة ممتدة
يجد صداه في واقع الأسر السودانية التي تعيش التهجير كحالة متوارثة عبر الأجيال.

الخراب كوجهٍ للوطن- لماذا تصبح الحرب "معقولة"؟
وهنا يطفو السؤال الأقسى: كيف يصبح الدمار مألوفًا؟ قد تكون الإجابة في استبدال لغة الثورة بلغة التأمل، أو في تحول الألم إلى رفيق يومي. المعقولية هنا لا تعني الاستسلام، بل اعترافًا بفشل الخطابات الكبرى.
إذ أن المثقف الذي كان يرفع شعارات التحرر صار يكتب ليُثبت أنه ما زال حيًا، كأنه يردد روح محمود درويش عندما قال: «أنا لستُ لي، أنا وطني يكتبني»، مما يحوّل الكتابة إلى فعل أخلاقي، محاولة لإنقاذ المعنى من براثن العبث، وصرخة ضدّ التطبيع مع القتل.

ما بعد الكلمات- هل تكفي الكتابة؟
رغم كل هذا، تظل الحقيقة المرة أن الكتابة لا توقف الرصاص، ولا تُعيد الطفل إلى أمه. ففي الوطن الذي يموت فيه الإنسان، تموت معه الكلمات أحيانًا. لكن المثقف لا زال يكتب، لأن الصمت يعد خيانة، ولأن الحكاية لم تنتهِ بعد.
كما تقول الروائية بثينة خضر مكي: «نحن نكتب لنُثبت أننا لم ننزلق بعد إلى حافة الوحشية»، لتظل هذه النصوص، رغم دمويتها، بمثابة البذرة الأخيرة لشتلة أمل أو على الأقل شهادةً على تمسك شعبٍ برواية معاناته.

حين تصير الكلمات دمًا
في النهاية، يبقى المثقف السوداني حائرًا بين شقين- شاهدٌ على المأساة وضحيةٌ فيها. يرتجف قلمه ولكنه يرفض السقوط، إذ إن الحرب قد تسرق الأوطان لكنها لا تستطيع سرقة الكلمات التي تُخلّدها.
وكما كتب شابٌ عاقل في يومياته تحت القصف: «إذا متُّ، ابحثوا عني في كتبي».
أعلموا أيها القتلة- نحن الباكون على واقع اليوم ، ولكن من خلال الألم نصنع المستقبل.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • مجلس إدارة «الشارقة الخيرية» يستعرض أداءه السنوي
  • «التعاون الخليجي»: دعم الجهود لتحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية
  • “أمين عام مجلس التعاون” يدين المخططات التي استهدفت أمن واستقرار الأردن
  • ذاكرة الجاذبية.. علماء يبحثون عن نبوءة آينشتاين المفقودة
  • قيادات "مستقبل وطن المنيا" تناقش خطة العمل المستقبلية
  • رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات بمحافظة الإسماعيلية غدًا
  • جبالي: قانون العمل من الإنجازات التشريعية التي تمس قطاعا عريضا من المواطنين
  • حين تكتب الحرب ذاكرة شعب- في مأساة المثقف السوداني ومعقولية الخراب
  • الإحصائي الخليجي: 11.4% مساهمة قطاع السفر والسياحة في الناتج المحلي الخليجي
  • حكيلي معرض من ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية