بعد زلزالي المغرب والعراق.. هل انتقل تأثير قدر الجغرافيا إلى دول المنطقة؟
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
تعد تركيا من أكثر بلدان المنطقة عرضةً للزلازل بسبب موقعها الجغرافي، وهو ما يتم ترجمته إلى المصطلح الشهير "قدر الجغرافيا"، والذي تم تداوله على نطاق واسع بعد الزلزال المدمر الذي شهدته تركيا وشمال سوريا في فبراير/شباط 2023.
وإذا كان هذا المصطلح، يصف وقوع تركيا في منطقة تكتونية معقدة، حيث يحدث التفاعل بين الصفائح العربية والإفريقية والأورآسيوية، فإن السؤال الذي أثير على استحياء بعد الزلزالين الذين ضربا المغرب والعراق في سبتمبر/أيلول الجاري هو: هل امتد تأثير هذا "القدر الجغرافي" إلى مناطق شرق أوسطية جديدة؟
"الجزيرة نت" طرحت هذا السؤال على مجموعة من علماء الزلازل حول العالم؛ فمنهم من وجد فيه ما يستدعي التوقف والتفكير، ومنهم من أطلق إجابة سريعة تنفي وجود أي علاقة، بينما رأى آخرون، أن التأثير يتوقف على عاملي القرب الجغرافي والزمن.
وكان مارك ألين، رئيس قسم علوم الأرض بجامعة "دورهام" البريطانية، والألماني مارتن ماي رئيس تحرير نشرة جمعية رصد الزلازل الأميركية، وسيغورغون جونسون، رئيس الفريق المعني بدراسة الزلزال بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا "كاوست"، وإيكو توهاتا أستاذ الهندسة الجيو-تقنية في جامعة طوكيو اليابانية، ممن اكتفوا بإجابات مقتضبة تنفي وجود أي علاقة بين زلزالي المغرب وتركيا، فاتفقوا جميعا على أن "هذه الزلازل لا علاقة لها ببعضها البعض، ولا يوجد أي اتصال جيولوجي أو مادي بينها".
لكن العالمة الأميركية سوزان هوغ، من برنامج مخاطر الزلازل بهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، أجابت بمزيد من التفصيل، وبعد أن وصفت السؤال بأنه "شيق"، قالت "من الصعب جدا معرفة ما إذا كانت الزلازل مرتبطة أم لا، والأرجح أنه لا توجد علاقة بين زلزال تركيا والمغرب، حيث إن الزلزال الذي وقع في المغرب بعيد تماما عن شرق تركيا بآلاف الكيلومترات.
لكنها عادت وأمسكت العصا من المنتصف وأضافت، "مع ذلك فإن زلزالا بحجم الذي وقع في تركيا يمكن أن يهز الكوكب بأكمله، حيث تنتقل الأمواج الزلزالية حول العالم لساعات، وكل مكان على القشرة الأرضية يكون مضطربا بدرجة كافية، بحيث يمكن قياس الموجات الزلزالية بواسطة أجهزة قياس الزلازل، لذا فمن الممكن أن يكون الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا قد أحدث خللا في الصدوع في المغرب، وجعل من المرجح حدوث زلزال، ولكن هناك صعوبة في إثبات ذلك".
من جانبه، شدد كوينتين بلتيري الباحث في علم الجيوديسيا بجامعة كوت دازور الفرنسية، على أهمية التفرقة بين احتمالية تأثير زلزال تركيا على زلزال المغرب، واحتمالية تأثيره على زلزال العراق متوسط الشدة، "فالبعد المكاني بين زلزال المغرب وتركيا، يجعل هناك صعوبة في الربط بينهما، ولكن القرب المكاني بين تركيا والعراق، يجعلنا نعتقد أن زلزال العراق، ليس من المستبعد أن يكون هزه ارتدادية لزلزال تركيا".
واتفق أنيس أحمد بنجش، من قسم علوم الأرض بجامعة القائد الأعظم في باكستان، مع ما ذهب إليه بلتيري في احتمالية وجود هزات ارتدادية في العراق لزلزال يحدث في تركيا، لكنه قال إن ذلك يحدث في وقت متزامن أو خلال بضعة أيام، لذلك فإنه وفقا لرأيه، فإن زلزال العراق لا ينطبق على هذه الحالة.
ويضيف شريف الهادي رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، إلى البعد الزمني الذي أشار له الباحث الباكستاني، البعد المكاني، قائلا في تصريحات هاتفية للجزيرة نت إن "منطقة جبال زاغروس التي كانت مصدرا لزلزال العراق، هي منطقة نشطة زلزاليا بطبيعة الحال، ومنطقة زلزال تركيا تبعد عنها حوالي 765 كيلومترا، لذلك لا أميل إلى وجود علاقة بينهما".
إلا أن الجميع اتفقوا بنسبة كبيرة على نفي وجود علاقة بين زلزال تركيا وزلزال المغرب، وإن كانت سوزان هوغ، هي الوحيدة التي لم تعبر عن رأي جازم في هذا الاتجاه، تاركة باب الاجتهاد مفتوحا أمام الأبحاث، أما فيما يتعلق بالعلاقة بين زلزال تركيا وزلزال العراق، فهناك شروط وضعها الخبراء لحدوث التأثير.
ورغم أن السؤال عن العلاقة بين هذه الزلازل يبدو "شيقا"، كما وصفته "هوغ"، فإنه بعيد عن محاولة إثبات تلك العلاقة، فمن الثابت وفق جوديث هوبارد، الباحثة المتخصصة في علوم الأرض بجامعة هارفارد الأميركية، أن قدر الجغرافيا لا يخص تركيا وحدها، بل إن إقليم "الشرق الأوسط" بأكمله، منطقة عالية النشاط الزلزالي، لذلك ليس من المستغرب أن تشهد هذا التواتر للأحداث الزلزالية الكبيرة والمتوسطة في عام واحد.
ويؤكد تقرير لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، ما ذهبت إليه هوبارد، حيث ذهب هذا التقرير الذي جاء تعليقا على زلزال العراق، إلى أن الوضع الجيولوجي للمنطقة معقد للغاية.
واستهل التقرير شرحه للوضع الجيولوجي بالإشارة إلى أنه "قبالة الساحل الجنوبي لباكستان والساحل الجنوبي الشرقي لإيران، يحدث الاندساس النشط للصفيحة العربية أسفل صفيحة أوراسيا القارية، والتي تتقارب بمعدل حوالي 20 مليمترا في السنة، وهذا من شأنه أن ينتج زلازل مدمرة كبيرة وأمواج تسونامي، فعلى سبيل المثال، أدى الزلزال القوي بقوة 8 درجة الذي وقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1945 إلى حدوث تسونامي داخل خليج عمان وبحر العرب، مما أسفر عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص".
ويوضح التقرير أن "شمال غرب هذه المنطقة النشطة، يدفع اصطدام الصفائح العربية وأوراسيا وجبال زاغروس الذي يبلغ طولها حوالي 1500 كيلومتر، وتعبر هذه السلاسل غرب إيران بالكامل وتمتد إلى شمال شرق العراق، وهو ما يؤدي لزلازل في العراق، كالتي حدثت في 11 سبتمبر/أيلول الجاري".
وفي منطقة أخرى، وعلى طول الحافة الشرقية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، يوضح التقرير أن هناك تفاعلا معقدا بين الصفائح الأفريقية والعربية والأورآسيوية، ويعد صدع البحر الأحمر مركز انتشار بين الصفيحة الأفريقية والعربية بمعدل انتشار يبلغ حوالي 10 مليمترات/عام بالقرب من طرفه الشمالي، و16 مليمترا/عام بالقرب من طرفه الجنوب، وكان معدل الزلازل وحجمها صغيرا نسبيا على طول مركز الانتشار، لكن عملية التصدع أنتجت سلسلة من الأنظمة البركانية غرب السعودية.
وإلى الشمال، ينتهي صدع البحر الأحمر عند الحدود الجنوبية لصدع البحر الميت التحويلي، وهو صدع انزلاقي يستوعب الحركة التفاضلية بين صفيحة أفريقيا والجزيرة العربية، ورغم أن كلا من الصفيحة الأفريقية، إلى الغرب، والصفيحة العربية، إلى الشرق، تتحركان في اتجاه شمال شرق، فإن الصفيحة العربية تتحرك بشكل أسرع قليلا، مما يؤدي إلى حركة انزلاقية على الجانب الأيسر على طول هذا الجزء من الصفيحة العربية.
وتاريخيا، كان نشاط الزلازل على طول هذا الصدع يشكل خطرا كبيرا في منطقة المشرق العربي ذات الكثافة السكانية العالية (شرق البحر الأبيض المتوسط)، فعلى سبيل المثال، يُعتقد أنه كان سببا في زلزال الشرق الأدنى الذي وقع في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1759، وقد أدى إلى مقتل ما بين ألفين إلى 20 ألف شخص، ويحدث الانتهاء الشمالي لهذا الصدع داخل منطقة تكتونية معقدة في جنوب شرق تركيا، حيث يحدث التفاعل بين الصفائح الأفريقية والعربية والأورآسيوية.
زلزال عام 365 مومع هذا الوضع الجيولوجي المعقد، تشهد المنطقة زلازل بشكل دوري، غير أنه لا يتم الإعلان إلا عن "الزلازل متوسطة وكبيرة الحجم"، لذلك فإن "قدر الجغرافيا" لا يخص تركيا وحدها، لكن يخص المنطقة بأكملها، كما يوضح ريتشارد أوت، من "المركز الألماني لبحوث علوم الأرض" في تصريحات هاتفية للجزيرة نت.
ويقول أوت "إذا كان زلزال تركيا قد وصف بأنه أقوى الزلازل التي تم تسجيلها على الإطلاق في المنطقة، حيث يضاهي قوة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص في ديسمبر/كانون الأول من عام 1939 في شمال شرق تركيا، فإن منطقة شرق المتوسط بأكملها، كانت على موعد قبل 1658 عاما، وتحديدا في صباح 21 يوليو/تموز من عام 365 م، مع زلزال يفوقه قوة، ويُعتقد أنه (أقوى زلزال مسجل) في المنطقة". وقدرت دراسة قادها أوت نشرتها مجلة "إيه جي يو أدفانسيس" في العاشر من مايو/أيار من عام 2021، قوة هذا الزلزال بـ8 درجات على مقياس ريختر.
ويضيف أوت "لا يوجد ما يمنع تكرار مثل هذا الحدث عندما تأتي الساعة التي تتحرر فيها قوة الضغط المتراكمة عبر مئات أو آلاف السنين، لذلك فإن دولا أخرى في المنطقة غير تركيا قد تكون على موعد مع زلزال مدمر، لا يعرف متى وأين يحدث".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: زلزال المغرب زلزال العراق الذی وقع فی علوم الأرض على طول من عام
إقرأ أيضاً:
جيش “كيان العدو” يستعد لتحويل منطقة رفح إلى منطقة العازلة
يمانيون../
قال المراسل العسكري في صحيفة “هآرتس الإسرائيلية” ينيف كوبوفيتش إن الجيش “الإسرائيلي” يستعد لتحويل مدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة، والأحياء المجاورة لها، إلى جزء من المنطقة العازلة “المحيط الأمني”، مضيفًا أن هذه المنطقة، المحصورة بين محور “فيلادلفيا” جنوبًا وممر “موراغ” شمالًا، كانت موطنًا لما يقارب 200 ألف فلسطيني قبل الحرب، لكن في الأسابيع الأخيرة أصبحت المنطقة شبه خالية من السكان بعد أن أحدث الجيش فيها دمارًا واسعًا، ومؤخرًا، بعد انتهاء الهدنة، دعا الجيش السكان المدنيين الذين لا يزالون يقيمون هناك إلى إخلاء المنطقة والانتقال إلى المنطقة الإنسانية القريبة من الساحل، في مناطق خان يونس والمواصي.
وتابع: “حتى الآن، تجنّب الجيش “الإسرائيلي” إدخال مدن كبيرة مثل رفح إلى المنطقة العازلة التي بدأ بإنشائها منذ بداية الحرب على طول الحدود مع “إسرائيل””، ونقل عن مصدر في المؤسسة الأمنية قوله “إن هذه الخطوة جاءت نتيجة قرار المستوى السياسي بإعادة تصعيد الحرب في الشهر الماضي، وفي ضوء تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن “إسرائيل” ستسيطر على مساحات واسعة من القطاع، ويبدو أن هناك نية لتكرار ما جرى في شمال القطاع، ولكن هذه المرة في جنوبه”.
ورأى كوبوفيتش أن لتوسيع المنطقة العازلة بهذا الشكل دلالات عديدة، ليس فقط لأن المساحة كبيرة (نحو 75 كم²، أي ما يعادل خُمس مساحة القطاع)، بل لأن عزلها فعليًا يجعل غزة جيبًا محاصرًا داخل “الأراضي “الإسرائيلية””، ويُبعدها كليًا عن الحدود المصرية، موضحًا أن هذه النقطة بالذات كانت ضمن الاعتبارات لاختيار رفح، بحسب مصادر أمنية.
ونقل عن هذه المصادر قولها “إن من بين أهداف هذه الخطوة ممارسة ضغوط جديدة على حماس، وقد تبلور في الجيش مفهوم أن “إسرائيل” لن تحظى بدعم دولي لعملية طويلة الأمد في غزة، ولا حتى من الولايات المتحدة، كما أن تهديدات بعض الوزراء “الإسرائيليين” بمنع المساعدات الإنسانية لن تُترجم فعليًا إلى سياسة، لذلك، يستعد الجيش للتركيز على أماكن يعتقد أنها قد تمارس ضغطًا على قيادة حماس، مبينًا أن منطقة رفح – بحجمها وموقعها الحدودي مع مصر – تبدو هدفًا مثاليًا”.
وأردف: “كجزء من التحضيرات، بدأ الجيش بالفعل بتوسيع محور “موراغ” من خلال تدمير المباني المحاذية له، وفي بعض الأماكن، سيصل عرض هذا المحور إلى مئات الأمتار، بل قد يتجاوز كيلومترًا واحدًا”.
ووفقًا لمصادر في المؤسسة الأمنية تحدثت إلى صحيفة “هآرتس”، لم يتم بعد اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم فقط فرض السيطرة على هذه المنطقة ومنع دخول المدنيين إليها كما تم في مناطق أخرى ضمن “المحيط الأمني”، أم سيتم تدمير كل المباني فيها فعليًا،بما يعني محو مدينة رفح تمامًا.
مخاطر غير ضرورية
وشدد كوبوفيتش على أنه مع بداية الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلن الجيش “الإسرائيلي” عن نيته إنشاء منطقة عازلة على طول حدود قطاع غزة، تهدف إلى إبعاد التهديدات عن المستوطنات “الإسرائيلية” المحاذية، بمسافة تتراوح بين 800 متر وكيلومتر ونصف (1.5). وتبلغ مساحة هذه المنطقة نحو 60 كم² (أكثر من 16% من مساحة القطاع) وكان يقطنها نحو ربع مليون فلسطيني قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر. ووفق تقرير لمركز الأمم المتحدة للصور الفضائية صدر في نيسان/أبريل من العام الماضي، فإن نحو 90% من المباني داخل المنطقة العازلة قد تضررت أو دُمرت بالفعل.
وقال: “لكن “النشاط العسكري” الجديد لا يقتصر على المنطقة الواقعة بين محور “موراغ” ومحور “فيلادلفيا”، فقد بدأ الجنود مؤخرًا بالتمركز على طول كامل المحيط الأمني، في خطوة يبدو أنها تمهيدية” وفق تعبيره.
وفي هذا السياق، قال قائد قاتل في غزة لأكثر من 240 يومًا للصحيفة: “لم يعد هناك ما يمكن تدميره في المحيط الأمني وفي ممر “نتساريم”، فالمنطقة غير صالحة لسكن البشر، ولا داعي لإدخال المزيد من الجنود لهذه المناطق”. وأعرب هو وآخرون عن استيائهم من نية الجيش استئناف العمليات في هذه المناطق.
قادة وجنود احتياط تحدّثوا للصحيفة عن تكرار نفس الخطابات التي سمعوها في بداية الحرب، دون قراءة واقعية للميدان. فقد قال أحد الجنود من لواء احتياط: “من غير المعقول أن نعود بعد سنة ونصف لنقطة البداية. ندمر ما هو مدمر دون معرفة المدة، أو ما الهدف من العملية، أو ما الإنجاز المطلوب لتحقيقه”.
وإلى جانب الشك في جدوى الأهداف، هناك قلق من المخاطر غير الضرورية التي تهدد حياة الجنود. قال أحد القادة: “كل المباني في غزة معرضة للانهيار، وقد خسرنا العديد من الجنود بسبب انهيار مبانٍ، وكنا نقضي ساعات في إنقاذهم من تحت الأنقاض”. وأضاف: “إذا لم يفهم قادة الجيش أن الجنود مستعدون للقتال ولكن ليس للموت بسبب حوادث يمكن تجنبها، فهم بانتظار مفاجأة”.
منطقة حمراء ومنطقة خضراء
وقال كوبوفيتش: “لكن مع استئناف عمليات التجريف والسيطرة على أجزاء من قطاع غزة، من المتوقع أن تبرز قضايا أخرى، تتعلق بالمخاوف من إصابة المدنيين الغزيين”.
أحد القادة البارزين الذين قادوا القوات خلال المعارك في القطاع صرح لصحيفة “هآرتس قائلاً: “لا نستيقظ صباحًا ونضع جرافة (D9) ونهدم أحياءً”، مضيفًا: “إذا كنا بحاجة للتقدم إلى مناطق معينة، فلن نعرّض قواتنا للخطر بسبب العبوات الناسفة والألغام”.
قادة وجنود، بعضهم أدلى بشهادته لمنظمة “نكسر الصمت”، حاولوا وصف التوازن الميداني بين “لسنا هنا فقط لهدم الأحياء” وبين “لن نعرّض قواتنا للخطر”، مضيفًا: “جندي مدرعات عمل في تجريف منطقة العازل: “إذا رأينا مشتبهًا به نطلق عليه النار، ونريدهم أن يفهموا أنه لا يُسمح لهم بالخروج (من المنزل)”. وأضاف: “إذا كان مبنى يطل على السياج ويمكن إطلاق النار منه، فسيُهدم. الجرافة تمضي وتزيل كل شيء أمامها، كل شيء يعني كل شيء. انتهى الموضوع. هذا هو الأمر. لا مزاح”.
وتظهر شهادات من قادة وجنود، أن فرقة غزة أنشأت خريطة للمناطق في منطقة العازل باستخدام ألوان تتغير بين الحين والآخر. كانت المناطق تُصنف بالألوان: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، والأخضر (يعني أن أكثر من 80% من المباني في تلك المنطقة دُمّرت). وشملت الخريطة منازل، دفيئات، عنابر، مصانع – “سَمِّ ما شئت”، كما وصفها أحد الجنود. في الواقع، تحولت هذه الخريطة إلى منافسة بين القوات لتدمير المباني، حيث سعى كل قائد لإظهار أن منطقته أصبحت “خضراء” أكثر.
بحسب الصحيفة، وبشكل عام، فقد تعود قواعد إطلاق النار إلى واجهة النقاش بسبب المواجهات المحتملة بين الجنود ومدنيين لم يغادروا منازلهم أو ضلّوا طريقهم. وقال ضابط مدرعات خدم مئات الأيام في الاحتياط بالقطاع: “لا يوجد تنظيم واضح لقواعد إطلاق النار في أي مرحلة، فأي حركة بشرية كانت تُعتبر مشبوهة لأننا قررنا ذلك، ابحث عن أي شيء يبرر وأطلق النار عليه، التمييز بين بنية تحتية مدنية وإرهابية لم يكن مهمًا، لم يهتم أحد”. وأضاف أن هذا كان حال المنطقة العازلة أيضًا.
وبحسب كلامه، كان هناك نوع من المفتاح غير الرسمي لقواعد التعامل: “رجل بالغ – يُقتل. النساء والأطفال يتم إطلاق نار تحذيري لإبعادهم، وإذا اقتربوا من السياج يُوقَفون، لا نقتل النساء والأطفال وكبار السن”. وأضاف أن معظم من دخلوا منطقة العازل كانوا رجالًا بالغين، وغالبًا لم يكونوا يعرفون أي خط منطقة القتل”.
ارتباك بأثر رجعي
ولفت كوبوفيتش إلى أنه “رغم مرور وقت طويل، وصفقات تبادل الأسرى وانهيارها، والخطر القاتل الذي اتضح أنه يهدد الجنود والأسرى على حد سواء، في إحاطة قدمها قائد الوحدة الخاصة (سييرت) في لواء غولاني مؤخرًا قبل دخولهم إلى محور موراغ، قال لجنوده: “هدف العملية هو استعادة الأسرى، حتى إن لم نصل إلى نفق أو مبنى فيه أسير… هكذا عاد الأسرى حتى الآن. كل من نصادفه هو عدو، نرصد الهدف، نطلق النار، ندمر، ونتقدم. لا تشتتوا أنفسكم في هذا السياق”.
لكن الجنود والقادة الذين تحدثت إليهم صحيفة “هآرتس” قالوا، إنهم في المعارك السابقة التي خاضوها بالمناطق التي قاموا بتجريفها وإخلائها وتسويتها بالأرض، لاحظوا لاحقًا كثيرًا من الالتباسات. “على الأقل عدة عشرات من المنازل التي دمرناها”، قال أحد جنود المدرعات، “تم تصنيفها كأهداف من قبل الجيش، لكن تبيّن لاحقًا أنها تحتوي على معدات تخص الأسرى. من كان هناك؟ ومتى؟ ولمدة كم؟ – هذه الأسئلة على الأرجح لن يُجاب عليها أبدًا”.
* المادة نقلت حرفيا من موقع العهد الاخباري