جريدة الوطن:
2024-10-05@07:44:12 GMT

أذى الطبيعة

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

فاجعتان في غرب العالَم العربي خلَّفتا آلاف الضحايا وأضعافهم من الذين أصبحوا بلا مأوى، بزلزال مدمِّر في مراكش بجنوب المغرب وعواصف وسيول في درنة وغيرها بشرق ليبيا، سبَّبتا حالة من الحزن العامِّ في أرجاء المنطقة. ورغم أنَّ الأحداث لا تزال ساخنة والقلوب بعدها دامية من الألَم والأسَى، إلَّا أنَّ استخلاص الدروس مُهمٌّ تحسُّبًا لتكرار تلك الكوارث الطبيعيَّة التي زادت وتيرتها وحدَّتها في الأوان الأخير.

فزلزال المغرب يأتي بعد فترة وجيزة من الزلزال المُدمِّر الذي ضرب سوريا وتركيا مخلِّفًا آلاف الضحايا ودمارًا هائلًا. وما بَيْنَ الحدثَيْنِ، شهدت مناطق أخرى من العالَم زيادة في حدَّة الظواهر الطبيعيَّة من عواصف وسيول وحتَّى زلازل أقلَّ حدَّة. ليس أقلَّها أمطار موسم «المونسون» في الهند التي أضرَّت بمحصول الأرز ما جعل الحكومة تفرض حظر تصدير أدَّى إلى ارتفاع أسعار الأرز في العالَم. ذلك غير الحرائق التي ضربت أميركا الشماليَّة وأوروبا وأزهقت أرواحًا ودمَّرت محاصيل وممتلكات. طبعًا تلك أضرار لا تقارن بفداحة الخسائر البَشَريَّة في المغرب وليبيا وقَبلها سوريا وتركيا.
قَدْ يوصف كُلُّ ذلك بأنَّه أذى الطبيعة لسكَّان الأرض، لكنَّ الطبيعة غالبًا ما تُحقِّق التوازن بغَضِّ النظر عن الأضرار. وما جهد البَشَر في محاولة تطويع الطبيعة إلَّا إخلال بذلك التوازن أحيانًا. هذا ما يحدث فيما يتعلَّق بالتغيُّرات المناخيَّة التي يُسبِّبها الإنسان بانبعاثات الغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري، وغير ذلك من النشاطات التي تخلُّ بالتوازن الطبيعي مِثل إنتاج النفط والغاز الصخري في أميركا الشماليَّة وبريطانيا والذي يُسبِّب الزلازل بشكلٍ مباشر. أمَّا الحرائق التي تزيد قوَّتها وأضرارها والأمطار والسيول والعواصف فهي نتاج مباشر لتغيُّر المناخ. فالعاصفة دانيال التي ضربت ليبيا هي عاصفة موسميَّة، لكن لَمْ يحدُثْ أن أدَّت إلى وفاة الآلاف وطمر مُدُن بالكامل كما حدَث قَبل أيَّام. حتَّى الزلازل التي ضربت نيويورك وما حَوْلَها في الولايات المُتَّحدة هذا العام لَمْ تكُنْ بالقوَّة والأضرار كما حدَث في المغرب قَبل أيَّام وقَبل ذلك في سوريا وتركيا. ولعلَّ تلك هي ما تُسمَّى «العدالة المناخيَّة» التي تصاعد الحديث عَنْها في مؤتمر المناخ العالَمي، كوب 27، العام الماضي في مصر، ولا شكَّ ستكُونُ أكثر حضورًا في مؤتمر «كوب 28» في الإمارات. تلك العدالة التي يقصد بها أنَّ الدوَل الكبرى الغنيَّة مسؤولة عن أكثر من ثلاثة أرباع التلوُّث البيئي المُسبِّب للتغيُّر المناخي، بَيْنَما تُعاني بقيَّة دوَل العالَم بشكلٍ أكبر وأخطر من نتيجة تلك الأضرار. وذلك هو الأذى الأكبر الذي يُسبِّبه الإنسان وليس الطبيعة.
إذا كانت بقيَّة كوارث الطبيعة من عواصف وسيول وقَبلها الحرائق وغيرها مرتبطة بشكلٍ مباشر بارتفاع حرارة كوكب الأرض نتيجة انبعاث الغازات المُسبِّبة الاحتباس الحراري، فإنَّ الزلازل والبراكين ربَّما يصعب الربط بَيْنَها وبَيْنَ التغيُّر المناخي. فالزلازل تحدُث نتيجة تحرُّك الصفائح التكتونيَّة التي تُشكِّل الطبقة التالية من الكرة الأرضيَّة تحت قشرتها وفوق القلب الصلب للكرة. هذه الصفائح في حركة مستمرَّة وتُسمَّى المناطق ما بَيْنَ أطرافها «الفالق». يُحدِّد علماء الجيولوجيا 14 صفيحة كبرى تحت قشرة الأرض تتحرك بما بَيْنَ سنتيمترَيْنِ وعشرين سنتيمترًا سنويًّا. وحين تحتكُّ أطرافها أو تطغى فوق بعضها تحدُث الزلازل. يبدو علميًّا إذًا أنَّ الزلازل هي نتيجة عمليَّة جيولوجيَّة تحت سطح الأرض يصعب إثبات أنَّها تتأثَّر كثيرًا بما فوقها. لكن في السنوات الأخيرة مع تكرار الزلازل بشكلٍ غير معتاد في مناطق تحطيم الصخور لاستخراج النفط والغاز بدأت أبحاث العلماء تحاول الربط بَيْنَ الزلازل كظواهر طبيعيَّة والتغيُّرات فوق سطح الأرض وربَّما في مجالها الجوِّي أيضًا.
لوحظ أيضًا أنَّ الزلازل تكثر في منطقة الهيملايا في فصل الشتاء، ولا تحدُث في وقت موسم المونسون حيث الأمطار الكثيفة تثبت قشرة الأرض. وممَّا يثبِّت قشرة الأرض بالضغط القوي عليها أيضًا جبال الجليد التي أخذت في الذوبان بكثافة في السنوات الأخيرة نتيجة التغيُّر المناخي. وهناك أبحاث الآن تربط بَيْنَ تخفيف الضغط على قشرة الأرض وزيادة تحرُّك الصفائح التكتونيَّة تحتها بما يزيد من احتمالات الزلازل، وكذلك قوَّتها عِنْد كُلِّ فالق. هذا فضلًا عن أنَّ ذوبان الجليد يؤدِّي إلى ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات ما ينقل الضغط على قشرة الأرض من منطقة إلى أخرى. تلك الاختلالات الطبيعيَّة ناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، بالإضافة إلى نشاطات بَشَريَّة أخرى تُسبِّب أضرارًا للتوازن الطبيعي. والنتيجة أنَّ الظواهر الموسميَّة أصبحت أكثر حدَّة وتحدُث بوتيرة أسرع. ومع استمرار ضغط البَشَر على المناخ تتسع هوَّة الاختلال الطبيعي في غلاف الكرة الأرضيَّة ويزيد الضرر على قشرة الأرض فيؤدِّي بِدَوْره إلى مزيدٍ من الكوارث الطبيعيَّة من باطن الأرض كالزلازل والبراكين.
ربَّما يكُونُ الإثبات العلمي ليس كافيًا بعد للربط بَيْنَ زيادة عدد الزلازل وحدَّتها، وبالتَّالي أضرارها بالتغيُّرات المناخيَّة. إلَّا أنَّ المؤشِّرات تبدو قويَّة حاليًّا. وحتَّى إذا ردَّ بعض المُنكرين أصلًا للتغيُّر المناخي وأضراره فإنَّ العواصف والسيول التي تدمِّر المُدُن بكاملها وتودي بحياة الآلاف من البَشَر هي نتيجة مباشرة لاختلال المناخ. ولعلَّ ذلك كافٍ حتَّى الآن، قَبل أن نشهدَ كوارث أكثر، للتعامل بجديَّة مع أسباب التغيُّرات المناخيَّة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ر المناخی ر المناخ العال م الب ش ر ة التی التی ت

إقرأ أيضاً:

تحذيرات دولية من تأثير التغيُّر المناخي على الرياضات الشتوية

أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والاتحاد الدولي للتزلج والتزحلق على الثلج، اليوم الخميس، عن شراكتهما لزيادة الوعي حول الآثار الضارة للتغير المناخي على رياضات الشتاء والسياحة.

وجاء على الموقع الرسمي للأمم المتحدة أن المنظمتين ستتعاونان لتسليط الضوء على التأثيرات الواسعة لإرتفاع درجات الحرارة العالمية على الثلج والجليد، مع العمل على تعزيز الحوار العلمي والمتعلق بالرياضة.

ومن المقرر أن تبدأ الشراكة قبل موسم الشتاء 2024 /2025، وستستمر في البداية لمدة خمس سنوات، وقالت الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، سيليست ساولو، إن تأثير التغير المناخي على رياضات الشتاء والسياحة هو فقط «قمة جبل الجليد» عندما يتعلق الأمر بالتأثيرات المناخية.

وأضافت «تراجع الأنهار الجليدية، وانخفاض تغطية الثلوج والجليد، وذوبان الجليد الدائم تؤثر بشكل كبير على النظم البيئية الجبلية والمجتمعات والاقتصادات، وستكون لها عواقب خطيرة بشكل متزايد على المستويات المحلية والوطنية والعالمية لقرون قادمة».

وتأكيدا لهذا البيان، قال رئيس الاتحاد الدولي للتزلج، يوهان إلياش "إن أزمة المناخ أكبر بكثير من الاتحاد الدولي للتزلج أو الرياضة، وعلى أي حال، إنها نقطة تقابل حقيقي للبشرية"، لكنه أشار إلى أن التأثيرات على الرياضة أصبحت واضحة بالفعل، وأنه بين عامي 2023 و2024، اضطر الاتحاد الدولي للتزلج إلى إلغاء 26 من أصل 616 سباق كأس العالم بسبب الطقس.

وقال إلياش «سنكون مقصرين إذا لم نبذل كل جهد ممكن يستند إلى العلم والتحليل الموضوعي».

وأظهرت عدة دراسات كيف أثر التغير المناخي على رياضات الشتاء والسياحة، بما في ذلك دراسة أجريت في سويسرا أظهرت أن الأنهار الجليدية في الألب فقدت 60% من حجمها منذ عام 1850.

وجدت دراسة منفصلة أن الشتاءات أصبحت أكثر دفئا، ووفقا لدراسات المناخ في سويسرا، ستصل مستويات الصفر درجة مئوية إلى ارتفاعات أعلى بكثير - حوالي 1300 إلى 1500 متر فوق مستوى سطح البحر بحلول عام 2060. قبل خمسين عاما، كانت مستويات التجمد عند حوالي 600 متر فقط.

اقرأ أيضاًمعلومات الوزراء يتناول تأثيرات التغير المناخي والصدمات على عملية التعليم

الأمم المتحدة: تهجير 110 ملايين شخص نتيجة التغير المناخي خلال 10 سنوات

رئيس مركز التغير المناخي محذرا: مصر ستسجل أعلى درجة حرارة في العالم خلال هذا الصيف

مقالات مشابهة

  • عمرو مصطفى يكشف عن أحدث أعماله وسط الطبيعة «صورة»
  • إلهام شاهين تستمع بجمال الطبيعة في سلطنة عُمان بهذه الإطلالة «صور»
  • متنزه البراري بمحافظة هروب وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والهواء الطلق
  • هيئة البيئة – أبوظبي تنظِّم الاجتماع الخامس لرؤساء مجموعات لجنة بقاء الأنواع التابعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة
  • تحذيرات دولية من تأثير التغيُّر المناخي على الرياضات الشتوية
  • قمة الاقتصاد الأخضر تحدد الأجندة العالمية للعمل المناخي
  • صور الأقمار الصناعية تكشف عن الأضرار التي لحقت بقاعدة نيفاتيم الجوية الصهيونية نتيجة الهجمات الصاروخية الإيرانية.”
  • العلا.. حماية التراث الطبيعي والإنساني
  • الاحتلال الإسرائيلي يعترف بحجم الخسائر الهائلة التي تعرض لها سلاح الجو نتيجة الهجوم الإيراني ويصفه ’’بالمدمر’’ (تفاصيل)
  • فوائد العسل للبشرة: سر الجمال الطبيعي