بوابة الوفد:
2025-10-20@16:51:49 GMT

حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

قالت دار الإفتاء المصرية، إن الصلاة في المساجد التي يوجد بها أضرحة الأولياء والصالحين صحيحة ومشروعة، بل إنها تصل إلى درجة الاستحباب، وذلك ثابت بالكتاب والسنة وفعل الصحابة وإجماع الأمة الفعلي.

الإفتاء توضح ما تُدرَك به الصلاة في حق المرأة حال انقطاع الحيض عنها الإفتاء: التيمم من خصائص أمة سيدنا محمد عليه الصلاة السلام

أوضحت الإفتاء، أن الدليل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: 21]، وسياق الآية يدل على أن القول الأول هو قول المشركين، وأن القول الثاني هو قول الموحدين، وقد حكى الله تعالى القولين دون إنكار، فَدَلَّ ذلك على إمضاء الشريعة لهما، بل إن سياق قول الموحدين يفيد المدح، بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين المحفوف بالتشكيك، بينما جاء قول الموحدين قاطعًا، وأن مرادهم ليس مجرد البناء بل المطلوب إنما هو المسجد.

واستشهدت من السنة بحديث أبي بصير رضي الله عنه الذي رواه عبد الرزاق عن معمر، وابن إسحاق في "السيرة"، وموسى بن عقبة في "مغازيه" وهي أصح المغازي كما يقول الإمام مالك؛ ثلاثتهم عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهم: "أن أبا جندل بن سهيل بن عمرو دفن أبا بصير رضي الله عنه لما مات وبنى على قبره مسجدًا بسيف البحر، وذلك بمحضر ثلاثمائة من الصحابة". وهذا إسناد صحيح، كله أئمة ثقات.

ومثل هذا الفعل لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فلم يرد أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بإخراج القبر من المسجد أو نبشه.

وتابعت الإفتاء: كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «في مسجد الخيف قبر سبعين نبيًّا» أخرجه البزار والطبراني في المعجم الكبير، وقال الحافظ ابن حجر في "مختصر زوائد البزار": هو إسناد صحيح، وقد ثبت في الآثار أن سيدنا إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر رضي الله عنها قد دفنا في الحجر من البيت الحرام، وهذا هو الذي ذكره ثقات المؤرخين واعتمده علماء السير: كابن إسحاق في "السيرة"، وابن جرير الطبري في "تاريخه"، والسهيلي في "الروض الأنف"، وابن الجوزي في "المنتظم"، وابن الأثير في "الكامل"، والذهبي في "تاريخ الإسلام"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وغيرهم من مؤرخي الإسلام، وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، ولم يأمر بنبش هذه القبور وإخراجها من مسجد الخيف أو من المسجد الحرام.

وأما فعل الصحابة: فقد حكاه الإمام مالك في "الموطأ" بلاغًا صحيحًا عندما ذكر اختلاف الصحابة في مكان دفن الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، فقال ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: يدفن بالبقيع، فجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه، فحفر له فيه» اهـ. والمنبر من المسجد قطعًا، ولم ينكر أحد من الصحابة هذا الاقتراح، وإنما عدل عنه أبو بكر رضي الله عنه تطبيقًا لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدفن حيث قُبِضَتْ روحُه الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم، فدفن في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها المتصلة بمسجده الذي يصلي فيه المسلمون، وهذا هو نفس وضع المساجد المتصلة بحجرات أضرحة الأولياء والصالحين في زماننا.

وأردفت: وأما دعوى الخصوصية في ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي غير صحيحة؛ لأنها دعوى لا دليل عليها، بل هي باطلة قطعًا بدفن سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما في هذه الحجرة التي كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تعيش فيها وتصلي فيها صلواتها المفروضة والمندوبة، فكان ذلك إجماعًا من الصحابة رضي الله عنهم على جوازه.

إجماع الأمة الفعلي وإقرار علمائها

ومن إجماع الأمة الفعلي وإقرار علمائها لذلك: صلاة المسلمين سلفًا وخلفًا في مسجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمساجد التي بها أضرحة بغير نكير، وإقرار العلماء من لدن الفقهاء السبعة بالمدينة المنورة الذين وافقوا على إدخال الحجرة النبوية الشريفة إلى المسجد النبوي سنة ثمانٍ وثمانين للهجرة، وذلك بأمر الوليد بن عبد الملك لعامله على المدينة حينئذٍ عمر بن عبد العزيز رحمه الله، ولم يعترض منهم إلا سعيد بن المسيب لا لأنه يرى حرمة الصلاة في المساجد التي بها قبور، بل لأنه كان يريد أن تبقى حجرات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هي يطلع عليها المسلمون حتى يزهدوا في الدنيا ويعلموا كيف كان يعيش نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما حديث عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»؛ فالمساجد: جمع مسجد، والمسجد في اللغة: مصدر ميمي يصلح للدلالة على الزمان والمكان والحدث، ومعنى اتخاذ القبور مساجد: السجود لها على وجه تعظيمها وعبادتها كما يسجد المشركون للأصنام والأوثان، كما فسرته الرواية الصحيحة الأخرى للحديث عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «اللهُمَّ لَا تَجعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبِيائِهِمْ مَسَاجِدَ». فجملة «لعن الله قومًا...» بيان لمعنى جعل القبر وثنًا، والمعنى: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُسجد له ويُعبد كما سجد قوم لقبور أنبيائهم.

قال الإمام البيضاوي: [لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم؛ تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قِبلة، ويتوجَّهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانًا، لعنهم الله، ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه، أما من اتخذ مسجدًا بجوار صالح أو صلى في مقبرته وقصد به الاستظهار بروحه ووصول أثر من آثار عبادته إليه لا التعظيم له والتوجه فلا حرج عليه، ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثم الحطيم، ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرَّى المصلي بصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختص بالمنبوشة؛ لما فيها من النجاسة].

واختتمت الإفتاء قائلة: "وبناءً على ذلك: فإن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة الأولياء والصالحين جائزة ومشروعة، بل ومستحبة أيضًا، والقول بتحريمها أو بطلانها قولٌ باطل لا يُلتَفَتُ إليه ولا يُعَوَّلُ عليه".

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الصلاة الأضرحة دار الافتاء القرآن الكريم السنة النبی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنها رضی الله عنه مسجد ا

إقرأ أيضاً:

سلامة داود: بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم تكشف عن أسرار دقيقة في إسناد الأفعال بين الحقيقة والمجاز

قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن التدبر في أساليب النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه الشريف يكشف عن دقائق ولطائف بلاغية ومعانٍ عميقة، تجمع بين البيان والإعجاز، وتفتح أمام الباحثين أبوابًا واسعة للتأمل في العلاقة بين اللغة والشرع والمعنى.

وأوضح الدكتور سلامة، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، اليوم السبت، أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد الضالة فيه فقولوا لا رد الله عليك»، يحمل دقة بالغة في اختيار الألفاظ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا أربح الله تجارتك»، فجعل فعل "أربح" مسندًا إلى فاعله الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى، بينما في قوله تعالى: «فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين» أُسند الفعل مجازًا إلى التجارة نفسها، مع أن الذي يخلق الربح في الحقيقة هو الله تعالى.

وأضاف أن هذا التفاوت في الأسلوب بين الآية والحديث الشريف يحمل أسرارًا بلاغية عظيمة؛ ففي الآية جاء الإسناد المجازي لتدل على أن التجارة سبب من أسباب الربح في العادة، بينما جاء في الحديث الإسناد الحقيقي إلى الله جل جلاله ليدل على أن من باع واشترى في المسجد فقد وضع تجارته في غير موضعها، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتولى بنفسه كسادها وعدم ربحها.

وبيّن رئيس جامعة الأزهر أن هذا التمييز بين الإسناد الحقيقي والمجازي يحتاج إلى بصيرة وتأنٍّ من العلماء والدارسين، لأن النظر في الأساليب التي وردت في القرآن الكريم ونظائرها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم يفتح بابًا واسعًا من المعرفة البلاغية والدينية، ويكشف سرّ اختيار اللفظ وسياقه ومناسبته للمقام، وهو كنز من كنوز العلم ينبغي التوقف عنده والبحث فيه بعمق وتأمل.

وأشار الدكتور سلامة داود إلى أن من لطائف الأسلوب النبوي أيضًا ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «من أطعمه الله الطعام فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه»، ففي هذا الحديث نلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل "من أكل طعامًا أو شرب لبنًا"، بل قال «من أطعمه الله» و«من سقاه الله»، ليغرس في النفس أن كل نعمة، مهما صغرت، هي من عند الله وحده.

وأكد رئيس جامعة الأزهر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا الأسلوب أن يعلّم الأمة أدبًا راقيًا في استحضار المنعم سبحانه في كل لحظة من لحظات الحياة، وأن يربط العبد بخالقه في طعامه وشرابه ومعيشته كلها، حتى يدرك أن الفضل لله وحده، وأن كل ما يجري في الكون إنما هو بقدرته وتوفيقه جل جلاله.

طباعة شارك رئيس جامعة الأزهر الدكتور سلامة داود بلاغة القرآن والسنة لطائف الأسلوب النبوي

مقالات مشابهة

  • التصرف الشرعي لشخص دائم الشك في مرات السجود أثناء الصلاة
  • أدعية الرسول في الصلاة.. احفظها ولا تفوت ثوابها
  • دار الإفتاء: عذاب القبر ثابتٌ بالنصوص
  • ركعتان وقراءة الفاتحة والإخلاص 3 مرات للمتطهرة من الحيض .. هل تعدل أجر 60 شهيدا؟
  • حكم عمل الولائم وبيان بعض أنواعها.. الإفتاء توضح
  • هل التسامح في الإسلام مقيد بزمن أو أشخاص؟
  • سلامة داود: بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم تكشف عن أسرار دقيقة في إسناد الأفعال بين الحقيقة والمجاز
  • فضل قراءة سورة الفاتحة "السبع المثاني"
  • هل تبطل الصلاة إذا سلم الإمام قبل إتمام التشهد الأخير؟..عطية لاشين يجيب
  • لماذا نقرأ آية الكرسي بعد الصلاة؟.. الرسول أوصى بها لـ 10 أسباب