الإمارات.. "ملكة" البخور والحرير
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
أصبحت الإمارات بعد قمة مجموعة العشرين التي احتضنتها الهند في نهاية الأسبوع الماضي، لاعباً محوراً ومركزياً في تأسيس عالم جديد، أكثر تفاعلاً، وترابطاً اقتصادياً وتجارياً وثقافياً، وسياسياً أيضاً، إذ كشفت القمة التي شاركت فيها الدولة للمرة الرابعة في تاريخها، حجمها المتنامي وقدرتها المتعاظمة على تعزيز العلاقات والشراكات الدولية على كل المستويات.
كانت المشاركة في قمة العشرين أيضاً، مناسبة جديدة أكد فيها رئيس الدولة الحرص الثابت على مزيد الارتقاء بالعلاقات مع الهند، العملاق الاقتصادي والسياسي الكبير في آسيا والعالم، وبما يتلاءم أيضاً مع طموحات ومكانة الإمارات المتزايدة بين كبار العالم أيضاً، وعلى قدم المساواة في إطار "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، و"الشراكة الاقتصادية الشاملة" بينهما، وبما يضمن تعزيز مسارات التعاون الثنائي في كل المجالات، ويخدم مصالحهما المشتركة، وأهداف شعبي البلدين في التنمية والتقدم، ويضمن مستقبلاً أفضل للبلدين، وللإنسانية قاطبة.
وبالنظر إلى ما تقدم، فالثابت أن إعلان مشروع "الممر" الاقتصادي بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا، يعكس وبدقة دور البلدين من هذا المشروع العملاق من جهة، ويرسخ قدميهما على خارطة العالم الجيوسياسية والاقتصادية أبرز لاعبين دوليين في إنجاحه من جهة ثانية، بما أن الهند منطلق الممر، والإمارات بوابة جزئه الشمالي، الذي سيكون صلة الوصل بين الخليج العربي، والشرق الأوسط، وأوروبا، بفضل ما توفره بنيتها التحتية المتطورة من شروط لنجاح المشروع الكبير، بجزئيه البحري والبري.
ولا شك أن الشراكة والعلاقة المميزة على كل المستويات، خاصةً في السنوات القليلة الماضية، بين الإمارات والهند، ستكون أبرز الأسس التي يقوم عليها المشروع، في ظل العلاقات النموذجية بين البلدين، وترابط المصالح وتعددها وتشابكها بين أبوظبي ونيودلهي، إذ تعد الإمارات، ثالث أكبر دولة في العالم تحتضن مهاجرين من الهند، بأكثر من 3.4 ملايين وفق التقديرات، 20% منهم على الأقل من الكفاءات، والمهارات في قطاعات مهمة، مثل الإدارة، والتجارة، والخدمات، والصحة، والتكنولوجيا، وغيرها، كما تعد الإمارات أيضاً الوجهة الأولى تقريباً للمستثمرين الهنود في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذين يمثلون مثلاً 30% من المستثمرين المنتمين إلى غرفة دبي للتجارة وحدها في 2023.
وبالنظر إلى هذه المقومات الهائلة التي يتيحها التعاون الثنائي، وفي ظل ما تضمنته الشراكة الشاملة بين البلدين من أهداف طموحة، وضخمة، كانت محور اللقاءات والمشاورات الكثيرة والمكثفة بين قيادتي البلدين، على غرار زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى الإمارات في يوليو (تموز) الماضي، أو مشاركة رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قمة العشرين بالعاصمة الهندية، ومحادثاته مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي، والتي أكدت تمسك البلدين بشراكتهما النموذجية، فإن المشروع الجديد الذي أطلق عليه البعض بعد اسم طريق البخور في إشارة إلى مكانة هذه المادة في ثقافة البلدين، يُمثل واحداً أبرز سُبل تعزيزها وتجذيرها، بما يُضفي على العلاقة بين الإمارات والهند بعداً استراتيجياً أكبر، وينقلها من الشراكة الثنائية، إلى طور الشراكة متعددة الأطراف والدولية.
وإذا كان المشروع، أوالممر سيوفر للهند طرق الوصول إلى أوروبا الغربية خاصةً، بشكل أسرع، وأقل كُلفة، بما يُعزز دورها الاقتصادي المتنامي، فإنه سيفتح للإمارات أيضاً فرصاً إضافية لتنمية مبادلاتها مع الهند وما ورائها، من الدول المجاورة، مثل بنغلاديش، ونيبال، وبوتان، وميانمار، وصولاً إلى فيتنام وغيرها من الدول ، وما أبعد منها أيضاً مثل دول وسط آسيا كذلك عبر أفغانستان مثلاً في المستقبل، بعد تجاوز الوضع المتقلب فيها اليوم.
وإذا مضى المشروع الجديد وأصبح واقعاً جديداً، بالتوازي مع نمو العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع الهند، يُمكن القول إن الإمارات ستتحول بذلك قريباً إلى ما يُشبه الدولة المحورية في المبادلات العالمية الكبرى، وقلب النظام الاقتصادي الدولي الجديد الذي ينتظره الخبراء والمحللون، والذي سيدور حول الصين من جهة، والهند من جهة ثانية، لتكون الإمارات بذلك وبالاستناد إلى علاقتها الممتازة بكبيري آسيا، الشريك المفضل للبلدين في المنطقة وشمال إفريقيا، ومن ورائهما شرق إفريقيا وجنوبها، فضلاً عن جنوب أوروبا، ولتصبح بذلك الإمارات مثل ملكة ترفل في الحرير وتتزين وتتعطر بالبخور، بعد إطلاق الصين مبادرتها، طريق الحرير، والهند ممرها الجديد، طريق البخور.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني من جهة
إقرأ أيضاً:
في ظل الشراكة مع إيران.. بوتين قادر على إضرام النيران وإخمادها
على مدار الأسابيع الأخيرة، أثار تراجع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن دعم أوكرانيا، وتبنيها لنهج ودي تجاه موسكو استياء الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في أوروبا.
وشكل هذا التحول في موقف واشنطن، والذي تخللته المشادة العلنية داخل المكتب البيضاوي بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال إيلان بيرمان النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن، في مقال نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إن هذا التحول حدث في وقت يكافح فيه بوتين على نحو متزايد في مواجهة التداعيات الداخلية المزعزعة للاستقرار لحربه طويلة الأمد على أوكرانيا وفي الوقت نفسه، يمنح ميل الإدارة الجديدة في البيت الأبيض إلى عقد صفقات روسيا فرصة لتحسين موقفها على نحو أكبر - من خلال عرض نفسها كوسيط دبلوماسي بين واشنطن وطهران.
Russia is now taking advantage of Trump's foreign policy turnaround by offering to facilitate talks between the U.S. and Iran. But America should beware, because the Kremlin is hardly an honest broker. I explain why, in my latest for @TheNatlInteresthttps://t.co/a2iRj5qLNu
— Ilan Berman (@ilanberman) March 7, 2025وقال بيرمان خبير الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى والاتحاد الروسي إن هذا الاقتراح غير متوقع، كما يتسم بالجرأة والمخاطرة. وتتباهى روسيا وإيران بشراكة استراتيجية واسعة النطاق بين البلدين تمتد لعقود من الزمن. وعلى مر السنين، شملت هذا الشراكة جميع المجالات، من مبيعات الأسلحة إلى دعم البرامج الاستراتيجية المتنوعة للنظام الإيراني. وتدخلت موسكو أيضاً لصالح طهران في مختلف المحافل الدولية، بفضل نفوذها الدبلوماسي، لإضعاف فعالية العقوبات الغربية على إيران، ولتقليص عزلة النظام الإيراني الدولية.
وعلى مدار السنوات الـ 3 الماضية، صارت الشراكة بين البلدين أكثر عمقاً، حيث ساعد الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، والضغوط الغربية الناجمة عنه، في تحويل روسيا إلى دولة منبوذة على المستوى الدولي. وتحولت الجمهورية الإسلامية إلى ما يشبه شريان الحياة لحكومة الرئيس بوتين. ومنذ منتصف عام 2022، صارت إيران لاعباً أساسياً في حرب روسيا على أوكرانيا، حيث زودت موسكو بآلاف من الطائرات بدون طيار (المسيرات) طراز "كاميكازي"، التي استخدمها الجيش الروسي ضد كييف في وقت لاحق، وغيرها من المراكز السكانية الأوكرانية، وكان لها تأثير مدمر.
كما ساعدت إيران روسيا في بناء منشأة لتصنيع المسيرات لإنتاج المزيد منها محلياً، وساعدت موسكو في التحايل على العقوبات الدولية والحصول على مكونات وتكنولوجيا ذات استخدام مزدوج للمجهود الحرب الروسي. ووفرت طهران "معدات" تستخدم في ساحة المعركة، من المدرعات إلى قذائف الهاون، التي عززت القدرات القتالية للقوات الروسية. وفي مقابل ذلك، كثفت روسيا مشاركتها في البرامج الاستراتيجية لإيران.
وأفادت تقارير العام الماضي، بأن متخصصي صواريخ روس قاموا بزيارة الجمهورية الإسلامية عدة مرات لتقديم العون للنظام الإيراني، في تعزيز قدراته الصاروخية الباليستية في خضم تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل.
وأشار بيرمان إلى ما نشرته مؤخراً صحيفة "تايمز أوف لندن"، والتي أفادت بأن "إيران ترسل بعثات دبلوماسية سرية إلى روسيا لتعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية"، وكذلك للحصول على طائرات مقاتلة روسية متطورة، وعلى دعم الكرملين لإعادة تسليح جماعة حزب الله.
وفي نفس الوقت، عملت الدولتان على توسيع نطاق التعاون الاقتصادي بينهما، والبدء في دمج أنظمتهما المصرفية وآليات المعاملات المالية كوسيلة للتحوط ضد الضغوط الغربية. وجرى في يناير (كانون الثاني) الماضي، تقنين هذه العلاقات بشكل رسمي، حيث وقع الرئيس بوتين، ونظيره الإيراني مسعود بيزشكيان "اتفاقية استراتيجية مشتركة شاملة" جديدة مدتها 20 عاماً.
وتتضمن الاتفاقية تعهدات بـ "تعزيز التعاون في مجال الأمن والدفاع"، و"تنسيق الأنشطة على المستويين الإقليمي والعالمي على نحو وثيق"، إلى جانب مجموعة من الاتصالات العسكرية والاستخباراتية الجديدة بين موسكو وطهران.
وبصيغة أخرى، الشراكة بين روسيا وإيران عميقة، وتزداد عمقاً على نحو واسع النطاق. ويرى بيرمان أن ذلك كله يجب أن يكون أمراً بناء لواشنطن.
ويقول إنه حتى في الوقت الذي عاد فيه ترامب إلى ممارسة "الضغط الأقصى" على النظام الإيراني، أوضح الرئيس الأمريكي اهتمامه بالمفاوضات المحتملة مع طهران. وفي حين رفض النظام الإيراني حتى الآن هذا الاحتمال، تشير المشكلات الداخلية المتنامية في البلاد - من تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى انتشار حالة عدم ارتياح اجتماعية - إلى أنه لن يكون أمام آيات الله خيار سوى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ويرجح أن يكون ذلك عاجلاً، وليس أجلاً.
ويؤكد بيرمان في الختام، أنهم عندما يفعلون ذلك، يمكن أن يكون لديهم حليف مهم إلى جوارهم، حيث إنه عندما يتعلق الأمر بالجمهورية الإسلامية، فإن روسيا "ليست وسيطاً نزيهاً". وربما يطرح بوتين نفسه الآن كحل محتمل لمشكلة واشنطن المثيرة للإزعاج مع إيران، ولكن التاريخ يثبت أن الكرملين ليس على هذا النحو في الواقع.