الصبر على البلاء وإن طال وقته
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن الابتلاء من أقدار الله تعالى ورحمته، يجعل في طياته اللطف، ويسوق في مجرياته العطف، والمحن تحمل المنح، فكلُّ ما يصيب الإنسان من ابتلاءات هي في حقيقتها رفعة في درجة المؤمن وزيادة ثوابه ورفع عقابه، حتى الشوكة تُصيبه؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
أضافت الإفتاء، أن ابتلاء الله تعالى لعباده لا يُحكم عليه بظاهره بالضر أو النفع؛ لانطوائه على أسرار غيبية وأحكامٍ علوية لا يعلم حقيقتها إلَّا رب البرية؛ قال تعالى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168].
وأوضحت أنه ليس المقصود هو الحكم بظاهر الابتلاءات؛ بل العلم بقدرة الله تعالى، والإسراع في الرجوع إليه، وأن يتفقد الإنسان نفسه بالسكون إلى قضاء الله تعالى والإذعان إلى مراده؛ قال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: 76].
دار الإفتاء المصريةوقد سمَّى الله تعالى غزوة "تبوك" التي استمرت شهرًا «ساعةَ العُسرة» كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 117]، تهوينًا لأمرها وتيسيرًا لهولها، وإخبارًا بعِظَمِ أجرها.
قال الإمام البقاعي في "نظم الدرر": [وسمَّاها "ساعة": تهوينًا لأوقات الكروب، وتشجيعًا على مواقعة المكاره؛ فإنَّ أمدها يسير وأجرها عظيم خطير، فكانت حالهم باتباعه في هذه الغزوة أكمل من حالهم قبلها].
وتابعت: فلا ينبغي للإنسان أن ييأس من رحمة ربه، أو أن يضجر من الدعاء، أو يستطيل زمن البلاء؛ لأنه لا يعلم حكمة البلاء ولا يعي كنه أسراره، وأن تَفَقُّدَ الله تعالى للمكلفين بالمصائب والابتلاءات إنما هو رحمة بهم، وحفظًا لصحة عبوديتهم؛ قال الإمام ابن الجوزي في "صيد الخاطر": [فإياك إياك أن تستطيل زمان البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء؛ فإنك مبتلى بالبلاء، متعبد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله، وإن طال البلاء].
وقال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد": [لولا محن الدنيا ومصائبها: لأصاب العبد -من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب- ما هو سبب هلاكه عاجلًا وآجلًا، فمن رحمة أرحم الراحمين: أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب، تكون حِمْيَةً له من هذه الأدواء، وحفظًا لصحة عبوديته، واستفراغًا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان مَن يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البلاء دار الافتاء الإفتاء الله تعالى
إقرأ أيضاً:
أين يقف الإمام في الصلاة على الجنازة؟.. آراء الفقهاء في المسألة
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (أين يقف الإمام في الصلاة على الجنازة؟ فقد مات رجل قريبٌ لأحد أصدقائي، فذهبت للصلاة عليه، وتقديم العزاء، فلمَّا وقف الإمام ليصليَ على الجنازة، خرج أحدُ الناس وجذبه ليغير موقفه من المتوفى، وحدث لغط كثير حول ذلك؛ فما الموقف الصحيح للإمام في صلاة الجنازة؟
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال إن الراجحُ من أقوال الفقهاء عن موقف الإمام في صلاة الجنازة أن يقومَ الإمامُ في الصلاة على الرجل عند رأسه، ويقوم في الصلاة على المرأة عند وسطها؛ فهذا هو ما وردت به السُّنة النبوية المطهرة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس ذلك على سبيل الوجوب، وإنما هي السنة والاستحباب، وليس من حق أحد المسلمين أن ينكر على الآخر في هذا؛ لأنه إنما "ينكَر المتفق عليه، ولا ينكر المختلف فيه"، كما أن اللغط وكثرة الحديث في الجنائز مخالفٌ لما يقتضيه المقام من السكون والصمت واستحضار المرء حاله مع الله تعالى.
أين يقف الإمام في صلاة الجنازة؟واختلف الفقهاء في موقف الإمام عند صلاة الجنازة، فذهب فقهاء الحنفية عدا أبا يوسف إلى أن الإمام يقف عند صدر الميت، لا يفرقون في ذلك بين الرجل والمرأة.
وذهب فقهاء المالكية إلى أنَّ الإمام يقف عند وسط الرجل ومنكب المرأة، وعللوا ذلك بمنع تَذَكُّرِ ما يؤدي إلى انشغال أحدهما بالآخر، وأنَّ وقوفَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند وسط المرأة إنما هو لعصمته، وأنَّ الصلاة على الخنثى المشكل عندهم كالصلاة على الرجل، وأن المرأة في صلاتها على المرأة تقف حيث شاءت.
أما فقهاء الشافعية والحنابلة فقد وقفوا عند ظاهر النصوص من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا بأن السنة أن يقومَ الإمامُ عند رأس الرجل وعجيزة المرأة -وسطها- فذلك أسْتَرُ لها؛ قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب في فقه الإمام الشافعي" (1/ 246، ط. دار الكتب العلمية): [والسُّنة أن يقف الإمام فيها عند رأس الرجل وعند عجيزة المرأة.
وذكرت دار الإفتاء أن هذا الخلافُ الواقعُ بين الفقهاء إنما هو في السُّنة، وليس فيما يجب، وإلا فليس من أركان صلاة الجنازة القيام عند مكان محدد من المتوفى رجلًا كان أو امرأة، وتصحُّ الصلاة أيًّا كان موقف الإمام منها.
فضل الصلاة على الجنازةلصلاة الجنازة ثوابٌ عظيم؛ فقد أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتِّبَاعِ الجنائز، وأخبر أنَّ فاعل ذلك له مثْلُ جبَلِ أحد من الأجر؛ ترغيبًا في اتباعها، وبيانًا لعظيم فضلها؛ روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ». قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ».
كما روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أيضًا، أنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ»، وفي روايةٍ للإمام البخاري: قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "لَقَدْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً".
كما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتِّبَاعَ الجنائز من حقوق المسلم على المسلم: فقد روى الشيخان في "صحيحيهما" عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ»، وروى الإمام البخاري في "صحيحه" عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ، وَنَهَانَا عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالإِسْتَبْرَقِ".
ويتقدم في الصلاة على المتوفى وليُّه المناسب لشأن الصلاة علمًا وصلاحًا، وإلَّا فالإمام الراتب.