"البيئة والمناخ" وعلاقتها بالعمارة وتغير الطبيعة
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
يشغل ملف التغيرات المناخية الكثير من دول العالم لما لها من تاثيرات بالغة على الدول ، فيسعى العالم اجمع الى ايجاد الحلول في سبيل التغلب التأثيرات السلبية الناتجة عن التغير المناخي ، وبالتزامن مع "قمة المناخ الإفريقية" الذي تم انعقاده في العاصمة الكينية نيروبي نجد ان هناك من تحدث عن البيئة والمناخ وعلاقة ذلك بالعمارة فللراحل حسن فتحي كتابة تحت عنوان " العمارة والبيئة ناقش فيه كيف اختص الله سبحانه وتعالى الإنسان في تغيير الطبيعة وحده دون باقي المخلوقات بتغيير الطبيعة إلى حد كبير ووضع تكويناته المعمارية وتشكيلاته التخطيطة إلى جانب التكوينات التي هي من صنع الله، كما يجيب عن تأثير البيئة في الظروف المحيطة بها وإلى التقرير.
القدماء راعوا الظروف البيئة في عمارة معابدهم
ذكر المهندس المعماري الراحل حسن فتحي في كتابه " العمارة والبيئة " مفهوم البيئة قائلا: إن البيئة تعتبر هي الظروف المحيطة التي تؤثر في النمو والحياة ، وهناك بيئتين ، أما الأولى فهي البيئة الطبيعة التي هي من صنع الله وتشمل كل ما يقع على السطح الجغرافي ويكون المنظر الطبيعي من جبال وأدوية وأنهار وبحيرات ، وما عليه من نبات وحيوان ، كما تشمل أيضا الجو المحيط بالأرض من حيث المناخ البارد أو الحار والرطب أو الجاف وما وراء هذا الجو من الكون الكبير بنجومه وأبراجه الفلكية الذي دخل في وعي الإنسان منذ القدم بأن له تأثيرات في الحياة على سطح الأرض مما جعلهم يراعونها في عمارة معابدهم، وبدأ يدخل في وعي الإنسان الحديث بتقدم علوم الفلك والطبيعة التي تكاملت في علم واحد يسمى " استروفيزيقا" ، وخاصة الطبيعة النووية وعلوم الحياة والنبات.
وأضاف فتحي: إن البيئة الأخرى هي البيئة الحضرية التي من صنع الإنسان من منشآت في البيئة الطبيعية من مبان وعمارات ومنشأت وطرق وساحات وحدائق وأشجار وأدوات وإضاءة وعربات وعلامات مرور واعلانات والإنسان نفسه بملابسه ، وأزيائه المختلفة ، وبالإختصار كل ما تتكون منه المدينة وما تأويه من إنسان وحيوان ونبات.
أشار فتحي إلى أنه على المعماري أن يحترم البيئتين فيما يضعه فيهما من منشآت فإذا لم يحترم البيئة الأولى _ التي هي من صنع الله _ كانت خطيئة ، وإذا لم يحترم الثانية مكانت قلة إحترام لمن سبقوه؛ شريطة أن يكون من سبقه قد احترم البيئة الأولى.
بيّن فتحي أن التغير هو من سنن الحياة التي تشمل كل ما في الكون وما يكون البيئة بمنا في ذلك الإنسان نفسه ، وهو الأمر الذي يحتم عليه أن يجتهد باستمرار في تشغيل ذكائه في تفاعله مع البيئة لمسايرة التغير والتحول الحادثين فيها وذلك فيما يقوم بعمله ؛ وإلا كان ذلك نشازا أو جمودا ، فالتغير نفسه محايد ، فإذا لم يكن للأحسن فسيكون للأسوأ بطبيعة الحال.
أوضح فتحي أن التغير في العمارة هو نوعين ، إما تطور في نفس الإتجاه والملامح على دورات متكاملة يمكن الإنسان تتبع حلقاتها وأن يربط ببينها كما هو الحال في تطور مختلف الطرز المعمارية ، وإما تغير كلي بلا رابط بين السابق واللاحق .
يشير فتحي أيضا إلى أننا إذا سرنا على هذا النمط الأخير في عمليات التغير إلى أقصى الحدود فسوف نصل إلى العماء ؛ لأنه لن يجد الإنسان حينئذ أي نقطة ثابتة يرجع إليها ليحدد مكانه في الزمن أو لكي يدرك أي معنى للتغير، وأن التغير أو التطور في نفس الإتجاه ييستلزم وجود بعض العناصر سواء من الأشكال المعمارية أو من مبادئ التصميم مما يعتبر من الثوابت أو الحتميات مع بعض التغيير تبعا لرؤية المجدد في موائمة الظروف المستجدة ، إما لاستكمال حلول لم تتبلور وتكتما حلقاتها بعد، وإما وجود تباديل وتوافيق لنفس الحلول مما يستحق الاخراج والتجربة ، مما يعتبر من التلقائيات ، ولكل دورة من دورات التطور بداية وذروة ونهاية ، فإن الحيوية والضمور ليكمنان كما يكمن السالب والموجب في كل الكائنات الحية بحسب معدلات ونسب تتقرر بما وضعه الخالق في مخلوقاته من حيوية منذ البداية ومنها الإنسان نفسه ثم ما يقوم به هذا الإنسان من نفسه من مختلف نواحي نشاطاته الثقافية ومنها العمارة .
وتابع فتحي : تتميز البداية دائما بالبساطة والقوة وتغلب نسبة الحيوية على الضمور وتتغير هذه النسبة شيئا فشيئا مع الزمن بشكل يمكن التعبير عنه بخط بياني على شكل منحنى قطع مكافئ، مما يطلق عليه علماء الرياضة " منحنى الاحتمال" الذي تخضع له كل دورات الحياة ، حيث تزداد معدلات التطور ونسبة الحخيوية من البداية حتى الذروة تقل وتنحدر إلى أن تصل إلى الضمور والفناء في النهاية ؛ وإننا لنرى ذلك ممثلا في تطور الطرز المعمارية التاريخية كالفرعونية والإغريقية.
العمارة الأوربية لم تراعي العوامل البيئية المحيطة
قال المهندس حسن فتحي: إن مصر تعاقبت عليها عدة عصور معمارية هي الفرعونية والمسيحية الأولى والإسلامية وأخيرا العصر الحاضر ‘ إلا أن العمارة في العصور الثلاثة الأولى كانت مصرية صميمة حيث كانت الأشكال المعمارية نلبعة من وجدان المعماري وصاحب الحرفة المصريين في تفاعلات ذكائهما مع البيئة المصرية ، أما من حيث العمارة الفرعونية فإن هذه التفاعلات قد تعدت البيئة الجغرافية وأمتدت إلى البيئة الفلكية واستمرت في حركة تطورها الطبيعية إلى أن تغيرت العقيدة الدينية بدخول المسيحية.
وأضاف فتحي: دخلت العمارة الأوربية على يد إسماعيل باشا من طراز النهضة الإيطالية إلى البلاد مبتدئا بقصوره وبدور الجكومة ولجأ المعماريون الأجانب من فرنسيين وايطاليين لعمل التصميمات التي نفذها أهل الحرف المصريون في المعظم والغالب ، ولما كانت التحولات لا تحدث طفرة واحدة فقد أصبحت العمارة المصرية خليطا من الطرز الأوربية التي فيها العلم البناء المصري بين الكرانيش الكلاسيكية والمقرنصات الإسلامية وقد امتزجت بذلك خطوط التحليل النفساني التي رسمها الأوروبيون من وحي وجدانهم والخطوط التي رسمتها مصر على مر الأجيال والقرون إلى أن زالت تلك الخطوط المصرية والأوربية على السواء بدخول العمارة الأوربية التي تدعى حديثة إلى البلاد منذ حوالي الأربعينات وشمول استعمالها للمباني العامة والخاصة في جميع أنحاء العالم من الجنوب إلى الشمال ، وفي الواحات دون مراعاة للعوامل الجوية والبيئية والطبيعية .
بيّن فتحي أنه من المشاهد المؤسفة عدم وجود ردود فعل سليمة وشعور بالألم من جراء عملية فقدان الشخصية في العمارة التي تعتبر من أهم أركان الثقافة ، وهي ظاهرة خطيرة بالنسبة لحيوية الأمة العربية الأمر الذي لا يمكن علاجه سواء بالنقد والبحث والدراسة وتطبيق آخر ما وصلت إليه من العلوم الطبيعية والإنسانية ، وبالنشر والتعريف بطبيعة المشكلات وحقيقة الأمور التي تؤخذ على علاتها على أوسع نطاق وعلى المستويات كافة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: تغير المناخ التغيرات المناخية التغيرات الطبيعية من صنع إلى أن
إقرأ أيضاً:
مازق المثقف في المنفى: بين التماهي والهويات المنقسمة
ليس من السهل أن تستقر الذات في مكان لم يُصغَ لها فيه خطاب أول. لا لأن العالم الجديد معادٍ بالضرورة، بل لأن الداخل نفسه بات هشًّا من فرط التحولات المستمرة، مقطوعًا عن جذره الأول، ومنساقًا في الوقت ذاته نحو فضاء لا يرى فيه سوى انعكاس متشظٍ لصورته.
فالهوية لا تُختبر في صدام الحضارات، كما يُروَّج، بل في التفاصيل اليومية: نبرة الصوت، الطريقة التي تُقال بها الحقيقة، والمسافة الدقيقة بين ما يُقال فعلًا وما يُفهم. تتسرب الهيمنة من الأبنية الكبرى إلى العلاقات الصغيرة، وتعيد تشكيل موقع الفرد لا باعتباره مجرد مهاجر، بل كذات يتم تكييفها داخل بنية رمزية كاملة، تُعيد قولبة طموحاته، لغته، وحتى طريقته في التفكير.
حين يكون المرء من خلفية تحمل أسئلة عن العدالة، والطبقية، والمقاومة، يجد نفسه أمام معضلة دقيقة: كيف يعبّر عن نفسه في بيئة لغتها مشبعة بشروط لم يصنعها؟ كيف يكتب دون أن يكون ملزماً بتعريف نفسه أولًا، وتفسير سياقه ثانيًا، وتبرير موقعه ثالثًا؟ لا تُطرح هذه الأسئلة علنًا، لكنها تعيش في المفاصل: داخل الحوارات الثقافية، داخل المقالات، داخل قاعات المؤتمرات التي لا تطلب منك أن تُفكّر بقدر ما تطلب منك أن تُبرهن على قدرتك على “الاندماج” السلس.
ثم يأتي الثمن الباهظ: أن تقول الحقيقة، لكن بلغة الآخر. أن تمرر أفكارك عبر وسائط غير محايدة، عبر قنوات مشروطة بمقاييس تمثيل مسبقة. لا يُطلب منك أن تكون ذاتًا حرّة، بل أن تكون ناطقًا باسم غيابٍ دائم. حتى حين تُعبّر عن قضاياك، يُفترض بك أن تفعل ذلك بلهجة لا تُربك المستمع، بل تُقنعه، تُعلي من شأن حسّه الإنساني، دون أن تُهدد موقعه الرمزي.
ورغم كل هذا التوتر الكامن، لا يمكن إغفال المفارقة المُرّة: فالمثقف الذي يُفترض فيه أن يكون منتجًا للمعنى وناقدًا للمنظومات، يتحول أحيانًا إلى كائن أدائي يُستحضر عند الطلب، ليلعب دورًا مرسومًا مسبقًا في عروض تمثيلية حول “الآخر” و”الشرق” و”الإسلام” و”المرأة” و”الاستعمار”. يُسمَح له بالكلام فقط ما دام صوته متناغمًا مع الإيقاع المُعدّ سلفًا، ثم يُسحب الميكروفون فور انتهاء دوره.
وما هو أكثر خفاءً من هذا الاستبعاد الصريح هو تلك اللحظة التي يبدأ فيها، من دون وعي منه، بإعادة تقديم نفسه على مقاس التوقعات الخارجية، كأن وجوده لا يكتمل إلا من خلال مرآة الغير. وفي هذا التماهي الناعم مع شروط اللعبة، تُطمس الحدود بين المقاومة والتواطؤ، ويبدأ المحو الرمزي في ارتداء قناع التمثيل والاحتفاء.
لننظر إلى بعض النماذج الحية: المفكر اللبناني فواز طرابلسي، والأكاديمية المصرية الراحلة فريدة النقاش، والكاتبة العراقية هناء أدور، وغيرهم من المثقفين الذين رغم اشتغالهم في بيئات غربية، ظلوا يقاومون بذكاءٍ ناعمٍ هيمنة السردية المركزية الغربية، دون أن يسقطوا في فخ الضحية الدائمة.
لكنهم في المقابل ظلوا تحت مطرقة “التمثيل”: هل هم ممثلون لثقافة عربية؟ أم ناشطون أم أفرادٌ كونيون؟ ولماذا يُفترض بهم دائمًا أن يكونوا صوتًا لغيرهم؟ هذه أسئلة تُسائل البنية الأخلاقية والمعرفية للمؤسسة الأكاديمية الغربية ذاتها، وتكشف كيف أنها، رغم انفتاحها الظاهري، لا تزال تحكمها بنية سلطة ناعمة تتطلب الخضوع، ولو في صورة اللباقة والتكيف.
الأديب السوداني الطيب صالح، حين كتب “موسم الهجرة إلى الشمال”، لم يكن يعرض تجربة مصطفى سعيد فقط، بل كان يرسم فداحة هذا الاغتراب المزدوج: مغترب عن وطنٍ يكاد ينساه، ومغترب داخل وطنٍ جديد لا يعترف به إلا ككائن غريب، مسلٍّ أحيانًا، خطيرٍ أحيانًا، لكنه نادرًا ما يُنظر إليه كذاتٍ فاعلة.
قال الطيب صالح: “إنني أُفكر في ذلك الرجل الذي ذهب إلى أوروبا، ثم عاد، وكان في عينيه شيء لا أعرفه”، وهذا “الشيء” هو بالضبط ما نحاول أن نحلله هنا: تلك الشروخ الدقيقة في الوعي، التي تتسلل من تماس الثقافات، وتنتج فردًا ممزقًا بين مرجعيتين، لا يستطيع الانتماء الكامل لأيٍّ منهما دون أن يخون الأخرى.
لم يكن الطيب صالح مجرد مراقب للأزمة التي تتولد من الاغتراب بين الثقافات، بل كان جزءًا من هذه المعادلة. فقد عاش في لندن ودرس فيها، وتزوج من إنجليزية، ليختبر بشكل مباشر تلك المسافة النفسية والجغرافية بين الشرق والغرب. كانت تجربته الشخصية، كما جسدها في مصطفى سعيد، تتجاوز مجرد سرد قصة فردية، بل كانت تتعلق بمفارقة عميقة: كيف يتماهى الفرد مع ثقافة جديدة في حين يظل ملزمًا بتفكيك هويته الأصلية.
مع إقامته في الغرب، عاش صالح ذاته كما لو كانت في حالة تفاعل دائم مع بيئة أخرى، ولكنّه لم يسلّم بسهولة لمفهوم الاندماج المريح الذي يروج له الغرب. فكان في كل خطوة من خطواته يحاول التوفيق بين كونين لا يلتقيان دائمًا.
في هذا السياق، نجد أننا أمام ذات مُراقَبة، ذات تُعِدّ خطابها باستمرار، تخشى الزلل، تخشى التأويل المغلوط، تعاني من فرط الانتباه لذاتها. إنها ذات “منقسمة على نفسها”، كما يسميها لاكان، تتحدث ولكنها تسمع نفسها أيضًا كأنها تتقمص دور المراقِب والمراقَب في آن.
في جلسات النقاش، يلاحظ بعضهم كيف يضبط المثقف العربي نبرته، وكيف يُراجع ألفاظه وهو يتحدث، كأن اللغة أصبحت فخًا، أو كأنها تَجُرُّه إلى طرف من أطراف الصراع الذي يحاول أن يتجاوزه.
تُسائلنا هذه الظاهرة أيضًا عن فداحة المسافة بين الحرية والاعتراف، بين أن تكون ما أنت عليه، وأن يُسمح لك بأن تكونه. الاغتراب هنا ليس ماديًا فحسب، بل هو اغتراب رمزي، هوياتي، نفسي.
لذلك فإن كثيرًا من أبناء هذا المثقف، الذين وُلدوا ونشأوا في الغرب، يتعثرون بدورهم في شبكة من التناقضات: فهم لا ينتمون تمامًا إلى أوطان آبائهم، ولا يشعرون بالطمأنينة الكاملة في أوطان نشأتهم. إنهم يرثون الهشاشة في أقسى صورها: هشاشة لا تُرى، لكنها تدمغ الوعي بقلقٍ دفين، يصعب تشخيصه، ويصعب التعايش معه.
إن هذا كله لا يدعو إلى الرثاء، بل إلى التفكير الجاد. على المثقف أن يستعيد زمام خطابه، لا بردّة فعلٍ هوياتية متشنجة، بل بخلق سرديات جديدة، تمتلك القدرة على مساءلة الهيمنة لا بإنكار الآخر، بل بتعرية شروط ظهوره. المثقف ليس “ترجمانًا” للشرق، ولا “عارضًا” للخصوصية، بل فاعلٌ فكري يعبر السياقات بشروطه، دون أن يتحول إلى مرآة لأحد.
إن أعظم ما يفعله هذا المثقف، هو أن يصوغ من شتاته هويةً مرنة، صلبة، قادرة على قول “لا” دون صراخ، وعلى أن تُسائل دون أن تستجدي الاعتراف. أن يكون شاهقًا في حضوره، لا لأن الغرب اعترف به، بل لأنه اختار أن يكون هو، وسط هذا الركام من الصور المقولبة والمواقف المؤدلجة.
في النهاية، كل اغترابٍ يحمل نداءً داخليًا: أن تبحث عن ذاتك لا بين الجغرافيا واللغة فقط، بل بين المعنى والموقف. أن تظل مخلصًا لما تراه عدلاً، حتى لو تغير السياق، لأن الأصل في الهوية ليس الانتماء، بل الموقف من العالم.
Sent from Yahoo Mail for iPhone
zoolsaay@yahoo.com