نحو حل ديمقراطي للأزمة السودانية
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
منذ إندلاع الحرب العبثية فى 15 أبريل 2023 والتى أحدثت كارثة ومأساة تاريخية فى البلاد والتى ما زالت مستمرة حتى الآن وتتمدد فى كل صباح على مساحات واسعة فى أنحاء الوطن المنهك أصلاً بالمشاكل والقضايا التى لم تجد الحل منذ الإستقلال وفى هذا الوقت بالذات وفى ظل هذا الوضع المتردى يقع على عاتق القوى الوطنية والديمقراطية وكل الشرائح الوطنية المؤمنة بالثورة والتغيير أن تتحمل مسؤولية مضاعفة فى بناء جبهة مدنية وطنية عريضة وواسعة مناهضة للحرب وهو الإجراء الأمثل والسبيل الوحيد المتاح الآن لإيقاف هذه الحرب العبثية وتتحمل هذه الجبهة مسؤولية بناء إستقرار ولو نسبى يسمح بقيام فترة إنتقالية تعمل على تحقيق المرحلة الأولى لإعادة البناء والتعمير من الدمار الذى أحدثته الحرب وتقوم بإرساء حجر الأساس لمرحلة التحول المدنى الديمقراطية القادمة .
وفى ظل متلازمة إنعدام مشروع برنامج وطنى منذ الإستقلال وبلادنا تخطو فى الفراغ وتعانى من التشظى والتمزق والصراعات غير المبدئية وفشل النخب السياسية فى إدارة دفة الحكم بما يلبى أمانى وتطلعات المواطنين مما أدى إلى ثلاث إنقلابات عسكرية حكمت البلاد 56 عاماً منذ نيلنا الإستقلال وهى (عبود 17 نوفمبر 1958 ) ثم ( نميرى 25 مايو 1969 ) وأخيراً الجبهة الإسلامية ( البشير 30 يونيو 1989 ) و فى إعتقادى إنه رغم نجاح الثورة إلا إنهم ما زالوا ممسكين بعصب السلطة .
موجة الإنقلابات وسيطرة العسكر على السلطة جاءت نتيجة طبيعية لسؤ إدارة الدولة والتطاحن الحزبى والنظرة الضيقة فى حل مشاكل البلاد وإنتشال المواطنين من الفقر والجهل والمرض وتوفير الحياة الكريمة لهم إضافة إلى غياب الممارسة الديمقراطية الراشدة فى أدوات الحكم أو فى الأحزاب السياسية مجتمعة من يمينها ويسارها ( فاقد الشىء لا يعطيه ) وهو ما أدى إلى فتح شهية العسكر فى الحكم والإستيلاء على السلطة وهذا الوضع فى الظرف الراهن يضع على عاتق القوى المدنية والديمقراطية مجتمعة أهمية الإستفادة من تجربة الفترة الإنتقالية السابقة وما صاحبها من إخفاقات المكون المدنى وتراخيه خلال الفترة الإنتقالية وهى مرحلة مهمة للبناء السياسى والإدارى للدولة فى وضعها الجديد لان فترات الحكم المختلفة صاحبها إنعدام الرؤية السياسية المتكاملة والمكون المدنى المشارك فى سلطة الإنتقال كان ضعف أدائهم أمام المكون العسكرى قد أدى إلى سيطرة كاملة للعسكر على السلطة ومواقع إتخاذ القرار فى أعقاب الثورة الشعبية العارمة التى أسقطت أقوى نظام أيدولوجى متمكن ولابد من مراجعة الموقف تسمح لنا ببناء فترة إنتقالية ناجحة تلبى إحتياجات المرحلة الإنتقالية القادمة بناءاً على برنامج محدد يسمح بقيام سلطة مدنية خالصة بعيداً عن التحزب والصراعات غير المبدئية التى تعوق المسيرة وهذا يتحقق عبر إسناد المسؤولية لكفاءات علمية مقتدرة ( تكنوقراط ) لقيادة المرحلة القادمة وللبعد عن التشرذم والتكتلات التى أضرت بالمسيرة الديمقراطية .
وهناك أهمية قصوى أمام القوى المدنية والوطنية وشرائح المجتمع المؤمنة بالثورة والتغيير أن تفكر بطريقة علمية مسؤولة فى أهمية وحدة قوى الثورة والإتفاق على برنامج الحد الأدنى للمرحلة الإنتقالية المقبلة بعد توقف الحرب وأن يعمل الجميع على بذل الجهود لرتق النسيج الإجتماعى وتأسيس سلطة مدنية تلتزم بتحقيق السلام والعدالة الإجتماعية والإحتكام للقانون والقيام بتفكيك سلطة التمكين والسعى الحثيث بمعالجة الوضع الإقتصادى للخروج بالبلاد من أزمته الإقتصادية المزمنة ولان السودان ليس جزيرة معزولة عن محيطه الإقليمى والدولى يصبح من الواجب على القوى المدنية الإتفاق على برنامج أسبقيات متدرج للفترة الإنتقالية المقبلة ينبنى على أسس تتمثل أساساً فى :
1/ إصلاح المؤسسة الأمنية والعسكرية وبناء جيش وطنى موحد وحل كل المليشيات وجيوش حركات الكفاح المسلح بالدمج والتسريح وفق الضوابط والأسس العسكرية رغم الصعوبات التى قد تواجه تنفيذ هذا القرار فى الوقت الراهن ولكنها ضرورة مهمة لوقف مسلسل الإنقلابات العسكرية المتوالية ويجب أن لا تترك عملية الإصلاح الأمنى والعسكرى للعسكريين فقط وأن يلعب المكون المدنى دوره المنوط به فى عملية الإصلاح .
2/ توجد أهمية قصوى لقيام المؤتمر الدستورى الذى يقرر شكل الحكم ويغلق منافذ العمل السياسى أمام قادة النظام السابق حتى لا تعود سلطة التمكين والإرهاب وغيره من النظم الديكتاتوربة ونضمن بذلك قيام إنتخابات حرة ونزيهة فى نهاية الفترة الإنتقالية.
3/ لابد من بناء علاقات خارجية متوازنة وغير منحازة لأىٍ من أطراف النزاع الإقليمى والدولى وأن نبنى مواقفنا بما يخدم مصالحنا ويلبى إحتياجاتنا الوطنية ويخدم قضايا البلاد .
4/ لابد من تسليم مرتكبى قضايا الإنتهاكات غير الإنسانية وحقوق الإنسان الحاليين والسابقين لمحكمة الجنايات الدولية لنيل جزاء ما إرتكبوا وإقترفوا فى حق المواطنين .
5/ هناك أهمية قصوى لصياغة بروتوكول إنسانى لمعالجة القضايا الإنسانية ومشاكل إنتهاك حقوق الإنسان المستمرة خاصة فى أعقاب ما حدث فى الحرب العبثية الأخيرة .
إن القوى المدنية والوطنية لو توحدت جهودها ونفضت عن نفسها غبار التكتلات والتحزب يمكنها تحقيق الكثير من الإنجازات خاصة لو خلصت النيات وتوحدت الإرادة وإبتعد الجميع عن الأنانية ووضعنا شعار ( السودان أولاً ) كهادىء لنا فى المرحلة القادمة وإتفقنا على برنامج مرحلى محدد الإطار من أجل البناء والتعمير ودفع عجلة التقدم وإعادة بناء كل مرافق وأجهزة الدولة التى دمرتها الحرب العبثية .
د . عكاشة السيد عكاشة
نيروبى / كينيا
سبتمبر 2023
akashaalsayed@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرب العبثیة القوى المدنیة على برنامج
إقرأ أيضاً:
بيان مشترك من حركة العدل والمساواة السودانية والحزب الإتحادي الموحد
بعد مشاورات من الجانبين تناولا فيها مآلات الأوضاع الجارية في السودان بسبب الحرب وإصرار طرفي الصراع على الاستمرار فيها برغم مترتباتها الكارثية ببلوغ نُذُر الحرب الأهلية، والتي تبدو واضحة الآن في كثير من المناطق الملتهبة والتي يتم فيها القتل بالمئات حسب الهوية إلي جانب ما سببته الحرب من أوضاع إنسانية مأساوية غير مسبوقة في تاريخنا المُعاصر وانتهاكات واسعة ومُروعة لحقوق الإنسان وتدمير للممتلكات العامة والخاصة والبنى التحتية للدولة، وزاد على ذلك استخدام الجيش لسلاح الطيران في قصف المدنيين والممتلكات العامة والخاصة في مناطق متعددة في السودان إلي جانب القصف المِدفعي المتبادل من طرفي الحرب والذي أدى لإزهاق عدد كبير من أرواح المدنيين العُزل، كما صاحَب المرحلة تنامي التحشيد القبلي ودعوات التسليح للمواطنين وتبعاً لكل ذلك تَفشّي خطاب الكراهية والنعرات العنصرية المُحرِضة على القتل والممارسات الإرهابية من جَزّ للرؤوس وبقر للبطون ومضغ لأكباد ولحوم البشر.
بعد نقاش شفاف ومستفيض من الطرفين، اتفقا على الآتي:
أولاً: رفض الحرب كوسيلة لحل خلافات السودانيين والعمل علي إنهائها بكل السُبل الممكنة ومقاومة الأدوات المُستخدمة لتأجيجها، ومحاربة كل النعرات العنصرية والجهوية والقبلية وخطاب الكراهية المطروح بواسطة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتهما.
ثانياً : يؤكد الطرفان علي ضرورة الحفاظ علي وحدة السودان أرضاً وشعباً ومقاومة كل ما من شأنه تمزيق النسيج السوداني المتسامح والعمل على ترسيخ مُمسكات الوحدة الوطنية وحب الوطن.
ثالثاً : أكد الطرفان أن حرب 15 أبريل التي أشعلها المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتهما يجب أن تكون آخر الحروب وذلك بمعالجة جذور الأزمة الوطنية السودانية المُتمظهِرة في حروب أهلية متطاولة أدت إلي انفصال جنوب البلاد، ولتكون هذه الحرب آخر الحروب، علينا جميعاً مُخاطبة جذور هذه الأزمة والسعي الجاد لإعادة بناء وتأسيس الدولة السودانية على أسس جديدة قوامها الحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية والحكم الفيدرالي والمواطنة المتساوية للمواطنين كأساس لحقوقهم وواجباتهم الدستورية بغض النظر عن أديانهم أو أعراقهم أو لغاتهم، وأن تكون السيادة في الوطن للشعب بوصفه مصدر السلطات.
رابعاً : اتفق الطرفان علي أن لا حل عسكري لهذه الحرب، وعليه فإننا نطالب الطرفين المتحاربين بوقف الحرب فورًا وبدون قيد أو شرط وإيقاف كل الأعمال العدائية والعودة إلي استئناف التفاوض، ومعالجة الوضع الإنساني المتردي والإلتزام غير المشروط بفتح المعابر لكل ولايات السودان.
خامساً : ضرورة توحيد المُبادرات والمنابر التفاوضية وممارسة كل الضغوط المُمكنة على طرفي الصراع من الفاعلين الإقليميين والدوليين لإيقاف الحرب بغرض الوصول إلي اتفاق لوقف إطلاق نار فوري غير مشروط لحماية المدنيين وحظر الطيران الحربي والقصف المِدفعي في مناطقهم ووقف الانتهاكات حتي تتيسر عودة المواطنين النازحين واللاجئين إلى ديارهم.
سادساً : محاصرة العناصر المُؤججة للحرب من فلول المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتهما وتعرية خطابهم الداعي للحرب والعامل على إستمرارها.
سابعاً : نطالب طرفي الصراع إلى الإلتزام الصارم بالقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، والتعاون مع لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك بتقديم كل مرتكبي الجرائم في حق شعبنا لمحاكمة عادلة وشفافة تضع حداً لثقافة الإفلات من العقاب.
ثامناً : حث القوى السياسية والمدنية وقوى ثورة ديسمبر المجيدة على الوصول إلى رؤية سياسية جامعة تستوعب مختلف قطاعات الشعب السوداني في المُدن و الأرياف من شباب ونساء الراغب في التغيير والإنعتاق من ظلامات الماضي والمتطلع لبناء دولة مدنية ديموقراطية جديدة تحترم التنوع السوداني عبر دستور دائم يعالج قضية الدين وحاجات الدنيا من أمن وسكن وطعام وعلاج.
تاسعاً: مُطالبة القوى السياسية والمدنية والمجتمعية الرافضة للحرب بالعمل على مخاطبة المؤسسات الدولية والإقليمية الفاعلة في مجال الإغاثة والعون الإنساني بالإسراع في إغاثة المواطنين السودانيين في المناطق الملتهبة ومد يد العون لهم تفادياً لأي عواقب كارثية سيصعب تداركها.
عاشراً: الإتفاق علي ضرورة إصلاح التحالفات القائمة والعمل علي توسيعها وتطويرها وتقويتها كضرورة تمليها الأوضاع الحالية الحرجة التي تمر بها البلاد وذلك ببناء جبهة مدنية عريضة تشمل كل مكونات الشعب السوداني عدا المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وواجهاتهما، قادرة على إنتزاع شرعيتها من السلطة الإنقلابية، قادرة علي إيقاف الحرب وإنهائها، قادرة علي مواجهة الوضع الإنساني ومعالجته، قادرة علي حماية المدنيين وتوفير فُرص السلام والإستقرار وتهيئة البلاد لمرحلة التحول المدني الديموقراطي.
حادي عشر : إتفق الطرفان علي ضرورة إعادة بناء وتشكيل المنظومة الأمنية وإنهاء ظاهرة تعدد الجيوش، وذلك بالعمل علي بناء وتأسيس جيش مهني قومي واحد يدافع عن أرض وسيادة ووحدة البلاد ويكون بعيداً عن ممارسة السياسة والإقتصاد، جيش يعبر عن كل أقاليم السودان علي أسس عادلة يتفق عليها.
الموقعون:
*1. حركة العدل والمساواة السودانية.*
*2. الحزب الإتحادي الموحد.*
التاريخ: 2024/11/5