صحيفة أثير:
2024-11-27@13:22:28 GMT

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عن نساء خسرهن الأدب

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عن نساء خسرهن الأدب

أثير- الروائي الأردني جلال برجس

ما هو الأدب إن لم يكن الطريق إلى معرفة الذات وما يحيطها! ما هو الأدب إن لم يكن الفرار من الخسارة نحو أن يربح الآدمي نفسه، ويُحدث التوازن الذي ننشده جميًعا، في عالم يشهد على مدار الساعة أشكالًا عديدة من الدُّوار، والترنح. قلتُ الآدمي؟
حسنًا، فهو اسم جامع للجنسين، الرجل والمرأة، وبالتالي فإن ما يصدر عنهما واحد رغم ما يطفو على السطح من تصنيفات في كثير من مناحي الحياة كالأدب الذي يُفصل فيه-للأسف-ما يكتبه الرجال عما تكتبه النساء.

على الصعيد العربي أوجدت المرأة دورها في الأدب قبل العصر الجاهلي، وفي خضمه، وفي مراحل العصر الإسلامي، وما يزال هذا الدور بكل فعاليته إلى أيامنا هذه التي نشهد فيها -رغم كل طروحات التقدم-مفاهيم مغلوطة تحدُّ من ميول المرأة نحو تعزيز مكانتها، وإسهاماتها في الارتقاء بالإنسانية.

مفاهيم حُرمت المرأة جراءها من أن تعلن عن رؤيتها لنفسها، وللحياة، كتابة. أمر حدث في بعض المجتمعات العربية، لكن ثورة الاتصالات خلخلت جانبًا كبيرًا من هذه المعادلة التي تخص المرأة، فوفرت لها مساحة مهمة رغم افتراضيتها.

عرفتُ عددًا من الكاتبات اللواتي اختبأن وراء أسماء مستعارة اعترافًا بعدم قدرتهن على هدم الجدران التي ضربت حولهن، لكن من الجهة الأخرى يمارسن الكتابة إيمانًا بها كأداة تعبير قصوى، وكفعل رفض لرفض دورهن الإنساني. وقد ساعدت ثورة الاتصالات في هذا الأمر من جانبين: الأول توفير مساحة افتراضية للتعبير، وبالتالي دخول مضمار الكتابة. أما الثاني فهو توفير خصوصية عالية في تلك المساحة بحيث يمكن للمرأة أن تتوارى وراء اسم وهمي تحتمي به من المساءلة الاجتماعية.

قالت لي كاتبة، قبل عشرين سنة: لولا الكتابة لجننت. كانت تكتب-على حد قولها-لتتخلص من عادتها اليومية في التحديق بالسقف؛ عادة كان يمكن أن تؤدي بها إلى الجنون، إذ إنها كانت تفكر من دون انقطاع بجدوى الحياة وهي سجينة البيت، ممنوعة حتى من الوقوف إلى النافذة، لا تزور أحدًا، ولا يزورها أحد. لا تكلم أحدًا، إلا زوجها حين يعود من عمله، ويتحدث إليها بكلمات قليلة، وكل ذلك جراء غيرته. شاهدتْ تلك المرأة ذات مرة كاتبةً في إحدى البرامج التلفزيونية تحكي عن أسباب ولعها بالكتابة وانطلاقًا من ذلك اليوم راحت تكتب قصصًا؛ فتخلت عن عادتها في التحديق بالسقف، بل حتى وجدت أن حياتها الحقيقية هي التي تفرغها على الورق. ومع الأيام، وبعد أن كتبت عشرات القصص، صارت تفكر بأن يكون لديها كتاب يتداوله القراء، لكن طلبها قوبل برفض شديد، فأخذت تنشر في مدونة إلكترونية باسم مستعار، لكن حين اكتُشف أمرها، حُذفت تلك المدونة، واختفت؛ فخسر الأدبُ كتابةً صادقة، وخسرت الحرية أحد مناصريها.

ما حدث لتلك السيدة لا يبعث على الألم فقط، إنما يبعث أيضًا على الخوف على الحرية، حرية الفرد الطبيعية في أن يمضي بما يريد، خصوصا في المساعي التي لا تهدد حرية الآخرين، ولا تخرج عن المفهوم المتعارف عليه للأخلاق، فحين يحاول أحدهم أن يتجاوز قضبان سجنه المعنوي-وهذا أكثر السجون أذى-ويجد ألا سبيل إلى النجاح في هذا الأمر، تصبح الحياة من دون معنى، بل حتى يصبح الموت بديلًا لها.

يرى الفيلسوف الألماني (إمانويل كانط) أن “الحرية هي شرط وجود الأخلاق، إذ لا يمكن تأدية فعل أخلاقي من دون حرية الاختيار”. وجراء تراجع الحرية في الممارسة الاجتماعية، والسياسية، والفكرية في أيامنا هذه، تراجعت بطبيعة الحال الخيارات الذاتية، اختيار الفرد لما يريده، وينتمي لقناعاته فيه. من هنا مُنعَ عدد من النساء في عالمنا العربي من الذهاب إلى خياراتهن الخاصة في كثير من القطاعات الإنسانية منها الأدب.

السؤال الذي يطرح نفسه حيال هذه المسألة: هل يرى الرجل في حرية المرأة، تهديدًا لكيانه؟ أم يراها نبشًا لعش دبابير المجتمع؟ وبالتالي عدم قدرته على خوض المواجهة؟

هناك من يرى في مضي المرأة نحو تحقيق أهدافها تعاليًّا على كينونته، بل تهديدًا لها. وهناك من يقرّ في دواخله بضرورة حقها في تقرير مصيرها، لكنه لا يقوى على مواجهة بعض المنظومات الاجتماعية التي ترفض ذلك، لهذا تعطل خوض عدد من النساء مضمار الأدب بسبب رؤية المجتمع له على أنه ترف، وتعبير غير جائز لمكنونات النفس، وبالتالي خروج للمرأة عن دورها النمطي.

لقد أثْرَت المرأة -جنبًا إلى جنب مع الرجل-المكتبة العربية بكثير من الكتب في الأدب؛ فأسهمت بشكل كبير في تطور المجتمع، وفي تصحيح كثير من المسارات، وبخاصة فيما يتعلق بدور المرأة في البناء الإنساني. مع هذا هناك كثير من النساء منعن من أن يقلن كلمتهن، ليس لسبب إلا جراء بعض الأفكار الاجتماعية المغلوطة.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: کثیر من

إقرأ أيضاً:

باحث هندي يستكشف التجربة الشعرية النسائية في الخليج والعالم العربي

(عمان) أثارت الأوساط الثقافية والأدبية اهتماماً واسعاً بمسيرة الشعر النسائي العربي بعد صدور مجموعة من الكتب الهامة التي ألّفها الباحث الهندي الدكتور محمد صلاح الدين الأيوبي، عميد كلية السعدية للدراسات العربية والإسلامية في كيرلا التابعة لجامعة السعدية العربية في ولاية كيرالا الهندية. وقد تناولت هذه الكتب تطور شعر المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي، مما شكّل إضافة نوعية إلى الأدب العربي وساهم في تعزيز الروابط الثقافية بين العالمين العربي والهندي.

يقدّم الدكتور محمد صلاح الدين في كتابه الأول "تطور شعر المرأة العربية في دول مجلس التعاون الخليجي" تحليلاً شاملاً لمسيرة الشعر النسائي في الخليج العربي، مُبرزاً تطوره وخصوصياته الثقافية، بالإضافة إلى ما يميز هذه التجربة الشعرية من لغة وأسلوب يعبران عن تجربة المرأة الخليجية وتطلعاتها. ويعد هذا الكتاب من الدراسات المهمة التي تسلط الضوء على إسهامات المرأة الخليجية في مجال الشعر، حيث يتناول الأيوبي بشكل مفصّل تطور تجربة المرأة الخليجية في الشعر، من الأساليب التقليدية وصولاً إلى المدارس الحديثة التي تبنّتها بعض الشاعرات المعاصرات. وقد حرص الدكتور الأيوبي على استعراض التنوع اللغوي والأسلوبي الذي يطبع شعر هؤلاء الشاعرات، حيث نجد قصائد تميل إلى الطابع التقليدي وأخرى تتجه نحو التجديد والتجريب، مما يعكس التحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها منطقة الخليج في العقود الأخيرة.

من خلال التحليل النقدي للقصائد المختارة من أعمال الشاعرات الخليجيات، يتناول الأيوبي جوانب متعلقة بالهوية الخليجية، وكيف تنعكس هذه الهوية في الشعر النسائي، بالإضافة إلى قضايا المرأة والتحديات الاجتماعية التي تواجهها وتطلعاتها المستقبلية. يسعى الكتاب إلى استكشاف دور المرأة الخليجية في تعزيز التجديد الشعري والابتكار الأدبي، مشيراً إلى كيفية تمكن المرأة من التعبير عن مشاعرها وأحلامها بأساليب شعرية فريدة، تجمع بين أصالة التراث وحيوية التجربة الفردية.

ويقدّم الكتاب أيضاً نبذة عن حياة بعض الشاعرات الرائدات في الخليج وأعمالهن الأدبية، حيث يتناول سيرهن الذاتية ويعرض نماذج من قصائدهن، مما يمنح القارئ فرصة للتعرف على العالم الداخلي لهذه الشاعرات والتجارب التي ألهمتهن في صياغة أشعارهن. وهو بذلك يقدم صورة حية للقصائد التي شكلت جزءاً من تجربة الشعر النسائي في الخليج ويحتفي بتلك الأسماء التي ساهمت في إثراء هذا المجال.

أما في "موجز تاريخ شعر المرأة العربية عبر العصور"، فيقدم الأيوبي استعراضاً تاريخياً لمسار شعر المرأة منذ العصور الأولى للأدب العربي، حيث يوثق مراحل تطور هذا الأدب وملامحه عبر العصور المختلفة، ليبرز بصمات النساء الشاعرات في فترات زمنية متنوعة، مع توضيح الدور الكبير الذي لعبته المرأة في تشكيل الأدب العربي بشكل عام.

وفي كتابه "شاعرات من العالم العربي، الجزء الأول"، يسلط الباحث الضوء على إبداعات مجموعة من الشاعرات العربيات من مختلف الدول العربية. يركز الكتاب على تحليل أعمالهن الشعرية، ويستعرض الموضوعات التي يعالجنها مثل الهوية، الحرية، والتحديات الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى مناقشة الأساليب الفنية والتقنيات الشعرية التي استخدمتها الشاعرات للتعبير عن قضاياهن الشخصية والجماعية. يعد هذا الكتاب إضافة مهمة لفهم دور المرأة في الأدب العربي المعاصر، حيث يقدم قراءة نقدية تبرز تنوع أساليب الكتابة والتعبير عن قضايا المرأة في الشعر العربي.

كما خصص الدكتور محمد صلاح الدين كتابه "أصداء الوجدان: قراءات في شعر الشاعرات الخليجيات" لدراسة نقدية معمقة لشعر ثلاث شاعرات خليجيات هن بدرية البدري من سلطنة عمان، وسعاد الصباح من الكويت، وسعاد الكواري من قطر. يتناول الكتاب الإبداع الشعري لهذه الشاعرات وتحليل أساليبهن في التعبير عن قضايا الهوية، والمرأة، والواقع الاجتماعي في الخليج، ويعرض كيف تجسد أعمالهن التحديات المجتمعية والسياسية في المنطقة. كما يعكس الكتاب الأسلوب الفريد الذي تتميز به هذه الشاعرات في مشهد الأدب العربي المعاصر، حيث تسهم أعمالهن في تشكيل واقع الأدب الخليجي المعاصر.

أما في "شاعرات معاصرات من الخليج العربي"، فيقدم الدكتور الأيوبي دراسة نقدية تسلط الضوء على إسهامات الشاعرات الخليجيات في الأدب العربي المعاصر. يتناول الكتاب سير وأعمال مجموعة من الشاعرات البارزات في دول الخليج، مع التركيز على تجاربهن الشعرية وتطور أساليبهن في التعبير عن همومهن الذاتية والجماعية. يناقش الكتاب كيف تناولت هذه الشاعرات قضايا الهوية، والتراث، والحقوق الاجتماعية والنسوية، بالإضافة إلى التغيرات الاجتماعية والسياسية في منطقة الخليج. كما يحلل الكتاب دور الشعر كأداة للتمرد على القيود الثقافية والبحث عن طرق جديدة للتعبير عن واقع المرأة الخليجية في ظل التحديات المعاصرة. ويعد هذا الكتاب إضافة هامة في الأدب النقدي المعاصر، حيث يسلط الضوء على التجارب الشعرية التي تمثل جزءاً أساسياً من مشهد الأدب الخليجي المتطور.

يُعدّ الدكتور محمد صلاح الدين الأيوبي من الباحثين البارزين الذين نجحوا في تسليط الضوء على جانب مهم من الأدب العربي المعاصر، حيث استطاع من خلال هذه الكتب المساهمة في تعزيز التواصل الثقافي بين الهند والعالم العربي، إضافة إلى إثراء الدراسات الأدبية حول شعر المرأة العربية. وقد قدم عبر أعماله هذه رؤية نقدية معمقة لمجموعة من الإبداعات الشعرية النسائية التي تعكس التحولات الاجتماعية والثقافية في العالم العربي، مما يعزز الوعي بدور المرأة في تطور الأدب العربي ويشجع على مزيد من الاهتمام بشعر المرأة في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • باحث هندي يستكشف التجربة الشعرية النسائية في الخليج والعالم العربي
  • مسؤول أممي يحذّر من "وباء عنف جنسي" ضد النساء في السودان  
  • البرهان ينفي الترتيب لحوار مع القوى المدنية.. ويؤكد: «باب التوبة مفتوح» 
  • أردوغان: نساء فلسطين قدوة للعالم في صمودهن أمام الظلم
  • أردوغان: نساء فلسطين قدوة في الصمود بوجه الظلم
  • رسالة من أردوغان لنساء لبنان وفلسطين.. هذا ما جاء فيها
  • اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة.. نساء تفوقن في الألعاب القتالية
  • منظمة نساء البام تشيد بجرأة الحكومة في إحالة مشروع قانون الإضراب على البرلمان
  • في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.. نساءُ اليمن ضحية عنف الحرب واستمرار الصراع!
  • وزارة الخارجية تلفت نظر المجتمع الدولي للفظائع التي يرتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء