صحيفة أثير:
2025-04-07@19:19:05 GMT

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عن نساء خسرهن الأدب

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

الروائي الأردني جلال برجس يكتب عن نساء خسرهن الأدب

أثير- الروائي الأردني جلال برجس

ما هو الأدب إن لم يكن الطريق إلى معرفة الذات وما يحيطها! ما هو الأدب إن لم يكن الفرار من الخسارة نحو أن يربح الآدمي نفسه، ويُحدث التوازن الذي ننشده جميًعا، في عالم يشهد على مدار الساعة أشكالًا عديدة من الدُّوار، والترنح. قلتُ الآدمي؟
حسنًا، فهو اسم جامع للجنسين، الرجل والمرأة، وبالتالي فإن ما يصدر عنهما واحد رغم ما يطفو على السطح من تصنيفات في كثير من مناحي الحياة كالأدب الذي يُفصل فيه-للأسف-ما يكتبه الرجال عما تكتبه النساء.

على الصعيد العربي أوجدت المرأة دورها في الأدب قبل العصر الجاهلي، وفي خضمه، وفي مراحل العصر الإسلامي، وما يزال هذا الدور بكل فعاليته إلى أيامنا هذه التي نشهد فيها -رغم كل طروحات التقدم-مفاهيم مغلوطة تحدُّ من ميول المرأة نحو تعزيز مكانتها، وإسهاماتها في الارتقاء بالإنسانية.

مفاهيم حُرمت المرأة جراءها من أن تعلن عن رؤيتها لنفسها، وللحياة، كتابة. أمر حدث في بعض المجتمعات العربية، لكن ثورة الاتصالات خلخلت جانبًا كبيرًا من هذه المعادلة التي تخص المرأة، فوفرت لها مساحة مهمة رغم افتراضيتها.

عرفتُ عددًا من الكاتبات اللواتي اختبأن وراء أسماء مستعارة اعترافًا بعدم قدرتهن على هدم الجدران التي ضربت حولهن، لكن من الجهة الأخرى يمارسن الكتابة إيمانًا بها كأداة تعبير قصوى، وكفعل رفض لرفض دورهن الإنساني. وقد ساعدت ثورة الاتصالات في هذا الأمر من جانبين: الأول توفير مساحة افتراضية للتعبير، وبالتالي دخول مضمار الكتابة. أما الثاني فهو توفير خصوصية عالية في تلك المساحة بحيث يمكن للمرأة أن تتوارى وراء اسم وهمي تحتمي به من المساءلة الاجتماعية.

قالت لي كاتبة، قبل عشرين سنة: لولا الكتابة لجننت. كانت تكتب-على حد قولها-لتتخلص من عادتها اليومية في التحديق بالسقف؛ عادة كان يمكن أن تؤدي بها إلى الجنون، إذ إنها كانت تفكر من دون انقطاع بجدوى الحياة وهي سجينة البيت، ممنوعة حتى من الوقوف إلى النافذة، لا تزور أحدًا، ولا يزورها أحد. لا تكلم أحدًا، إلا زوجها حين يعود من عمله، ويتحدث إليها بكلمات قليلة، وكل ذلك جراء غيرته. شاهدتْ تلك المرأة ذات مرة كاتبةً في إحدى البرامج التلفزيونية تحكي عن أسباب ولعها بالكتابة وانطلاقًا من ذلك اليوم راحت تكتب قصصًا؛ فتخلت عن عادتها في التحديق بالسقف، بل حتى وجدت أن حياتها الحقيقية هي التي تفرغها على الورق. ومع الأيام، وبعد أن كتبت عشرات القصص، صارت تفكر بأن يكون لديها كتاب يتداوله القراء، لكن طلبها قوبل برفض شديد، فأخذت تنشر في مدونة إلكترونية باسم مستعار، لكن حين اكتُشف أمرها، حُذفت تلك المدونة، واختفت؛ فخسر الأدبُ كتابةً صادقة، وخسرت الحرية أحد مناصريها.

ما حدث لتلك السيدة لا يبعث على الألم فقط، إنما يبعث أيضًا على الخوف على الحرية، حرية الفرد الطبيعية في أن يمضي بما يريد، خصوصا في المساعي التي لا تهدد حرية الآخرين، ولا تخرج عن المفهوم المتعارف عليه للأخلاق، فحين يحاول أحدهم أن يتجاوز قضبان سجنه المعنوي-وهذا أكثر السجون أذى-ويجد ألا سبيل إلى النجاح في هذا الأمر، تصبح الحياة من دون معنى، بل حتى يصبح الموت بديلًا لها.

يرى الفيلسوف الألماني (إمانويل كانط) أن “الحرية هي شرط وجود الأخلاق، إذ لا يمكن تأدية فعل أخلاقي من دون حرية الاختيار”. وجراء تراجع الحرية في الممارسة الاجتماعية، والسياسية، والفكرية في أيامنا هذه، تراجعت بطبيعة الحال الخيارات الذاتية، اختيار الفرد لما يريده، وينتمي لقناعاته فيه. من هنا مُنعَ عدد من النساء في عالمنا العربي من الذهاب إلى خياراتهن الخاصة في كثير من القطاعات الإنسانية منها الأدب.

السؤال الذي يطرح نفسه حيال هذه المسألة: هل يرى الرجل في حرية المرأة، تهديدًا لكيانه؟ أم يراها نبشًا لعش دبابير المجتمع؟ وبالتالي عدم قدرته على خوض المواجهة؟

هناك من يرى في مضي المرأة نحو تحقيق أهدافها تعاليًّا على كينونته، بل تهديدًا لها. وهناك من يقرّ في دواخله بضرورة حقها في تقرير مصيرها، لكنه لا يقوى على مواجهة بعض المنظومات الاجتماعية التي ترفض ذلك، لهذا تعطل خوض عدد من النساء مضمار الأدب بسبب رؤية المجتمع له على أنه ترف، وتعبير غير جائز لمكنونات النفس، وبالتالي خروج للمرأة عن دورها النمطي.

لقد أثْرَت المرأة -جنبًا إلى جنب مع الرجل-المكتبة العربية بكثير من الكتب في الأدب؛ فأسهمت بشكل كبير في تطور المجتمع، وفي تصحيح كثير من المسارات، وبخاصة فيما يتعلق بدور المرأة في البناء الإنساني. مع هذا هناك كثير من النساء منعن من أن يقلن كلمتهن، ليس لسبب إلا جراء بعض الأفكار الاجتماعية المغلوطة.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: کثیر من

إقرأ أيضاً:

ترجمة الأدب الأجنبي.. تميّز ثقافي فرنسي تسعى دور نشر للحفاظ عليه

باريس "أ.ف.ب": تبدو أربع دور نشر فرنسية واثقة بأن للأدب الأجنبي مستقبلا في فرنسا خارج نطاق الإنتاجات الأميركية الكبرى، وهذا ما دفعها، رغم كونها تتنافس عادة في ما بينها، إلى أن تتعاون راهنا من أجل الترويج للمؤلفين الذين يحتاجون إلى تسليط الضوء عليهم.

ولطالما تميّزت فرنسا إلى جانب ألمانيا، كونهما أكثر دولتين تترجمان كتبا كل سنة، بحسب بيانات اليونسكو (مع العلم أنّ هذه المعطيات لم يتم تحديثها منذ منتصف عام 2010، مما يمنع من إجراء مقارنات حديثة).

لكنّ فرنسا ليست بمنأى من ظاهرة واضحة في بلدان كثيرة تتمثل بانخفاض التنوع التحريري. ففي العام 2023، نُشرت 2735 رواية مترجمة من لغة أجنبية، أي أقل بنسبة 30% عمّا أنجز عام 2017.

ويقول رفاييل ليبرت من دار "ستوك" للنشر "خلال إحدى المراحل، اعتبرت مقالات صحافية كثيرة أنّ الأدب الأجنبي كان كارثة، وأنه انتهى. وقد انزعجنا من قراءة ذلك بدون اقتراح أي حل".

"حفاظ على الإيمان"

أجمعت دار نشره ودور "غراسيه" (تابعة لدار "أشيت ليفر")، "ألبان ميشيل" و"غاليمار"، والتي تنتمي إلى ثلاث مجموعات مختلفة، على فكرة تحالف ظرفي تحت اسم "دايّور إيه ديسي" D'ailleurs et d'ici.

لماذا هذه الدور الأربعة دون سواها؟ لأنّ هناك تقاربا بين الأشخاص الأربعة الذين أطلقوا المبادرة وآمنوا جميعا بهذا التميّز الثقافي الفرنسي.

تدافع دور نشرهم معا أمام الجمهور نفسه (من مكتبات وصحافيين وقراء) عن مؤلفين ومؤلفات تؤمن بهم ولكنهم يحتاجون إلى تسليط الضوء عليهم.

لدى دار "ستوك"، باعت الألمانية دورتيه هانسن نصف مليون نسخة في بلدها مع قصة مذهلة عن الحياة على جزيرة تضربها رياح بحر الشمال.

وقد اختارت "غراسيه" مع كتاب "بيتييه" Pitie لأندرو ماكميلان، و"غاليمار" مع "ج سوي فان" Je suis fan لشينا باتيل، شبابا بريطانيين.

يقول الخبير في الأدب الأميركي فرانسيس غيفار من دار "ألبان ميشيل" "من دون سمعة في البداية، يكون الأمر صعبا على جميع المؤلفين. في هذه المهنة، عليك أن تحافظ على الإيمان". ويدافع عن مجموعة قصص قصيرة عنوانها "لا فورم أيه لا كولور ديه سون" لكاتب أميركي غير معروف هو بن شاتوك.

هيمنة أميركية

أعطت المكتبة التي افتتحتها دار النشر هذه عام 2023 في شارع راسباي في باريس، لقسمها المخصص للادب الأجنبي اسم "الأدب المترجم"، في خطوة تريد عبرها القول إنّ هذه الأعمال ينبغي ألا تبدو غريبة أو بعيدة من القراء.

ليس وضع الأدب الأجنبي سيئا بشكل عام. فبحسب شركة "جي اف كيه"، بلغت إيراداته 447 مليون يورو (490 مليون دولار) في فرنسا عام 2024، "مع زيادة 9% في الحجم و11% في القيمة".

وقد ساهم في ذلك نجاح الأميركية فريدا مكفادين ("لا فام دو ميناج" La Femme de menage).

وأصبح "الأدب الأجنبي" مرادفا بشكل متزايد للروايات الناطقة بالانكليزية. ففي العام 2023، أصبحت الانكليزية لغة 75% من "الروايات وكتب الخيال الرومانسي المترجمة إلى الفرنسية"، وهي نسبة ظلت مستقرة على الأقل منذ عشر سنوات.

مقالات مشابهة

  • شريفة التّوبية تختتم ملحمتها الروائيّة البيرق بـ هبوب الريح
  • نساء غزة يعانين مرارة الإعاقة وقسوة النزوح
  • الأمم المتحدة: نساء غزة منهكات ودون أي فرصة للراحة
  • ناشط مصري: منع حرية التعبير والاحتجاج لا يبرر الخضوع الشعبي
  • مجلس حقوق الإنسان بجنيف يعتمد قرارا قدمه المغرب بشأن تمكين النساء في المجال الدبلوماسي
  • ترجمة الأدب الأجنبي.. تميّز ثقافي فرنسي تسعى دور نشر للحفاظ عليه
  • الهاكا" توجه انذارا لراديو شدى إف إم بسبب برنامج ديني انتقد خروج المرأة للعمل والاختلاط في المدارس
  • الشعبة البرلمانية الإماراتية تشارك في منتدى النساء البرلمانيات بطشقند
  • خارجية الشيوخ: مصر ملتزمة بمسؤوليتها تجاه القضية الفلسطينية.. وثوابتها لم تتغير
  • ياسر جلال يكشف سبب عدم ظهوره في مقالب رامز