الروائي الأردني جلال برجس يكتب عن نساء خسرهن الأدب
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
أثير- الروائي الأردني جلال برجس
ما هو الأدب إن لم يكن الطريق إلى معرفة الذات وما يحيطها! ما هو الأدب إن لم يكن الفرار من الخسارة نحو أن يربح الآدمي نفسه، ويُحدث التوازن الذي ننشده جميًعا، في عالم يشهد على مدار الساعة أشكالًا عديدة من الدُّوار، والترنح. قلتُ الآدمي؟
حسنًا، فهو اسم جامع للجنسين، الرجل والمرأة، وبالتالي فإن ما يصدر عنهما واحد رغم ما يطفو على السطح من تصنيفات في كثير من مناحي الحياة كالأدب الذي يُفصل فيه-للأسف-ما يكتبه الرجال عما تكتبه النساء.
على الصعيد العربي أوجدت المرأة دورها في الأدب قبل العصر الجاهلي، وفي خضمه، وفي مراحل العصر الإسلامي، وما يزال هذا الدور بكل فعاليته إلى أيامنا هذه التي نشهد فيها -رغم كل طروحات التقدم-مفاهيم مغلوطة تحدُّ من ميول المرأة نحو تعزيز مكانتها، وإسهاماتها في الارتقاء بالإنسانية.
مفاهيم حُرمت المرأة جراءها من أن تعلن عن رؤيتها لنفسها، وللحياة، كتابة. أمر حدث في بعض المجتمعات العربية، لكن ثورة الاتصالات خلخلت جانبًا كبيرًا من هذه المعادلة التي تخص المرأة، فوفرت لها مساحة مهمة رغم افتراضيتها.
عرفتُ عددًا من الكاتبات اللواتي اختبأن وراء أسماء مستعارة اعترافًا بعدم قدرتهن على هدم الجدران التي ضربت حولهن، لكن من الجهة الأخرى يمارسن الكتابة إيمانًا بها كأداة تعبير قصوى، وكفعل رفض لرفض دورهن الإنساني. وقد ساعدت ثورة الاتصالات في هذا الأمر من جانبين: الأول توفير مساحة افتراضية للتعبير، وبالتالي دخول مضمار الكتابة. أما الثاني فهو توفير خصوصية عالية في تلك المساحة بحيث يمكن للمرأة أن تتوارى وراء اسم وهمي تحتمي به من المساءلة الاجتماعية.
قالت لي كاتبة، قبل عشرين سنة: لولا الكتابة لجننت. كانت تكتب-على حد قولها-لتتخلص من عادتها اليومية في التحديق بالسقف؛ عادة كان يمكن أن تؤدي بها إلى الجنون، إذ إنها كانت تفكر من دون انقطاع بجدوى الحياة وهي سجينة البيت، ممنوعة حتى من الوقوف إلى النافذة، لا تزور أحدًا، ولا يزورها أحد. لا تكلم أحدًا، إلا زوجها حين يعود من عمله، ويتحدث إليها بكلمات قليلة، وكل ذلك جراء غيرته. شاهدتْ تلك المرأة ذات مرة كاتبةً في إحدى البرامج التلفزيونية تحكي عن أسباب ولعها بالكتابة وانطلاقًا من ذلك اليوم راحت تكتب قصصًا؛ فتخلت عن عادتها في التحديق بالسقف، بل حتى وجدت أن حياتها الحقيقية هي التي تفرغها على الورق. ومع الأيام، وبعد أن كتبت عشرات القصص، صارت تفكر بأن يكون لديها كتاب يتداوله القراء، لكن طلبها قوبل برفض شديد، فأخذت تنشر في مدونة إلكترونية باسم مستعار، لكن حين اكتُشف أمرها، حُذفت تلك المدونة، واختفت؛ فخسر الأدبُ كتابةً صادقة، وخسرت الحرية أحد مناصريها.
ما حدث لتلك السيدة لا يبعث على الألم فقط، إنما يبعث أيضًا على الخوف على الحرية، حرية الفرد الطبيعية في أن يمضي بما يريد، خصوصا في المساعي التي لا تهدد حرية الآخرين، ولا تخرج عن المفهوم المتعارف عليه للأخلاق، فحين يحاول أحدهم أن يتجاوز قضبان سجنه المعنوي-وهذا أكثر السجون أذى-ويجد ألا سبيل إلى النجاح في هذا الأمر، تصبح الحياة من دون معنى، بل حتى يصبح الموت بديلًا لها.
يرى الفيلسوف الألماني (إمانويل كانط) أن “الحرية هي شرط وجود الأخلاق، إذ لا يمكن تأدية فعل أخلاقي من دون حرية الاختيار”. وجراء تراجع الحرية في الممارسة الاجتماعية، والسياسية، والفكرية في أيامنا هذه، تراجعت بطبيعة الحال الخيارات الذاتية، اختيار الفرد لما يريده، وينتمي لقناعاته فيه. من هنا مُنعَ عدد من النساء في عالمنا العربي من الذهاب إلى خياراتهن الخاصة في كثير من القطاعات الإنسانية منها الأدب.
السؤال الذي يطرح نفسه حيال هذه المسألة: هل يرى الرجل في حرية المرأة، تهديدًا لكيانه؟ أم يراها نبشًا لعش دبابير المجتمع؟ وبالتالي عدم قدرته على خوض المواجهة؟
هناك من يرى في مضي المرأة نحو تحقيق أهدافها تعاليًّا على كينونته، بل تهديدًا لها. وهناك من يقرّ في دواخله بضرورة حقها في تقرير مصيرها، لكنه لا يقوى على مواجهة بعض المنظومات الاجتماعية التي ترفض ذلك، لهذا تعطل خوض عدد من النساء مضمار الأدب بسبب رؤية المجتمع له على أنه ترف، وتعبير غير جائز لمكنونات النفس، وبالتالي خروج للمرأة عن دورها النمطي.
لقد أثْرَت المرأة -جنبًا إلى جنب مع الرجل-المكتبة العربية بكثير من الكتب في الأدب؛ فأسهمت بشكل كبير في تطور المجتمع، وفي تصحيح كثير من المسارات، وبخاصة فيما يتعلق بدور المرأة في البناء الإنساني. مع هذا هناك كثير من النساء منعن من أن يقلن كلمتهن، ليس لسبب إلا جراء بعض الأفكار الاجتماعية المغلوطة.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: کثیر من
إقرأ أيضاً:
جيل ستاين.. المرأة التي قد تحدد الفائز بانتخابات الرئاسة الأميركية
مع توجه الناخبين الأميركيين إلى مراكز الاقتراع، الثلاثاء، وتوقعات احتدام المنافسة في انتخابات الرئاسة، إذ يمكن لبضع مئات من الأصوات تحديد هوية الساكن الجديد للبيت الأبيض، يلوح سيناريو "غير مألوف" قد تكون بطلته مرشحة حزب الخضر، جيل ستاين (75 عاما).
وتتوقع استطلاعات الرأي حصول ستاين على نحو 1 في المئة الأصوات، وهي نسبة ضئيلة، لكن خبراء يتوقعون أن يكون لها تأثير كبير على نتائج مرشحي الحزبين الكبيرين، كامالا هاريس، ودونالد ترامب، المتنافسين المتعادلين تقريبا في غالبية استطلاعات الرأي.
وتدخل ستاين السباق الرئاسي للمرة الثالثة، بعدما ترشحت من قبل عامي 2012 و2016. وفي إعلان الترشح لسباق 2024 في نوفمبر الماضي، قالت ستاين إنها تريد أن تقدم للناخبين خيارا "خارج نظام الحزبين الفاشل"، وتحدثت بشكل مفصل عن آرائها في تغير المناخ والتعليم والاقتصاد والسياسة الخارجية والرعاية الصحية والهجرة والإجهاض.
وحسب تقرير بالفيديو لموقع "صوت أميركا"، حصلت ستاين على 1 في المئة من الأصوات في انتخابات 2016. وفي ميشيغان المتأرجحة، فاز غريمها ترامب بأقل من 11 ألف صوت، بينما حصلت ستاين على أكثر من 501 ألف صوت.
وفي ذلك الوقت، وجهت حملة المرشحة الديمقراطية آنذاك، هيلاري كلينتون، أصابع الاتهام لها بالتسبب في هزيمة كلينتون أمام المرشح الجمهوري، ترامب، قائلين إن هذه الأصوات التي حصدتها ستاين كانت كفيلة بفوزها.
وحصل سيناريو مماثل في سباق 2000 بين جورج بوش وآل غور، عندما حصل مرشح الخضر، رالف نادر، على 100 ألف صوت في فلوريدا، بينما فاز بوش بفارق 537 صوتا.
لكن خبراء يقولون إنه لا يمكن الجزم على وجه اليقين بأن الأصوات التي ذهبت لستاين كانت ستذهب إلى كلينتون.
في دقائق.. أول قرية أميركية تنتخب الرئيس وتعلن نتائجها تصويت وفرز للنتائج خلال دقائق، والنتيجة تعادل مرشحي الرئاسة، كامالا هاريس، ودونالد ترامب، بثلاثة أصوات لكل منهما.كايل كونديك، من مركز السياسيات في جامعة فيرجينا قال لـ"صوت أميركا: " ليس من السهل الادعاء بأن مرشحا ما يسرق الأصوات. لا يمكن أن تحدد سلوك الناخبين إذا أجبروا على الاختيار بين مرشحين اثنين".
جاك راكوف، من جامعة ستانفورد، قال إن "المشكلة في هذه الانتخابات أنه عندما يكون لديك سباق متقارب للغاية بهذا الشكل، ستفترض أن الاختيار الثالث للناس له أهمية. أعتقد أن الناخبين الذين يرشحون الطرف الثالث يفعلون ذلك لأسبابهم الخاصة".
لكن العديد من الديمقراطيين يتهمون ستاين بـ"إفساد" الانتخابات والعمل ضد مصلحة هاريس.
وفي المقابل، تصف حملة ستاين هذه الاتهامات بأنها "محاولة لقمع آراء الناخبين"، وإجبارهم على التصويت "للمؤسسة الحاكمة".
"في أميركا فقط".. المسجد مركز اقتراع بالانتخابات أمام المركز الإسلامي في مدينة كولومبس، بولاية أوهايو، اصطف ناخبون في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة الأميركية، بعدما حول المسجد ساحته إلى مركز اقتراع عقب صلاة فجر الثلاثاء، يوم الحسم في الانتخابات.وفي ولاية ميشيغان الحاسمة، التي تقطنها جالية مسلمة كبيرة، يتمتع حزب الخضر بنفوذ كبير في الانتخابات الحالية، بسبب غضب عدد كبير من المسلمين من تعامل إدارة بايدن- هاريس مع حرب غزة.
وكان استطلاع لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، نشر الشهر الماضي، وجد أن 40 في المئة من المسلمين في الولاية سيصوتون لستاين، بينما قال 12 في المئة إنهم سوف يصوتون لهاريس.
ويظهر الاستطلاع أيضا زيادة في عدد المسلمين الذي سوف يصوتون لستاين وليس هاريس في ويسكونسون وأريزونا، وهما ولايتان حاسمتان فاز بهما بايدن بفارق ضئيل في سباق 2020.
جون فورتاير، من مؤسسة أميركان إنتربرايز" قال: "أخذ المزيد من الأصوات من هاريس مع فشل الديمقراطيين في إخراجها من السباق في الولايات المنافسة الرئيسية، بينما سيحسم هذا السباق عدد قليل من الولايات الحاسمة، سيعني هذا أن ستاين لديها القدرة على التأثير في هذه الولايات".