آه لو جُمّد الاستيطان على الأقل!
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
«هذه أول مرة سيرتفع فيها علم فلسطينيي على أرض فلسطينية محررة، هذا مكسب معناه أن شعبنا ثُبت على الخريطة السياسية والجغرافية في النظام العالمي الجديد (..) أقول إلى أهلي وربعي، إلى أحبائي ورفاقي، إلى كل المجاهدين والمناضلين، أطفالا ونساءً ورجالا، نحن كما قلت لكم على موعد مع النصر، نحن على موعد مع الفجر».
ما زالت كلمات الراحل ياسر عرفات تتردد على مسمعي كأنها البارحة. كان ذلك قبل ثلاثين عاما كاملة عندما أجريت معه مقابلة على متن الطائرة المغربية التي أقلته من تونس إلى واشنطن للاحتفال في حديقة البيت الأبيض بالتوقيع على «اتفاق إعلان المبادئ» المعروف أكثر باتفاق أوسلو.
ترى ماذا كان يمكن أن يقول «الختيار» اليوم لو أمد الله في عمره بعد ثلاثة عقود من هذا الكلام الحالم الذي تحطم على صخور التطرف الإسرائيلي والنفاق الدولي والخذلان العربي؟
صُوّر الزعيم الفلسطيني، بعد أقل من عشر سنوات من هذا الحدث، على أنه «عقبة في طريق السلام» الذي كان يؤمل أن يتوج بقيام دولة فلسطينية بعد الشروع في بحث ما سمي بقضايا الوضع الدائم وهي الحدود والمياه والمستوطنات والقدس واللاجئين. وحين جاء محمود عباس (أبو مازن) خلفا لعرفات بعد رحيله الدرامي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، شرع في الترويج، أو الإيهام بشكل أدق، أن الأمور أصبحت سالكة، بعد أن تخلصت إسرائيل من الرجل الذي حاصرته في مقره في رام الله لأشهر وقصفته، وتخلى عنه القريب والبعيد، حتى لقي ربه في عملية تسميم مدبرة لم يكشف النقاب الكامل عن تفاصيلها، وخاصة الأطراف الفلسطينية التي قد تكون تورطت فيها بشكل أو بآخر.
عمليا لم يبق من الأراضي في الضفة الغربية ما يمكن أن تقوم عليه دولة فلسطينية مستقلة متصلة جغرافيا وجديرة بهذا الاسم
ثلاثون عاما انتكست فيها القضية الفلسطينية وتراجعت، كما لم يحصل من قبل، ولولا صمود الناس في الضفة والقطاع وإصرارهم على رفض الأمر الواقع الإسرائيلي لقيل بكل سهولة أن هذه القضية قبرت وانتهت. وقد زاد هذا الوضع إيلاما انقسام الفلسطينيين بين «حماس» التي أعجبها أن تكون حاكمة، ولو لقطاع مخنوق ومغلوب على أمره، و«فتح» التي اهترأت سلطتها في الضفة بحكم الاستنزاف الإسرائيلي وغياب الحوكمة الرشيدة.
وإذا ما عدنا إلى «قضايا الحل الدائم» التي أجلت طوال هذه العقود حتى كادت تنسى، فإننا نجد أن ما أبقى قضية القدس حية على الدوام هو صمود أهلها الكبير رغم قلة الإمكانات، فيما تاهت قضايا الحدود والمياه واللاجئين، أما قضية المستوطنات (وهي مدن كاملة زرعت على الأرض الفلسطينية وبين الأهالي) فقد كانت الغلطة القاتلة التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت الآن من عربدة المستوطنين وإجرامهم في الضفة الغربية.
في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1991 لبحث إمكانية وشكل المشاركة في «مؤتمر مدريد للسلام» الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش الأب بعد حرب الكويت، كان المتحدث باسم منظمة التحرير آنذاك الراحل أحمد عبد الرحمن لا يفك عن التأكيد، وفي كل تصريح، على أنه لا مجال لدخول لأي مفاوضات دون وقف الاستيطان الإسرائيلي، لكن ذلك لم يحدث وليتهم أصروا عليه بقوة.
لو تمسك الفلسطينيون بهذا الشرط، على الأقل، لبقيت هناك أرض يمكن التفاوض بشأن مصيرها، عوض هذا الواقع المرير الذي لم تعد فيه الضفة الغربية بالضفة التي عرفوها، سواء عام 1991 إبان انطلاق ما سمي بعملية السلام وفق مبدأ «الأرض مقابل السلام» أو عام 1993 حين دخلوا في مفاوضات سرية قبلوا فيها إرجاء بحث هذه القضية المصيرية.
لقد تضاعف عدد المستوطنين أربع مرات من بداية التسعينيات إلى الآن، ووفق معهد أريج في بيت لحم، كانت المستوطنات عام 1992 بعدد 172 وعدد المستوطنين 248 ألفا (الضفة والقدس وغزة) أما عام 2023 فعدد المستوطنات بلغ 201، زائد 243 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية بما فيها القدس، فيما وصل عدد المستوطنين إلى 950 ألفا.
عندما تلقي نظرة على خريطة الضفة الغربية وتنظر إلى الاستيطان كيف تمدد على مر هذه السنوات فستكتشف أنه أشبه ما يكون بصورة أشعة طبية لامتداد سرطاني في الرئة، أو تليف في الكبد، عافاكم الله.
لا مكان لمفردة (لو) في السياسة، ولا معنى بالتأكيد للتحسر على ما فات، لكن الأكيد أن منظمة التحرير لو ربطت أي مشاركة لها في أي تسوية أو مفاوضات بشرط واحد على الأقل، وهو الوقف الكامل للاستيطان، إلى حين التوصل إلى تسوية نهائية لما وصلت الأمور إلى هذه الدرجة من السوء ومن الانسداد الكامل للآفاق.
عمليا لم يبق من الأراضي في الضفة الغربية ما يمكن أن تقوم عليه دولة فلسطينية مستقلة متصلة جغرافيا وجديرة بهذا الاسم، كما أنه من الصعب جدا أن نرى مئات الآلاف من المستوطنين تغادر الأراضي المحتلة، اللهم مكرهين وفي سياق مختلف تماما من موازين القوى، وهذه قصة أخرى طويلة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطينية أوسلو منظمة التحرير الاستيطان فلسطين أوسلو الاستيطان منظمة التحرير مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الضفة الغربیة
إقرأ أيضاً:
بسبب جنين..فتح تمنع قناة الجزيرة من دخول طوباس في الضفة الغربية
تسببت تغطية قناة الجزيرة للمواجهة منذ أسابيع بين قوات الأمن الفلسطينية ومسلحين من حركتي حماس والجهاد في مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة في اصطدامها بالسلطة الفلسطينية.
ونددت حركة فتح، بالقناة التي تعرض تقارير موسعة عن الاشتباكات في جنين. وقالت الحركة: "نظراً للدور الخطير لقناة الجزيرة في وطننا العربي عامة وفي فلسطين خاصة، من بث الفتنة والتحريض على الاقتتال الداخلي في تقاطع واضح مع مساعي الصهيو أمريكية، والأجندات المعادية لقضايا أمتنا العربية بشكل عام، وقضيتنا الفلسطينية بشكل خاص، فقد تقرر منع دخول قناة الجزيرة إلى محافظة طوباس".ودعت فتح الفلسطينيين إلى رفض التعاون مع قناة الجزيرة. الثاني منذ يوم الأحد..مقتل شرطي فلسطيني في اشتباكات مع مسلحين بجنين - موقع 24قال المتحدث الرسمي باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية الإثنين، إن شرطياً قُتل برصاص مسلحين فلسطينيين في الاشتباكات المتواصلة بين أجهزة الأمن ومسلحين في مخيم جنين، في شمال الضفة الغربية منذ 18 يوماً. وأوقفت إسرائيل في مايو (أيار) عمل الجزيرة، قائلة إنها تهدد الأمن القومي. وأمرت في سبتمبر (أيلول) بإغلاق مكتبها في رام الله 45 يوماً بعد تقييم للمخابرات أفاد بأن مكاتب الجزيرة تُستخدم في دعم أنشطة إرهابية.
وقالت الجزيرة في بيان اليوم الثلاثاء إن القناة "كانت وستبقى منبراً للرأي والرأي الآخر، ولتغطية الأحداث بمهنية ومصداقية، وقد حافظت الجزيرة على ذلك خلال تغطيتها للأحداث المؤسفة في جنين".
وتخوض قوات أمن السلطة الفلسطينية معارك مع مسلحين في جنين في محاولتها للسيطرة على أحد المراكز التاريخية للنشاط المسلح في الضفة الغربية، قبل تغير محتمل في السياسة الفلسطينية بعد حرب غزة.
ودخلت قوات السلطة الفلسطينية، إلى جنين في أوائل ديسمبر (كانون الأول) وتشتبك يومياً مع مسلحين من حماس والجهاد المدعومتين من إيران.
وأثارت المواجهة غضباً شديداً من الجانبين ما أدى إلى تعميق الانقسامات القائمة منذ فترة طويلة بين الفصائل الفلسطينية وأنصارها.