مشروع الممر الدولي الجديد: مصر هي الخاسرة الكبرى
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
لقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر الاتفاق الأولي الذي جرى الإعلان عنه في نيودلهي يوم السبت الماضي بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لايين، وهو اتفاق على إنشاء ممر نقل بحري/ بري من الهند إلى أوروبا.
يبدأ الممر المزمع إنشاؤه بخط بحري بين ميناء موندرا في الهند، وهو أكبر الموانئ الهندية شمالا على بحر العرب (يقع في ولاية كجرات التي ينتمي إليها مودي، وقد شغل منصب رئيس وزرائها عدة سنوات قبل توليه حكم البلاد بأسرها بدءا من عام 2014) وميناء الفجيرة في الإمارات، بما يتفادى المرور بمضيق هرمز الذي تستطيع إيران إغلاقه. ثم يجري النقل بالسكك الحديدية عبر الإمارات والمملكة السعودية والأردن وصولا إلى ميناء حيفا، إذ جرى إشراك دولة إسرائيل في المشروع. ومن حيفا، يتواصل النقل عبر البحر الأبيض المتوسط إلى شتى الموانئ الأوروبية المطلة على المتوسط، لاسيما موانئ اليونان وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
وقد أشارت معظم وسائل الإعلام إلى أن مصلحة أمريكا في مشروع الممر، بالرغم من أن لا علاقة لها به من حيث الجغرافيا، إنما تقوم على منافسته للمبادرة الصينية الكبرى المعروفة باسم «الحزام والطريق» والتي تشمل مشاريع متعلقة بالبنية التحتية في كافة القارات.
إلا أن ذلك إغفال للمشروع الحقيقي الذي يتوخى المشروع الجديد منافسته، ألا وهو «معبر النقل الدولي بين الشمال والجنوب» الذي شرعت الهند في تجهيزه منذ عدة سنين مع كل من إيران وروسيا. فإن «الممر» الجديد المزمع إنشاؤه لا ينافس حقا «مبادرة الحزام والطريق» إذ هو من طبيعة مختلفة ونطاقه أضيق بكثير، بينما ينافس تماما مشروع «المعبر» (التسمية الإنكليزية واحدة «corridor» للمشروعين، لكن التمييز بين التسميتين بالعربية يسهّل الحديث) الذي يقوم على وصل ميناء مومباي الهندي بميناء بندر عباس الإيراني، ومن ثم العبور برا من هذا الميناء الأخير عبر إيران وأذربيجان وروسيا حتى وسط القارة الأوروبية (وصفنا هذا المشروع على هذه الصفحات قبل أكثر من عام: «روسيا وإيران تسرّعان مشروعهما المنافس لقناة السويس» 21/6/2022).
يشكل «الممر» المزمع إنشاؤه إخفاقا فادحا لعبد الفتاح السيسي، الذي كان في نيودلهي وقد مرت العملية من تحت أنفه على ما يبدو، بدل أن يبذل مساعي حثيثة من أجل إقناع الإمارات والسعودية باشتراط إشراك مصر في المشروع
وكانت روسيا قد بدأت تخطط لمشروع «المعبر» مع الهند وإيران منذ بداية القرن الحالي، أي قبل ما يقارب ربع قرن، وقبل أن تنحط علاقاتها بمعظم الدول الأوروبية بنتيجة غزوها الأول لأوكرانيا في عام 2014 ومن ثم غزوها الثاني والأخطر في عام 2022. ومن الواضح أن فكرة روسيا بإنشاء «سويس جديدة» (كما أسماها المعلقون الروس) لتكون معبرا من آسيا إلى أوروبا الغربية عبر أراضيها قد انتهت بما لا رجعة عنه. هذا ويبقى مشروع «المعبر» صالحا لوصل جنوبي شرق آسيا وشبه القارة الهندية بآسيا الوسطى والقوقاز وروسيا، لكن الطموح السابق بأن تستخدمه سائر الدول الأوروبية بات مستحيلا. وهنا يأتي دور «الممر» كبديل عن «المعبر» بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي.
إن المشروع الجديد بديل عن المشروع السابق على حساب إيران وروسيا ولصالح الإمارات والمملكة السعودية. لكن خطورته كامنة في أن إدارة بايدن سهرت على ضم دولة إسرائيل إليه، بما يدعم المساعي المكثفة التي تبذلها منذ أشهر من أجل استكمال ما أشرفت عليه إدارة دونالد ترامب من «تطبيع» بين الإمارات وإسرائيل، وذلك بترتيب اتفاقية «تطبيع» مماثلة بين المملكة والدولة الصهيونية.
أما الخاسرة الكبرى إزاء كافة هذه المناورات، فهي مصر. ذلك أن المشروعين، «المعبر» و«الممر» يلتقيان في أنهما يرميان على حد سواء إلى التعويض عن قناة السويس. وهذا ينذر بالطبع بانخفاض العائدات التي تجنيها مصر من عبور القناة، بما من شأنه تأكيد صحة الانتقادات التي تم توجيهها لمشروع شق «قناة السويس الجديدة» أول مشاريع عبد الفتاح السيسي «الفرعونية» الذي شرع فيه على الرغم من الدعوات إلى التريث نظرا للشكوك في شأن تزايد الملاحة عبر القناة في المدى المتوسط والبعيد.
علاوة على ذلك، وبنتيجة الضغط الأمريكي من أجل المضي قدما في التطبيع مع الدولة الصهيونية، جرى تفضيل المرور من المملكة السعودية عبر الأردن إلى ميناء حيفا على المرور عبر المملكة وسيناء إلى أحد المينائين المصريين في العريش وبور سعيد. وهذا ممكن بفضل مشروع «الجسر البري بين مصر والسعودية» القائم بين البلدين منذ عام 2016 والذي يرمي إلى ربط منطقة تبوك، التي يحرص محمد بن سلمان على تنميتها (مشروع مدينة نيوم العملاق) بشرم الشيخ، مرورا بجزيرة تيران التي تخلى السيسي عن السيادة المصرية عليها (هي وجزيرة صنافير) في عام 2016 ذاته بغية تسهيل المشروع.
هكذا يشكل «الممر» المزمع إنشاؤه إخفاقا فادحا لعبد الفتاح السيسي، الذي كان في نيو دلهي وقد مرت العملية من تحت أنفه على ما يبدو، بدل أن يبذل مساعي حثيثة من أجل إقناع الإمارات والمملكة باشتراط إشراك مصر في المشروع. والحال أن الطريق المصرية أضمن بكثير من طريق تمر عبر دولة بات يحكمها رجال متطرفون في عدائهم العنصري للعرب، وهي تعيش حالة اضطراب قصوى ليس ما يشير إلى إمكانية تخطيها في المستقبل المنظور، ناهيكم بالطبع من خطورة «التطبيع».
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الهندي مصر مصر الهند خسارة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من أجل
إقرأ أيضاً:
محافظ مشروع الجزيرة يكشف حجم تعديات المليشيا على المشروع
أعلن محافظ مشروع الجزيرة، إبراهيم مصطفى، أن المليشيات سيطرت على أكثر من 55% من مساحة المشروع واستولت على الآليات والمعدات الحيوية للإنتاج، متسببة في دمار واسع. ورغم ذلك، أكد أن الموسم الزراعي كان ناجحًا بفضل تضحيات المزارعين الذين تمكنوا من تجاوز الأزمات وإعادة المشروع بقوة إلى دائرة الإنتاج.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الزراعة في بورتسودان يوم الاثنين، أوضح المحافظ أن الموسم الصيفي الأخير شهد زراعة أكثر من 600 ألف فدان، مع اكتمال عمليات الحصاد بنسبة 30% من المساحة المزروعة. وأكد نجاح العمليات الزراعية بمراحلها المختلفة، رغم التحديات الناتجة عن تعديات مليشيا الدعم السريع المتمردة.
وأشاد المحافظ بجهود ودعم قيادة الدولة، ممثلة في عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق مهندس بحري إبراهيم جابر ووزير الزراعة، في حل العديد من المشكلات، خاصة توفير الوقود. كما قدم شكره لوزارتي النفط والري، ووالي ولاية الجزيرة، والقوات المسلحة، على مساهماتهم الكبيرة في تحقيق هذا النجاح.
سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب