كيف سنتعامل مع الأزمات؟ – #ماهر_أبوطير
خلال أشهر قليلة فقط شهدنا #كوارث_طبيعية وقعت في دول قريبة منا، أو لنا صلة بها بشكل أو آخر، من زلزال تركيا، إلى زلزال المغرب، مرورا بفيضانات ليبيا، وغير ذلك من دول.
هناك جهات متخصصة بالظروف غير الطبيعية والأزمات والكوارث في الأردن، لكن ما تراه في دول العالم التي لديها امكانات أكبر من الأردن بكثير، يثبت أن أي كارثة طبيعية تترك أثرا صعبا على هذه الدول وشعوبها، فتضطر دول العالم للمساعدة عبر طائرات الاغاثة، وجهود الانقاذ، وغير ذلك، وهي كلها محاولات للتخفيف من وطأة الكارثة، لكنها لا ترفع الا القليل من حجم المأساة والمعاناة في هذا البلد أو ذاك، أمام هول العواصف والزلازل والفيضانات.
لقد تم طرح أفكار مهمة مرارا، فهذه الكوارث الكبرى لا يمكن أن يتعامل معها بلد لوحده، ومن الأفكار المهمة تأسيس مراكز أزمات إقليمية في كل المنطقة، بحيث يكون الأردن مركزا اقليميا للتعامل مع الازمات، واختيار عدة دول عربية لتكون مراكز اقليمية، ضمن شبكة اقليمية في كل المنطقة، يتم توفير الإمكانات المالية والمعدات لها، بحيث يتولى كل مركز اقليمي مهام محددة تشمل البلد الذي هو فيه أولا، ودول الجوار ضمن تصور معين، لحماية المنطقة، وشعوبها.
هكذا أفكار تبدو حالمة، لان التعاون الاقليمي منخفض ويركز على الاقتصاد فقط، واقل مشتركات المواقف السياسية، ويترك الازمات لوقتها وهذا يفسر كثرة الضحايا، وبطء عمليات الانقاذ وقلة المعدات، والأموال اللازمة لهكذا ظروف، لكن هذه الافكار الحالمة هي المخرج الوحيد امام الدول الفقيرة كما هو الأردن لتعويض النقص في امكاناته، وقد رأينا الجهود الجبارة في رفع انقاض عمارة اللويبدة، والتعقيدات الفنية، وطول الوقت، وهذه الحادثة كانت ناقوس الخطر الأكبر، لو افترضنا لا سمح الله كوارث أكبر في الأردن تشمل مناطق اوسع.
لا يتركنا خبراء الزلازل في حالنا، فالبعض يتوقع ان تتنزل علينا هكذا ظروف في اي لحظة وبشكل مفاجئ، والبعض الآخر يقلل من هذه التوقعات، وبينهما يدخل الفلكيون والمشعوذون ليهدموا معنويات الناس من خلال الحديث عن زلزال محتمل في الأردن في اي لحظة، وكأن الأردنيين ينقصهم هم جديد فوق همومهم، وتوجس فوق التوجس من قانون السير الجديد، وقانون الجرائم الإلكترونية، وأسعار الوقود، واقساط البنوك والفوائد وغير ذلك من قصص.
علاقات الأردن العربية جيدة الى حد ما، وعلاقاته الدولية افضل من العربية، وهو مدعو هنا للمبادرة بإطلاق مشروع لمراكز أزمات اقليمية تعمل بالتعاون مع المؤسسات المحلية للاغاثة والانقاذ والدفاع المدني والأزمات، وتكون عنصرا مهما في أزمات الإقليم، بإمكانات عالية جدا، ويرتد وجودها ايضا على الدول المستضيفة، والتي تعاني أصلا من إمكانات ضعيفة للغاية.
التعامل مع الأزمات، لا يكون بكل هذا الكلام الجميل، وبثت التطمينات، بل بالاعتراف بنقص الامكانات اولا، ومن خلال البحث عن حلول مبتكرة قبل ان تقع الفأس في الرأس…أليس كذلك.
الغد
مقالات ذات صلةالمصدر: سواليف
كلمات دلالية: كوارث طبيعية
إقرأ أيضاً:
مـا هـي الحضـارة الحقيقيـة؟
لا بد أن تشتمل الحضارة الحقيقية على أطر مهمة جدًا، وبدونها لا تكون، ولا تُسمَّى، ولا تُعتبر حضارة. وهذه الأطر هي: العلم بأنواعه، والعمل بأنواعه، والابتكار بأنواعه، والإبداع بأنواعه، والأخلاق، والقيم السامية بأنواعها. وهي منظومة متكاملة تحتوي على مفردات كثيرة من الأعمال، والأنشطة، والتقاليد، والهوية، والمعرفة، والثقافة، والفكر المتجدد المتطور، والصناعة، والمعمار، والهندسة، والفنون، وغيرها من النواحي الإيجابية المعززة للنمو الحضاري.
للسعي من أجل إنشاء حضارة حقيقية من خلال الاجتهاد في الرقي بجميع المجالات، لا بد أن يكون هناك تخطيط مبني على أسس متينة وراسخة ومستدامة، أي أن يكون التخطيط في أسمى وأروع مظاهره، وقوته، وفاعليته. وفي المقابل، يجب التخلي عن الأفكار الدخيلة الهدامة التي تُثبط وتُعرقل مسيرة التقدم الحضاري، والتحلي دائمًا بالأفكار البناءة التي تدفع بالرقي الحضاري إلى أعلى مراتبه.
وبعد أن توضع الخطط والاستراتيجيات لبناء حضارة ترفع من شأن مؤسسيها، لا بد أن تتقدم التأسيس والنمو الحضاري الأخلاقُ والقيمُ والمبادئُ، لأنها هي التي تضمن الثبات والتماسك والرسوخ والاستمرارية على مدى بعيد جدًا.
ونظرًا لما يشهده العالم من تغيرات، فإن الحضارة المادية أثبتت فشلها، ولنقل إنها ناقصة وتخدم مصالح فئات معينة همها استعباد البشر، والتعالي عليهم، والتمييز بين جنس وآخر، وعرق وآخر، وبسط أنواع من الهيمنة على شعوب العالم، وتجرد هذه الحضارة المزعومة من الإنسانية والعدالة والكرامة.
والحضارات المبنية على الديانات السماوية والكتب المقدسة، وقيادة الأنبياء، والمبنية على شرع الله وتعاليمه الإنسانية العادلة الرحيمة، هي الجديرة بأن تعود وتسود العالم وتبقى لصالح البشرية جمعاء.
وبالرجوع إلى أسس الحضارة الحقيقية، فإن أول ما يجب التمسك به هو الدين من ربنا -عز وجل-، الذي يصنع الحضارة الإنسانية العظيمة بكل أسسها، ويحمي البشرية من أنواع الظلم والقهر والاستبداد والعنصرية البغيضة.
وبالتمسك بدين الإسلام العظيم، نضمن رضا المولى -عز وجل-، وعونه، ومدده، وهدايته، وبدون عبادته -جل في علاه- لا يتأتى صنع الحضارة المرجوة، ففي الدين كل تفاصيل الحياة الإنسانية العظيمة الكريمة.
وتأتي بعد عبادة الله وتعظيمه، الأخلاقُ السامية النبيلة الراقية، ومنبعها الإسلام من خلال القرآن والسنة النبوية المطهرة.
ولك أن تعدد الأخلاق الإسلامية التي إن تمسك بها الفرد والمجتمع ساد الرقي الإنساني والحضاري، فمنها: الصدق، والتواضع، والإخلاص، والكرم، والحياء، والأمانة، والعدل، والسماحة، والتعاون، والشجاعة، والإيثار، والمساواة، والتسامح، والصبر، وبر الوالدين، وحق الجار، والقائمة تطول ببقية الأخلاق العظيمة التي تؤسس الحضارة العظيمة.
فأين العالم المعاصر والحضارة المادية الجافة من هذه الأخلاق؟ وبالشكر المستمر والحمد للمولى -عز وجل-، يُغدق -جل جلاله- على المؤمنين من نعمه التي لا تُحصى ولا تُعد، ويمكن لهم في الأرض من خلال العلم، والعمل، والصناعات، والزراعة، والتجارة، واستكشاف ثروات باطن الأرض من نفط، وغاز، ومعادن، وغيرها، ومن القدرة على الاستكشاف، والتصنيع، والاختراع، ومن ثم الاستغناء عن الغير بتوفر الكوادر المؤهلة للبناء والتعمير.
وتُستكمل المنظومة الحضارية من خلال التأليف، والكتابة، والبحوث، وإنشاء النظريات، والبناء عليها، وإفادة العالم من العلوم الأخرى المتعلقة بالجبال، والصخور، والبحار، والمحيطات، والأنهار، والحيوانات، والحشرات، والنباتات، والطيور، وغيرها.
فالعلم لا يزال بحاجة إلى العلوم المتجددة والمتطورة، ولنا باع طويل على امتداد الحضارة الإسلامية عبر التاريخ، فالمسلمون أولى بقيادة العالم بسبب القاعدة الصلبة التي يجب أن يقفوا عليها وينطلقوا منها.
والحضارة الغربية أضرَّت بالبشرية، فيجب أن ترجع الحضارة الإسلامية العملاقة من خلال عودة المسلمين لدينهم العظيم، والتمسك بالقرآن والسنة النبوية الشريفة.
ولا يخلِّص البشرية من الطغاة والعُصاة والمستبدين وأعداء الإنسانية إلا الإسلام بحضارته المتجددة، لأن الحضارة البشرية المادية المعاصرة ناقصة، ويجب تخليص البشرية منها.
وعمليًا، يمكن الانطلاق مما نملكه من مواردنا الطبيعية، ومن الأراضي الخصبة، والبحار، والمضايق البحرية، ومن التجارة فيما بين المسلمين، ومن هم في صف المسلمين من الأحرار الأسوياء، ومن اتحاد الصناعات في الدول الإسلامية، ومن التكامل بين الدول الإسلامية لتكون دولة واحدة تمثل الحضارة بكل تفاصيلها، وحتى تعيد المجد المفقود، وتصنع الحضارة المرتقبة التي تجمع بين التمسك بالدين، واستثمار العلم، والقدرات البشرية المبعثرة في أرجاء الأرض لخدمة البشر وحفظ كرامتهم في كل مكان.
وعلى المسلم ألا ينجرف خلف الحضارة الناقصة التي لا تلتفت للبشر وإنسانيتهم، ولا تقيم وزنًا لكرامة الإنسان وفطرته السليمة، والتي تترك خلفها معظم شعوب العالم يئنون تحت وطأة الجهل، والفقر، والأمراض، والتخلف بشتى مظاهره، وتحرِّض على التفرقة بين البشر، وتجبر شعوب العالم على التبعية، وتحوِّل دولهم إلى مستهلكة تقتات شعوبها على الفتات.
وكذلك، فإن الدول التي تدَّعي أنها متقدمة تريد أن تتحكم في مصير البشر من خلال اختلاق الأمراض لتمرير أدويتها ولقاحاتها المصنَّعة المضرَّة من أجل المال، وافتعال الحروب والأزمات مع الدول وبين الدول لبيع أسلحتها الفتاكة الباهظة الثمن، وزعزعة الدول من الداخل، وإثارة القلاقل والصراعات فيها للتدخل في شؤونها، وتسيير هذه الشعوب نحو المصائب الدائمة رغبة في الهيمنة بعيدة المدى، لاستنزاف ما تملك، وتحجيم قدراتها الحقيقية، وتحوِّلها إلى مستعمرة بشتى أنواع الاستعمار المعروفة.
عودة الإسلام هي عودة الحضارة الحقيقية، لينعم البشر بالخير، والرحمة، والاستقرار في شتى أنحاء الأرض.
وقد تحدث عدد كبير من الكتَّاب، والأدباء، والمتخصصين في أنحاء العالم عن الإسلام ورسالته السامية العظيمة المتكاملة للبشرية جمعاء، وهم بحق أنصفوا الإسلام، والمجال لا يسع لذكرهم جميعًا، ومنهم: بارتولد، وتوماس كارلايل، وهنري دي كاستري، وآدم ميتز.
وكذلك جوستاف لوبون، الذي ذكر في كتابه الشهير «حضارة العرب» ما تتميز به من أخلاق، ومُثُل، وقيم عليا مستمدة من الدين الإسلامي العظيم.
ومنهم من تحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كقائد، وشخصية تتمتع بأعظم الصفات والأخلاق، ومن أعظم العظماء في التاريخ البشري، مثل: بوشكين، وجوته، وجورج برنارد شو، ووليام مونتجمري، وآخرين تحدثوا عن أخلاق المسلمين، وكيف أثرت في نفوس غير المسلمين في السلم والحرب.
ويقول المفكر الفرنسي المسلم روجيه جارودي: «إن شرط نمو الغرب إنما كان سببًا في تخلُّف الآخرين، وهم من جعل ما نسميه العالم الثالث متخلفًا».