الخليج الجديد:
2025-04-25@10:48:43 GMT

التمييز الإيجابي أو الحقوق المدنية؟

تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT

التمييز الإيجابي أو الحقوق المدنية؟

التمييز الإيجابي أو الحقوق المدنية؟

المفهوم البيولوجي للإثنيات ليس سوى وهم زائف يغطي على نزعة الهيمنة الثقافية التي تتعين مواجهتها من منظور تعدد وتنوع الثقافات.

انتقل المنظور المعرفي إلى استراتيجية تفكيك خطاب الهيمنة وتعرية ضروب التمييز على أساس عرقي أو اثني في المعارف والممارسات.

هل النموذج الليبرالي قادر من داخله على تعويض ما تطمح إليه إجراءات التمييز الإيجابي من حقوق وامتيازات لصالح مجموعات ظلمت تاريخيا وغبنت اجتماعيا؟

يعتبر التصورَ العرقي البيولوجي للنوع الإنساني داخلاً في استراتيجيات الهيمنة والإلغاء، مع العلم بأن هذا النهج تشكل أساساً في سياق الإثنوغرافيا الاستعمارية القديمة.

لا يتعلق الأمر بالتمييز الإيجابي بل بمفهوم العدالة التعويضية والإصلاحية ضمن منظور ليبرالي يعيد بناءَ الشرعية والمساواة والتكافؤ دون خروج عن محددات وثوابت الفكرة الليبرالية.

* * *

ألغت مؤخراً المحكمة العليا الأميركية سياسةَ التمييز الإيجابي في الجامعات التي أصبحت معتمدةً منذ مطلع التسعينيات بغية تشجيع وصول أبناء الأقليات (السوداء خصوصاً) إلى المؤسسات التعليمية العليا.

ومع أن الولايات المتحدة اعتمدت هذا المبدأ في إطار سياسات العدالة الانتقالية لتعويض ضحايا الاستعباد والإقصاء، فإن هذا المفهوم طَرح على الدوام إشكالياتٍ نظريةً معقدةً، تتركز في جانبين: الخلفيات العرقية لهذه المقاربة التمييزية، والتعارض الظاهر مع مبدأ المواطنة المتساوية.

وبخصوص الجانب الأول، يتعين التنبيه إلى أن الدراسات الإنسانية أبطلت كلياً التصورَ العرقي البيولوجي للنوع الإنساني، مبيِّنةً تداخل وامتزاج الأعراق والإثنيات إلى حد اعتبار هذا الشكل من التصنيفات داخلاً في استراتيجيات الهيمنة والإلغاء، مع العلم بأن هذا النهج تشكل أساساً في سياق الإثنوغرافيا الاستعمارية القديمة.

وكان كتاب عالم الانتربولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس «العرق والتاريخ» الذي أصدرته منظمة اليونسكو في عام 1952 محطةً أساسيةً في هذا التفكير النقدي حول المسألة العرقية، موضحاً أن المفهوم البيولوجي للإثنيات ليس سوى وهم زائف يغطي على نزعة الهيمنة الثقافية التي تتعين مواجهتها من منظور تعدد وتنوع الثقافات.

وهكذا تحولت الدراسات الإنسانية إلى المقاربة البنائية التاريخية في النظر إلى الهويات العرقية من حيث هي حصيلة مسار اجتماعي ووعي جمعي وليست ظواهر طبيعية أو معطيات تلقائية.

بيد أن هذه القطيعة الابستمولوجية مع التصور العرقي البيولوجي لم تؤد إلى إلغاء السياسات العرقية، سواء تعلق الأمر بالخطاب الأيديولوجي أو المباحث الفلسفية والاجتماعية، وإن كان المنظور انتقل إلى استراتيجية تفكيك خطاب الهيمنة وتعرية ضروب التمييز على أساس عرقي أو اثني في المعارف والممارسات.

ذلك هو التوجه الذي نلمسه اليوم في أدبيات «اليقظة» (woke) المنتشرة في الساحة الأميركية، في دفاعها عن صورة ومصالح «الإنسان الأسود» في مواجهة إجراءات التمييز والإقصاء.

إلا أن المأزق الكبير في هذه المقاربة يكمن في أن هذه الاستراتيجية، وإن كانت تنطلق من هدف العدالة التكافؤية، فإنها في الوقت نفسه تفضي إلى تسييج الفوارق والحدود بين المجموعات والقوميات، من خلال إغلاق الأفراد في هويات قبلية جوهرية لا تتغير ولا تتبدل، بما يعني عملياً رفض الحق الليبرالي في اختيار هوية إرادية مفتوحة وحرة.

وبالرجوع إلى ثنائية الهوية لدى الفيلسوف المعروف بول ريكور، يظهر أن هوية التماثل الجامد اللامتغير تتعلق بالأشياء الطبيعية وليس بالإنسان الذي ترتكز هويته على الوعي بذاته في سياق التفاعل مع الآخر، بما يعني أن الهوية تكون ضرورة «سردية»، تحمل بصمات التداخل والتواصل الاجتماعي وتقتضي الاختيار الحر.

وفي المجتمعات الليبرالية لا تكون الهوية إلا تعددية من حيث طبيعتها الذاتية نفسها، فهي «هوية بأربعين وجه» حسب عبارة الفيلسوف الإيراني الراحل داريوش شايغان، كنبتة الريزوم تتمدد أفقياً دون مركز أو قلب في اتجاهات متحولة مشتتة.

أما مبدأ المواطنة المتساوية فهو ما يميز المجتمعات الليبرالية الحديثة في تصورها للجسم السياسي من حيث هو دائرة التفاعل والتعاون بين أفراد أحرار يتماثلون في الحقوق والفرص دون تمييز على أساس طبيعي أو ثقافي.

والأمة من هذا المنظور، ليست وحدة عضوية بل حالة قانونية مدنية تتجسد في مؤسسات عمومية والتزامات مشتركة، بما تعبر عنه صورة «العقد الاجتماعي» الذي هو استعارة رمزية وليس حدثاً تاريخياً حقيقياً.

من هذا المنطلق، لا معنى لسياسات التمييز الإيجابي باعتبار أن النظام الاجتماعي قائم على المساواة الكاملة والفرص المتكافئة، وكل خلل في العدالة التوزيعية يُحسَم في الدائرة القضائية.

إلا أن النظم الليبرالية وجدت نفسَها في العقود الأخيرة مضطرةً لبلورة نوعين من المؤسسات العمومية لمعالجة اختلالات المقاربة الاستحقاقية المجردة: مؤسسات الخدمة العمومية غير المتحيزة المستقلة عن المصالح الإدارية للدولة، ومؤسسات التضامن الاجتماعي التي تمارس نمطاً من التمييز الإيجابي لصالح الفئات الهشة والمغبونة.

إلا أن الأمر لا يتعلق في الحقيقة بسياسات التمييز الإيجابي على طريقة أميركا (بخلفياتها العرقية) وإنما بمفهوم موسع للعدالة في أبعادها التعويضية والإصلاحية ضمن منظور ليبرالي داخلي يعيد بناءَ مفاهيم الشرعية والمساواة والتكافؤ دون الخروج عن محددات وثوابت الفكرة الليبرالية.

ما يتضح من هذا التوجه هو أن النموذج الليبرالي المدني قادر من داخله على تعويض ما تطمح إليه إجراءات التمييز الإيجابي من حقوق وامتيازات لصالح المجموعات التي عانت من الظلم التاريخي ومن الغبن الاجتماعي.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: التمييز العرق الإثنية أميركا الليبرالية المحكمة العليا العدالة الانتقالية الحقوق المدنية المواطنة المتساوية من منظور

إقرأ أيضاً:

انطلاق مبادرة قيمنا مستقبلنا لتعزيز السلوك الإيجابي بين الطلاب بالمدارس بأسيوط

نظمت إدارة المشاركة المجتمعية بمديرية التربية والتعليم بأسيوط اليوم الثلاثاء بالتعاون مع جمعية ربيع العمر للتنمية الشاملة فعاليات مبادرة " قيمنا مستقبلنا " ببعض مدارس إدارتى أسيوط والفتح والتي تم اطلاقها بعد موافقة الإدارة المركزية لمكافحة التسرب وتعليم الكبار " إدارة المشاركة المجتمعية " بوزارة التربية والتعليم وذلك تحت رعاية ودعم اللواء  هشام أبوالنصر محافظ أسيوط 


وحيث تم خلال المبادرة تنظيم بعض الندوات واللقاءات بمدرسة بني مر الإعدادية بنات بمركز الفتح ومدرسة الجامعة الإعدادية بنين، الجمعية الخيرية الإعدادية الإسلامية بنين بإدارة أسيوط التعليمية، وذلك برعاية ودعم محمد إبراهيم دسوقى وكيل وزارة التربية والتعليم وسلوى عثمان مدير إدارة المشاركة المجتمعية بالمديرية وطارق الدسوقي مدير إدارة أسيوط التعليمية وأحمد حسين وكيل الإدارة وأمل يسين مدير مكتب المشاركة المجتمعية بالإدارة، ومحمد محمود الكر موجه عام التربية الإجتماعية بالمديرية، أبو غدير محمد موجه أول التربية الإجتماعية بإدارة أسيوط التعليمية


وجاء ذلك بحضور الدكتور حسين إبراهيم محمد رئيس مجلس إدارة جمعية ربيع العمر للتنمية والدكتور حمدى البيطار والدكتور أسامة عربي عمار بكلية التربية جامعة أسيوط والدكتور جمال محمد عبد الناصر وكيل وزارة الثقافة بأسيوط ومقدم اللقاء الدكتور عمرو فوزى عرفة البرادعي نائب رئيس مجلس الادارة وعمرو محمد نجيب مسئول التعليم والتثقيف بالجمعية والعقيد أحمد سيد عليوة رئيس مجلس أمناء المدرسة وأيمن محمد سيد مدير مدرسة الجمعية الخيرية الإعدادية الإسلامية بنين وعمرو محمد طلعت القيادة الثانية بالمدرسة وبمشاركة أكثر من 200 طالب 


وتم خلال الندوات شرح محاور وأهداف المباردة وكيفية تفعيلها بالتنسيق مع القائمين على العملية التعليمية ومشرفي الانشطة بالمدارس وذلك لتعزيز السلوك الإيجابى بالمدارس تفعيلا للقرار الوزارى الخاص بالتحفيز التربوي ولائحة الإنضباط وغرس السلوكيات الإيجابية والقيم الأخلاقية لدى المتعلمين بمرحلة التعليم ما قبل التعليم الجامعى  إعدادي، ثانوي  وغرس روح الإنتماء والولاء لدى الطلاب وتحفيز المتعلمين على المشاركة فى الأنشطة المجتمعية والعمل التطوعي وخلق بيئة تعليمية تسمح بالنقاش والحوار البناء واحترام الآخر وإقامة منتديات للنقاش وتبادل الأفكار بين الطلاب والمعلمين لعرض مشاكل الطلاب وإيجاد الحلول لها

 


واشار عمرو البرادعي  إلى أنه سيتم استكمال باقى فعاليات المبادرة بالمدارس المستهدفة خلال الأيام القادمة مع اختيار بعض النماذج الناجحة من خريجى تلك المدارس لشرح رحلة كفاحه وتجاربه فى الحياة للطلاب لحثهم على الجد والإجتهاد.

مقالات مشابهة

  • كأس الملك.. برشلونة لمواصلة الهيمنة والريال لإنقاذ الموسم
  • وزير المالية: نتطلع إلى دعم مسار التطور الإيجابي للاقتصاد المصري وتعزيز قدرته على جذب الاستثمارات
  • المالية: نتطلع إلى دعم مسار التطور الإيجابي للاقتصاد المصري وتعزيز قدرته
  • المقهى العلمي يبرز أهمية التنوع البيولوجي البحري
  • أرسنال يسقط في فخ التعادل الإيجابي أمام كريستال بالاس بالدوري الإنجليزي
  • خبير يوضح علامات التمييز بين القهوة الأصلية والمغشوشة في الأسواق
  • اليمن يُسقط قناع الهيمنة الأمريكية
  • اليمن وكسر الردع الأمريكي: البحر الأحمر نموذجًا لفشل الهيمنة
  • انطلاق مبادرة قيمنا مستقبلنا لتعزيز السلوك الإيجابي بين الطلاب بالمدارس بأسيوط
  • العبودية الطوعية في الإسلام السياسي: قراءة في فلسفة الهيمنة