الأمل واليأس: من أوسلو إلى نهاية إسرائيل
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
يصادف هذا الشهر الذكرى السنوية الثلاثين لاستسلام منظمة التحرير الفلسطينية لإسرائيل تحت عنوان ما يسمى باتفاقات أوسلو. فبينما كان الشعب الفلسطيني يملؤه الأمل نتيجة نجاح مقاومته المستمرة للاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي في أيلول/ سبتمبر 1993، حيث كان الفلسطينيون مستمرون حينها في خوض ثورة لا تكل ضده كانوا قد فجروها في كانون الأول/ ديسمبر 1987 عُرفت عالمياً باسم "الانتفاضة"، كان اليأس قد ملأ قلوب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.
إن النضال الفلسطيني المستمر لهزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني بمثابة حرب قائمة بين الفلسطينيين من حَمَلة الأمل بالتحرير واليائسين منه، حيث إن توازن القوى بين هاتين المجموعتين هو الذي حكم (ولا يزال يحكم) مد وجزر المقاومة الفلسطينية منذ بدايتها في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما واجه الشعب الفلسطيني باكورة المستوطنين اليهود الأوروبيين.
النضال الفلسطيني المستمر لهزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني بمثابة حرب قائمة بين الفلسطينيين من حَمَلة الأمل بالتحرير واليائسين منه، حيث إن توازن القوى بين هاتين المجموعتين هو الذي حكم (ولا يزال يحكم) مد وجزر المقاومة الفلسطينية منذ بدايتها في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، عندما واجه الشعب الفلسطيني باكورة المستوطنين اليهود الأوروبيين
كان المتمسكون بالأمل من الفلسطينيين دائما في طليعة المقاومة، التي أصبحت أكثر تنظيماً في عشرينيات القرن الماضي، باستثناء الفلسطينيين اليائسين الذين تعاونوا مع البريطانيين، واليائسين أكثر الذين تعاونوا مع الصهاينة، وهؤلاء كانوا أيضاً ذوي نفوذ ومنظمين جيداً. وفي الثلاثينيات، نظّم أصحاب الأمل أكبر مقاومة في التاريخ في حينه، والتي تجلت في الثورة الفلسطينية الكبرى بين عامي 1936 و1939. ولكن حتى في تلك الحقبة، قام الفلسطينيون اليائسون بتنظيم عصابات تسمى "فصائل السلام"، بالتعاون مع البريطانيين والصهاينة، لاستهداف وقتل أعضاء المقاومة الفلسطينية المفعمة بالأمل.
منذ بداياتها، اعتمدت الحركة الصهيونية على فرضية إذعان ليس فقط طبقة ملّاك الأراضي الفلسطينيين، ولكن أيضاً الفلاحين ونخبة المثقفين، لمشروعها لتجريد الشعب الفلسطيني من ممتلكاته وسرقة وطنه لصالح المستوطنين اليهود الأوروبيين الذين سيحلون محلهم. وقد أدرك الزعيم الصهيوني فلاديمير جابوتنسكي، الذي أسس فيما بعد حركة الصهيونية التصحيحية اليمينية، منذ عام 1923 أن الإذعان الفلسطيني لا يمكن تحقيقه إلا عندما يتمكن الصهاينة من إطفاء أي أمل في قلوب الفلسطينيين بأنهم سيتمكنون من شن مقاومة ناجحة لمناهضة الاستعمار الاستيطاني وهزيمة المستعمرين: "سيقاوم كل شعب أصلي المستوطنين الأجانب طالما أنهم يرون أي أمل في تخليص أنفسهم من خطر الاستيطان الأجنبي". وفي الواقع، بما أن الفلسطينيين كانوا يقاومون الاستعمار اليهودي بالفعل في حينه، فإنهم "سوف يستمرون في القيام بذلك طالما بقيت لديهم شرارة أمل واحدة بأنهم سوف يتمكنون من منع تحول فلسطين إلى أرض إسرائيل".
يكشف لنا فهم جابوتنسكي لاستراتيجية الصهيونية طويلة الأمد الكثير: "كل هذا لا يعني أن الوصول لأي نوع من الاتفاق (مع الفلسطينيين) مستحيل، بل إن الوصول لاتفاق طوعي معهم وحده هو المستحيل". وذلك لأنه "طالما أن هناك بارقة أمل في أن يتمكنوا من التخلص منا، فلن يبيعوا هذه الآمال". وأضاف جابوتينسكي أن "الشعب الحي يقدم مثل هذه التنازلات الهائلة بشأن مثل هذه المسائل المصيرية فقط عندما لا يكون لديه أمل". وبالتالي فإن المهمة الماثلة أمام الصهيونية كانت دائماً تتلخص في إطفاء الأمل في قلوب الفلسطينيين، ناهيك عن غيرهم من العرب، في قدرتهم على هزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني. ولكن رغم محاولات الصهيونية منذ بدايتها القيام بذلك، إلا أنها فشلت في إطفاء هذا الأمل في قلوب معظم الفلسطينيين وغيرهم من العرب.
ولم يكن المخطط الصهيوني، الذي تضمن شرطاً مفاده أنه "إذا كان من المستحيل الحصول على تأييد عرب فلسطين للصهيونية، فيجب الحصول عليها من عرب سوريا والعراق والمملكة العربية السعودية وربما مصر"، مقنعاً لجابوتنسكي، فعلّق عليه بما يلي: "وحتى لو كان هذا ممكنا، فإنه لن يغير الوضع الأساسي، ولن يغير موقف العرب في أرض إسرائيل تجاهنا"، مما يعنيه أن الفلسطينيين سيظلون متفائلين بهزيمة الصهيونية سواء صنع المصريون، أو السعوديون، أو العراقيون، أو السوريون السلام مع إسرائيل أم لا.
المهمة الماثلة أمام الصهيونية كانت دائماً تتلخص في إطفاء الأمل في قلوب الفلسطينيين، ناهيك عن غيرهم من العرب، في قدرتهم على هزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني. ولكن رغم محاولات الصهيونية منذ بدايتها القيام بذلك، إلا أنها فشلت في إطفاء هذا الأمل في قلوب معظم الفلسطينيين وغيرهم من العرب
ويوضح جابوتنسكي أن "الاتفاق مع العرب خارج أرض إسرائيل هو أيضاً وهْم، فلكي نخمد أمل الدول العربية في هزيمة الصهيونية كان علينا أن نقدم لها شيئاً ذا قيمة مماثلة. ونحن يمكننا أن نقدم أمرين فقط: إما المال، أو المساعدة السياسية، أو كليهما".
هنا أخطأ جابوتنسكي في حساباته، فهو اعتقد بأنه "لا يمكننا أن نقدم أياً منهما"، وأكد أن الأموال المتوفرة لا تكاد تكفي للمشروع الصهيوني نفسه، وأضاف أن "المساعدة السياسية للتطلعات السياسية العربية هي أكثر وهماً بعشر مرات". لقد حلل جابوتنسكي الوضع تحت الوهم القائل بأن الدول العربية آنذاك كانت تدار من قبل العرب المناهضين للاستعمار الذين كانوا يسعون للتخلص منه، وليس من قبل الحكام الذين كانوا يتعاونون بالفعل مع الإمبريالية الغربية. ولهذا السبب شعر جابوتنسكي بأنه نتيجة تحالف الصهيونية مع الاستعمار "لا يمكننا أن نخطط لإخراج بريطانيا من قناة السويس والخليج العربي والقضاء على الحكم الاستعماري الفرنسي والإيطالي على الأراضي العربية، فلا يمكننا أن نتبنّى مثل هذه اللعبة المزدوجة بأي حال من الأحوال".
ما فشل جابوتنسكي في إدراكه هو أنه كان بالفعل يمكن للصهاينة تقديم المساعدة السياسية للدول العربية (كما فعلت فيما بعد)، لكن ليس في معارضة النفوذ الاستعماري، بل في الحفاظ على النفوذ الإمبريالي الضروري وتعزيزه للحفاظ على عروش الأنظمة العربية الملكية، ولاحقاً حتى على الأنظمة الجمهورية. فبمجرد أن أطاح رؤساء الجمهوريات العربية بمؤسسي جمهورياتهم الأكثر تقدمية، سعوا على الفور إلى الحصول على الرعاية الإمبراطورية. ينطبق ذلك على مصر في عهد أنور السادات، بقدر ما ينطبق على الأردن والمغرب ومعظم ممالك الخليج، وكذلك على ليبيا والعراق والسودان وتونس في العقدين الأخيرين، والتي إما تحالفت أنظمتها الحاكمة بالفعل مع إسرائيل أو خاضت محادثات سرية معها تهدف للتطبيع. ولقد كامت هذه المساعدة السياسية هي التي حطمت آمال الأنظمة العربية في تحرير فلسطين، ورفعت آمالهم في أن يصبحوا خادمين حقيقيين للإمبريالية.
بما أن تحليل جابوتنسكي لخطط الحركة الصهيونية كان معتمداً على السياق السياسي القائم في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، استنتج أن "الموافقة الطوعية للفلسطينيين على المشروع الصهيوني غير واردة"، وبالتالي "يجب إما إنهاء الاستعمار الصهيوني طراً، حتى الاستيطان المحدود منه، أو تنفيذه بالكامل في تحدٍ لإرادة السكان الأصليين. ولذلك، لا يمكن لهذا الاستعمار أن يستمر ويتطور إلا تحت حماية قوة مستقلة عن السكان المحليين". وكانت تلك القوة بطبيعة الحال هي بريطانيا وعصبة الأمم، وبعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة والأمم المتحدة وجزء كبير من أوروبا هم رعاة المشروع.
عندما أصدرت إسرائيل في عام 1948 "إعلان تأسيس الدولة اليهودية"، زعمت أن إنجازها كان تحقيقاً للآمال الصهيونية، التي زعمت أنها كانت دائماً آمالاً "يهودية": "فبعد طرده من فلسطين، بقي الشعب اليهودي مخلصاً لها في جميع بلدان شتاته، ولم ينقطع عن الصلاة والأمل في عودته إليها واستعادة حريته الوطنية".
وفي الواقع، فإن كلمة "الأمل" مكرسة في عنوان النشيد الوطني الصهيوني "هتكفاه" الذي يعني "الأمل"، والذي يكرر فيه الصهاينة أن "أملنا -الأمل الذي يبلغ من العمر ألفي عام- لم يضع: أن نكون شعباً حراً في أرضنا، أرض صهيون والقدس". ولسوء حظ الصهاينة، فإن من كتب نشيد "هتكفاه" كان في الواقع صهيونيا فاشلا، وهو المستعمر اليهودي الأوكراني- النمساوي نفتالي هيرز إيمبر. فقد عمل هيرز إيمبر، الذي وصل إلى فلسطين في عام 1882، مع الصهيوني البروتستانتي البريطاني لورانس أوليفانت، الذي كان قد وضع خططاً لإنشاء مستعمرات زراعية ليهود أوروبا في البلاد. وبعد سبع سنوات من إقامته في فلسطين، أي في عام 1889، فقد هيرز إيمبر الأمل في كل الخطط الصهيونية، البروتستانتية واليهودية منها، للاستعمار الاستيطاني اليهودي وهاجر من فلسطين، وانتهى به الأمر في تلك المستعمرة الاستيطانية الأوروبية الأخرى، أي الولايات المتحدة، حيث عاش سنوات عمره المتبقية. لكن ظل بقية الصهاينة على أمل أن يتمكنوا من إطفاء آمال الفلسطينيين في مقاومتهم لمشروعهم الاستيطاني.
وكان جابوتنسكي قد توقع الظروف التي كانت ستؤدي إلى انحطاط منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو، حيث أصر على أنه عندما ينطفئ الأمل بالكامل، "عندها فقط تفقد الجماعات المتطرفة نفوذها، وينتقل نفوذها إلى الجماعات المعتدلة. عندها فقط ستأتي إلينا هذه المجموعات المعتدلة بمقترحات للتنازلات المتبادلة، وحينها فقط سوف يقدم المعتدلون اقتراحات للتوصل إلى حل وسط بشأن المسائل العملية مثل الضمانات ضد التهجير، أو المساواة، والحكم الذاتي". وكان هذا في الأساس ما قدمته منظمة التحرير الفلسطينية والمثقفون الفلسطينيون التابعون لها بالفعل كتنازلات لعملية أوسلو، رغم أن إسرائيل لم تقدم لهم أي ضمانات بشأن أي منها.
ما سيحدد نتيجة النضال الفلسطيني ضد الاستعمار الاستيطاني هو الأمل الذي لا يزال يلهم الفلسطينيين المقاومين، وهو الأمل الذي يتجدد باستمرار نتيجة القمع الإسرائيلي المستمر للشعب الفلسطيني ونهبه لأراضيه. هؤلاء الفلسطينيون المفعمون بالأمل هم الذين ما انفكوا يقاومون إسرائيل في غزة والضفة الغربية، وداخل إسرائيل نفسها، منذ التوقيع على استسلام أوسلو
وهنا كان جابوتنسكي صاحب بصيرة واضحة فيما يتعلق بالتحول الذي شهدته الحركة الوطنية الفلسطينية، والذي بدأ في أوائل ومنتصف السبعينيات وأدى إلى تدهور منظمة التحرير الفلسطينية نهائياً وتحولها المخزي إلى السلطة الفلسطينية المتعاونة مع الاستعمار الصهيوني في عام 1994. ما لم يأخذه جابوتنسكي في الحسبان هو فشل إسرائيل وحلفائها العرب والمتعاونين معها في السلطة الفلسطينية في إطفاء الأمل في قلوب الفلسطينيين، حيث إن "الجماعات المتطرفة"، وهذه إشارة إلى الجماعات المقاومة المفعمة بالأمل والتي تطالب بإنهاء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، هي التي بدأت في الصعود منذ أواخر الثمانينيات وتستمر شعبيتها في الارتفاع بسبب الآمال التي تملأ قلوب الناس بإمكانية هزيمة المشروع الصهيوني بالفعل.
صحيح أن الجزء الأكبر من المثقفين الفلسطينيين الليبراليين اليائسين كانوا منذ البداية قد دعموا عملية أوسلو ونظام السلطة الفلسطينية الذي جاء بعدها، وفي واقع الأمر، ما زال بعضهم ممن أصبحوا فيما بعد من نقاد السلطة الفلسطينية يأملون في الحصول على شهادة حسن سيرة وسلوك من الصهاينة ورعاتهم الإمبرياليين، كما هو حال هؤلاء الذين أدانوا آراء محمود عباس المسيئة لليهود الأوروبيين هذا الأسبوع، ولكنهم لم يجدوا في الشهرين الأخيرين مناسبة واحدة لإصدار إدانة جماعية لتعاون عباس المتزايد مع إسرائيل أو لحملته القمعية التي تستهدف المقاومة الفلسطينية نيابة عنها.
إن ما سيحدد نتيجة النضال الفلسطيني ضد الاستعمار الاستيطاني هو الأمل الذي لا يزال يلهم الفلسطينيين المقاومين، وهو الأمل الذي يتجدد باستمرار نتيجة القمع الإسرائيلي المستمر للشعب الفلسطيني ونهبه لأراضيه. هؤلاء الفلسطينيون المفعمون بالأمل هم الذين ما انفكوا يقاومون إسرائيل في غزة والضفة الغربية، وداخل إسرائيل نفسها، منذ التوقيع على استسلام أوسلو، وهم الذين فشل الفلسطينيون اليائسون وإسرائيل وأصدقاؤها العرب ورعاتها الإمبرياليون في هزيمتهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الإسرائيلي الصهيونية إسرائيل فلسطين اتفاقية الصهيونية اتفاقية أوسلو مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة منظمة التحریر الفلسطینیة المقاومة الفلسطینیة السلطة الفلسطینیة النضال الفلسطینی الشعب الفلسطینی منذ بدایتها مع إسرائیل من العرب فی إطفاء فی أوائل لا یزال فی عام
إقرأ أيضاً:
إسرائيل النازية تبيد الفلسطينيين بـ«الفيتو» الأمريكى
مئات الشهداء والمصابين فى محارق مروعة ببيت لاهيا شمال غزة
تطاير أشلاء الضحايا.. وعجز فى انتشال المفقودين تحت الأنقاض
صرخات الأطفال ونحيب النساء يشق ليل غزة الحالك والغارق فى حمامات الدم بأطنان الفسفور الأبيض والأسلحة الأمريكية المحرمة دوليا تصهر أجساد البراءة وتمزق أرواحهم جثثا ملقاة على الأرض، وأحياء تحت الأنقاض، وسط عجز الأهالى عن انتشالهم.
ولم تمض ساعات قليلة على الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن رفضا لوقف التطهير العرقى للشعب الفلسطينى صاحب الأرض إلا واستقبلت تل أبيب الضوء الاخضر الأمريكى لتواصل القضاء على ما تبقى من حياة فى سلسلة مجازر فى القطاع تركز معظمها فى بيت لاهيا شمالا.
ويتم نقل الحالات الخطيرة على الأكتاف إلى داخل مستشفى كمال عدوان فى بيت لاهيا للتعامل معها، فى ظل واقع صحى صعب ومترد؛ جراء استهداف الاحتلال الإسرائيلى المتكرر والحصار المطبق بينما تسارع الكوادر العاملة، وعلى رأسها الطواقم الطبية، فى انتشال جثث الشهداء من مكان المجزرة وتعالج الجرحى ميدانيا، فى ظل عدم وجود مركبات إسعاف لنقلهم.
وقصفت مدفعية إسرائيلية البلدة تزامنا مع سماع أصوات إطلاق نار كثيف، وتدخل الحرب على قطاع غزة يومها الـ412، فى وقت يتجه فيه الاحتلال الإسرائيلى لتعزيز سيطرته العسكرية على قطاع غزة المحاصر وسط مؤشرات ملموسة إلى بدء تطبيقه الحكم العسكرى، فضلاً عن التأسيس لتطلعات المستوطنين وخططهم للاستيطان فى القطاع.
وأعلنت وزارة الصحة فى غزة أن الاحتلال الإسرائيلى ارتكب 5 مجازر ضد العائلات وصل منها للمستشفيات 88 شهيداً و176 مصاباً على الأقل حتى الآن.
وظهرت المبانى وهى مدمرة بالكامل، وتحول بعضها إلى أكوام من ركام وحطام يملأ الشوارع، بينما تعرضت مبان أخرى لتصدعات وتشققات كبيرة جراء القصف الإسرائيلى، ما يجعلها غير صالحة للسكن.
أكد شهود عيان لـ«الوفد» أن عشرات المنازل فى محيط مستشفى كمال عدوان سويت بالأرض وعشرات المنازل الأخرى تضررت بشكل كبير جدا بفعل القصف الإسرائيلى المدمر. وأضافوا أن هذه المنازل تعود لعائلات المدهون، وخضر، وأبو وادى، وشقورة، ونصار.
وأوضح الشهود أن عشرات الشهداء والمفقودين ما زالوا تحت الأنقاض، وتقوم مجموعات من الأهالى بانتشالهم بأيديهم العارية وبمعدات بسيطة جدا، فى ظل غياب منظومة الدفاع المدنى قسرا.
وقصف طيران الاحتلال الإسرائيلى خيمة نازحين فى منطقة البصة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة. وشن غارة على مدينة غزة شمالى القطاع. ونسف عدداً من المبانى السكنية غرب مدينة رفح جنوبى قطاع غزة.
وأعلنت كتائب القسام الجناح العسكرى لحركة حماس أنها استهدفت دبابة إسرائيلية من نوع «ميركافاه» بقذيفة «تاندوم» بالقرب من منطقة الصفطاوى غرب معسكر جباليا شمال القطاع.
وأعلن الاحتلال الإسرائيلى أنه اعترض قذيفة صاروخية واحدة أطلقت من جنوب قطاع غزة، وذلك فى أعقاب دوى صفارات الإنذار فى منطقة كرم أبو سالم المحاذية لقطاع غزة.
وأكدت سرايا القدس أنها قصفت بالاشتراك مع كتائب الشهيد أبو على مصطفى عناصر الاحتلال الإسرائيلى وموقع «أبو عريبان» فى محور «نتساريم» بوابل من قذائف الهاون الثقيلة.
وأكدت حركة المقاومة حماس فى بيان، إن مجزرة بيت لاهيا تأكيد لاستمرار حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى ونتيجة للفيتو الأمريكى الوقح، وإفشال قرار مجلس الأمن بوقف العدوان.
وأضافت الحركة «العدو الصهيونى المجرم يواصل ارتكاب جرائمه، إمعاناً فى حرب الإبادة الوحشية ضد شعبنا الفلسطينى، مستنداً إلى غطاء أمريكى إجرامى، ودعم عسكرى وسياسى لا محدود، وآخره الفيتو الذى أفشل به أمس قراراً فى مجلس الأمن لوقف إطلاق النار فى غزة».
وحمّلت المجتمع الدولى والمؤسسات الأممية المسئولية عن استمرار هذه المجازر بحق أهل شمال قطاع غزة، وذلك نتيجةً للصمت والعجز عن تفعيل آليات الحماية من الإبادة والتطهير، والقيام بالدور القانونى والأخلاقى فى حماية شعبنا أمام هذه الانتهاكات غير المسبوقة.
ودعت حماس لحراك عالمى من كافة الأطراف، والضغط لوقف الإبادة الصهيونية بحق شعبنا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة التى تردع الكيان عن مواصلة جرائمه، وخططه الممنهجة لتهجير الفلسطينيين.
وناشدت حماس وسائل الإعلام للاستمرار فى تركيز التغطية الإعلامية على ما يحدث فى شمال قطاع غزة، وتكثيف نقل المأساة الإنسانية المتصاعدة، والمجازر المروّعة، وحرب التجويع اللا إنسانية، التى يتعرّض لها المدنيون الأبرياء العزل على يد قوات الاحتلال الإسرائيلى.
وأعلن المستشار الإعلامى لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، «عدنان أبو حسنة» أن 7 مخابز فقط من أصل 19 مخبزا تدعمها المنظمات الإنسانية تعمل فى القطاع اعتبارا من 20 نوفمبر الجارى. وتتوزع المخابز فى دير البلح وخان يونس ومدينة غزة.
وحذر «أبو حسنة» من عدم اتخاذ إجراءات فورية لتحسين إدخال الوقود ومادة الطحين وتسهيل عمليات النقل ومنع العصابات من سرقة ما يدخل كفيل بأن يدفع القطاع إلى مجاعة حقيقية.
وأضاف: «تعمل المخابز الثلاثة فى جنوب وسط غزة بكامل طاقتها بينما تعمل المخابز الأربعة فى مدينة غزة بمستوى إنتاج 50% بسبب تحديات السلامة والأمن المتمثلة فى رفع الوقود عند معبر كرم أبو سالم وبعد تأخيرات فى تسليم الوقود من الجنوب».
فشل مساعى وقف بيع أسلحة «الإبادة الجماعية» لتل أبيب
فشلت جميع التحركات الرامية إلى دفع ثلاثة قرارات، والتى كانت ستوقف عملية بيع أسلحة أميركية لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار مؤخراً نتيجة معارضة من الحزبين الجمهورى والديمقراطى ولم يكن من المتوقع أن يتم تمريرها. حيث صوت مجلس الشيوخ الأمريكى بأغلبية ساحقة على رفض ثلاثة جهود قادها السيناتور التقدمى بيرنى ساندرز، حيث حصلت على نحو 20 صوتًا فقط من أصل 100 من أعضاء المجلس، حيث انضم معظم الديمقراطيين إلى كل الجمهوريين ضد التدابير. وتشمل قرارات بيع الأسلحة قذائف الدبابات، وقذائف الهاون، ونوع من معدات التوجيه الخاصة بالقنابل التى تُلقى فى غزة.
وفى تصريح سبق الجلسة أكد ساندرز إن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو «انتهك القانون الدولى والأمريكى، وانتهك حقوق الإنسان وعرقل المساعدات الإنسانية»، فيما لفت إلى أن القرارات لن تؤثر على أى من الأنظمة التى تستخدمها إسرائيل للدفاع عن نفسها من الهجمات الواردة، وركز بدلاً من ذلك على الأسلحة الهجومية. وأكد أمام مجلس الشيوخ أن حكومة رئيس الوزراء نتنياهو المتطرفة لم تشن حرباً ضد حماس فحسب. بل إنها شنت حرباً شاملة ضد الشعب الفلسطينى.
وتابع ساندرز: «الكثير مما يحدث هناك تم بأسلحة أمريكية ودعم دافعى الضرائب الأميركيين»، مضيفا أن الولايات المتحدة قدمت أكثر من 18 مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل وسلمت أكثر من 50 ألف طن من الأسلحة والمعدات العسكرية، وأضاف «الولايات المتحدة الأمريكية متواطئة فى هذه الفظائع، ولابد أن ينتهى هذا التواطؤ».
وصوّت السيناتور إد ماركى، ديمقراطى من ولاية ماساتشوستس، لصالح القرارات، وقال فى بيان له إن «استراتيجية الولايات المتحدة المتمثلة فى منح حكومة نتنياهو شيكًا مفتوحًا للأسلحة الهجومية لا يمكن أن تستمر». وأضاف «لا يحق لأى دولة، حتى لو كانت حليفة مقربة مثل إسرائيل، الحصول على مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة دون الالتزام بالقانون الأميركى والدولى».
وصوت السيناتور مارتن هاينريش، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، لصالح القرارات أيضًا، وقال فى بيان إن خفض التصعيد فى الحرب «لا يمكن أن يحدث إذا نظرنا إلى الاتجاه الآخر عندما يتعلق الأمر بكيفية استخدام أسلحة محددة وثمنها الاستثنائى».
وأعلن ديمقراطيون آخرون عن تصويتهم ضد القرارات. وفى ذلك أكد السيناتور كاثرين كورتيز ماستو، ديمقراطية من نيفادا إنها «ستقف دائمًا بفخر لدعم أقوى حلفائنا». وعلى نحو مماثل، قال السيناتور جاكى روزن، ديمقراطى من نيفادا إن «إسرائيل حليفتنا فى الشرق الأوسط، ويجب علينا أن نفعل كل ما فى وسعنا لمساعدتها فى الدفاع عن نفسها». كما صوّت جميع الجمهوريين الحاضرين ضد القرارات مبررين الأمر بأن الحد من قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها يساعد أعداءها بحسب معتقداتهم.
وخلال الحملة الرئاسية، انتقد التقدميون المناهضون للحرب بشكل ممنهج تعامل إدارة بايدن مع الحرب، ودفعوا إلى إنهاء الصراع وانتقدوا تحالف البيت الأبيض مع إسرائيل ونتنياهو.
وكان ساندرز قد قدم هذه الإجراءات فى سبتمبر الماضى بينما واصلت إسرائيل هجومها على غزة، والذى أسفر عن استشهاد 43 ألف شخص على الأقل. وبموجب القانون الأمريكى، لا يجوز تقديم المساعدة العسكرية لقوات الأمن الأجنبية التى ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان. ومع ذلك، رفضت إدارة بايدن إلى حد كبير وقف نقل الأسلحة إلى إسرائيل، على الرغم من الاتهامات المستمرة بارتكاب جرائم حرب من قبل خبراء حقوق الإنسان.
وهذه ليست المرة الأولى التى يقود فيها ساندرز مثل هذا الجهد، ولم يكن من المتوقع أن يتم تمريره. لكن المؤيدين كانوا يأملون أن يشجع الدعم الكبير فى مجلس الشيوخ حكومة إسرائيل، وإدارة جو بايدن على بذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين فى غزة.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، دمر الجيش الإسرائيلى أكثر من 65% من المساكن والمدارس والمرافق الصحية. كما دُمرت جميع الجامعات الـ12 فى القطاع، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية وفا. وتقدر الأمم المتحدة أيضًا أن حوالى 90% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطينى قد نزحوا. كما أكد خبراء الأمن الغذائى العالمى أن المجاعة فى شمال غزة وشيكة.