30 عاماً على رحيل بليغ حمدي.. “سيرة حب” ترويها الأجيال
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
متابعة بتجــرد: تحل في 12 سبتمبر، الذكرى الـ30 لرحيل الموسيقار المصري بليغ حمدي، والذي امتلك رصيد موسيقي ضخم، يتجاوز ألفي أغنية، تعاون فيه مع نجوم الغناء العربي، الأمر الذي جعل البعض يصفه بأنه “عبقري الألحان، ورائد التجديد”.
وهب بليغ حياته لصناعة الموسيقى، منذ صباه، واحترف المجال منذ مطلع العشرينيات من عمره، وذلك حسبما قال في أحد لقاءاته قبيل وفاته، كما كان يعمل نحو 16 ساعة يومياً، لتنفيذ مقطوعة فنية، وعمل مع كبار المطربين، مثل أم كلثوم الذي قدم لها 11 لحناً، وأكثر من 29 لعبد الحليم حافظ، والأمر ذاته مع شادية، فيما تعاون مع رفيقة دربه وردة الجزائرية في أكثر من 30 لحناً، كما عمل مع نجاة الصغيرة، وعفاف راضي، وميادة الحناوي، وصباح، وحتى سميرة سعيد، ومحمد الحلو، وعلي الحجار وآخرين.
يعتبر كثير من المتخصصين في الموسيقى، أن بليغ حمدي (1932 – 1993)، هو المجدد وقائد الثورة الموسيقية الثانية، بعد سيد درويش، إذ أحدث تطوراً كبيراً في صناعة الموسيقى من خلال أعماله، كما قدم وتبنى عشرات الأصوات الجديدة -وقتها- التي حملت راية الطرب فيما بعد.
الكاتب أيمن الحكيم، صاحب كتاب “بليغ حمدي.. سلطان الألحان”، قال لـ”الشرق”، إنّ: “بليغ حالة استثنائية في تاريخ الموسيقى العربية، وكان ملهماً ومتنوعاً في كل أعماله”.
وأوضح أن”بليغ صاحب الرصيد الأكبر بين الملحنين في عدد الأغاني الذي قدّمها”، واصفاً إياه بقوله: “هو المجدد والمطور، وأعماله تتضمن البساطة والعبقرية في نفس الوقت، وما قدمه طوال حياته، يجعله لا يزال حياً وموجوداً بيننا بموسيقاه”.
اكتشاف
الفنانة عفاف راضي، والتي جاءت بدايتها مع الموسيقار بليغ حمدي، باعتباره أول من اكتشفها فنياً، قالت لـ”الشرق”، إن أغنية “ردوا السلام” كانت بداية انطلاقتها الفنية، حيث قدّمها للجمهور لتغني تلك الغنوة، في حفل للفنان عبد الحليم حافظ.
واسترجعت ذكريات لقائها الأول مع بليغ، قائلة: “كان عمري وقتها 18 عاماً، طالبة في معهد الكونسرفتوار، وذات مرة شاركت زملائي الغناء في إحدى الحفلات، وفوجئت بشقيقي يخبرني بأن بليغ حمدي يريد مقابلتي في مكتبه، وذهبت إليه على الفور، وعرفت منه أنه استمع لصوتي، وطلب منّي غناء بعض الموشحات، ليطلب منّي بعدها الحضور يومياً ليدربني على بعض الألحان”.
وتابعت “بعدها أهداني لحن أغنية “ردوا السلام” وأخبرني أنني سأغنيها بعد أيام قليلة في حفل مع عبد الحليم حافظ، فشعرت بخوف وقلق شديدين، وبالفعل قدمت الأغنية وحققت نجاحاً كبيراً”، مشيرة إلى أنها قدمت معه حوالي 60 أغنية، تعتبرها من أهم ما غنت طوال مشوارها الفني.
أما الفنان محمد الحلو، الذي تعاون هو الآخر مع بليغ حمدي، قال لـ”الشرق”: “تربيت على ألحانه، وخاصة الأغاني الذي قدمها مع أم كلثوم”.
وأوضح أنه التقى بـ”بليغ” في بداية مشواره الفني، وتوطدت علاقتهما بدرجة كبيرة، الأمر الذي كان له بالغ الأثر الإيجابي على حياة “الحلو” فنياً، حيث قال: “بليغ كان عبقرياً بمعنى الكلمة، وهو أحد أهم المؤثرين وأصحاب البصمة القوية في تاريخ الموسيقى”.
عبقرية الاختلاف
ومن جانبه، كشف الموسيقار هاني مهنا، لـ”الشرق” العديد من الذكريات التي جمعته ببليغ حمدي، قائلاً: “له أفضال كثيرة عليّ في مشواري الفني، فقد كان سبباً في تعاوني مع الفنان محمد رشدي في أغنية “عَ الرملة”، وبعدها انطلقت فنياً، لأتعاون مع كثير من المطربين، مثل عبد الحليم حافظ، ونجاة، وعفاف راضي وآخرين”.
وأكد أنه كان يذهب دوماً إلى بليغ حمدي في منزله، ولم يعتبره في يوم من الأيام غريباً عنه، إذ شهدت علاقتهما صلابة شديدة، واصفاً إياه، بـ”الملحن العبقري، الذي لن يكرره الزمن، وعبقريته تكمن في سعيه وراء الاختلاف”.
وتابع: “الكثيرون لا يعرفون أن بليغ بدأ بالإذاعة مطرباً، وسجل 4 أغنيات، لكن تفكيره كان متجهاً صوب التلحين، وبالفعل بدأ بالتلحين لـ فايزة أحمد، كما عاونه الموسيقار محمد فوزي، وأعطاه فرصة للتلحين لكبار المطربين، وما قدمه بليغ للموسيقى لن يستطيع أحد تكراره”.
وتطرق هاني مهنا، إلى علاقة بليغ حمدي بالفنانة وردة، قائلاً: “كانت مخلصة له لأقصى درجة، فرغم الظروف الصعبة الذي عاشها، إلا أنها ظلت باقية بجانبه وتساعده في غربته وتغني له”.
اللقاء الأول
كما استعاد الموسيقار مجدي الحسيني، جزءاً من رصيد ذكرياته مع بليغ حمدي، حيث أشار لـ”الشرق”، إلى اللقاء الأول الذي جمع بين الأخير وعبد الحليم حافظ، وقت تعاونهما في أغنية “تخونوه”، التي عُرضت ضمن أحداث فيلم “الوسادة الخالية”، إنتاج عام 1957، بعدما كان من المفترض أن تغنيها الفنانة ليلى مراد.
وأوضح أن “هذه الأغنية، كانت أولى ثمار التعاون بين بليغ وعبد الحليم، والذي أسفر عن تنفيذ عدد من الأغاني لاحقاً، إذ قدّما روائع من الطرب المصري الأصيل”.
ووصف بليغ حمدي، بقوله: “عبقري لن يتكرر، وكان يبحث دوماً عن التغيير وصناعة شيئاً مختلفاً يعيش بين الجمهور، فموهبته كانت طاغية، منذ لقائه الأول بأم كلثوم الذي أقنعها بلحن أغنية “حب إيه” لتنبهر به، ثم يستغل تلك اللحظة ليصنع حالة فنية معها، ويخلد موسيقاه بين العظماء”.
مشوار حافل
بليغ حمدي، من مواليد أكتوبر عام 1931، بالقاهرة، أتقن العزف على العود وهو في التاسعة، وجاءت أولى أعماله الاحترافيه في التلحين، مع المطربة فايدة كامل بأغنيتي “ليه لأ؟” و”فاتني ليه؟”، ليواصل رحلته في هذا المجال ويتعاون مع كبار النجوم، ويتجاوز رصيده الألفي لحناً، حسبما وُرد في كتاب “بليغ حمدي.. سيرة الألحان”، وتنوعت ألحانه ما بين الشعبية والرومانسية والوطنية الحماسية، وكذلك أغاني الأطفال والقصائد، فضلاً عن الابتهالات الدينية.
وإلى جانب تعاونه مع كبار المطربين والمطربات، وضع أيضاً الموسيقى التصويرية للعديد من الأعمال الفنية في السينما والتلفزيون والمسرح، مثل أفلام “إحنا بتوع الأتوبيس”، و”شيء من الخوف”، و”أبناء الصمت” و”العمر لحظة” وغيرها، ومسلسلات “أفواه وأرانب”، و”أوراق الورد” و”بوابة الحلواني”، ومسرحيات “ريا وسكينة” و”زقاق المدق” و”تمر حنة”.
وتعتبر واقعة اتهام بليغ، عام 1984، في حادث انتحار الفنانة المغربية الشابة سميرة مليان داخل منزله، بمثابة الحادث الأكبر الذي تعرض له في حياته، قبل أنّ يحصل على البراءة بعد مرور 5 سنوات تقريباً، لكن بعدما تمكنت منه الشائعات والقلق والمرض طوال تلك الفترة، لاسيما وأنه قضاها خارج البلاد مُغترباً بين باريس ولندن، إلى أنّ توفي 12 سبتمبر عام 1993، عن 62 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض.
القاهرة-خيري الكمار
main 2023-09-12 Bitajarodالمصدر: بتجرد
كلمات دلالية: الحلیم حافظ بلیغ حمدی لـ الشرق
إقرأ أيضاً:
غضبة الحليم: دكتور الوليد ادم موسي مادبو
كتب الدكتور الوليد آدم موسي مادبو مقالًا ساخنًا بعنوان: "الطفيلي شوقي بدري والبقية". جاء المقال بأسلوب عنيف لم أعتده في كتاباته الثرية، المنهجية، والقاصدة. أترك للقراء البحث وقراءة ما كتب إن لم يفعلوا حتى الآن، فهي قراءة مؤدبة مؤدبة:
- ناقدة لكنها راقية
- قاسية لكنها عادلة
- تُفنِّد بلا إسفاف، وتوضح بلا تهوّر
- تضع الأمور في نصابها دون انزلاق إلى السجال العاطفي
تعرفتُ على الدكتور الوليد مادبو من خلال كتاباته. اسم مادبو قرع أذني وخواطري عندما زرت الضعين وأنا يافع، في بداية مسيرتي العلمية والمهنية. لم أمكث كثيرًا، فقد غادرت البلاد لاجئًا وطالب علم الي كاليفورنيا، بعد أن استولى عليها عسكر النميري والترابي.
عشتُ أربعة حقب أقتات على ما يُكتب في الصحف، كانت تصلني بانتظام عبر شقيقي محمد الفاتح سيد أحمد، شيخ الإعلاميين، وتحملها إليّ يد الصديق الصدوق، المرحوم عثمان الكد، ومن خلفه علي تراب هذه الفانية.
مرت السنوات واغتربتُ عن الكتابة بالعربية، لكنني لم أغترب عن القراءة بها... وبنهمٍ! قرأتُ للدكتور الوليد مادبو في مجالات السياسة، والإنسانيات، والاجتماع. كل ما كتب كان كطوب البناء الجيد، يُصنع ويُحرق جيّدًا، ثم يُوضع في موضعه بدقة، وفق رؤية المعماري الحاذق.
آخر ما كتب لي، وكان ينبهني بوجهة نظره برفق عندما كتبت:
**العلمانية ان تقف الدولة بمسافة واحدة متساوية من كل الاديان و المعتقدات والأجناس.
الوحدة بين الاقاليم طوعية. الولاء التام للدستور.
القضاء سلطةً مستقلة.كل السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية مستقلة**.
كتب د مادبو
"العلمانية في الغرب كانت لحماية السياسة من تغوّل "المتدينين" والإقطاعيين، أمّا في الشرق - وفي السودان خاصة - فالعلمانية ضرورة لحماية الدين من تغوّل السياسيين. في الحالتين، جعلت العلمانية الدين عقلانيًا، والسياسة أخلاقية. ومن شاء فلينظر للتجربة التركية، والماليزية، والهندية، وتلكم الأمريكية، ولا مجال للخوض في حالات الشطط العديدة، فلكل قاعدة شواذ.
حينها مرت بذاكرتي قوائم الشواذ امثال أرزقية الكتابة المتكررة، أمثال د.عبد الله علي إبراهيم. وكفى!!
والسلام،
د. أحمد التجاني سيد أحمد
٩ مارس ٢٠٢٥ نيروبي، كينيا
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com