عبد الله علي إبراهيم

كتبت رشا عوض كلمة أخيرة عرضت فيها لرأيي عن وقوفي مع القوات المسلحة نصرة للدولة الحديثة. ورأت فساد هذا الرأي لأن هذه القوات “كانت أداة لوأد الديمقراطية لأكثر من نصف قرن”. ولا تكون الحداثة، في رأيها، إلا بالديمقراطية. وربط رشا للحداثة بالديمقراطية خطأ بين. فالديمقراطية ليست سوى واحدة من ضروب التعاقد السياسي في الدولة الحديثة.

فتكون الدولة الحديثة على حداثتها كيفما تعاقد الناس فيها على التقليد مثل أن تكون فيهم الملكية مثلاً، أو بالشعبوية والكريزما كما في عهد ناصر أو جوان بيرون في الأرجنتين، أو بالديمقراطية الليبرالية، أو حتى بالاستبداد الصرف مثل النازية. فما اجتمع الألمان على شيء مثل اجتماعهم على النازية في دولتهم الحديثة التي أطلقت فيهم سعار الجنس الخالص الراقي كمرتكز لوطنيتهم.
تعريف الدولة الحديثة في قوقول أنها منظمة سياسية تقوم عليها إدارة مركزية مستقلة بوسعها تطبيق القانون وحفظ الأمن على رقعة أرض معلومة. وتختلف عما عداها من الجماعات الاجتماعية والسياسية باحتكارها الاستخدام الشرعي للعنف والتمتع باعتراف العالم بالسيادة القانونية على أرضها. وهي مما نشأ في القرنين السادس عشر والسابع عشر وصارت بعدها الشكل الطاغي للدولة في العالم. ومتى غابت جرت الكوارث. وتولدت هذه الدولة من رحم أوريا الاقطاعية التي كانت سادت فيها قبلها ثلاثة كيانات لكل منها سلطاته وامتيازاته يلجم بها الحكام الأمراء. وكانت تلك الكيانات هي الكنيسة، والنبلاء، والفلاحون. وحظي كل منها بنظم معينة نسيقة من الحقوق مما قد تراها العين المعاصرة من مادة الدولة الحديثة. وقامت الدولة الحديثة في أوربا لتحل محل تلك الكيانات النثار التي تتداخل فيها الاختصاصات وتصطرع من فرط عيشها جنباً لجنب.
وارتبط قيام الدولة الحديثة بالحرب. فهي قد ولدت من رحمها. ودار علم بناء الدولة الحديثة حول تقليب عبارة مؤسسة لواطسون تلي تقول أن الحرب تصنع الامة والأمة تخوض الحروب. ولم يمنع ذلك من قوله أن الحرب عبثية. فمن رأي تلي، مؤسس علم بناء الدولة، أن الدولة ثمرة الحرب. فهي من صنعها. وما كنت أعلم أن هناك من فاقنا معشر الماركسيين في تعريفنا للدولة بأنها أداة عنف تطلقها الطبقات المتملكة على خلق الله حتى قرأت لليبراتنين. وعقيدتهم تدعو للجم الدولة دون التدخل في السوق الحر إلا لماماً وأن تترك حرية الفرد على سجيتها. وقال أحدهم في المعنى أن الدولة من صنع “برابرة” انحطت بحضارة مدينة القرون الوسطي، وحرمت الفرد من حريته، وحطمت عرى انبنت في الماضي على المبادرة الخاصة والتوافق الحر.
وقفت مع الجيش لحداثته التي هي احتكار السلاح نيابة عن الدولة الحديثة. ولم يكن خرقه للديمقراطية، بل وإدمانه ذلك، في اعتباري. ولم يطرأ لي عدوانه على الديمقراطية لأن الديمقراطية ليست المعيار في الحكم على حداثة الدولة. فالديمقراطية، التي جعلتها رشا كقول جهيزة تقوم عليها وإلا فلا، مجرد نظام سياسي من ضمن نظم أخرى مما يتعاقد عليه الناس، بالتراضي أو بالغلب، في الدولة الحديثة. وتكون الدولة الحديثة بدونها إلا إذا تمسكنا بقول تشرشل من أنها أسوأ النظم السياسية عدا سائر النظم الأخرى. وهذا قريب مما عرضته في اختياري الجيش دون الدعم السريع. فالجيش مر ولكن الدعم السريع أمر منه.
#تجاوزت هنا للإيجاز نظرية ذائعة تقول أن الجيش لا ينقلب على الديمقراطية وإنما تقوم بذلك الأحزاب السياسية والجيش براء. كما تجاوزت حوارات في الستينات والسبعينات عن استحقاق الجيش للحكم في مثل بلادنا لأنه الكيان الحداثي الأول على نطاق القطر والبارع في الآلة الحديثة وثقافتها.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدولة الحدیثة

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي: درع الدولة هو شعبها ليس الجيش والشرطة فقط

قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن المنشآت الحكومية التي يتم بناؤها في العاصمة الإدارية الجديدة يتم تمويلها بالكامل من قبل شركة العاصمة.

 وأوضح الرئيس أنه عندما بدأت الشركة عملها، كانت ميزانيتها صفر، ولكن مع مرور الوقت وبعد الانتهاء من العديد من المشروعات الكبرى مثل منشآت الحكومة ومدينة الثقافة والفنون، بالإضافة إلى مسجد مصر والكاتدرائية وحي المال والأعمال، أصبحت الشركة تتمتع بموارد مالية كبيرة.

شركة العاصمة الإدارية 

 وأكد الرئيس السيسي أن شركة العاصمة الإدارية تحصل سنويًا من الحكومة على مبلغ يتراوح بين 7 إلى 10 مليارات جنيه من تأجير المنشآت التي شيدتها. 

وأضاف أن لدى الشركة حسابًا مصرفيًا يحتوي على 80 مليار جنيه، كما أن لديها مستحقات مالية لدى المطورين العقاريين الذين اشتروا أراضي من الشركة، والتي قد تصل قيمتها إلى 150 أو 160 مليار جنيه.

 كما وجه الرئيس السيسي رسالة إلى الشعب المصري قائلاً: "درع الدولة هو شعبها، ليس الجيش والشرطة فقط"، مشيرًا إلى أهمية تضافر جهود الشعب في بناء الدولة.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه الحكومة في بناء المدن الجديدة، أوضح الرئيس السيسي أن الحكومة بموازناتها التقليدية لا يمكنها بناء ما تم إنجازه في العاصمة الإدارية والمدن الجديدة باستخدام الطرق التقليدية، حيث أن الحكومة لا تستطيع تنفيذ 10% من هذه المشاريع باستخدام الميزانية التقليدية.

 لكن من خلال تحويل الأراضي إلى أموال، تمكنت الحكومة من تحقيق تقدم كبير في المشاريع القومية، وتوفير فرص عمل، والمساهمة في النمو الاقتصادي.

مقالات مشابهة

  • الشعب الجمهوري: رسائل الرئيس بأكاديمية الشرطة أكدت حجم المخاطر التي تُحاك ضد الوطن
  • بلال الدوي: مصر الدولة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على السلام
  • معاوية عوض الله: العقوبات التي تصدر تجاه قادة الجيش لن تزيدنا إلا قوة وصلابة
  • أستاذ استثمار: توطين الصناعة إحدى الاستراتيجيات الأساسية التي انتهجتها الدولة لتغير واقع الاقتصاد
  • الأجهزة الحديثة تنافس المسبحة في وظيفتها
  • الرئيس السيسي: درع الدولة هو شعبها ليس الجيش والشرطة فقط
  • طرح شركات الجيش فى البورصة يعزز ثقة القطاع الخاص
  • (عودة وحيد القرن) كانت من أنجح العمليات التي قام بها قوات الجيش السوداني
  • الكونغو الديمقراطية تشهد تغييرات واسعة في قيادة الجيش على خلفية تصاعد العنف
  • قائد الجيش: لبنان يحمي الطوائف وليست الطوائف هي التي تحميه