الشخصية نتاج الخبرة... والكاريزما ابنة الفلسفة
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
من منا لم يقابل في دراسته، أو حياته المهنية شخصا مؤثرا؟ ذلك الشخص الذي يمتلك «قوة الحضور»، ولديه ما يشبه السحر في شحن الآخرين بالإيجابية، وقيادتهم، وإلهامهم لتحقيق أحلامهم، وعندما نحاول وصف هذا المؤثر فإننا غالبا ما نختصر بقول إنه يمتلك «كاريزما» آسرة، ولكن هل كل شخصية مؤثرة تمتلك الكاريزما؟ وأين تقع الحدود بين الشخصية والكاريزما؟ وهل الكاريزما جواز السفر إلى النجاح؟ تعالوا نبدأ من الكلمة نفسها، تُرى ما هي الكاريزما؟ هي في أبسط معانيها تلك المجموعة المتداخلة من السمات الشخصية، والسلوكيات المتفردة، والفلسفة، والقناعات الشخصية التي تُكسب صاحبها تقدير وإعجاب المحيطين به، وتكسبه احترامهم، ومودتهم، وكلمة كاريزما مقتبسة من مفردة كاريس في اللغة اليونانية «charis»، والتي تعني «نعمة» أو «هبة»، مما يدل على أن جزءا من مقومات الكاريزما هي بالأصل مواهب فردية، ولذلك نال موضوع الكاريزما اهتماما عميقا مع تزايد الفضول العلمي في استكشاف خبايا وأسرار الشخصيات البارزة في تاريخ البشرية، والتعرف على كيفية نشوء هذه الأيقونات الإنسانية التي كان لها صدى عميق في قلوب من عاصروهم، والأجيال التي جاءت من بعدهم حتى يومنا هذا.
إذا أردنا أن نقترب من الحقبة الزمنية التي أظهرت موضوع الكاريزما كإحدى الأولويات البحثية، نجد بأن الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية هي منشأ التركيز على هذا الشأن، إذ تزامن الفضول العلمي مع حركة الشعوب في تمجيد رموزها الوطنية التي ناضلت الاستعمار، ولكن الكاريزما لم تقتصر على الشهداء، بل امتد أثرها ليشمل جميع نواحي حياة الإنسان، دعوني أورد أشهر الأمثلة، مارتن لوثر كينج جونيور كان يتمتع بالكاريزما الهادئة، وتمكن من التأثير على الجماهير بأسلوبه في نقل أفكاره وفلسفته بوضوح، وبلغة أشبه بالسرد القصصي، ولا تزال كلمته المشهورة «أنا لدي حلم» محط اقتباس رواد الأعمال، والمفكرين، والمهاتما غاندي، مثله مثل مارتن لوثر كينج، ركّز على إلهام الآخرين لنشر الخير والفضيلة، وكان يتمتع بشخصية كاريزمية كبيرة تتسم بالثقة، واللمسة الشخصية، وهو لم يأمر الآخرين باتباعه، بل سمح فقط لمن أراد أن يتبع أفعاله أن يرافقه، وكان ملتزمًا لدرجة أنه كان قادرا على أداء رسالة السلام بمفرده، وهذا التوجه كان بمثابة المغناطيس الذي استقطب ملايين المتابعين، أما المرأة الحديدية مارجريت تاتشر فقد كان مصدر الكاريزما لديها هو ثقتها الراسخة بأهمية دورها، وهذا ما جعلها نموذج العمل الرسمي المتنافي، ولكن بالتوازن مع الانفتاح على التواصل، والاستماع لوجهات النظر الأخرى، وإظهار التواضع عند الحاجة، وكذلك ستيف جوبز الذي يتمتع بكاريزما مكنته من النجاح في تأسيس شركة أحدثت ثورة في عالم التكنولوجيا، في وقت تحفّظ فيه المبتكرون والمستثمرون عن المجازفة.
وبعيدا عن هذه الأعلام المشهورة، هناك نماذج مؤثرة ولها حضورها الذي لا ينسى على مستوى الحياة المهنية، والتفاصيل اليومية، وهذا يقودنا إلى التشابه الكبير بين الشخصيات التي اكتسبت مهارات التأثير بالخبرة والممارسة، وبين حاملي الكاريزما، فكلاهما يسعى إلى إلهام المحيطين بهم للنمو والتطور، وذلك عبر مهارات التواصل الجيدة، والقدرة على القيادة بالأمثلة الواضحة والملهمة، وكذلك إظهار الشغف والالتزام نحو تحقيق الأهداف، وهذا التشابه بين الشخصية المؤثرة، وحاملي الكاريزما يكاد يصل إلى درجة التطابق على المستوى المجتمعي، أما في بيئة العمل فإن أوجه الاختلافات واضحة، فمعظم الشخصيات الإدارية المحنكة تقع ضمن مدرسة القادة التقليدين الذين ينصب تركيزهم في العمل على الرؤية الاستراتيجية، وفي قيادة العمل وتنفيذ الأهداف، فهم ينتهجون مسارات موجهة نحو النتائج الواضحة التي تبرز جهودهم بشكل مباشر، أما القيادات الإدارية المدفوعة بالكاريزما فهي تركز على العامل البشري، لذلك يأتي التركيز الاستراتيجي على فرق العمل، والبيئة المؤسسية، ولذلك فإن الرؤية الاستراتيجية ليست هي لوحدها بوصلة القيادة، وإنما يتضمن نهج القيادة مسارات متعددة التأثير، مثل إزالة العقبات والتحديات، ودعم التطور الفردي المستمر، وتعزيز الانتماء للمؤسسة، ولفريق العمل، وترسيخ ثقافة تقبُّل الآراء المختلفة، والأدوار المتنوعة، والاستماع الواعي لأصوات جميع أعضاء الفريق، عبر تأصيل ملكية العمل للجميع، وتوظيف الذكاء العاطفي، وبذلك يمكن تحقيق النجاح بشكل جماعي، وبروح مشتركة، وهذه هي لمسة القائد المدفوع بالكاريزما، فهي مدفوعة بالطموح، والعقلانية، والفلسفة معا.
ولكن الكاريزما لوحدها لا يمكنها أن تضمن تحقيق مثل هذا الانسجام بين أعضاء فرق العمل، أو منتسبي المؤسسة، بل هناك مجموعة العناصر الثقافية المحددة لتمكين هذا النهج، مثل حسن اختيار الأعضاء الذين تتكامل مهارتهم، وشخصياتهم، وكذلك وجود بذور ثقافة العمل الجماعي التشاركي، وهي عناصر قابلة للتعميم عبر مختلف بيئات العمل، ولكي تنجح قيادة العمل الكاريزمية لا بد من وجود البوتقة التي تسمح بإدماج السمات الفردية، مع البيئة الداعمة لتوظيفها في محيط العمل، وفقًا للمستوى الإداري، فلا نتوقع مثلا أن ينجح المديرون المتوسطون كونهم يتمتعون بخصائص القيادة الكاريزمية الفعالة، إذا كانت الإدارة العليا تنتهج الإدارة التقليدية أو النهج التحويلي البحت، إذ أنه من المرجح جدًا أن تتعارض المسارات الاستراتيجية، فالعمليات المؤسسية تعمل باعتبارات مختلفة تمامًا في المستويات الهرمية المتفاوتة القوة، والتأثير، ولذلك يُنظر إلى العديد من السمات الكاريزمية على أنها مشروطة ثقافيا، رغم أنها جديرة بالثقة، وديناميكية، وذات أثر إيجابي يسهم في تحقيق القيادة المتميزة.
وهنا سؤال يطرح نفسه: إذا كان بالإمكان بناء الشخصية الملهمة بالخبرة، والممارسة، والحكمة، هل يمكن بناء واستنساخ الكاريزميين؟ فإذا لم يولد الشخص بشخصية جذابة، هل لا يزال من المفيد استثمار الوقت لتطوير بعض سمات الكاريزما؟ إن الكاريزما موهبة وليست مهارة مكتسبة، وليس من السهل استنساخ الموهبة، ولكن يمكن تبنّي، وتطوير خصائص، وسمات حاملي الكاريزما، وذلك بالتركيز على السمة المرغوبة، فإذا كان الهدف هو تعزيز التأثير على مستوى عمل الفريق، فيمكن البحث عن مواطن قوة القائد الكاريزمي في إلهام الفريق، وفهم تفاعل خصائص هذه القوة مع شخصية القائد، والتعلم منها بالقدر الذي يساعد على عبور الفجوة الإدراكية، والتطبيقية، ولكن مع التسليم بأنه لا يمكن لأي شخص أن يكون قائدًا يتمتع بشخصية كاريزمية بالتعلم والمشاهدة والتقليد وحدها، هناك سمات شخصية كامنة في أعماق حاملي الكاريزما مثل الحماسة، والمجازفة، والطموح، ولها طريق معقدة في توجيه سلوكيات وقرارات أصحابها، وهذا البُعد لا يمكن محاكاته.
ولكن هذا لا يقلل إطلاقا من أهمية التطوير الذاتي المستمر، وبناء مهارات جديدة، فالشخصيات الأقل في مستوى الكاريزما غالبا ما تمتلك ثروة من المعرفة، والخبرة، والقدرة على إظهار الحكمة، وامتلاك أسلوب مميز في القيادة، وإنجاز الأعمال بدقة، واحترافية، ويمكن لهذه الشخصيات استثمار هذه المقومات، واستعارة بعض الصفات التي يتحلى بها القادة الكاريزميون، مثل التركيز على «النصف الممتلئ من الكوب»، وذلك من خلال إعادة صياغة روح العمل، بإيلاء فرق العمل الدعم، والثقة، والاحتواء، وتعزيزها بجرعات إيجابية من التحفيز، والتفهم، والعمل المشترك، لتحقيق أهداف أكبر، وخلق الشعور بالانتماء، وتثمين دور جميع أعضاء الفريق، والاحتفاظ بالطموح كقيمة مهنية دافعة لمواصلة المحاولات، والتعلم من كل محاولة، والنظر إليها بمثابة عبور خطوة أخرى تقربهم نحو الهدف المنشود.
تشير البحوث الأكاديمية إلى أن «الكاريزما متجذرة في المستوى العاطفي، فإذا توافقت مع التفكير العقلاني فإنها تصبح حينها قادرة على تحقيق ما يبدو ظاهريا بأنه في حكم المستحيل، فتأثير الكاريزما أقوى على النفس من أشكال التأثير التقليدية الأخرى»، وهذا ما يجعل من القيادة الكاريزمية واحدة من أفضل أساليب القيادة في الهياكل المؤسسية التي تعتمد على فرق العمل ذاتية الإدارة، أو تلك التي تمر بمراحل التغيير، والتحوُّل المؤسسي، حيث يتطلب العمل الاعتماد على الرؤية الاستراتيجية المشتركة، وتأصيل ثقافة «نحن»، وصناعة النجاح في الأذهان قبل تحقيقها على الواقع، والثقة النابعة من الإدراك بالهدف، ففي البدء يأتي البحث عن الغاية العليا، ويتبعها الشغف، ثم تأخذ الكاريزما دورها بشكل تلقائي، فحيث تنتهي مهمات القيادة التقليدية المنصبة حول إنهاء الأعمال، تبدأ القيادة المدفوعة بالكاريزما التي تدمج الأهداف والغايات، مع الرؤية الطموحة، والشغف الدافع للإنجاز، كما جاء في المقولة الشهيرة للأميرة ديانا حين قالت: «أنا لا أتبع كتب القواعد، أنا أقود من القلب، وليس من الرأس»، وما عساها تكون القيادة الكاريزمية إن لم تكن تلك الفلسفة المتناغمة للثقة، والرؤية الواضحة، ومهارات الاتصال القوية، والتعاطف المتوازن، والداعم للوصول إلى التأثير الإيجابي المنشود.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فرق العمل
إقرأ أيضاً:
التحديث الجديد من آيفون يستنزف البطارية ولكن هناك 3 أسباب لتثبيته
أصدرت شركة آبل مؤخرا تحديثا أمنيا جديدا، وذلك بعد اكتشاف ثغرتين قد تتسببان في اختراق أجهزة آيفون عن بعد، ولكن بعض المستخدمين أبدوا استياءهم من هذا التحديث وقالوا إنه يستنزف البطارية، وفقا لموقع "ذا صن".
وقد لجأ المستخدمون إلى موقع "ريديت" ليشكوا من سوء حال البطارية بعد تحديث "آي أو إس 18.1.1".
ورغم أن التحديث الجديد قد يستنزف البطارية بحسب رأي المستخدمين فإن هناك 3 أسباب تفيد بضرورة تنزيله.
والسبب الأول هو أن تحديثات الأمان تعد واحدة من أفضل وسائل الدفاع ضد الاختراق، فحتى لو كان ذلك يؤثر على عمر البطارية فمن الخطير تجاهله.
وتعمل آبل باستمرار على سد الثغرات الأمنية كي لا يتمكن قراصنة الإنترنت من استغلالها، وفي حال لم تقم بهذا التحديث فقد تصبح هدفا للقراصنة المحترفين.
ثانيا: من الطبيعي أن يكون عمر البطارية أسوأ في الأيام التي تلي التحديث، هذا لأن هاتف آيفون يستغرق بعض الوقت للتكيف مع النظام الجديد، مثلا سيستغرق آيفون وقتا لفهرسة البيانات على جهازك، وبعد ذلك ستعود البطارية إلى طبيعتها في غضون بضعة أيام.
ثالثا: في الأيام القادمة ستجد أن أغلب التطبيقات أصدرت تحديثات بالتزامن مع إصدار نظام "آي أو إس" الجديد، وتحديث التطبيقات الذي يجري في الخلفية قد يسبب استنزاف البطارية.
وعاجلا أم أجلا فإن استنزاف البطارية أمر لا مفر منه بعد تحديث نظام "آي أو إس"، فالأمر لا يستحق المخاطرة وترك الجهاز دون تحديث.
نصائح لتحسين عمر بطارية آيفونإحدى أهم الطرق لتقليل استنزاف البطارية هي معرفة كيف تستخدم جهاز الآيفون وأن تعلم ما الذي يطيل عمر البطارية أو يستنزفها.
على سبيل المثال توصي شركة آبل بعدم إغلاق التطبيقات باستمرار على عكس الاعتقاد الشائع، فلو كنت تستخدم تطبيقا وتريد الخروج منه ثم العودة إليه فأبقه يعمل في الخلفية ولا تغلقه.
وتقول شركة آبل عندما تظهر لك التطبيقات التي استخدمتها مؤخرا فاعلم أن هذه التطبيقات ليست مفتوحة، بل هي في وضع الاستعداد لمساعدتك في التنقل وتنفيذ مهام متعددة، وإعادة فتح التطبيقات التي قمت بإغلاقها قد تكون في الواقع أسوأ بالنسبة لاستنزاف البطارية.
ومن جهة أخرى، يجب عليك ألا تترك جهاز آيفون يسخن كثيرا، لأن ذلك قد يكون له أثر دائم على عمر البطارية، ولهذا يجب إبعاد الجهاز عن أشعة الشمس ومصادر الحرارة العالية.
وإحدى النصائح الرائعة هي التوجه إلى الإعدادات ثم خيار البطارية، ومن هنا ستتمكن من رؤية قائمة بالتطبيقات التي تستنزفها، بما في ذلك مقدار استهلاك كل تطبيق في الخلفية.
وإذا كنت تعتقد أن بعض التطبيقات تستهلك قدرا كبيرا من البطارية يمكنك حذفها إذا لم تكن ضرورية، أو على الأقل إيقاف عملها في الخلفية حتى لا تستهلك الشحن باستمرار.
وفي حال كنت قلقا جدا بشأن بطارية هاتفك فإنه يمكنك تفعيل وضع موفر الطاقة الذي يمكنك تشغيله من إعدادات البطارية، كما يمكنك استخدام "سيري" لتشغيله.
يذكر أن وضع موفر الطاقة يقلل أداء الجهاز، وهكذا يزيد عمر البطارية، وسيتوقف وضع موفر الطاقة تلقائيا عند وصول نسبة شحن هاتفك إلى 80%.