لا يسير العالم في الاتجاه الصحيح من أجل احتواء الاحترار المناخي وعدم تجاوز سقف 1.5 درجة مئوية الذي حدّدته اتفاقية باريس للمناخ كهدف. لقد خرج التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة عن المسار بشكل خطير. ويؤكد التقرير الخاص بتقييم الحصيلة العالمية لاتفاقية باريس ما نعرفه ونشعر به بالفعل في حياتنا اليومية. سيكون هذا العام من بين أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق، وتسبّبت حرائق الغابات والجفاف والفيضانات والطقس القاسي الناجم عن التغير المناخي في خسائر وأضرار مدمّرة في جميع أرجاء العالم.

ويشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن آثار التغير المناخي قد تكلّف بلدان العالم ما يصل إلى 300 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030.

غير أن هناك أملًا. ونحن مصمّمون على أن نجعل لأنفسنا تأثيرا على مستقبل كوكبنا. لا يزال بإمكاننا العودة إلى المسار الصحيح من خلال اتخاذ إجراءات عاجلة الآن. ولا يزال بوسعنا تفعيل ما نعدّه، في نظرنا، أحد أهم الروافع للحد من الانبعاثات: تسريع نشر الطاقات المتجددة وتحسين النّجاعة الطاقية. الحلول هي جاهزة من الناحية التكنولوجية وتنافسية من حيث التكلفة الاقتصادية. وفضلا عن توفير طاقة أنظف وتقليل الطلب على الطاقة الأقل نظافة، فإن الطاقات المتجددة والنّجاعة الطاقية تتيح العديد من الميزات الأخرى. فهي تخلق فرص عمل دائمة، وتُعيد تنشيط بيئتنا، وتحسّن جودة الهواء، وتحافظ بذلك على صحّتنا ورفاهيّتنا الجماعية. كما أنها تمكّن من تحقيق تصنيعٍ أكثر إنصافا واستدامة، بما في ذلك في البلدان الصاعدة والنامية. نحن جميعا مَعنيّون بالتغيّر المناخي. وحتى إن لم تكن الطاقات المتجددة والنّجاعة الطاقية الحلّين الوحيدين من أجل مكافحة التغير المناخي، إلا أنها أساسية لإعادة العالم إلى المسار الصحيح الذي سيتيح إمكانية بلوغ هدف 1.5 درجة مئوية قبل أن يصبح هذا الهدف بعيد المنال. الكوكب في حاجة إلى التزام عالمي نحو الطاقات المتجددة والنّجاعة الطاقة.

لدينا حلول، وقد أحرزنا بالفعل تقدّما كبيرا على مستوى تطوير القدرات العالمية في مجال الطاقات المتجددة وتحسين النّجاعة الطاقية خلال السنوات الأخيرة. غير أن وتيرة التقدم كانت جد بطيئة حتى الآن. وكما أظهر التحليل الذي قدّمته كلّ من وكالة الطاقة الدولية والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، فإننا نحتاج أن نضاعف بشكل جماعي القدرات العالمية في مجال الطاقة المتجددة ثلاث مرات، لكي نصل بها إلى أحد عشر ألف جيجاواط. ونحتاج بالموازاة مع ذلك، مضاعفة وتيرة تحسين النّجاعة الطاقية على المستوى العالمي.

وبإمكاننا بلوغ هذه الأهداف من خلال بذل جهد سياسي أكبر يستند إلى الدينامية الحالية. يعرف انتشار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ازدهارا كبيرا في جميع أنحاء العالم، مع إدراك البلدان بشكل متزايد لميزات هذه الطاقات على مستوى ضمان الأمن الطاقي. لقد اجتمع ممثلو ما يقرب من خمسين حكومة، بمبادرة من وكالة الطاقة الدولية، ووقّعوا على إعلان فرساي في شهر يونيو الماضي، وهو الإعلان الذي حدّد هدف مضاعفة النّجاعة الطاقية. لكن يتعيّن علينا أن نضع هدفا عالميا، وأفقا مشتركا، حتى نتمكن من جمع كل البلدان حول هذه الأهداف الأساسية وإرسال إشارة قوية إلى البشرية جمعاء.

لا بد من التأكيد على أهمية وضرورة نهج مقاربة إقليمية من أجل تحقيق الأهداف المناخية وتشجيع الانتقال العادل والمنصف نحو نُظم طاقية مستدامة. ويجب علينا أن نتعامل في الوقت نفسه مع الضغوط التي تتمثل في الخصوصيات الإقليمية.

تمنح الطاقات المتجددة والنّجاعة الطاقية في الدول الجزرية الصغيرة، المعرّضة بشكل خاص لآثار التغير المناخي، إمكانية إزالة الكربون على نحو سريع من أنظمة الطاقة المحدودة والتي نادرا ما تكون مترابطة. وفي أفريقيا، حيث يتعذّر الوصول إلى الكهرباء على حوالي 600 مليون شخص، ويفتقر ما يقرب من مليار شخص إلى القدرة على الطهي النظيف، تمنح وفرة الموارد المتجددة في القارة آفاقا أرحب، وسوف توفر للجميع إمكانية موثوقة واقتصادية للحصول على الطاقة بحلول عام 2030.

يجب علينا تسخير قوة التعاون العالمي كاملا، والدفع بها إلى الأمام من خلال مبادرات ومقاربات وطنية وإقليمية قوية، وتعزيز الدينامية الواعدة التي أطلقناها في القمة الأفريقية حول المناخ هذا الأسبوع، والمضي بها قدما في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي وأسابيع المناخ المقبلة التي تفصلنا عن الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف حول المناخ (COP28)، والذي سينعقد انطلاقا من 30 نوفمبر القادم.

سيمنح مؤتمر الأطراف حول المناخ في دورته الثامنة والعشرين للعالم فرصة حاسمة لتدارك الأمور بشأن التغير المناخي. وليس في وسع أي دولة أن تفعل ذلك بمفردها. إن مكافحة التغير المناخي هو التحدي الأبرز للبشرية خلال هذا القرن.

وكخطوة أولى، يجب علينا أن نعمل معا، على نحوٍ متضامن، ونتّخذ الإجراءات الأساسية على المستويين الدولي والوطني وفقا لما تقتضيه المواقف المختلفة، بما في ذلك تعزيز الأهداف والاستراتيجيات والمساهمات المحدّدة على المستوى الوطني خلال الفترة المتبقية من العقد. ويشمل ذلك ضمان زيادة التمويل، وخاصة في البلدان النامية، وتعزيز الشبكات والبنيات التحتية ذات الصلة، والسهر على إصدار التصاريح في الوقت المناسب، وهيكلة قواعد السوق على النحو الذي يشجّع الاستثمارات. كل عام من الأعوام القادمة هو مهم من أجل ضمان بقائنا على المسار الصحيح.

نحن ندعو كافة الحكومات إلى دعم هذا الجهد المشترك -التزام عالمي بمضاعفة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة الوتيرة السنوية لتحسّن النّجاعة الطاقية بحلول عام 2030- من أجل تسريع التحوّل نحو طاقة نظيفة تكون عادلة وتحترم البيئة. دعونا نغتنم هذه الفرصة الفريدة معا خلال مؤتمر الأطراف حول المناخ في دورته الثامنة والعشرين، ولنحافظ على هدف 1.5 درجة مئوية في متناول اليد لصالح الجميع، بما في ذلك الجيل القادم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التغیر المناخی حول المناخ من أجل

إقرأ أيضاً:

"مصدر" الإماراتية تستكمل صفقة الاستحواذ على 50% في "تيرا-جن"

استكملت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، صفقة الاستحواذ على حصة 50 بالمائة في شركة "تيرا-جن باور هولدينجز" الأميركية، من شركة "إنرجي كابيتال بارتنرز" (إي سي بي).

وباستكمال الصفقة، تكون "إنرجي كابيتال بارتنرز"، قد باعت كامل حصتها في "تيرا-جن"، في حين تحتفظ "إيجنيو إنفراستراكتشر بارتنزر"، بحصتها الحالية في الشركة والبالغة 50 بالمائة.

وتعد هذه الصفقة واحدة من أكبر الصفقات التي أبرمتها "مصدر"، وستسهم في تعزيز مكانتها في السوق الأميركية التي دخلتها لأول مرة في عام 2019، ولديها فيها محفظة مهمة تشمل تمويل وتطوير وتملك وتشغيل عدد من مشروعات الطاقة النظيفة.

وقبل الاستحواذ على "تيرا-جن"، شملت محفظة "مصدر" في السوق الأميركية مشاريع لطاقة الشمس والرياح على مستوى المرافق ومشاريع لتخزين الطاقة بقدرة إجمالية تزيد عن 1.4 غيغاوات.

وستوفر كل من السوق الأميركية ومنصة "تيرا-جن" فرصاً قيّمة للنمو والتوسع بما يدعم مساعي "مصدر" لبلوغ هدفها المتمثل في رفع القدرة الإجمالية لمحفظة مشاريعها العالمية في مجال الطاقة المتجددة إلى 100 غيغاوات بحلول عام 2030.

وبهذه المناسبة، أكد الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، رئيس مجلس إدارة "مصدر"، على عمق علاقات التعاون الاقتصادي والشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأميركية الصديقة، وسعيهما المشترك لتعزيز نشر حلول الطاقة النظيفة ودعم العمل المناخي والذي أثمر عن توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الإماراتية الأميركية في مجال نشر حلول الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة (PACE).

وأضاف الجابر: "تماشياً مع رؤية القيادة بتوسيع نشر حلول الطاقة النظيفة لضمان إمدادات الطاقة اللازمة لدعم النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام، تأتي صفقة الاستحواذ هذه لتشكل إضافة مهمة إلى محفظة مشاريع "مصدر" في السوق الأميركية، وتأكيداً على التزامنا بدعم قطاع الطاقة المتجددة فيها. كما تؤكد الصفقة أن "مصدر" تسير على الطريق الصحيح لتحقيق وتجاوز هدفها بتطوير محفظة مشاريع طاقة متجددة متكاملة في الولايات المتحدة بقدرة إجمالية تتجاوز الـ 10 غيغاوات بحلول عام 2030، كما أنها تعكس أهمية النمو الأخضر وما يوفره من فرص متميزة وجدوى اقتصادية، حيث يشكل هذا الاستثمار خطوة إضافية نحو تحقيق أحد أهداف "اتفاق الإمارات" التاريخي المتمثل بمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة عالمياً ثلاث مرات بحلول عام 2030".

وتقوم شركة "تيرا-جن" حالياً بتشغيل ما يقرب من 3.8 غيغاوات من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، و5.1 غيغاوات ساعي من مرافق تخزين الطاقة ضمن 30 موقعاً للطاقة المتجددة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، تتركز معظمها في كاليفورنيا وتكساس.

وتطور "تيرا-جن" مشاريع لطاقة الشمس والرياح وبطاريات تخزين الطاقة بقدرة إجمالية تتجاوز 12 غيغاوات في الولايات المتحدة، وتشمل مشاريع في كاليفورنيا وتكساس ونيويورك، ومنها محطة لطاقة الرياح في تكساس ومحطة للطاقة الشمسية في كاليفورنيا بقدرة إجمالية تبلغ 386 ميغاوات ومرافق لتخزين الطاقة بقدرة 512 ميغاوات ساعي في كاليفورنيا، ومن المتوقع أن تدخل هذه المشاريع حيز التشغيل التجاري في عام 2025.

وقال محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي لشركة "مصدر": "تمتلك "تيرا-جن" فريق إدارة على قدر كبير من الخبرة ومحفظة مشاريع واسعة، ما يجعلها شريكاً حيوياً يدعم مساعينا لتعزيز حضورنا واستثماراتنا في السوق الأميركية، وذلك في إطار استراتيجيتنا طويلة الأمد ضمن هذه السوق المهمة. ونحن نتطلع للتعاون مع "ايجنيو" لمواصلة تنمية قدرات "تيرا-جن" وترسيخ مكانتها كشركة مالكة ومطورة ومشغلة لمشاريع طاقة نظيفة موثوقة في الولايات المتحدة الأميركية".

من جهته، قال جيم باجانو، الرئيس التنفيذي لشركة "تيرا-جن": "يأتي استكمال صفقة الاستحواذ ليسهم في توطيد علاقات الشراكة بين "مصدر" و"تيرا-جن"، حيث تتشارك الشركتان في التركيز على تطوير مشاريع طاقة نظيفة والعمل على الحد من الانبعاثات الكربونية. ونتطلع للعمل مع "مصدر" لتنفيذ وتوسيع خططنا ومشاريعنا ضمن السوق الأميركية".

في حين قال نيال ميلز، المدير الشريك ورئيس العمليات الدولية في "ايجنيو": "شكلت "تيرا-جن" منذ العام 2020 منصة قوية اعتمدت عليها شركة "ايجنيو" في السوق الأميركية. ولا شك أن الشركة تمتلك إمكانات كبيرة تؤهلها لمواصلة مسيرة النمو وخلق قيمة طويلة الأمد في قطاع الطاقة المتجددة الأمريكي، حيث تمتلك فريق إدارة واسع الخبرات والكفاءات، ونحن نتطلع إلى التعاون مع "مصدر" خلال مرحلة التوسع المقبلة".

يذكر أن شركة "مصدر" تأسست في عام 2006، وتلتزم بدعم تنمية وتطوير قطاع الطاقة المتجددة العالمي.

ويمثل شراء حصة 50 بالمائة في "تيرا-جن" إنجازاً جديداً في إطار مساعي الشركة لدعم تحقيق هدف "اتفاق الإمارات" التاريخي المتمثل في مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة العالمي ثلاث مرات بحلول عام 2030.

ويعكس التزام "مصدر" تجاه السوق الأميركية علاقات التعاون الراسخة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأميركية.

وقد تم الإعلان في يناير 2023 عن توقيع الشراكة من أجل تسريع الطاقة النظيفة (PACE) بين البلدين، والتي تتضمن تخصيص 20 مليار دولار أميركي لتمويل مشاريع طاقة نظيفة بقدرة 15 غيغاوات في الولايات المتحدة قبل عام 2035، وذلك بقيادة "مصدر" ومجموعة من المستثمرين الأميركيين من القطاع الخاص.

وتم تعيين شركة "لازارد وغاغنهايم سيكيوريتيز" كمستشار مالي و"لاثام وواتكينز" كمستشار قانوني لشركة "تيرا-جن".

في حين تم تعيين "بي إم أو كابيتال ماركتس" و"جي بي مورغان" كمستشارين ماليين، و"وايت وكيس" و"كوفينغتون وبيرلنغ" كمستشارين قانونيين لشركة "مصدر".

بينما تم تعيين "ماير براون" كمستشار قانوني لشركة "إيجنيو انفراستراكتشر بارتنرز".

مقالات مشابهة

  • منصور بن محمد يطّلع على أحدث تقنيات الطاقة المتجددة في «ويتيكس»
  • بنعلي تعرض الإستراتيجية الطاقية أمام كراس فارغة بمجلس النواب
  • "الكهرباء": قريبًاً الإعلان عن المستهدفات الجديدة لتحديث استراتيجية 2040
  • الجامعة العربية والاتحاد من أجل المتوسط يفتتحان معرض أسبوع القاهرة للطاقة
  • الطاقة النيابية:قانون الطاقة الجديد سيساهم في مكافحة التغير المناخي
  • "مصدر" تستحوذ على 50% من "تيرا-جن" الأمريكية
  • "مصدر" الإماراتية تستكمل صفقة الاستحواذ على 50% في "تيرا-جن"
  • السعودية .. فرص صناعية للاستثمارات الأمريكية
  • إيران.. عجز الكهرباء يصل إلى 18 ألف ميغاواط خلال 2024
  • خطوات أرامكو لدعم تحول السعودية لأكبر منتج للهيدروجين عالميًا (تقرير)