لجريدة عمان:
2025-07-08@09:39:47 GMT

التغير المناخي يهدِّد بصدمة اقتصادية كبرى

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

المسار الذي يُرجَّح أن يتخذه التغير المناخي قياسا إلى أداء العالم الحالي في خفض الانبعاثات اتضح بجلاء مرارا وتكرارا. فالأحداث المناخية المتطرفة مثل موجات الحر غير المسبوقة التي عانت منها مؤخرا بلدان جنوب أوروبا والولايات المتحدة ستتكرر بوتيرة أشد وأكثر تدميرا.

العواقب الاقتصادية والمالية للتغير المناخي واضحة خصوصا مع النقص الفادح حتى الآن في الإنفاق على التكيف مع ما سيحدث.

فعدم كفاية إنتاج الحبوب سيقود إلى ارتفاع شديد في أسعار الغذاء وسيُوجد ملايين اللاجئين الاقتصاديين. وسيتم التخلي عن العقارات والأراضي الزراعية في المواقع المُميَّزة على المناطق الساحلية في مواجهة الفيضانات المستمرة. وستواجه الصناعات التي تعتمد على الكربون إغلاقا فجائيا مع تحول الرأي العام والإجراءات الحكومية، فيما ستعاني قطاعات أخرى من اختلالات في سلاسل التوريد قد تكون مدمرة. وستفرض أمراض ونماذج أمراض جديدة تكاليف باهظة على الموازنات العامة.

لن يعود من الممكن القول إن هذه التوقعات غير مؤكدة بشكل قاطع أو إنها لن تحدث قريبا. ففي حالات عديدة هي حتمية الآن حتى إذا تسارعت بشكل جذري سياسات التلطيف منها.

مع ذلك لا توجد أدلة تذكر اليوم على أن تعديلا يحدث في أسعار الأصول (المالية) لعكس هذه التطورات المناخية.

وجد بعض الباحثين علاوات مخاطر (فوائد) أعلى في الدَّين السيادي للبلدان النامية الأكثر هشاشة للتغير المناخي. وهنالك أيضا بعض الأدلة على وجود عائدات أقل (تعكس مخاطر أخف) على أسهم الشركات الأقل تعرضا للتغير المناخي. لكن، إجمالا، لا يبدو أن الأسواق مهتمة بذلك على نحو خاص. والحوار مع بعض كبار المستشارين في المؤسسات المالية الكبرى يفسر جزئيا ذلك.

السؤال: لماذا لا تعكس الأسواق المالية حتى الآن المخاطر المناخية؟

من بين الآراء السائدة في الولايات المتحدة أن التطور التقني السريع سيحل المشكلة وأن عدم اهتمام الأسواق نفسه يؤكد الاعتقاد في هذا الحل.

لكن هذا الرأي يفترض أن الأسواق رشيدة وأنها تراكم المعلومات المتاحة ثم تقوم بتمحيصها. كما يستبعد أيضا تحديات مهولة تقنية ومالية تواجه نشر التقنيات الجديدة بسرعة حول العالم.

هنالك وجهة نظر أخرى وهي أن التغير المناخي معقَّد وغير يقيني أصلا وكذلك آثاره في الاقتصاد الكلي. وفي حين أن هذه الآثار قد تصبح مهمة في الأجلين المتوسط والطويل إلا أن التضخم وارتفاع الدين العام يشكلان الأولوية القصوى اليوم. لكن من الصعب كما يبدو أن يصمد هذا الرأي أمام الأحداث المناخية المتطرفة الحالية بآثارها الاقتصادية الكبرى.

آليات سوق المال يمكن أيضا أن تلعب دورا. إذ ليس من غير المعتاد أن تنحرف أسعار العملات أو الأسهم أو أوراق الدَّين عن قيمتها الأساسية صعودا أو هبوطا. قد يكون هنالك إجماع قوي بأن تصحيحا كبيرا في الأسعار تبرره الأساسيات الاقتصادية. لكن بما أن لا أحد يعلم متى يحدث ذلك بالضبط فإن اتخاذ موقف استثماري على أساس توقع هذا التصحيح يشكل مخاطرة للمستثمرين الأفراد. نتيجة لذلك يستمر التفاوت بين سعر الأصل والتقييم الموضوعي لقيمته الأساسية، وربما يتفاقم.

قد تلعب أنواع أخرى من تفضيل المصالح الضيقة دورا أيضا مع حشد الصناعات المرتكزة على المواد الهيدروكربونية الدعمَ السياسي لتأخير أو إضعاف الإجراءات التي تهدد أنشطتها التقليدية، حتى عندما توجد مبررات حاسمة للتغيير. وهنالك أيضا أدلة قوية على وجود نزعة لدى المستثمرين في التمسك بأنماط ونماذج الاستثمار التي اعتادوا عليها على الرغم من أن البدائل قد تكون مربحة أكثر وبقدر كبير.

من اللافت أن هذه العوامل لا تزال مهمة (في اتخاذ القرارات المالية) رغم كل الجهد الذي بذل لجعل المؤسسات المالية تشعر بالحاجة إلى إدراك وقياس وكشف مخاطر المناخ في محافظها الاستثمارية منذ خطاب مارك كارني الذي سلط الأضواء على هذه القضية في عام 2015 (تحدث مارك كارني محافظ بنك إنجلترا وقتها في خطابه المذكور عن ضرورة فهم وقياس مخاطر التغير المناخي لجعل النظام المالي أكثر مرونة تجاه تأثيراته - المترجم).

مهما كانت أسباب الهدوء ورباطة الجأش الحالية في الأسواق المالية تجاه مخاطر التغير المناخي يبدو أن احتمال حدوث تصحيح حادّ يزداد باطراد. وكلما تأخر هذا التصحيح كان أكثر حدة في الغالب وظهر المزيد من مسبباته المحتملة.

إحدى المسببات المحتملة للصدمة المناخية الاقتصادية المالية أن يبدأ المشرفون على الإجراءات المالية و/ أو المحللون المستقلون في النظر بعين فاحصة وأيضا ناقدة في المخاطر المناخية بالمحافظ الاستثمارية للمؤسسات المالية الكبرى وإجراء اختبارات ضغط (تحمُّل) ترتكز على سيناريوهات مناخية جديدة وأكثر تطرفا لكن أيضا واقعية إلى جانب تطبيق نماذج تنبؤ اقتصادية غير متوازنة.

ومن الممكن أن ترافق ذلك تقديرات مستقلة أكثر تفصيلا (وأكثر تشاؤما إلى حد بعيد) للمخاطر التي تواجه العقارات في المناطق الحضرية الساحلية مثل ميامي وشنغهاي وأمستردام أو في أقاليم معرضة للحر الشديد.

هذا قد يقود إلى إغلاق أعداد متزايدة من الأسواق المالية بالكامل أو جزئيا مع إدراك المؤسسات والشركات أنها لا يمكنها مواصلة القبول بالمخاطر المناخية في نشاطها الأساسي. ويشكل انسحاب شركتي تأمين رئيسيتين من سوق العقارات السكنية في كاليفورنيا مثالا على ذلك.

من الممكن أيضا أن تصبح المخاطر المناخية عاملا رئيسيا يحدّ من قدرة البلدان النامية على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية. وكما أوضحت الأزمة المالية العالمية مثل هذه التطورات يمكن أن تكون لها آثار ارتدادية حيث يقود إغلاقُ إحدى الأسواق بسرعة إلى إغلاق سوق أخرى متصلة بها.

هنالك مسبب محتمل آخر للصدمة المالية وهو أن يبدأ الرأي العام في بلدان رئيسية عديدة بعد تعرضها للأوضاع الجوية المتطرفة هذا الصيف في مطالبة الحكومات بمواقف أكثر جذرية تُسرِّع الخطوات الفنية والإدارية ذات الصلة وتقود إلى إجراءات استثنائية من شاكلة تلك التي اتخذت أثناء الجائحة.

هذا قد ينطوي على إغلاق صناعات بأكملها أو اتخاذ إجراء طارئ بفرض حواجز جمركية ضد الواردات كثيفة الكربون. وقد تكون هنالك أيضا تطورات سياسية تطلق إعادة تقييم أوسع نطاقا وأكثر تشاؤما للمخاطر المناخية.

مثلا إذا فشلت مبادرة وقمة بريدجتاون لميثاق تمويل عالمي جديد في تغيير المواقف في مجموعة العشرين قد تتوصل الأسواق إلى عدم وجود فرصة واقعية لإغلاق فجوة التمويل المناخي الضخمة والمطلوبة لتحقيق صافي صفر كربون (تقدر بحوالي ثلاثة تريليونات دولار في العام). وإذا أعيد انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأبطل على الفور سياسات بايدن المناخية قد تفترض الأسواق سيناريوهات تشتد فيها درجات الحرارة ويتفاقم التغير المناخي.

من الشطط محاولة التنبؤ الدقيق بالوقت الذي يتحقق فيه سيناريو من هذا النوع. لكن الأسواق المالية تشرع قبل سنوات عديدة في تضمين التطورات في أسعار الأصول الراهنة. وهي تفعل ذلك على نحو حاسم عندما تقل أوضاع عدم اليقين.

لذلك مثل هذه الصدمة الاقتصادية تبدو احتمالا واقعيا قد يتحقق في أي وقت خلال السنوات الخمس القادمة. ويمكن القول إنها ستكون بالضبط ذلك النوع من الأزمات الذي يمكن أن يحدث تغييرا فجائيا في السياسة العامة والتصرفات الخاصة اللازمة لتجنب وقوع كارثة مناخية.

قد يكون هذا صحيحا. لكن من الأفضل أن يدرك واضعو السياسات الاقتصادية في كل القطاعات الحكومية بأنهم لا يمكنهم تجاهل هذا التهديد حتى عندما يُواجَهون بتحديات موازية كارتفاع التضخم وتصاعد الديون وتدني الإنتاجية.

يجب معالجة التهديد المناخي في تزامن مع هذه التحديات الأخرى. وفي الواقع إذا أجبر المرء على الاختيار سيفضل تكريس الأولوية في السياسة الاقتصادية للتهديد المناخي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأسواق المالیة التغیر المناخی

إقرأ أيضاً:

سويلم: التغيرات المناخية تتطلب حلولًا عاجلة ومشروعات لحماية الشواطئ المصرية

في ظل التحديات المتزايدة التي تفرضها التغيرات المناخية المتسارعة على الموارد المائية والشواطئ المصرية، أكد الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، على الضرورة الملحة لتنفيذ مشروعات وحلول علمية للتعامل مع هذه الآثار السلبية. 

جاء ذلك خلال اجتماع لمتابعة موقف مشروعات حماية الشواطئ المصرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وخاصة في مدينة الإسكندرية.

أكد وزير الموارد المائية والري الدكتور هاني سويلم ، أن التغيرات المناخية المتسارعة تتطلب العمل على تنفيذ مشروعات واتخاذ سياسات واضحة على أرض الواقع للتعامل معها والحد من آثارها السلبية.

بلورة وتنفيذ حلول علمية قائمة على أسس منهجية مدروسة

وأشار إلى ضرورة تضافر جهود الجهات التنفيذية والبحثية داخل الوزارة وخارجها للعمل بشكل تكاملي على بلورة وتنفيذ حلول علمية قائمة على أسس منهجية مدروسة قادرة على التعامل مع التغيرات المناخية.

جاء ذلك خلال اجتماع عقده وزير الموارد المائية والري مع عدد من قيادات الوزارة، لمتابعة موقف مشروعات حماية الشواطئ المصرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وخاصة مدينة الإسكندرية للتكيف مع التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، وتعزيز قدرة مركز التنبؤ التابع لقطاع التخطيط بالوزارة، ومركز التنبؤ التابع لمعهد بحوث الموارد المائية، على التنبؤ الظواهر الجوية المتطرفة.

الري: تقييم تأثير التغيرات المناخية على الشواطئ وشمال الدلتاالري: رقمنة المساقي تسهم فى دعم تخطيط وإدارة وتوزيع المياه

ووجه الدكتور سويلم باستمرار أجهزة الوزارة المعنية (هيئة حماية الشواطئ - المركز القومي لبحوث المياه - قطاع التخطيط) في متابعة التغيرات المناخية وأي ظواهر جوية متطرفة تؤثر على سواحل مصر الشمالية، وتقييم تأثيرها على الشواطئ المصرية أو المجاري المائية بشمال الدلتا، لضمان تحقيق سرعة الاستجابة من جانب أجهزة الوزارة وأجهزة الدولة المعنية لإتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة في الوقت المناسب.

جدير بالذكر أنه يتم حاليا تنفيذ العديد من مشروعات حماية الشواطئ، مثل مشروع حماية ساحل الإسكندرية (مرحلة أولي) من بئر مسعود حتي المحروسة" بطول 2 كيلومتر، ومشروع حماية ساحل الإسكندرية (مرحله ثانية) بطول 600 متر لحماية سور وطريق الكورنيش بمنطقة لوران واستعادة الشاطئ الرملي بتلك المنطقة، وإنشاء حواجز أمواج أمام في مدينة رأس البر بدمياط، والمرحلة الثانية من أعمال حماية شاطئ الأبيض بمدينة مرسى مطروح.

طباعة شارك وزير الري مشروعات التغيرات المناخية حلول علمية

مقالات مشابهة

  • استقرار أسعار الذهب مع ترقب الأسواق لبيانات اقتصادية ومحلية
  • دعا الفصائل أيضاً.. الصدر يطالب سرايا السلام بتسليم السلاح والانسحاب من سامراء
  • «قمة الاقتصاد الأخضر» تناقش دور التكنولوجيا في العمل المناخي
  • بالصور.. فيضانات تكساس المدمرة تفضح فشل أميركا المناخي
  • سويلم يلتقي ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ويشيد بجهوده في دعم ملف التغيرات المناخية
  • سويلم: التغيرات المناخية تتطلب حلولًا عاجلة ومشروعات لحماية الشواطئ المصرية
  • بالتعاون مع وزارة البيئة والتغير المناخي.. الميرة وبنك الريان يطلقان مبادرة «أنا لستُ مصنوعًا من البلاستيك»
  • الري: تقييم تأثير التغيرات المناخية على الشواطئ وشمال الدلتا
  • كيميتش: وفاة جوتا تؤثر على بايرن ميونخ أيضا
  • كيميتش: وفاة جوتا تؤثر على البايرن أيضاً!