«مفاوضات ريلى» ... تقسيم اليمن واحتلال الساحل !
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
طيلة عامين ونصف من المفاوضات طويلة الأمد حاول المحتل استخدام الدبلوماسية واساليبها الملتوية لتحقيق سياسته واهدافه الاستعمارية والتي عجز عن تحقيقها عسكريا .
ورقة ضغط
في عشرينيات القرن الماضي كانت السياسية الاستعمارية البريطانية تهدف بكل السبل إلى تجزئة اليمن إلى امارات صغيرة لمنع قيام دولة يمنية مركزية عزل المناطق الداخلية عن السواحل .
ومع نهاية الحرب العالمية الاولى (1914- 1918م ) قام المحتل البريطاني في ديسمبر 1918م باحتلال مدينة الحديدة تماشيا مع سياستها الاستعمارية .
فكان رد حكومة صنعاء في نوفمبر 1919م بتحرك عسكري نحو عدن واستطاعت تلك القوات السيطرة على الضالع ذات الموقع الاستراتيجي الهام وتقدمت قوات صنعاء نحو منطقة الشعيب التي تعود لاتحاد قبائل يافع حتى وصلت قوات صنعاء إلى مشارف الصبيحة وكان ذلك استمرارا لكفاح اليمنيين من اجل توحيد واستعاده كل الاراضي اليمنية.
ونتيجة للمتغيرات الدولية ولحسابات المصالح الاستعمارية البريطانية في المنطقة ووجود قوى استعمارية اخرى طامعة باليمن اقدمت بريطانيا على تسليم ميناء الحديدة للإدريسي في سنة 1921م .
وجعل الحديدة ورقة ضغط في اي مفاوضات مع حكومة صنعاء . -العرشى - ريلى وخلال المواجهات العسكرية والضغط العسكري لصنعاء على محميات عدن تقدمت بريطانيا بمبادرة للمفاوضات بينها وبين صنعاء .
وجرت تلك المفاوضات في عدن بين الميجر برنارد ريلى نائب المقيم البريطاني وعبدالله العرشى مبعوث حكومة صنعاء الذى وصل إلى عدن في يونيو 1921م وجاءت المبادرة إلى اجراء هذه المفاوضات من الجانب البريطاني , وقد اوقفت صنعاء مؤقتا زحف قواتها نحو عدن وما يسمى بالمحميات آنذاك في جنوب اليمن .
وقد استمرت المفاوضات في عدن عامين ونصف ( من يونيو 1921 حتى بداية عام 1924م) ناقش فيها مبعوث صنعاء العرشى مع ريلى عدة مشاريع للاتفاقية وكان العرشى يعود إلى صنعاء للتشاور مع حكومته ويعود مجددا لعرض التعديلات الجديدة التي تطرحها حكومة صنعاء .
وانتهت تلك المفاوضات دون تحقيق ما كانت تأمله صنعاء وهو استعاده ميناء الحديدة .
أن الارشيفات الدبلوماسية البريطانية التي ازيح عنها النهاب تساعد على متابعة سير مفاوضات العرشى – ريلى وتحليل تكتيك الدبلوماسية البريطانية في تلك المرحلة والكشف عن نوايا بريطانيا الفعلية تجاه اليمن والتي مازالت تلك السياسة الاستعمارية تعود مع عدوان مارس 2015م على اليمن .
سير المفاوضات
منذ بداية المفاوضات اعلن العرشى أن صنعاء تطالب بأراضي الإدريسي وباليمن كله فى حدوده التاريخية بما في ذلك محمية عدن.
وردا على ذلك طرح الانجليز شروطهم الواردة في مسودة الاتفاقية بين بريطانيا وصنعاء وسلموا المسودة إلى العرشى مبعوث صنعاء في 30 اكتوبر 1922م وتتلخص اهم ما جاء في مسودة الاتفاقية : ( تعترف بريطانيا باستقلال الإمام وسلطته في جميع الأراضي المتاخمة لأراضي بريطانيا ( اى محمية عدن) من جهة وأراضي الإدريسي من جهة اخرى – مع اعتبار ان ميناء الحديدة صار يتبع ارضى الإدريسي – وهذه الأراضي أي اراضي الإمام يحيى ستسمى في المستقبل باليمن ) وبذلك فأن المحتل البريطاني مثلما كانوا في التقسيم الانجلو – عثماني لليمن سنة 1914م يريدون ان يغيروا بصورة مفتعلة مفهوم اليمن التاريخي والجغرافي ويكرسوا نهائيا عزل اليمن الداخل عن البحر وتحويل اليمن إلى كيانات متعددة مع سيطرة المستعمر على الموانئ والسواحل والجزر اليمنية .
وبموجب مسودة الاتفاقية البريطانية اعترضت صنعاء على اغلب بنودها ونتيجة المباحثات الطويلة وضع العرشى وريلى في بداية يوليو 1922م مشروعا مشتركا للاتفاقية , ومع ذلك ظلت معلقة المسألة الاساسية الخاصة بمكانة جنوب اليمن والجدود بين اليمن الشمالي ومحمية عدن آنذاك .
فيما سعى العرشى في بادئ الامر إلى جعل بريطانيا تعترف بحقوق صنعاء التاريخية في جنوب اليمن كله , لكنه اعلن فيما بعد أن الإمام يحيى مستعد لعدم الاصرار على ذلك اذا عمل الانجليز على تسليمه ميناء الحديدة .
ورأى ريلى الذي لا يتمتع بصلاحيات البت في مثل هذه المسألة الخطيرة .
وفي نفس العام 1922م وصلت إلى صنعاء بعثة فرنسية حاولت توقيع عدة اتفاقيات تجارية مع حكومة صنعاء بما في ذلك الحصول على احتكار شراء البن اليمني مقابل ارساليات السلاح والعتاد الحربى من فرنسا .
خروقات المحتل
وخلال فترة المفاوضات وتحديدا في فبراير 1922م استخدم المحتل البريطاني الطائرات ضد قوات صنعاء المتمركزة في منطقتي الحواشب والصبيحة للحيلولة دون استمرار توغل قواتها نحو في اراضي ما يسمى بالمحميات.
وفي الاجتماع الذى عقد في وزارة المستعمرات في 28 يوليو 1922م اطلع المقيم البريطاني الوزراء على سير المفاوضات بين ريلى والعرشى واقترح لأول مرة تسليم الحديدة إلى حكومة صنعاء مقابل اعتراف الأخيرة بحقوق بريطانيا بجنوب اليمن .
رفض صنعاء
وكان آخر مراحل تلك المفاوضات ففي 10 نوفمبر 1923م اعلن نائب المقيم البريطاني في عدن الميجر باريت ريلى الذى اجرى المرحلة الختامية من المفاوضات مع العرشى عن موافقة الحكومة البريطانية على المساعدة في حل مسألة الحديدة ولكن من الضروري قبل ذلك توفر اعتراف خطى من حكومة صنعاء باتفاقيات الحدود الذي وقعت بين الانجليز والعثمانيين سابقا .
ووافقت بريطانيا على عدم الاصرار على انسحاب قوات صنعاء من اراضي المحميات سيطرت عليها إلى أن تتسلم صنعاء ميناء الحديدة وان لا تقوم في المستقبل بأي تدخل عسكري في اراضي المحمية .
وطلب العرشى فرصة لتنسيق مع حكومته بصنعاء وفي 21 نوفمبر 1923م اعلن للميجر باريت أن صنعاء لن تعترف بالحماية البريطانية على امارات جنوب اليمن , وذلك لان شيوخ جميع القبائل بما فيها قبائل الجنوب لا يحق لهم توقيع أية اتفاقية بدون سماح حكومة صنعاء .
واعلن العرشى كذلك أن حكومة صنعاء لا تستطيع ان تعترف باتفاقيات وقعها العثمانيون بخصوص اليمن .
متغيرات مختلفة
وخلال تلك الفترة استفادت صنعاء من متغيرات داخلية و اقليمية وخارجية منها توحيد الجبهة الداخلية واقامتها علاقات مع ايطاليا فصار السلاح الايطالي يصل إلى ميناء المخا ومنها إلى صنعاء , كذلك موت محمد الإدريسي وصراع اسرته على السلطة مما اضعفهم مما دفع قيام قوات صنعاء بعمليات عسكرية هدفها تحرير الحديدة وانهاء عزلة اليمن الداخلي عن البحر الأحمر .
ومع سيطرت حكومة صنعاء على البيضاء في سبتمبر 1923م وتشدد موقف مبعوث صنعاء العرشى في مفاوضات عدن قد قوضا اخيرا الخطط البريطانية لإخضاع حكومة صنعاء لمخططها الاستعماري بتقسيم اليمن وتجزئته ولم توافق صنعاء على اي تنازلات وسرعان ما استدعت صنعاء مبعوثها من عدن دون ان يوقع اية اتفاقية .واستطاعت قوات صنعاء عسكريا في 1925م من تحرير الحديدة والساحل الغربي .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: میناء الحدیدة حکومة صنعاء جنوب الیمن قوات صنعاء صنعاء على
إقرأ أيضاً:
أمنيات أمريكا لا تتحقق في اليمن
يمانيون../
“استئناف العدوان الأمريكي على اليمن مغامرة مفرطة في الواقع اليمني غير القابل للكسر”، في نظر الكاتب الروسي فيتالي أورلوف.
وقال في مقال تحليلي بعنوان “تدمير قدرات قوات صنعاء أمنيات أمريكية؟”، في صحيفة “سفبودنيا بريسا الروسية: “إن تصنيف الإعلام الغربي اليمنيين بالإرهاب يخفي فشلاً حقيقياً بعد أن باتوا يفرضون معادلات القوة على قوى التحالف الغربي، ويسيطرون على أهم بوابات التجارة العالمية في البحر الأحمر”.
وأضاف متسائلاً بلهجة ساخرة، واصفاً ترامب كمن يلهو بلعبة فيديو، لا سياسي إدارة جيو-سياسية واقعية: “كيف يمكن أن تُهزم قوة لم تتمكن تحالفات عربية وغربية من كسرها في حروب عدوانية على مدى عشر سنوات!؟ وكيف يقنع الإعلام جمهوره بأن مجرد ضربات جوية عشوائية كفيلة بإسقاط قوة مثل قوة صنعاء!؟”.
الحقيقة المؤكدة في نظر أورلوف، التي تحاول ماكنات الإعلام الغربي طمسها، هي أن اليمنيين لم يكونوا يوما وكلاء لإيران، أو أي دولة أخرى، بل واقع يمني صلب، قائم بذاته، ومقاوم بشراسة، واليمن لم يطلب الدعم من أحد، وبات اليوم يقدّم الدعم للآخرين.
والأمر المحسوم، في خلاصة كلامه بلغته الحادة: “إن من يراهن على انتهاء قدرات القوات اليمنية في صنعاء فهو يبني حساباته على أمانٍ إعلامية، لا على معطيات ميدانية”.
مؤشر الانحدار
وكان موقع “سوهو” الصيني قد أكد، يوم الأربعاء، فشل العدوان الأمريكي على اليمن في تحقيق أي نتائج ملموسة، رغم الإنفاق العسكري الضخم الذي تجاوز المليارات من الدولارات، والذي خُصص لإطلاق مئات الصواريخ.
وقال: “إن صمود اليمن أمام العدوان الأمريكي بات مؤشراً لانحدار الهيمنة الأمريكية، وتحول دورها إلى مُجَـرد مموّل وموجه عن بُعد في ساحة حرب تتطلَّب تواجدا فعليا لا قتالا بالوكالة”، في تلويح باعتزامِ واشنطن تحريكَ أدواتها في اليمن لخوض معركة برية نيابةً عنها مع قوات صنعاء.
وأضاف: “انتصارات اليمنيين في المواجهات البرية ضد تحالفات العدوان الأمريكي – السعودي – الإماراتي، ومليشيات المرتزقة المحليين، وتكبيدهم خسائر فادحة، جعل نظام الرياض أُضحوكة أمام العالم”.
.. ورثاء عصر الهيمنة
ونشرت مِنصة “باى جيا هاو” الصينية تقريرا، أكد تعرّض حاملة الطائرات الأمريكية “كارل فينسون” لهجوم صاروخي من قِبل قوات صنعاء في اليوم الأول من دخولها خط المواجهة البحرية، معتبرة الهجوم على “فينسون” بمثابة رثاء لعصر الهيمنة الأحادية القطبية.
وأشارت إلى أن الهجوم خلف أضراراً كبيرة في سطح الحاملة “كارل فينسون”.. واصفة العمليات اليمنية في البحر الأحمر بـ”حرب استخباراتية مفاجئة”، وذلك بتمكّن قوات صنعاء من الحصول على معلومات دقيقة عن تحرّكات الأساطيل الحربية الأمريكية.
وتواصل القوات المسلحة اليمنية استهداف الحاملات الأمريكية “هاري تورمان” و”كارل فينسون”، في المواجهات البحرية في البحرين الأحمر والعربي في إطار معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس” المساندة لغزة، في ظل استمرار العدوان الأمريكي على اليمن، مُنذ 15 مارس الفائت، على المحافظات الحُرة التابعة لحكومة صنعاء، الذي خلَّف حتى الآن حصيلة دموية تجاوزت 235 شهيدا و500 جريح من المدنيين، من خلال غارات جوية؛ انتقاما من موقف اليمن المساند لمقاومة غزة.
السياســـية – صادق سريع