لجريدة عمان:
2025-03-17@03:15:02 GMT

لوكليزيو... المياه المياه وبينهما الحرب

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

لوكليزيو... المياه المياه وبينهما الحرب

هي الترجمة الثانية التي تصدر لرواية الكاتب الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو، «أونيتشا»، في غضون عام بالضبط. الأولى، في أغسطس 2022 عن «الهيئة العامة السورية للكتاب» في دمشق، (ترجمة عماد موعد)؛ أما الثانية ففي أغسطس 2023، في الكويت، ضمن سلسلة «إبداعات عالمية» التي يصدرها «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، (ترجمة سعيد بلمبخوت).

تتيح لنا هاتان الترجمتان مقارنة ما، بمعنى أن نطرح سؤال «كيف نستقبل (ونقرأ) نصا أجنبيا وكيف ننقله إلى لغتنا».

لا أقصد في سؤالي سوى الإشارة إلى مفهومين يعرفهما جيدا أهل الترجمة؛ الأول، أن تكون لغة الاستقبال هي الأساس بمعنى أن يبدو النص المنقول وكأنه «مكتوب» بها، بينما يحاول الثاني، الحفاظ على «المصدر»، حتى لو تطلب ذلك من المترجم أن «يضحي» بــ «شعرية» اللغة التي ينقل إليها، بعيدا عن سياقها الفكري والاجتماعي وما تحمله من خاصيات. المفهومان صحيحان، وهما يسيران على خطين متوازيين منذ بداية عهد النقل ولغاية أيامنا هذه. لذا لن أفاضل، هنا، بين ترجمتَيّ الرواية (سأحتفظ بذلك لنفسي) وإن كنت سأشير إلى أن كل ترجمة من هاتين الترجمتين تحمل مفهومها الخاص، أي أننا أمام المفهومين اللذين أشرت إليهما قبل قليل؛ لكنهما ترجمتان جيدتان، استطاعتا أن تُدخلنا إلى قلب عالم لوكليزيو الكتابي (وبخاصة لمن يعرف النص بلغته الأصلية).

***

ثمة «سحر» ما، من الصعب معرفته بدقة حين تقرأ لوكليزيو (نوبل للآداب العام 2008)، يجذبك إليه. لأقل هناك متعة خفية، في اكتشاف تلك العوالم التي يكتبها، على الرغم من أنه ينحو في كثير من الأحيان إلى ما اصطلح على وصفه في الأدب بالــ«اكزوتيكية» (المجلوب أو الدخيل...)، كما من حيث مزج الواقع بالخيال، لدرجة لا يعد بإمكانك معها التمييز بين الأمرين. لهذا تبدو كتابته كتابة «حُلُمية»، برغم أنها تستقي موضوعاتها من واقع معروف وملموس. ثمة ما يجذبنا الآن أيضا، إلى هذه الرواية: صدورها في الوقت الذي تعرف فيه القارة الإفريقية العديد من الأحداث السياسية والعسكرية كما أن هناك تغيرات في أنظمة حكم بعض بلدانها، من هنا لا بدّ لنا، أن نُسقط الكثير من الأفكار والمقارنات، ما بين هذه الأحداث وبين قراءة أحداث رواية أونيتشا (اسم منطقة في نيجيريا) التي تدور في إفريقيا، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقبل فترة الاستقلال ورحيل الاستعمار.

***

الحرب مشتعلة في أوروبا، وكان رب العائلة جيوفروي آلان (إنجليزي الجنسية) قد غادرها قبل فترة ليذهب إلى تلك القارة بحثا عن أحلامه. هناك في أونيتشا ضاعت أخباره. كان اسم القرية يرن في أذنيّ الصبي الصغير ذي الثانية عشرة من العمر، مثل الشِعر. عاش الطفل وحيدا، لذا كان متعلقا بأمه مثل كلّ الأطفال الوحيدين، لدرجة الغيرة، حتى من صورة والده الغائب. أما الأم (الإيطالية)، فكانت تحلم بإفريقيا: تحلم بركوب الخيل في الأدغال، وصرخات الوحوش البرية المبحوحة في المساء، والغابات العميقة المليئة بالزهور المتلألئة والسامة، والطرق التي تؤدي إلى الغموض.

***

تبدأ الرواية لحظة الرحلة على المركب من أوروبا إلى القارة السمراء، ليتبدى لنا من خلالها مسار مصائر أشخاص لا نعرف عن ماضيهم الشيء الكثير. في عام 1948، انطلقت ماوو وابنها فانتان إلى نيجيريا للقاء الأب «المحبوب والمجهول» بعد أن طلب منهما الالتحاق به. لكن في رطوبة النهر، وعلى صوت الطبول، انهار كل ذاك الحلم، فجأة، لتنبثق قارة من الحمّى والعنف أمام أعين الوافدين الجديدين المذهولين. لم تظن ماوو أن الأمر سيكون على هذا الشكل: الأيام الطويلة الرتيبة، والانتظار تحت الشرفة، وهذه المدينة ذات الأسطح شديدة الحرارة. لم تكن إفريقيا أرض السعادة التي حلمت بها وابنها. لذا، كان عليهما إعادة بناء الحلم، بعيدًا عن تفاهة العالم الاستعماري المصغر، كان عليهما أن يتعلما حبّ هذا العالم القاسي التي هي عليه القارة السوداء، واكتشاف أسرار الأسلاف ونضالهم من أجل الحرية، والحب الذي يستطيعان تحقيقه. فانتان بدوره شعر بخيبة أمل، عندما نزل على نهر النيجر، لكننا، من خلال نظراته نختبر تقريبًا كلّ سحر هذا البلد، وصعوبات التكيف معه إذ إن التعرف على ثقافة أخرى وقبولها ليست سهلة دائمًا بالنسبة إلى طفل. أما الأب فنكتشف لاحقا أنه وقع في حب تلك المنطقة وبخاصة مروي التي كانت تشكل في الماضي جزءا من وادي النوبة وعاصمته التاريخية والتابعة للسودان اليوم (كان على المترجم الثاني أن ينتبه إلى تسمية تلك المنطقة، وألا يتركها كما تُلفظ بالفرنسية ميروي).

أمام هذه الأحلام المنهارة، تبدأ رحلة التعلم، وتلك المغامرة المفعمة بالحيوية: بدأت ماوو بالتأقلم مع نساء القرية، أغرمت بأهلها لدرجة أنها بدأت تتولى الدفاع أيضا عن السجناء وغيرهم من الخدم الذين تعرضوا لانتهاكات المستعمِر، ما سوف يثير استياء المستوطنين الذين يسيئون إليهم ويستغلون موقعهم.

من جهته أصبح فانتان وكأنه واحد من أطفال القرية، بدأ يذهب حافي القدمين إلى الأدغال، يركض مع أترابه، يلتقي وينظر ويراقب ويكتشف، يتغذى على الحياة البرية، يعتقد أنه ولد هناك، بالقرب من النهر، يعيش كل ما يمكن أن يسحر الأطفال في إفريقيا وفي الوقت عينه يخترع رواية (مثلما فعل لوكليزيو ​​من قبله، وأقصد تفاصيل الرحلة التي قام بها الكاتب ​​مع والدته من نيس إلى بورت هاركور وفي نفس الظروف). أما الأب، الغائب نوعا ما طيلة الكتاب، فيخترع قصة ملكة مروي السوداء، التي يقال إنها هاجرت من نهر النيل إلى نهر النيجر، حيث وقع في حبّها.

الماء حاضر دائمًا في هذه الرواية، حمّام الأم، في الرحلة التي يقومون بها معًا من بوردو إلى داكار ثم من داكار عن طريق البحر إلى كوتونو وأخيرا بورت هاركور، وأخيرا النهرين، النيل والنيجر. وكأنها رواية أنهار، في البداية النيجر المنتشر في كل مكان، الذي يحمل الأخبار الجديدة، وينير الرواية بأكملها. الماء حاضر، أكثر من الحرب، حرب البيافرا، بسبب النفط. من أجل الاستيلاء على عدد قليل من آبار النفط، أغلقت عليهم (الأطفال) أبواب الدنيا، أبواب الأنهار، جزر البحر، الشواطئ. ولم يبق إلا الغابة الفارغة الصامتة.

***

في نثر شعري ومؤثر، يروي لو كليزيو ​​الرحلة الفوضوية لعائلة مفككة لا يمكن جمعها إلا بالثورة، حتى عندما بقي سكان أونيتشا يعانون لفترة طويلة من نير السلطة الإنجليزية. ولكن علينا أن ننتبه إلى أمر مفصلي: هذه «النمطية» التي تُسيّر لوكليزيو ــ الأوروبي ــ وأقصد لِمَ نحن بحاجة إلى هذا الآخر كي يعلمنا كيف نخرج من الكولونيالية التي اخترعها هو؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

راكبة بريطانية تتسبب في هبوط اضطراري لطائرة متجهة إلى مصر

شهدت رحلة تابعة لشركة "ويز إير" البريطانية كانت متجهة من مطار غاتويك في لندن إلى منتجع الغردقة المصري حادثة غير متوقعة، بعدما اضطرت الطائرة إلى الهبوط اضطرارياً في مطار أثينا الدولي؛ بسبب سلوك غير لائق لراكبة بريطانية.

وبحسب صحيفة "ديلي ميل"، بدأت المشكلة بعد حوالي ساعتين من إقلاع الطائرة، وفقاً لشهادات الركاب وأفراد الطاقم. سلوك غير منضبط

الراكبة، التي يُعتقد أنها في أواخر الأربعينيات من عمرها، وكانت تسافر مع أسرتها، بدت تحت تأثير الكحول طوال مدة الرحلة.
وبعد تبديل مقعدها مع راكب آخر، دخلت في مشادات كلامية مع طاقم الطائرة، مستخدمةً ألفاظاً غير لائقة، رغم محاولات الطاقم تهدئتها.
وأمام تصاعد التوتر ورفض الراكبة الالتزام بتعليمات الطاقم، قرر قائد الطائرة تحويل مسارها والهبوط في مطار أثينا، حيث كانت الشرطة بانتظارها.
وأظهرت اللقطات المصورة ثلاثة من رجال الأمن اليونانيين، وهم يقتادون المرأة خارج الطائرة، وسط تصفيق وتهليل من الركاب المتضررين من تأخير الرحلة.
ووصف أحد الركاب، التجربة قائلاً: "لقد كان الوضع فوضوياً بالكامل، لم أرَ شيئاً مثل هذا من قبل، كانت المرأة تحتسي الكحول طوال الرحلة، وأصبحت عدوانية عندما حاول الطاقم التعامل معها".
وأضاف أن قائد الطائرة أعطى تحذيراً نهائياً قبل اتخاذ قرار الهبوط الطارئ، لكن الراكبة استمرت في تصرفاتها غير المنضبطة.

????????????????????????????????????????ή ????????????????????????ί???????????? ???????????? «????????. ????????????????????έ????????ς» ????ό???????? ????????????????????????έ????????ς ????????????????ά????????????????ς

???? Χάος επικράτησε σε πτήση της Wizz Air από Βρετανία προς Αίγυπτο, όταν μια γυναίκα –που φέρεται να κατανάλωνε αλκοόλ κατά τη διάρκεια της πτήσης– άρχισε να… pic.twitter.com/cc6LDLMO6F

— iefimerida (@iefimerida) March 14, 2025 تعويض مالي ضخم وتعتزم شركة "ويز إير" رفع دعوى قضائية ضد الراكبة لتحميلها تكلفة الهبوط غير المجدول، والتي يُقدر أنها تصل إلى 15 ألف جنيه إسترليني.
وتشمل هذه التكاليف استهلاك وقود إضافي، تعويض ساعات عمل الطاقم، وتأخير الرحلات الأخرى على الجدول الزمني للشركة.
وفي بيان رسمي، أكدت "ويز إير" أنها تلتزم بسياسة صارمة تجاه السلوكيات المسيئة على متن طائراتها، مشددة على أن "أمن وسلامة الركاب والطاقم يأتيان في المقام الأول".
كما أوضحت الشركة أن التصرفات غير المسؤولة لبعض الركاب تضر بتجربة السفر لبقية المسافرين، وأنها لن تتهاون في اتخاذ إجراءات قانونية لحماية عملياتها.
وبعد التعامل مع الموقف على الأرض في أثينا، استأنفت الطائرة رحلتها إلى الغردقة، ولكن بعد تأخير تجاوز الساعتين، وأكدت مصادر أن الركاب شعروا بالارتياح عند مغادرة المرأة للطائرة، حيث سُمع بعضهم يعلقون بسخرية أثناء إخراجها.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • أطول رحلات الطيران أحدها يمتد لـ 18 ساعة.. ما القصة؟
  • الشمس والظلام وبينهما أفريقيا
  • راكبة بريطانية تتسبب في هبوط اضطراري لطائرة متجهة إلى مصر
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • الصين تختبر سفن إنزال ضخمة تُذكّر بعمليات النورماندي في الحرب العالمية الثانية
  • الجيش الأوكراني يختنق.. وترامب يحذر للمرة الأولى من مجزرة مروعة لم نشهد مثلها منذ الحرب العالمية الثانية.. ماذا يحدث؟
  • ترامب لبوتين: أنقذ أرواح الأوكرانيين لتجنب مجزرة لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية
  • إيبارشية شرق كندا تنظم رحلة روحية وتاريخية إلى مصر
  • شاهد بالصورة والفيديو.. بالتهليل والتكبير.. الفنان طه سليمان يصل مدينة بحري ويختبر معدات الصوت التي استجلبها لخدمة مساجد المدينة