هل يمكن أن يعطلنا الأمل؟ نيتشه يرى بأن الأمل أسوأ الشرور، ويمكن أن نقرأ هذه الفكرة على مستويات عديدة في الحياة، لكن ماذا عن الأمل في التغيير؟ على ماذا يعتمد هذا النوع من الأمل؟ ألا يمكن أن يكون نشاطا سلبيا نسلم من خلاله عجزنا عن مواجهة الواقع وتحدياته دون أن نعترف بأنه شكل للاستسلام ينضوي تحت إيمان مضلل بقيمة إيجابية مثل الأمل؟ عملت الأكاديمية والكاتبة الأمريكية سامنثا روز هيل التي ألفت كتابا عن المنظرة السياسية حنة آرندت عام 2021 على تقصي موقف آرندت المضاد من الأمل وأسبابه.
تبدأ هيل كتابتها عن آرندت وزوجها بينما ينتظران تسلم أوراق خروجهما صيف عام 1940، في الوقت الذي كان فيه أي يهودي مهدد بالقتل، لكن آرندت وبلوخر لم يستسلما لليأس، استكشفا الريف الفرنسي بالدراجات، وقرأ الروايات البوليسية ليلاً. حولت آرندت هذا الوقت المظلم إلى تجربة حيوية، واعتبرتها بمثابة فرصة سانحة للعمل على ما تحب. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: هل هذه هي الطريقة التي نتصرف بها عادة عندما تكون حياتنا في خطر؟ ما الذي مكن آرندت من استغلال الوقت بهذه الطريقة في ظل تجربة مؤلمة؟ تكتب هيل: «لم يكن الأمل.»
تؤمن آرندت أن الأمل يشكل عائقاً خطراً أمام التصرف بشجاعة في الأوقات المظلمة. وهي كما نعرف من خلال كتاباتها لا تؤمن بالتقدم الحتمي للتاريخ. الأمر الذي جعلها تشعر باليأس من الديمقراطية وإمكانية إنقاذ الحرية في العالم الحديث. وترصد هيل حضور فكرة «الأمل» في كتابات آرندت البارزة ففي مقالتها «ما هي الحرية» تسأل آرندت: «ما هي الحرية، يبدو أنها شيء ميؤوس منه؟» وفي كتابها «أصول التوليتارية» تكتب عن اليأس والخوف بصفتهما الأكثر قدرة على مقاربة ما يحدث بدلاً من ادعاء البصيرة والحكم الموضوعي المتوازن». ويظهر موقف آرندت الأكثر تدميراً للأمل في مقالتها «تدمير ستة ملايين» الذي نشر عام 1964 وكانت آرندت تناقش فيه سؤالين هما: السبب وراء التزام العالم الصمت بينما كان هتلر يقتل اليهود، وجذور النازية في نظرية المعرفة الأوربية. أما السؤال الثاني فهو: مصادر العجز والتسليم بين اليهود. تقول آرندت في إجابتها عن السؤال الأول: «العالم لم يصمت، ولكن باستثناء عدم الصمت، لم يفعل العالم شيئا، كان لدى الناس الجرأة على التعبير عن الصدمة والسخط والرعب بينما لم يفعلوا شيئاً. لم يكن تصدير بيتهوفن واللغة الألمانية وترجمتها هما ما جعلا المثقفين ينساقون وراء النازية، كان ذلك بسبب عدم الرغبة في مواجهة الحقائق، والهروب إلى جنة الحمقى وأيدلوجيا الأمل. ولإجابة السؤال الثاني لجأت آرندت لمذكرات الشاعر البولندي بورفسكي الذي اختطف في صباه لإحدى معسكرات الاعتقال النازية، كان قد كتب أنه لم يحدث أن كان الأمل أقوى من الإنسان وما يحدث بالفعل، وفي المقابل لم يحدث ضرر بقدر ما حدث في هذه الحرب، لذلك نموت اليوم في غرف الغاز.
تستمر هيل في رصد الآثار التي يتسبب بها الإيمان بالأمل خلال الأزمات كما ظهرت في مقالات آرندت المبكرة خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، والتي اتسمت ببحث آرندت التاريخي في السياسة اليهودية والتي وجدت أن العدوين اللدودين لها هما الأمل والخوف اللذان استخدمهما الألمان بدقة في حربهم على اليهود، يتضح ذلك مع طلب الألمان عددا محددا للترحيل كل يوم من إحدى الأحياء اليهودية، وبدلاً من القتال، أو حتى مناقشة الأمر، تطوع الآلاف من اليهود للترحيل، ظنا منهم أن ما يحدث هو محاولة لإعادة التوطين داخل الحي اليهودي، بينما كانوا يساقون لغرف الغاز.
في كتابات آرندت المتأخرة، تستبدل الإيمان بالأمل، والإيمان بفكرة الولادة، مفهوم الولادة مربك ومشوش وأنثوي، ينطوي على جذر الفعل الوجودي الأول. وتشير إلى اتجاه يعمل على قطيعة مع تقاليد الفكر السياسي الغربي، وبدء فكر جديد من أجل إنقاذ الوجود الإنساني، إن الولادة معجزة وهي عفوية ولا يمكن التنبؤ بها. الولادة تعني الانفصال عن الوضع الحالي وبدء شيء جديد. ويمكن بسهولة الانزلاق للتفكير في الولادة بوصفها أملاً أيضاً، لكننا سنكون مستعدين بشكل أفضل فيما لو استخدمنا كلمة «البداية» كمرادف للمعنى الذي قصدته آرندت في الولادة. في دراسة آرندت للفكر السياسي الإغريقي وجدت أن الأمل لطالما اعتبر قرينا للخوف والشر، اعتبر ثوسيديديس مثلا أن الأمل هو نوع من التساهل الخطر، تكلفته باهظة وهو بلا شك سبب للخسارة.
ولنتأمل فكرة آرندت هذه: «الأمل هو شيء لدينا، أما الولادة فهي شيء نقوم به» إن الفكرة الجوهرية في اتجاه آرندت هذا هو أن التغيير يحدث بالعمل لا بالأمل! الأمل يخرجنا من اللحظة الراهنة. ربما ما علينا فعله إذن وقبل أي شيء، الآن وفورا هو أن ندين الأمل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ما یحدث
إقرأ أيضاً:
شعبة المخابرات الجوية.. من كابوس للسوريين إلى دليل إدانة لنظام الأسد
ارتبط اسم شعبة المخابرات الجوية في سوريا بالرعب والتعذيب، إذ كانت مركزا لقمع السوريين، لتتحول اليوم إلى دليل دامغ على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد المخلوع.
وفي الشعبة، تبدو "الزنزانة الحمراء" و"الغرفة السوداء" اللتان كان يحتجز فيهما السجناء. وعلى جدران الزنازين تظهر كتابات تعبر عن شوق الأبناء المحتجزين لأمهاتهم وآبائهم.
وتكشف الجدران والبلاط المتسخ والزنزانات الضيقة المخصصة لشخص واحد -حيث يصعب التنفس- عن الظروف اللاإنسانية التي كان يتعرض لها المعتقلون.
التقت وكالة الأناضول للأنباء مجيد الدين أحمد الحوشان من سكان حي القابون بدمشق، وهو أحد الشباب الذين اعتقلوا في هذا الفرع بتاريخ 21 يوليو/تموز 2011، حين كان طالبا في المرحلة الثانوية.
ويستلم الحوشان اليوم أمن الشعبة بتكليف من الإدارة السورية الجديدة، للحفاظ على الأدلة الدامغة التي تدين جرائم نظام الأسد.
وذكر الحوشان أنه كان طالبا حين انضم للحراك السلمي الذي بدأه الشعب السوري عام 2011 للمطالبة بالحرية، وأن قوات الأمن التابعة للنظام اعتقلته مع مجموعة من الطلاب.
وأشار إلى أنه بعد اعتقالهم جرهم عناصر نظام الأسد في الطريق مسافة كيلومتر تقريبا وهم يضربونهم، ثم نقلوهم إلى شعبة المخابرات الجوية في حرستا.
شعبة المخابرات الجوية تحولت إلى دليل دامغ على الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد (الأناضول ) "الغرفة الحمراء"وتابع الحوشان أنهم وضعوه في زنزانة انفرادية (الغرفة الحمراء) في الشعبة، بدعوى أنه ألقي القبض عليهم متلبسا بالجريمة.
إعلانوقال: "كنا في البداية 10 أشخاص، ولكن في غضون ساعتين، انضم إلينا 4 أشخاص آخرين، من بينهم طفلان تتراوح أعمارهما بين 7 و8 سنوات".
وأضاف: "قضينا 7 أيام في زنزانة مع 14 شخصا في مساحة صغيرة جدا"، وأشار إلى أنهم كانوا يُستجوبون نحو ساعة كل يوم، ويتعرضون للضرب من دون سبب في أثناء انتظارهم في الممر، وأن "التعذيب الحقيقي لم يكن جسديا بل نفسيا".
ولفت إلى نقله إلى مكان آخر يسمى "الغرفة السوداء" بعد "الزنزانة الحمراء"، وأن الطلاب القاصرين مثله كانوا ينقشون شوقهم لأمهاتهم وآبائهم على جدران الزنزانة.
وأوضح أنه بعد خروجه من السجن بقرار عفو عن الطلاب المسجونين، انضم إلى مقاتلي المعارضة.
وأعرب عن قلقه من عودة أعضاء النظام القديم إلى مناصبهم السابقة من خلال عقد تسويات. وقال إنه لا ينبغي لأحد من النظام المخلوع أن يعود إلى السلطة في سوريا في المستقبل.
وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق بعد مدن أخرى، منهية بذلك 61 عاما من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وفي اليوم التالي، أعلن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع تكليف محمد البشير بتشكيل حكومة لإدارة مرحلة انتقالية.