«ما يرفع من شأن الصورة هو الحُب.. الحُب المفرط»
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
تسلّم المخرج المسرحي التونسي منير العرجي نيابة عن المسرحي العرائسي الراحل الأسعد المحواشي (1960-2023م)، شهادة تكريم خاص بمناسبة مشاركته في عرض «ما يراوش» ضمن المسابقة الرسمية في الدورة الثلاثين لمهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة للفترة من 1-8 سبتمبر 2023م والعرض من إنتاج المركز الوطني لفن العرائس بتونس، تأليف واشتغال دراماتورجي وإخراج محمد منير العرجي، ومن بطولة كُّل من: (هيثم ونانسي، وفاطمة الزهراء المرواني، وأسامة الماكني، وهناء الوسلاتي، وأسامة الحنايني، وضياء المنصوري، وإيهاب بن رمضان، وأميمة المجادي، ومحمد الطاهر العابد، وعبدالسلام الجمل)
ربما، كان الحدث غير الفنيّ الأكثر تفجعًا وألمًا ضمن فعاليات المهرجان هو رحيل الفنان الأسعد المحواشي في 8 سبتمبر 2023م إثر إصابته بجلطة دماغية لم تُمهله طويلا.
لم أكن قد التقيت الأسعد المحواشي مباشرة. لكن ضمن نشاط فرقة المسرح الشعبي التي أنتسب إليها، وبدعمٍ من الهيئة العربية للمسرح في الشارقة، أقامت الفرقة عن طريق تطبيق زوم تاريخ (26 فبراير 2021م) ملتقى (الفرجات الشعبية من التأصيل إلى التحديث)، وتحدث فيها الراحل المحواشي -رحمه الله- عن «تجربة تصنيع دمى الطاولة -الصندوق-»، وتطرق في حديثه الممتع عن مسرح العرائس بروح آسرة ولطفٍ كبير وفخر وحُب وابتسامات مشرقة، أشعرتنا أن الدمى كائنات حية ناطقة، تشعر بما نشعر، فأسعد الأسعد المشاركين جميعهم.
يرحل المحواشي الإنسان والمعلم والداعم الكبير لمن كان حوله ومعه، ولذلك ستظل ذكراه في قلوبنا جميعا. ما استوقفني بعد غلق ستارة عروض المهرجان هذه الكلمات التي كتبها المخرج الجزائري (محمد شرشال) على حائط صفحته على الفيسبوك، مرفقة بصورة للمخرج منير العرجي، وهو يتسلّم التكريم، وستظل تلك الصورة خالدة، ولا شك أنّها سوف تتكرر في مناسبات أخرى، لاسيما، ذكرى وفاته. سأستعين بالكلمات التي كانت أقرب إلى التأبين أو الرثاء المضمخة بالتفجع والحسرة.
«كم أنت شجاع أخي Mounir Argui، وأنتَ تتحدى الحزن والألم من أجل المسرح. هي هكذا تونس دوما تتحدى الموت لتعيش. دعونا نتعلم منكم معنى الشموخ في وقت الانكسار، معنى الوقوف في اللحظات التي تضعف فيها الأرجل ولا تتحمل. في اختتام مهرجان القاهرة الدولي في دورته الثلاثين، لم أقدر على تجاهل هذا الرجل وفريقه وهم يعودون بأحد صنّاع عرضهم «ما يراوش» في صندوق. قلبي معك صديقي، قلبي معكم صنّاع الفرجة في عرض «ما يراوش»، قلبي معكم أحبائي من صنّاع الفرجة التونسية. لتذهب كل جوائز المهرجان إلى الجحيم أمام ذِهاب واحد منّا. الإنسان أغلى من الجوائز كلها. نعم إلى الجحيم كل جوائز الدنيا، ولأننا مشغولون بموكب العائد في صندوق من مهرجان التجريب، والخَطبُ واقع بعيد عن كل تجريب. لن نهتم إلا بتشييع صديقنا إلى مثواه الأخير. إلى الجنة يا صَانع الحب والجَمال، إلى رحمة الله التي وَسعت كل شيء حبيبنا لسعد المحواشي».
***
تلعب الفوتوغرافيا وظائف مزدوجة في تثبيت الخطاب. فهي تارة تدفعنا إلى استدعاء الذكريات، وتارة تؤدي وثيقة تسجّل لقطة ـــ حدثا ـــ موقفا ما، لتوسمه كما نظن أو نعتقد بالحيادية. لكن هل فكرنا في مقدار الألم الذي تخلقه الفوتوغرافيا؟ ما الذي أثاره فينا وجه منير العرجي الذي كان موجوعا بفجيعة الغياب؟ سوف يُعاد تكرار الصورة، لكن وقعها بعد عام سيكون مختلفا علينا كُلنا. لقد آلمتني الصورة ـــ آلمني وجه منير وتعبيراته المنقبضة، كأنها أشبه بعلبة معدنية مجعلكة، أو منضغطة. لكن ذلك الوجه المليء بالحزن من ألم اللحظة المفارقة سيظل بلقطته تلك الأكثر حضورًا من أيّ صور أخرى.
تبدو المسافة التاريخية شاسعة جدا بين ما التقطته أعين رولان بارت وما التقطناه نحن على وجه منير من انقباضات. يذكر بارت مفتتحا كتابه (الغرفة المضيئة: تأملات في الفوتوغرافيا، ترجمة: هالة نمَّر، مراجعة: أنور مغيث، المركز القومي للترجمة، 2010م) بهذا المقطع المؤثر: «منذ زمن طويل، عثرتُ في يوم على صورة فوتوغرافية لجيروم Jerome، الأخ الأصغر لنابليون، التقطت له عام 1852م. لقد قلتُ لنفسي آنذاك، بدهشة لم أستطع أبدًا التخفيف من حدّتها منذ ذلك الحين: إني أرى العيون التي رأت الإمبراطور. كنت أتكلم أحيانًا عن هذه الدهشة، ولكن لمّا لم يبدُ أن أحدًا يشاركني إياها، ولا حتى يُدركها، فقد نسيتها (الحياة تتكون من تلك اللحظات الصغيرة من الشعور بالوحدة)»
لعّل ما يُثير التساؤل هنا، عما كان يُفكر فيه العرجي، وهو يتسلّم الشهادة الدالة على الغياب والحضور في آن؟ غياب الميت الراحل فوق الخشبة وحضوره باسمه واشتغاله وذكرياته ومواقفه وعمله قبل العرض وبعدهِ. لم تُمهلنا اللحظة لالتقاط أنفاسنا، نمنا وصحونا على خبر الوفاة! «لسعد المحواشي في ذمة الله»
لا يُفكر المرء في التقاط أنفاسه ليتأكد من صدق الوفاة. كان الانشغال بالصورة هو الأهم، صورة المحواشي؛ وجهه... جسده... ولأجل السرعة في تبادل الخبر لم تتوقف إسعافات المسرحيين بالبحث عن صور للأسعد المحواشي للمشاركة بها على وسائط الميديا كلها: فيسبوك، إنستجرام، إكس - تويتر، واتساب. ولجأ بعضهم إلى تغيير لون الصور المتعددة الألوان إلى تلوينها بلون الحداد؛ الأسود الطاغي لتناسب حال الموت والفقد والتفجع، كُّل ذلك لجعل وظيفة الصورة وجمالياتها دالة لتُدرك، معنا أو مثلنا، مناسبة الحَدث الذي مرّ علينا أو مررنا من خلاله إلى ذواتنا، دون التوقف عند سؤال الأخلاقيات: عمّ كنّا نبحث؟ ومّما كنّا نهرب؟ إننا لم نرَ عينيِّ الأسعد التي رأت الموت.
في ضوء هذه الإشارة، أيضا يمكن التصفيق للمصوّر الذي التقط وجه المخرج منير العرجي وتعبيرات وجهه المنقبضة. لم يكن صوت الكاميرا مزعجًا أو ثقيلا، لقد بدا مبرمجًا وآليا ضمن الوظيفة القسرية للتقنية؛ حيث تتيح الهواتف الذكية تحويل الألوان إلى تأثيرات حسب الحال التي تنساق وراءها لقطة اللحظة / أو لحظة اللقطة وافتراضاتها «بفوضويتها، وبمصادفاتها، وبغموضها»، كما يقول بارت، من ذلك مثلا، هاتف الآيفون الذي يمنح مستخدمهِ القدرة على أن يرى أو يتخيل جسد الميت النصفيّ في صور إما زاهية اللون بدرجات الزاهي الدافئ أو البارد، أو يُسيج وجهه في إطار دراماتيكي عام أو دافئ، أو بارد، أو يَصبح وجهه أحاديًا، أو فضيًا، أو أسود تماما.
كانت صورة منير العرجي داكنة ـــ شبحية ـــ مهتزة ـــ يقينية ـــ لا يقينية، لكنها وثقت لحظة تعب نفسيّ وشجاع في آن. هذا ما أكده محمد شرشال عندما كتب قائلا: «كم أنتَ شجاع أخي Mounir Argui، وأنتَ تتحدى الحزن والألم من أجل المسرح».
كان العرجي يتحدى ذلك كله من أجلنا جميعًا، كان يقف خارج الصورة، منشغلا بصاحبها الراحل، وكان يقف قريبا منه، وأمام الجمهور ـــ والصحفيين ـــ والتلفزة، وكل الوجود الافتراضي الزائف. هل قالت الفوتوغرافيا كُّل شيء؟ كم تبدو هذه الكلمات كبيرة وعزيزة وعميقة: «الشموخ في وقت الانكسار، الوقوف في اللحظات التي تضعف فيها الأرجل ولا تتحمل» إن ذلك كله هو ما رَفع من شأن الصورة، أو كما كتب بارت: «ما يرفع من شأن الصورة هو الحُب، الحب المفرط»، رحم الله الفنان الإنسان الأسعد المحواشي الذي لن يغيب من قلوبنا، وألهم أسرته وذويه وجميع محبيه الصبر الجميل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
محمد منير يتصدر التريند بعد شائعات مرضه
تصدر اسم الفنان محمد منير، محرك البحث جوجل بعد الجدل الأخير الذي أثار بسبب الشائعات والتي كشفت عن دخول الفنان محمد منير المستشفى مرة أخرى بعد تدهور حالته الصحية، ما أصاب جمهوره بحالة كبيرة من القلق.
شهدت الحالة الصحية للفنان المصري محمد منير استقرارًا بعد خروجه من المستشفى، حيث تلقى العلاج اللازم إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة. نُقل منير إلى المستشفى في مدينة السادس من أكتوبر بعد شعوره بعدم توازن وفقدان شبه كامل للوعي، ما استدعى وضعه تحت الرعاية الطبية في العناية المركزة لحين استقرار حالته.
وكان قد أوضح الأطباء أن منير عانى من إجهاد شديد ناتج عن نشاطه المكثف خلال الفترة الأخيرة، والذي تضمن تسجيل ألبوم جديد إلى جانب مشاركته في العديد من الفعاليات العامة، من أبرزها احتفالات ذكرى نصر أكتوبر. هذا الجهد المتواصل، حسب الأطباء، قد أثر على صحته، ما أدى إلى ظهور أعراض مثل الدوار وفقدان التوازن، وهي أعراض قد ترتبط بالإرهاق أو سوء التغذية أو فقر الدم، الذي يمكن أن يقلل من تدفق الأكسجين إلى الدماغ.