أثار التسجيل الذي نشر مؤخرا لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) العديد من التساؤلات في ظل تعقيدات المشهد للحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع والتي اقتربت من شهرها السادس لا سيما أن هنالك العديد من التساؤلات تدور في أذهان السودانيين حول وقف هذه الحرب. 

التغيير: فتح الرحمن حمودة

و تبقى التساؤلات هل من أمل في حل بواسطة هذا الثنائي «برهان وحميدتي؟» وماذا كان يقصد حميدتي بفضح رفيقه البرهان بهذا الشكل خصوصا وعندما تحدث عن دوره في انقلاب البعثيين، إلى جانب موافقته على تحرك الدعم السريع إلى قاعدة مروي العسكرية شمالي البلاد ومن ثم ماذا وراء الحديث عن إطلاق البرهان للضباط الذين أشرفوا على فض اعتصام القيادة العامة؟.

الإجابة الساهلة لا أر أملا في حل يتقدم فيه برهان وحميدتي صفوف السلام ورتق النسيج الاجتماعي للدولة السودانية فكلاهما رجال حرب هكذا تحدث القيادي بالحزب الليبرالي السوداني د. إبراهيم النجيب للتغيير و قال انه ينظر إلى التسجيل على انه جاء في زمن ضاغط وغير مرتب له وبه كثير من الكلام لم يتعود حميدتي عليه في التسجيلات المعدة جيدا قبل قرائتها و اضاف ان التسجيل كان عبارة عن زفرات صدر حميدتي لا تنميق مستشاريه.

اما الاستاذ ماهر ابو الجوخ قال أعتقد أن التسجيل لا يجب أن يتم النظر إليه بمعزل عن التصريحات المتأرجحة لقائد الجيش منذ خروجه من القيادة العامة و قال ل « التغيير »، مضيفا صحيح أن بعض تلك التصريحات علت فيها نبرة البحث عن سلام وإنهاء الحرب ولكن أغلبيتها حملت تصعيدا وتلويحاً بفكرة الحسم العسكري في بعضها إعتبر أن قوات الدعم السريع قد إنحسرت وتلاشت ولم يعد لها وجود ثم تطور الأمر لوصف من يقاتل معها بإنهم من الأجانب .

بينما قال القيادي بقوى الحرية و التغيير عروة الصادق أن من الواضح أن تسجيل حميدتي الأخير الذي أتى بلغة موغلة في الدارجة بيّن فيه عدد المرات التي خانه فيها البرهان يعكس درجات الضغينة ونزعة الانتقام ورغبة حميدتي في تحطيم سمعة البرهان وفضحه على رؤوس الأشهاد، و اضاف ل « التغيير » يمكن أن يكون السبب وراء هذا الفضح هو تراكم الضغائن والإحباطات بين الثنائي الذي ظل منسجما لسنوات .

وأضاغ قائلا ربما حميدتي كان لديه شعور بأن البرهان استحوذ على الأفضل منه في علاقة الشراكة ولم يُقدر تضحياته وجهوده في إيصال برهان للسلطة، وقد يكون أيضًا حميدتي يحاول إظهار نقائص البرهان وفشله في الحكم والإدارة لتبرئة نفسه وتبرير قراره بالانسحاب من الشراكة ونفض يده من انقلاب أكتوبر ٢٠٢١م.

و قال من الواضح أن التسجيل كان يهدف إلى الحط من سمعة البرهان ورهطه، وقد يكون أيضًا بهدف محاولة إثبات أن حميدتي شخص ذو قوة وسلطة وسطوة، فهو يعرض البرهان كشخص لا يمكن الاعتماد عليه في أي حل، ولا يظهر أي رغبة في تغيير الوضع السياسي المتردي في البلاد.

و في ذات السياق يرى ابو الجوخ أن تسجيل حميدتي أكد نقاط أساسية أولها أن الرجل على عكس ما يشاع هو حي يرزق والدليل أن التسجيل الأخير هو الأكثر تأكيداً على هذه الحقيقة من خلال التعابير المستخدمة وحتى الإشارة لوقائع عديدة حدثت. أما الأمر الثاني فهو جاء كرد فعل على تصريحات البرهان التي بشر فيها بقرب إعلان تحقيق الإنتصار على الدعم السريع .

و اضاف أن رغم أن الوقائع تقول أن الجناح السياسي للبرهان ممثل في حزب المؤتمر الوطني المحلول يعملون على الخطة (ب) من الحرب بنقل العاصمة كلياً إلي بورتسودان وهو ما يوضح أن مسألة إنهاء الحرب وحسمها ليس قريباً كما يتم تصوير الأمر.

بينما ينظر النجيب إلى تهديدات حميدتي بإخراج معلومات وفيديوهات وصوت مسجل فيه فضائح للبرهان قال هي ضمن لعبة الحرب ليس إلا إذ يبدو أن حميدتي يحاول ان يدفع البرهان في اتجاه تفاوض سريع ويبدو أن حميدتي لايزال يرى في برهان مشروع رئيس دولة فهو لم يبادر بإطلاق تلك التسجيلات بل هدد بها.. مايعني انه يرى في برهان إمكانية تهديد بهذه التسجيلات ولو كان يرى برهان بعيد من السلطة ماكان هدده بتسجيلات يعتقد ان صاحبها سيكون خارج ملعب السياسة قريبا .

و اشار إلى أن مسألة ان البرهان اطلق ضباطا وأعاد ضباطا وغيرها فهي مسائل معروفة وهي إجراءات فنية تتخذها الجيوش ويصعب الحكم فيها بسهولة انها كانت لان الاسلاميين يحركون الجيش. وربما يفعلون فعلا ويحركون الجيش لكن حميدتي يحتاج ان يقدم معلومات أكثر من ثرثرات كهذه لايدعمها أي دليل .

بينما عروة الصادق قال ان هذا التصرف يعكس هذا الشعور العميق لدى حميدتي بالظلم الذي تعرض له وما سماه (خيانة)، ورغبته الملحة في التصعيد وتدمير البرهان سياسياً وشخصياً، قد يعتبر حميدتي أن هذا الفضح يمكن أن يعيد التوازن في العلاقة ويعطيه السيطرة والهيبة التي يعتقد أنها تستحقها.

و اضاف قائلا في تقديري أن هذا النوع من السلوك يعزز الاضطراب ويزيد من حدة التوتر داخل البلاد ويرفع من درجات الحريق التي تجتاح البلاد ويباعد الشقة بين الفرقاء ما يعيق الوصول إلى قاسم تفاوضي مشترك، وقد يثير مخاوف بشأن استقرار الحكم وعملية استعادة الاستقرار والانتقال الديمقراطي، لذلك ينبغي على الطرفين أن يتجاوزا الضغائن الشخصية ويعملا معًا على إيجاد حلول سلمية ومستدامة للأزمة الحالية .

اما الاستاذ الجامعي د.عبد العليم محمد قال ل «التغيير» أن رؤيته ألا بديل أمام البرهان، وخاصة بعد سقوط الشجرة ودعم قطر وتركيا للحل السلمي، سوى الحل التفاوضي، فالدعم السريع رغم تقدمه في الحرب وسيطرته على مواقع عسكرية مهمة لم يغير خطابه نحو الحل التفاوضي.

و اضاف أما الملاسنات بينهم فهي قديمة، والسودانيون يمتلكون ذاكرة سمكية اتجاه الخصومات، وعند التفاوض دائما لا يؤخذ بالتصريحات خلال الحرب او التوتر، وكلها تكتيكات لإضعاف الخصم في طاولة التفاوض.
طالت الحرب ام قصرت ستنتهي بجلوس طرفي الحرب للتفاوض.

بينما يرى ابو الجوخ إن السيناريو الأرجح ليس عدم التوصل لإتفاق ينهي الحرب لأن هذا الاتفاق بات مطلب وإحتياج ضروري لطرفي الحرب وإحتياج بقية مكونات المشهد في ما عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول. ولكن السناريو الأرجح هو تصميم ذلك الإتفاق بخروج الرجلين من المشهد العسكري وطبقاً لذلك من المشهد السياسي بإعتبارهما يمثلان مؤسسات عسكرية مع عدم إستبعاد أن يقوم أحدهما أو كليهما مستقبلاً بتكوين وعاء سياسي خاص به بالإستناد لعوامل العلاقات الخارجية التي يتمتعا بها أو الموارد المالية المتوفرة لهما أو الحواضن الاجتماعية المتحالفة معهما فهذا مسار أخر .

و اضاف قائلا في تقديري أن المؤشرات الواضحة أن الوصول لاتفاق سياسي ينهي الحرب يترتب عليه بقاء وإستمرار البرهان وحميدتي والقادة العسكريين في الجيش وقوات الدعم السريع في مواقعهم القيادية سيكون غير وارد وحتى في حال حدوثه فسيكون فعلياً هدنة ستعقبها إنفجار حرب أشرس وأعنف بين الطرفين لسبب أسساسي هو الفقدان الكامل للثقة بين الرجلين وإنتقال هذا الأمر للقادة الموجودين عند كلا الطرفين.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

ماذا لو هرب وزير الدفاع

العنوان إفتراضي بغرض بيان الموقف القانوني حيال هذا الإفتراض، فضلاً عن المترتبات الأخلاقية، والتداول الإعلامي، وأحاديث المجتمع، وتسجيل الموقف نفسه في أسفار التاريخ (على ندرتها) مع من سبقوا ممن تولوا يوم الزحف وهم على رأس المسؤولية، وممن تخلّفوا عن أداء الواجب دون عذر مقبول، خاصةً إبّان الحروب حيث تتعزّز المهام، وتقدّس الواجبات على الصعيد الأمني، ويُنفق كل مدخر من التدريب والسلاح، وتحريض الرجال، وتسوية الصفوف، لأنها أي (الجيوش، والشرط) إنما أُعدت لمثل هذه الظروف، التي تتوقعها الأمم وتعد لها الشعوب ممثلة في دولها تعد لها كامل العدة، وتجهز لها العتاد، وتقتطع من مداخيلها لتنفق عليها، وتتنازل عن شيء من حقوقها وحريتها لتفسح لها الطريق، وتمهد لها سبل أداء الواجب المقدس، وتحكم كل ذلك برباط القانون، وتوثقه بالقسم والأيمان المنعقدة، وتراقبه بعيون الصحافة الساهرة الحديد، فضلاً عن تقييم الرأي العام الذي يشكل وحي ضمير الأمة، ولذلك يجد الوزير نفسه في موقف لا يشفع فيه إلا حُسن البلاء، والتفاني في العمل، وحُسن توظيف الموارد والكفاءات، وضرب المثل بنفسه حتى يكون القائد القدوة؛ لأنه لا يمكن تخيّله، وهو يتولى بركنه، ويأوي إلى جبل يعصمه من الطوفان، ويترك لحم النساء تنهشه كلاب (الجنجويد) ويستحر القتل، وينشر الموت رائحته على الأرجاء، ويخيّم على فناء البيوت في المدن، والقرى والحلال، والفرقان، ويتم تدمير الدولة كلها بأقل من المهلة، وبتركيز المطمئن، وما جر ذلك إلا (الهمل) التي عانى منها السودان أرضاً وشعباً، ولو أنك أردت معرفة الأسباب، وتحليلها، و(جردت الحسا)، لوجدت نواصي الحقائق مشرئبة لا تخطئها عين، بل بشهود أهلها وإعترافاتهم، وتوثيقاتهم، وهم يصطفون مع المتآمرين، ويوقدون نار الحرب، ويقدمون الحطب، وكلهم كان عاملاً في حقل الحكومة، ممسكاً بشطر الإمتيازات، يرضعه بنهم عجيب (لجنة إزالة التمكين نموذجاً ومثالاً)، وما إن إندلعت الحرب التي توعدوا الناس بها، إلا وكانوا خارج دائرة تأثيرها، كيف ولا وقد علموا من أمرها ما علموه، خرجوا أو (إتخارجوا) من ضو، في إنتظار أن يلتقطوا الثمر، عودة للحكم على أجداث الضحايا، هذا كله جانب مما يمكن إيجاد العذر له والسبب، ولكن بالله قل لي (من يعذر وزير الداخلية ؟؟؟)

ولقد وضعنا إفتراضا أنه وزير الدفاع، فما هي النتيجة الأكثر إحتمالا والأكثر خطورة؟؟
بالتأكيد هي ضياع أصل الدولة، فالقيادة على مستوى (الوزير) هي الرأس والعقل المدبر، والمرجعية، وبث الطمأنينة، في المرؤسين، فضلاً عن تنفيذ الواجب، وتحمل المسؤولية، وبالغياب المتعمد، والهروب المشين تنهار كل هذه التراتيب، وتنفك (الجبارة) ، وتضطرب المنظومة، ويختل العمل، وتقع تأثيراته على أم رأس الشعب الذي استأمن (وزير الداخلية) على أمنه الداخلي، بما يتضمن الدين، والنفس، والعرض، والمال، ضد كل متغول مهما كلف من جهد وثمن، ولو كان أرواح الضباط والأفراد، نعم هذا هو العقد، ونصوص الإلتزام القانوني، ويعد الإخلال بها، والنكوص عنها جريمة تحت طائلة القانون، (قانون الشرطة).

وماذا لو إرتكب هذه المخالفة البالغة الخطورة، إرتكبها (الوزير ذات نفسه) وهي الهروب من الخدمة، والتولي يوم الزحف، والتخلي عن الواجب، والتمرد على الدولة، والتأخر عن النداء المُلح، وإلتماس أسباب أوهن من بيت العنكبوت بأنك لم تكن موجوداً ساعة إندلاع الحرب، مع يُسر الوصول، وإمكانية العودة خلال ساعات محدودة، للإلتحاق بالوظيفة القيادية الأعلى على مستوى الشرطة والداخلية.
نعم (مر هذا الهروب كما مر غيره من المرارات التى تفقع المرارة)، وبقى مجرد أثر من آثار الحرب القذرة التي تشنها قوى ( *حزب الرذيلة* ) ولكن أن يجرؤ ذات الوزير على العودة، وعلى رؤوس الأشهاد كأنه لم يتأخر عن واجبه، لم يخلف وعده، ولم يحنث قسمه، ولم يخن ضميره، ولم يخذل مرؤوسيه، ولم يترك شعبه يلاقي ويلات الجنجويد، برغم تماسك قوات الشرطة بعد هذه الصدمة، وإستعادتهم توازنهم، وبذلهم جهداً مقدراً في حرب الكرامة، وتقديمهم ثُلّة من الشهداء من الضباط والرتب الأخرى،وما يزال الشعب يردد ( *أبوطيرة* ، *البفك الحيرة* ) فهذه أي عودة الوزير ( *نكاية* ) بمعنى الكلمة.

وأنكى منها أنه أستقبل كبطل أولمبياد حاز على الميدالية الذهبية في ( *العدو* ) ووجد صحائفه بيضاء ناصعة، ليس فيها قيد غياب ولا سطر عتاب، ولا ثمة إجراء تم أخذه في مثل هذه الحوادث الجسام، والذي أعلمه واؤكده أن القوات المسلحة إتخذت كل ما يلزم تجاه منسوبيها من حيث ضبط الحضور، وإحصاء الغياب والهروب حتى مستوى الأفراد، وما يلزم ذلك من جزاء (*قائد الفرقة الأولى مدني نموذج* ).

إن التفريط ولمثل هذا الحد في تطبيق القانون يشيع الزهد في صلاح الحكم، والتساهل في تجاوزات الكبار حتى لو قارفوا ( *الخطايا في حق الوطن والمواطن) لهو محبط، ومثير للخذلان، ومثل هذه العودة الآمنة المطمئنة تغري كل من أجرم في حق الوطن بالعودة دون خشية من سؤال أو عقاب، وبالتالي يستوي المحسن الذي ترك وظيفته في تركيا وجاء لينخرط في صف الدفاع عن الوطن إلى جنب القوات المسلحة، يستوى هو ووزير داخلية ترك وزارته هملاً، وكل قواته الضاربة بلا دليل، وأُنتهك حق المواطن في مقابل ذلك، ثم يعود وكأن شيئا لم يكن.
أما إفتراضنا في صدر المقال، فقد أثبتت الحيثيات أنه في غير مكانه، فالجيش صمود من أعلى قمته القائد الأعلى ووزير دفاعه، ورئيس أركانه، وهيئة قيادته، وقيادت الفرق والتشكيلات، وقيادات المتحركات، وكل الضباط والصف، والجنود، والمستنفرين.
*ولا غالب الا الله*

لـواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ماذا لو هرب وزير الدفاع
  • التعايشي يفجر مفاجأة : حميدتي حيٌ يُرزق ويرد على مقترح “تقدم” تشكيل حكومة منفى
  • لماذا ذهب الدعم السريع إلى الحرب؟
  • الدعم السريع ونيران الحرب
  • كيف استلم الدعم السريع مواقع استراتيجية في الخرطوم ؟!!
  • ماذا وراء المبادرة التركية؟
  • ماذا وراءَ الزيارات الرسمية إلى سوريا؟!
  • البرهان يلتقي برهان .. رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي نائب وزير الخارجية التركي
  • شاهد.. القائد الميداني للدعم السريع “يأجوج ومأجوج” يفقد أعصابه بعد أن حاصره نشطاء بأسئلة ساخنة: (أين قائدك حميدتي؟ نحنا قائدنا البرهان حايم من بلد لبلد ومن طيارة لطيارة)
  • ماذا وراء حملة أوكرانيا اليائسة لخداع ترامب؟