عبد الله النجار: الفضاء الإلكتروني ساحة إعلامية ضخمة ومفتوحة
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
انطلقت اليوم، محاضرات الدورة التدريبية الدولية الرابعة لأعضاء اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي، المنعقدة بأكاديمية الأوقاف الدولية تحت عنوان: "أخلاقيات التعامل مع الفضاء الإلكتروني"، حيث عقدت المحاضرة الأولى للدكتور عبد الله النجار عميد كلية الدراسات العليا سابقًا وعضو مجمع البحوث الإسلامية، بعنوان: "المسئولية في إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي"، وبحضور الدكتور أشرف فهمي مدير عام التدريب.
وفي محاضرته رحب الدكتور عبد الله النجار بمنسوبي اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي وبزملائهم المصريين المشاركين في الدورة، مؤكدًا أن هذه الدورات غاية في الأهمية ففيها يتم تبادل الرؤى والخبرات، مقدمًا الشكر لوزير الأوقاف ذلكم العالم الذي ابتكر طرقًا ومسارات جديدة في مجال الدعوة إلى الله (عز وجل)، وارتقى بالأئمة والواعظات عقليًّا وفكريًّا، فهو من المخلصين في الدعوة إلى الله (عز وجل) فكان على ثغر عظيم في هذا المجال فخاض حربًا ضد من يتاجرون بالدين بغية مصالح دنيوية، موضحًا أن الزيادة في طلب العلم أمر دعا إليه الإسلام، قال تعالى: "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا"، مبينًا أن آيات الله في الكون تترا ولا يوجد في آراء الفقهاء ولا في كتبهم ما يدل على التعامل معها وإنما وردت المبادئ والقواعد التي ترشد إلى التعامل مع هذه الأمور وما يستجد منها.
وأكد أن موضوع الفضاء الإلكتروني غاية في الأهمية، وأصبح حقيقة واقعة، وسلوكًا يمارس بما ينطوي عليه من وسائل مستجدة، وإن ممارسته يمكن أن تترتب عليها أمور أو نتائج، منها: النافع، وهذا لا يثير تساؤلًا فيما يتعلق بثماره، ومنها: الضار، وهو الذي يثير مشكلات فادحة فيما بين الفاعلين والمضرورين؛ لأن الضرر فيه ليس محصورًا بنوع معين أو مصلحة محددة، ولكنه يجتاح عددًا من المصالح المفردة أو المركبة، وقد يصل إلى حد سلب الحياة، أو التعدي على الأعراض والأموال والأديان والحضارات الإنسانية في أماكن وجودها، ومن المؤكد أن المساءلة في تلك الحالة لها ملابسات تستوجب الملاءمة بين الضرر والتعويض، ومراعاة الظروف الدولية وإجراءات التنفيذ، وينبغي على الإعلامي الحصيف أن يكون على دراية بكل ذلك.
وأشار إلى أن الاستخدام الرشيد لهذا الفضاء ليس أمرًا سهلًا، وأن الفضاء الإلكتروني مساحة إعلامية ضخمة ومفتوحة، والاستثمار الأمثل للفضاء الإلكتروني يحتاج إلى مزيد من التدريب والجهد، فالإنسان يعرف الفضائل كلها ويعترف بها إلا أن الالتزام بها هو الشيء الذي لا تجده عند الجميع وقد لفت الله نظرنا لهذا الأمر في قصة ابني آدم (عليه السلام )في قوله تعالى: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، فمن قتل يعرف جيدًا أن القتل حرام ولكنه رغم ذلك قتل أخاه، ومن هنا يتبين لنا أن إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أمر يحتاج إلى مقاومة وجهد حتى نصل بأنفسنا إلى الاستخدام الرشيد لهذه المواقع والاستثمار الأمثل إعلاميًّا للفضاء الإلكتروني.
وفي محاضرته أكد الدكتور أحمد بهي الدين على أهمية الاستفادة من الاستثمارات الثقافية، خاصة لمن يقومون بمهمة مخاطبة الآخرين في عالم سريع التغير، مع أهمية مراعاة المصطلحات وتغيرها عبر العصور والثقافات، وأنه لابد من الاهتمام بثقافتنا الأصيلة في حياتنا اليومية، مع اعتبار التنوع بينها وبين الثقافات الأخرى، وأن المرء ينبغي أن يتنبه في تعامله مع الثقافات الأخرى، حيث إن من البلاغة تخير اللفظ في حسن الإفادة، فنتخير أنماط الحديث عند التعامل مع الثقافات الأخرى.
وأشار إلى أن التنوع الإنساني قيمة اعتبرها الدين الإسلامي، فالإسلام يدرك اختلاف طبائع الناس واختلاف اللغات واللهجات، والدين لا يخالف الثقافة، بل يدعو لنشر الثقافات والقيم الراقية، يقول الله (عز وجل): "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ".
كما أكد أنه لابد أن نقف على كل موضوع أو فكرة قبل الحديث عنها من الأساس في وجود أشخاص أصحاب ثقافات تخالف ثقافتنا، فنعتمد على القيم النبيلة المشتركة فيما بيننا، فنحن في حاجة إلى الاهتمام بما يجمع ولا يفرِّق وأن نهتم بالجوهر بدلا من المظهر.
وأوضح، أننا في حاجة إلى استثمار ثقافتنا وتراثنا وليس محاربته، إذ إن ثقافتنا انتجت أنماطًا من السياقات الشعبية المتنوعة، والثقافة العربية في الماضي كان لها أنماط عديدة لا بد من فهمها فهمًا جيدًا.
وقد وفر الفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي زخمًا من المعلومات عن الثقافات الأخرى للشعوب التي يجب أن نغتنمها في توطيد علاقات وخلق فرص من التناغم والعيش المشترك، فأصبح من السهل معرفة طبائع الناس ومعتقداتهم ومقدساتهم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التعاون الاسلامي الأوقاف الفضاء الإلكتروني اخلاقيات الفضاء الإلکترونی التعامل مع
إقرأ أيضاً:
العالم عبارة عن مزيج من الثقافات الإنسانية
الكثير من المشاكل التي تشعل الحروب والفتن بالعالم تنشأ في الأساس نتيجة لغياب اللغة المشتركة. وحينما نقول اللغة المشتركة فإننا نعني الأساليب التي تناسب بها الأفكار بين الناس هي أساليب تختلف بدرجات متفاوتة نتيجة لاختلاف ثقافات البشر.
لقد شهدت تسعينات القرن الماضي زوال كتلة المعسكر الشرقي وعلى رأسها الإتحاد السوفيتي. وهي كتلة كانت تمثل قوة عظمى شكلت في مقابل المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية نوعاً من التوازن في السياسة الدولية، نتج عنه ما تمتعت به مجموعة من الشعوب والمجموعات والدول الصغيرة أو الضعيفة من قدر نسبي من الاستقلالية فيما يخص توجهاتها العامة واحتفاظها بهوياتها الثقافية والاجتماعية لفترة طويلة.
كانت أبرز ملامح العالم الجديد هو بزوغ المعسكر الغربي الرأسمالي على المستوي العسكري والسياسي أولاً ثم تبعت ذلك التجليات الثقافية والاجتماعية الرامية إلى نقض الأنماط الثقافية والاجتماعية الأخرى المخالفة لتوجهات ذلك المعسكر، والعمل على إشاعة نمط واحد وتصويره على أنه هو النموذج الأفضل للحياة الإنسانية.
ولا نستغرب كثيراً أن بعض المفكرين خصوصاً الذين ينطلقون من فرضية انتصار نمط بعينه التي أشاعها هذا الفهم والتي نجد أبرز أمثلته في الكتابات التي صدرت في تسعينيات القرن الماضي لعدد من المفكرين الغربيين وأبرز تلك الكتابات، أطروحة “نهاية التاريخ” والتي كتباها فرانسيس فوكوياما، وهو مفكر أمريكي وجد في نهاية الحرب الباردة وانتصار النموذج الغربي الليبرالي الأمريكي أنه الشكل الأخير للحياة الإنسانية على كوكب الأرض، ودافع عن فكرته من حيث هذا النمط والنموذج الثقافي، وهو خلاصة التطبيق الإنساني لفلسفة الحرية الفردية التي صارت حرية المجتمع.
ونظراً للحالة التي كان العالم يعيشها في ذاك الوقت، فقد وجدت هذه الأطروحة رواجاً كبيراً وتصدت لنشرها عدد من المنابر والصحف ودور النشر، واهتمت بها الدوائر الثقافية على مستوى العالم وعملت بها بحثاً ودراسة كل حسب زاوية نظره للأمور. لكن أبرز نقد وجه لهذه الأطروحة كان متمثلاً في أن الكاتب لم يستطع أن يبرر حالات الفقر المدقع والحروب المستمرة والنزاعات التي تنتشر وما إذا كانت هذه الصورة هي ما يبشر به النمط الثقافي الجديد المتمثل في ثقافة ذات بعد واحد.
غير بعيد عن هذا الأمر كانت مساهمة أخرى تمثلت في كتاب “صدام الحضارات” للمفكر صمويل هنتنغتون الذي قسم العالم إلى غرب وشرق وساق التباين الثقافي بين الاثنين بما خلص منه إلى حتمية أن يتم صدام شامل بين هاتين الحضارتين.
فالأساس الذي وضعه الكاتب هذه المرة لم يكن أساساً أو نظرية سياسية، وإنما انطلق من مفهوم مبنى عليه فكرة التباين الثقافي التي تقتضي أن ينقسم العالم في النهاية إلى جزئين كبيرين هما الشرق والغرب وأن الصدام بينهما هو نهاية الاستقطاب الثقافي الكبير بينهما.
أيضاً هذه الأطروحة تعاملت مع الشأن الثقافي ككل غير تاريخي وغير قابل للتحول والتنوع، فمفاهيم الثقافة مفاهيم جدلية وليست جامدة، وهي متغيرات في حالة تفاعل مستمر مع معطيات الواقع حولها. فليس هناك شرق محض أو غرب محض. العالم هو مزيج من الثقافات الإنسانية المتداخلة والمتعددة والمتنوعة.
وأختم حديثي عن قصة شهيرة عن النبي إبراهيم “علية السلام”: جاء رجل للنبي وطلب منه أنْ يبيت عنده، أو أنْ يضيفه، فسأله إبراهيم عليه السلام عن دينه فقال: إنه مجوسي، فردَّ الباب في وجهه، فعاتبه ربه في ذلك، وقال له: يا إبراهيم تريده أنْ يغير دينه لضيافة ليلة، وهو طول عمرة عايش تحت رحمتي؟؟ فقام النبي إبراهيم ولحق بالرجل: وقال الرجل فقد أتيت لك ورديتني …
فقال نبينا إبراهيم: لقد عاتبني ربي.
فرد الرجل المجوسي: نعم الرب، رباً يعاتب أحبابه في أعدائه، ثم دخل الإسلام وأمن بالله.