جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-06@01:45:39 GMT

ستُسأل عن كل نفس ظُلمتها

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

ستُسأل عن كل نفس ظُلمتها

 

حمد الحضرمي **

 

الظُلم من الصفات الدنيئة والأخلاق الرذيلة، ولهذا نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه عنه، فقال: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظُلم النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظُلمونَ" (سورة يونس:44) كما حرَّم الله سبحانه وتعالى الظُلم على نفسه، كما جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرمت الظُلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا".

والظُلم من البلايا التي ابتليت بها البشرية، وهو شقاءٌ على الفرد والمُجتمع معًا، وما من مصيبة تحل على النَّاس والأمم إلا وتجد الظُلم هو السبب الأول وراءها، وورد ذلك في كتاب الله الكريم موضحًا أسباب هلاك الأمم من قبلنا: "وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ" (سورة القصص: 59)؛ فالظُلم عاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة، وأهل الظُلم في الدنيا مكروهون من الناس، ويبغضهم الله جل في علاه "إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (سورة الشورى: 40)، علاوة على أن الظالِم يقع تحت طائلة الغضب الإلهي، والانتقام الرباني في النفس والمال والولد، هذا لأن دعوة المظلوم "ليس بينها وبين الله حجاب"، والله يرفعها فوق الغمام ويقول لها: "وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين".

وقال بعض الحكماء: الظُلم ثلاث أنواع: النوع الأول: ظُلم بين الإنسان وبين الله، واعظمه الكفر والشرك والنفاق "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (سورة لقمان: 13) والنوع الثاني: ظُلم بين الإنسان وبين الناس، وإياه قصد بقوله "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا" (سورة الشورى: 40) وأما النوع الثالث: ظُلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله "فَمْنِهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ" (سورة فاطر: 32) وكل هذه الأنواع الثلاثة من الظُلم هي في الحقيقة ظُلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهم بالظُلم فقد ظُلم نفسه. والظُلمة ثلاث فئات: الفئة الأولى: الظالم الأعظم، وهو الذي لا يدخل تحت شريعة الله تعالى وإياه عنى بقوله "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (سورة لقمان: 13) والفئة الثانية: الظالم الأوسط، وهو الذي لا يلتزم حكم الحاكم، أي لا يلتزم بما وضعه الحاكم من أنظمة وقوانين لتيسير أمور الحياة، وأما الفئة الثالثة: الظالم الأصغر، وهو الذي يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس ولا يعطيهم منافعهم.

وقد قال الإمام الذهبي: الظُلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظُلما، وظُلم الناس بالضرب والشتم والتعدى والاستطالة على الضعفاء، وقال ولا تظُلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء، ثم عدد صورًا من الظُلم منها: أخذ مال اليتيم، المماطلة بحق على الإنسان مع القدرة على الوفاء، ظُلم المرأة حقها من الصداق والنفقة والكسوة، ظُلم الأجير بعدم إعطائه الأجرة. وقد حذر رسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث "اتقوا دعوات المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار"، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث ثاني "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: تأخذ فوق يده"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر "اتقوا الظُلم فإن الظُلم ظُلمات يوم القيامة....".

وقال أبو العتاهية:

أما والله إن الظُلم لؤم // وما زال المسي هو الظلومُ

إلى ديان يوم الدين نمضي // الله تجتمع الخصوم

ستعلم في الحساب إذا التقينا // وغدًا عند الإله من الملوم

والسؤال المطروح: هل ابتعدنا عن إيقاع الظُلم على الآخرين كما أمرنا الله سبحان؟ والحقيقة عندما نواجه أنفسنا نجد بأننا كم دائنٍ ماطلناه في حقه ونحن قادرون على الوفاء، وكم زوجة استضعفناها بالإهانة أو الإيذاء، وكم ولد أهملنا في تربيته ثم حاسبناه على تقصيره، وكم قصرنا في حقوق آبائنا وأمهاتنا، وكم من فريضة فرطنا في القيام بها من غير عذر، وكم من صديق وجار ظُلمناه واغتبناه وسخرنا منه في غيبته، أو أخذنا حقوقه وتجبرنا عليه، وكم من مال التركة اقتطعناه بسيفي الظُلم والحياء من أرحامنا وأقاربنا.... وما أكثر ما نتألم من صور الظُلم وما غفلنا عنها، وما نتذكر إلا ظُلم الناس لأنفسهم وننسى ظُلمنا لأنفسنا بتقصيرنا في جنب الله وظُلمنا لعباد الله. وقد توعد الله الجبار الظالمين باجتثاث شافتهم في الدنيا قبل الآخرة بقوله "فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ" (سورة الأنعام: 45) وفي الآخرة قال تعالى "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ" (سورة إبراهيم: 42).

ألا يعي الظالم بشاعة الظُلم وآثاره، ألا يعي هذا الظالم أن رب العزة والقدرة والجبروت، يقول محدثًا عن ذاته العلية "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ"(سورة النساء: 40) فإن كان الله القوي القادر لا يظُلم مثقال ذرةٍ، فكيف يبيح المخلوق الضعيف أن يظُلم ما لا يقوى على حمله الجبال، وكم قضى الله على دول وأمم، فيا أيها الظالم ألا تتعظ والأمثلة أمامك واقعة، والأدلة شاهدة وناطقة، فيا الله، ما اصبر المرتشين والمرابين والمختلسين والمعتدين على الحقوق العامة والخاصة، أين الظُلمة؟ أين فرعون وهامان والنمرود، ومن بغى ببغيهم وعتا عتوهم في كل زمان ومكان؟!

أيها الإنسان تذكر جيدًا قبل أن تظُلم وتغدر عدل الله فيك، وعند مقدرتك قدرة الله عليك، وإن كنت قد ظُلمت، فبادر بالتوبة، بادر برد المظالم الآن  إلى أهلها، قبل أن يأخذك الله بظُلمك أخذ عزيز مقتدر، وكن دائمًا على حذرٍ من دمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري والناس نِيام.

أيها المسؤولين وأصحاب السلطة والنفوذ لا تظُلموا الناس، واتقوا الله فيمن تحت أيديكم، وخافوا الله في الضعفاء ، ومن ليس لهم حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وتذكروا أيها المسؤولين أن لهؤلاء البسطاء أطفالًا وزوجات وأسر يحتاجون إلى أن يعيشوا بكرامة في أوطانهم.

ويا أيها الظُلمة وأعوان الظُلمة اتقوا عاقبة الظُلم وموعد كل ظالم متكبر وأن مآله إلى القبر، لأن الضعفاء والبسطاء لا يقدمون شكواهم إلى القضاء، وإنما يقدمون شكواهم لرب السماء، والله يمهل ولا يهمل، وكل ظالم سينال عقاب الله عاجلًا أو آجلًا.

ويا أيها الآباء والأمهات لا تظُلموا أولادكم، ولا تميزوا بين الذكور والإناث، وعليكم بالعدل بين أولادكم في العطية والميراث، ولا تفرقوا بينهم حتى لا يحدث بينهم البغضاء والفرقة والشقاق. وكن أيها الإنسان على يقين بأنك في الآخرة ستسأل عن كل نفس ظُلمتها.

** محام ومستشار قانوني

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

???? نازح يحكي كيف قتل الدعامة مواطن رفض يعطيهم مفتاح سيارته وقصص حزينة جدا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
نحن الحمدلله وصلنا القضارف قبل قليل وكنا قد تحركنا يوم الأحد ..
3 يوم جوع وعطش لم نر مثيلها حتى خفنا أن يهلك أطفالنا أمام أعيننا .. مافي حاجة تشتريها حتى ..
كبري الدندر كان مغلق بأمر الجيش أمام آلاف المواطنين والسيارات ومافي طعام ولا ماء ولا كهرباء في الدندر ولا شبكة ولا وقود ..

دخلت قوة من الدعم السريع من الخلف واستغلت اغلاق الكبري وتكدس آلاف السيارات وبدأت في نهب السيارات وترويع المواطنين ..وأخذوا كمية من السيارات خاصة الدفارات والجامبوهات والشرائح والبكاسي ..

في واحد رفض يديهم مفتاح البوكسي قتلوه وشالوا البكسي .. بقية الناس ما قاوموهم ..
أمس حوالي الساعة 4م دخل جيش من الشرق ودارات معركة عنيفة بين الجيش والدعم السريع وسط المواطنين والسيارات المتكدسة بالآلاف ..

كانت معركة عنيفة جدا واستخدمت فيها حتى المدفعية والأسلحة الكبيرة ..واستمرت حوالي 3 ساعات ..

بعدها هرب الدعم السريع خارج الدندر وتركوا سياراتهم وبعض أسلحتهم وفروا فرار الكلاب..
بسبب عنف المعركة تفرق المواطنون وتشتتوا تشتتا محزنا ..وتركوا سياراتهم وقطعوا كبري الدندر على الأقدام وهم آلاف مؤلفة ..

نحن كنا وسط المعركة تحديدا في الموقع الفيهو الدعم السريع .. لكن لم نصب بأذى والحمدلله .. وما لقينا مواطن مصاب في طريقنا .. لكن الأطفال اجتمع عليهم الجوع والعطش والخوف والرعب الشديد من أصوات الاشتباك العنيف والدانات خاصة الكبيرة والقريبة جدا مننا ..
بعد العشاء هدأت الأوضاع وبدأ الجيش في فتح الكبري وتمرير الناس إلى الشرق ..
لقيت عدد من السيارات بنعرف أصحابها وكلمناهم يرجعوا يجيبوها بعضهم فعل وبعضهم ذهب وتركها وعليها متاعه وحقائبه وكل شيء ..
لقينا شباب من دونتاي تم نهب الدفار حقهم ..
وفي دفارت من كركوج ومناطق أخرى تم نهبها ..
كنا خلف حائط يفصلنا عن المعركة ونرى ما يحدث من نهب وسلب ..

الشريحة حقتنا أول عربية حاولوا نهبها ولكن طوال 5 ساعات لم يفلحوا في تدوريها رغم استعانتهم بعدد من السواقين والمكانيكيين المكرهين ..لكن كان بها اللابتوب الخاص بي وجوالي وجوال مهلب وبعد المعركة فقدناها وكذلك جوال الوالد ..

وفقدنا الكاش الكان موجود في العربية ..

عشان كدة ما قدرنا نتواصل مع الناس ولا حتى نشتري حاجة ولا نطلع بنكك ولاشيء ..
الحمد لله سحبنا الشريحة ورجعنا الاسلاك التي قاموا بقطعها ودورت الحمدلله وقبل قليل وصلنا القضارف وأحببنا نطمنكم علينا وكل الناس من القرية والقرى المجاورة لقيناهم بخير والحمد لله ..لكن في ناس عرباتهم اتنهبت وما حيقدروا يتواصلوا معاكم ..لأنو مافي طريقة يطلعوا بنكك ولا معاهم كاش لأنو جوالاتهم اتنهبت أو مغلقة بسبب عدم الكهرباء وهم لسة ماشين في الطريق ..ودا عدد كبير جدا

الحوجة عاجلة لعمل إغاثي ضخم في المنطقة شرق الكبري ..
الناس محتاجة عربات تشيلهم ومحتاجين موية وأكل .. أعداد كبيرة جدا ومرضى وكبار سن وأطفال من كبري الدندر لغاية كبري أب رخم ..

معليش أنا كتبت الكلام دا باستفاضة لانو ما حأقدر استقبل تلفون حاليا ..
وعارف في ناس مقلقين ..
وحسبنا الله ونعم الوكيل ..
ولعنة الله على الباغي والظالم والخائن والكذاب ..
لعنة الله على الكذّاب ..
لعنة الله على الكذّاب ..

ميسر الأنصاري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • نداء عاجل لقادة الجيش
  • الاغتسال والتطيب وسورة الكهف.. سنن محببة في يوم الجمعة
  • المفتي يهنِّئ الرئيس والشعب المصري بمناسبة العام الهجري الجديد
  • حكم قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة.. «الإفتاء» توضح
  • ???? الناس البتخون قيادة الجيش برهان وكباشي والعطا بيستفيدوا شنو !؟
  • شاهد عيان: والله الجنجويد جرو جري من الله خلقني ما شفت راجل بيجري بالطريقة دي
  • لقاءات لكبار العلماء.. قناة «الناس» تقدم تغطية خاصة احتفالا بالهجرة النبوية
  • بالفيديو – ويجز يدافع عن طالبة رقصت في حفل تخرّجها
  • البنا: بيتنا اول بيت يتم استباحته من الدعامة.. ربنا ينصر قواتنا المسلحة ويعود السودان كما كان واجمل
  • ???? نازح يحكي كيف قتل الدعامة مواطن رفض يعطيهم مفتاح سيارته وقصص حزينة جدا