حالة من المراوحة السياسية والعسكرية يعيشها اليمن، منذ الإعلان عن هدنة برعاية أممية في إبريل/نيسان 2022، أفضت بالبلد إلى حالة من اللاسلم واللاحرب، بالتزامن مع تهديدات للحوثيين، بين الحين والآخر، بالتصعيد العسكري.

وعلى الرغم من انتهاء الهدنة في أكتوبر/تشرين الأول 2022 من دون تمديدها مرة أخرى، إلا أن العمل بقي سارياً بها بشكل غير رسمي، مع تسجيل خروقات، تحديداً على الجبهات الداخلية.

ومنذ ذلك الحين، يتحرك المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في أكثر من اتجاه، من أجل العمل على إحياء الهدنة، لكنه دائماً ما يصطدم بعقبات عدة.

ولم تكن زيارة غروندبرغ الأخيرة إلى اليمن، والتي شملت العاصمة المؤقتة عدن ومأرب من دون التوجه إلى صنعاء، إلا مؤشراً إضافياً على تعثر المشاورات التي يجريها، والتي تضم القوى الفاعلة في الملف اليمني، إذ سجلت له زيارات إلى الرياض وطهران ومسقط وأبوظبي.

واختتم غروندبرغ، قبل أيام، زيارة إلى أبوظبي، حيث التقى بعدد من كبار المسؤولين الإماراتيين ومجموعة من الفاعلين اليمنيين، كجزء من جهوده "المبذولة لتعزيز الحوار البنّاء مع الجهات اليمنية والإقليمية الفاعلة، لاستئناف عملية سياسية جامعة، بقيادة يمنية وبرعاية الأمم المتحدة" على حد تعبير بيان صادر عن مكتبه.

كما تنخرط سلطنة عُمان في جهود الوساطة لاستئناف العملية التفاوضية، والتي يربطها الحوثيون بـ"معالجة الملفات الإنسانية"، وتحديداً ملف الرواتب للموظفين الحكوميين في مناطق خاضعة لسيطرة الجماعة، التي تمتنع عن صرفها لهم رغم الإيرادات الكبيرة التي تجبيها، وتريد أن يكون صرفها من عائدات النفط والغاز، أو أن تدفعها السعودية.

خالد بقلان: جهات إقليمية ودولية فاعلة تمنع اتخاذ القرار بحسم المعركة عسكرياً

ولم تسفر الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد من السلطنة إلى صنعاء في أغسطس/آب الماضي عن اختراق في المحادثات. كذلك ينخرط المبعوث الأميركي لليمن تيم ليندركينغ في محاولات الدفع بإطلاق عملية سياسية شاملة بوساطة الأمم المتحدة.

وفي موازاة التعثر السياسي، تغير مسار المعارك العسكرية، على مدى السنوات الماضية، ما أدى إلى تقاسم السيطرة بين طرفي النزاع. فمع بدء العمليات العسكرية، التي شنها التحالف لاستعادة الشرعية، نهاية مارس/آذار 2015، تشكلت مجاميع مسلحة للمقاومة الشعبية، عملت جنباً إلى جنب مع الألوية العسكرية التي ناصرت الشرعية، وشكلت نواة الجيش الوطني.

تهديد الحوثيين بالعودة للحرب: ابتزاز وهروب من الأزمة الداخلية
وخلال العمليات المسلحة في 2015 و2016، نجحت المقاومة الشعبية والجيش الوطني في تحرير المحافظات الجنوبية ومأرب والجوف وجزءاً من محافظة تعز. كما نجحت القوات التابعة للحكومة في الوصول إلى جبهة نهم في محافظة صنعاء، والتي تبعد 60 كيلومتراً عن العاصمة صنعاء.

في 2 ديسمبر/كانون الأول 2017، انشق الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح عن تحالفه مع الحوثيين، لتقوم الجماعة بإطباق الحصار عليه في منزله وسط العاصمة صنعاء، في معارك عنيفة، انتهت بمقتل صالح في 4 ديسمبر، لينتج عن ذلك تشكيل ما بات يعرف بالقوات المشتركة، والتي تألفت من ثلاثة تشكيلات، هي "حراس الجمهورية" أو "المقاومة الوطنية"، و"ألوية العمالقة"، و"الألوية التهامية"، والتي اتخذت من الساحل الغربي مقراً لها.

ضغط أممي لوقف معارك الحديدة
في 2018 نجحت القوات المشتركة في تحرير مديريات تعز الساحلية، وفي مقدمتها باب المندب والمخا، بالإضافة إلى عدد من مديريات محافظة الحديدة غربي البلاد. كما سيطرت على عدد من المناطق داخل مدينة الحديدة، حيث بات يفصلها عن السيطرة على ميناء الحديدة ثلاثة كيلومترات فقط، لتتحرك الأمم المتحدة والدول الغربية وتضغط من أجل إيقاف العمليات العسكرية، ورعاية مفاوضات بين الأطراف في السويد، أفضت إلى توقيع اتفاق استوكهولم.

ووافق طرفا النزاع على اتفاق استوكهولم، نتيجة الضغوط التي مورست عليهما. فالحوثيون كانوا تحت ضغط عسكري غير مسبوق من قبل القوات الحكومية، التي كادت أن تسيطر على موانئ الحديدة الثلاثة، الحديدة، والصليف، ورأس عيسى، وقوات الحكومة كانت تحت ضغط الأمم المتحدة والدول الغربية، وفي مقدمتها أميركا، التي طالبت بإيقاف العمليات العسكرية في الحديدة.

وفي 13 ديسمبر 2018 تم التوقيع بين الحكومة والحوثيين على اتفاق استوكهولم، أو ما يعرف باتفاق الحديدة، برعاية أممية. ونص الاتفاق على عقد هدنة في محافظة الحديدة، وانسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة في المحافظة، وانسحاب القوات الحكومية من المدينة، على أن يتم تسليم مهمة الحفاظ على الأمن في المدينة والموانئ إلى قوات خفر السواحل والأمن المحلية، التي كانت منتشرة هناك في عام 2014.

وعقب اتفاق استوكهولم تحولت القوات الحكومية من الهجوم إلى الدفاع، واستعاد الحوثيون زمام المبادرة من خلال شن هجمات في أكثر من جبهة. وأبرز المعارك، التي نجح فيها الحوثيون في السيطرة على مواقع جديدة، هي معركة السيطرة على نهم والجوف ومديريات من مأرب مطلع عام 2020، حيث قاموا بتنفيذ هجمات، هي الأعنف، على مواقع الجيش من جميع الاتجاهات، بعد نجاحهم في اختراق شبكة الاتصالات اللاسلكية الخاصة بالجيش الوطني، وإصدار أوامر وهمية إليهم بالانسحاب من مواقعهم.

واستمرت محاولات الحوثيين الهادفة للسيطرة على ما تبقى من مديريات محافظة مأرب، الغنية بالنفط والغاز، من خلال شن هجمات مكثفة، غير أنهم فشلوا في ذلك، لتأتي هذه الهجمات بالتزامن مع شبه توقف لبقية الجبهات، خاصة مع توقيع اتفاق الهدنة في إبريل 2022، والذي جاء برعاية أممية، لتدخل البلاد في حالة من اللاسلم واللاحرب.


وقال الكاتب والمحلل السياسي خالد بقلان، لـ"العربي الجديد"، إن "الجميع يدرك أن اليمن يعيش لأكثر من عام ونصف العام حالة من اللاحرب واللاسلم، وهذا له أسباب عدة، منها أن الملف تجاوز الإقليم - أي التحالف العربي - لأن الكثير من الجهات أو المنظمات وجدت مدخلاً للتربح من المساعدات وغيرها، ناهيك عن أن تفويت الفرص أهم سبب، لأنه كان بإمكان الشرعية حسم المعركة مبكراً، لكن الفساد وهيمنة طرف سياسي عليها، إلى جانب اتفاق استوكهولم أدى إلى منح الحوثي رئة ثالثة للتنفس".

ورأى بقلان أن "الشرعية قادرة على الحسم العسكري، خصوصاً في ظل الوضع الحالي الذي يعاني فيه الحوثيون من أزمة، وغضب شعبي واسع في مناطق نفوذهم، ومطالبات بالرواتب، وعدم قدرة على الحشد، وتغطية كافة المحاور في حال اتجهت الأمور للتصعيد". وأضاف: "أما عن جاهزية الشرعية للحسم، فإن هذا يعود لمن يقود اليوم دفّتها، إذا كان لديه قرار ذاتي، يمكننا القول إن الجاهزية في أعلى مستوياتها".


وأشار بقلان إلى أن "ما يمنع اتخاذ القرار بحسم المعركة عسكرياً هو جهات إقليمية ودولية فاعلة، ترى أن الفعل السياسي والتفاوض هو الحل، وهذه من الضغوط التي تواجهها الشرعية من قبل الأمم المتحدة وآخرين. لكن هذا لا يعني التسليم بها، ويراها الكثير من ضمن المبررات، لكن من الواضح أن الشرعية أصبحت في موقف دفاعي، وهذا يعني أن قرار الحرب والحسم ليس بيدها وحدها".

 

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

البرهان يدعو الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لتنفيذ القرارات الخاصة بوقف إدخال السلاح لدارفور

السودان – دعا رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان الأمم المتحدة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إدخال السلاح إلى إقليم دارفور.

واستقبل البرهان بمدينة بورتسودان بشرقي السودان امس الإثنين المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان رمطان لعمامرة.

وأكد البرهان، وفقا لبيان صادر عن إعلام مجلس السيادة، التزام السودان بالعمل المشترك مع الأمم المتحدة وبلورة رؤية مشتركة لمستقبل العمل في كافة المجالات.

وأشار البرهان إلى التزام حكومة السودان بحماية المدنيين، داعيا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لممارسة الضغوط على قوات الدعم السريع وإدانة الانتهاكات التي تمارسها بصورة أكثر صرامة ووضوح.

وشدد “على ضرورة أن تتخذ المنظمة الدولية الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إدخال السلاح إلى إقليم دارفور ووقف الهجوم على مدينة الفاشر”.

ومن جانبه قال المبعوث الأممي في تصريح صحفي “لقد تناول اللقاء الأوضاع في السودان”.

وأضاف “أكدت خلال اللقاء انخراط الأمم المتحدة وتشجيعها للحل التفاوضي بشأن الأزمة في السودان”، موضحا أهمية تضافر الجهود من أجل مساعدة الشعب السوداني على تجاوز هذه المحنة والإسراع في العودة للأوضاع الطبيعية والتفرغ لعمليات إعادة البناء والإعمار.

وقال “إن الحرب استكملت قرابة العامين وأسفرت عن الكثير من الضحايا، وإن المنظمة الدولية تعمل جاهدة من أجل تقليص المدة الزمنية للحرب وتقليل عدد ضحاياها”، مؤكدا استعداد مؤسسات الأمم المتحدة لمزيد من التعاون مع السودان بغية التوصل لحل للأزمة السودانية ووقف معاناة الشعب السوداني.

وكان مجلس الأمن الدولي قد اعتمد في 13 يونيو الماضي قرارا يطالب بأن توقف قوات الدعم السريع حصارها لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بالسودان، وهو الحصار المستمر منذ 10 مايو الماضي.

 

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • البرهان يدعو الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لتنفيذ القرارات الخاصة بوقف إدخال السلاح لدارفور
  • تقرير: هشاشة ليبيا تُغذي أزمة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر
  • محافظة الشرقية تُعدل المخطط التفصيلي لإحدى قرى مركز الزقازيق
  • ترامب يكشف موقفه من إغلاق تيك توك في أمريكا.. هل يستطيع وقف حظره؟
  • عدوان أمريكي بريطاني على محافظة الحديدة
  • الحوثيون: غارات أمريكية بريطانية على محافظة الحديدة
  • النيابة العامة في الحديدة تقر الإفراج الشرطي عن 53 سجينا
  • فريق الأمم المتحدة يزور مواقع الآليات التشغيلية التي استهدفها العدوان الصهيوني بميناء الحديدة
  • بعثة الأمم المتحدة تزور مواقع الآليات التشغيلية التي استهدفها العدوان الإسرائيلي بميناء الحديدة
  • زيارة أممية لمواقع الآليات التشغيلية التي استهدفها العدوان الإسرائيلي بميناء الحديدة