الرباط- فقدت 18 فردا من عائلتها في الزلزال وتقول، "لم أستطع أن أقف مكتوفة الأيدي بينما أهالينا مشردون في العراء"، بهذه الكلمات تتحدث المغربية فاطمة الزهراء بنعمي للجزيرة نت، وهي تتابع أعمال فرز وتنظيم المساعدات الإنسانية أمام مسجد الهدى، بمدينة تمارة في ضواحي العاصمة المغربية الرباط.

عندما اقترحت هذه الشابة فكرة التطوع على زوجها وعائلتها، وجدت دعما كبيرا ومساندة غير متوقعة، بل وتطوع والدها بنفسه في نقل المساعدات على متن شاحنته، وكذلك تطوع أشقاؤها بنشر الخبر بين معارفهم والتوجه إلى المناطق المتضررة بسياراتهم.

بعد دفن الأموات من عائلتها في قرية وناين في إقليم تارودانت المنكوب، كان لا بد لفاطمة الزهراء -كما تحكي للجزيرة نت- أن تفعل شيئا من أجل الأحياء الذين فقدوا كل ما يملكون، وتقول، "اخترنا التوجه لقرى إقليم تارودانت لأن معظم القوافل الإنسانية -كما تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي- ذهبت إلى إقليم الحوز ومراكش، في حين أن تارودانت جريحة -أيضا- وقراها تئنّ تحت الخراب والموت".

وتأتي قرى إقليم تارودانت في المرتبة الثانية من حيث الدمار الذي سببه الزلزال، الذي كانت بؤرته في إقليم الحوز، وأسفر عن وفاة حوالي 976 فردا في هذا الإقليم وحدة، من أصل 2862 حالة وفاة معلنة حتى الآن، إذ سقطت البيوت الطينية على رؤوس سكانها في زلزال قوي امتد تأثيره على مسافة تجاوزت 500 كيلومتر.

فاطمة الزهراء قررت وعائلتها الإسهام بجمع التبرعات وشحنها إلى إحدى قرى تارودانت على متن شاحنة والدها وسيارات إخوتها (الجزيرة) تجاوب سريع وعفوي

يفرز أفراد عائلة فاطمة الزهراء التبرعات التي وصلتهم من المعارف والأقارب والجيران ويصنفونها في ساحة مسجد الهدى، بينما تقف شاحنة والدها ومركبة شقيقها بالجوار، وعليها ورقة مكتوب فيها "مساهمات ضحايا الزلزال".

يتوقف العابرون بالمكان، يستفسرون عما يحدث، يغيبون ثم يعودون بما استطاعوا من تبرعات عينية من شاي وسكر وحليب ومياه وأفرشة وأغطية وملابس.

لم تتوقع فاطمة الزهراء هذا التجاوب السريع والعفوي، تقول للجزيرة نت، إنها خططت لجمع التبرعات في يومين ثم نقلها لمستحقيها، لكنها تمكنت في اليوم الأول من الحصول على مساعدات كثيرة، فبدأت رحلتها مع عائلتها في الليلة نفسها باتجاه القرية المنكوبة المستهدفة.

في حي آخر من المدينة نفسها، فتحت المغربية حليمة الموساوي مرآب بيت العائلة لتخزين المساعدات الإنسانية، وفرزها قبل إرسالها.

تقول حليمة للجزيرة نت، إن العديد من معارفها الذين يعرفون نشاطاتها المدنية في الميدان الاجتماعي اتصلوا بها وأحضروا تبرعاتهم، وطلبوا منها إيصالها لمستحقيها، لذلك خصصت مرآب المنزل لجمع هذه التبرعات، وتعتزم إرسالها مع القوافل المتوجهة إلى القرى المتضررة.

حليمة الموساوي حولت مرآب البيت إلى مكان لجمع التبرعات قبل إيصالها مع قوافل المساعدات (الجزيرة) التضامن في كل مكان

مع اتضاح هول فاجعة الزلزال للمغاربة وانكشاف فداحة المصاب خلال الساعات التالية، بدأت حالة من التضامن تسري بين المواطنين من مختلف المدن المغربية، وكذلك بين المغاربة المقيمين في الخارج، مبادرات وأفكار وهواتف لا تتوقف عن الرنين، وتحولت المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاءات لترتيب وتنظيم التبرعات والمساعدات الموجهة للقرى المنكوبة في الجبال، بالتعاون مع جمعيات مدنية وبالتنسيق مع السلطات المحلية في مدنهم وفي المناطق المنكوبة.

هذه القرى معروفة بالنسبة للفاعلين المدنيين، فقد كانوا كل سنة ينظمون إليها قوافل تضامنية مع حلول فصل الشتاء، لمساعدة سكانها على مواجهة البرد القارس، حيث يقطع التساقط الكثيف للثلوج الطرقات ويعزلهم عن العالم لأيام.

وسط الأحياء السكنية وفي الشوارع والساحات ودور الشباب، عاينت الجزيرة نت مشاهد لتجمعات المواطنين، وهم يجمعون المساعدات في مشهد تضامني غير مسبوق، ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، فقد هبّ الجميع لتقديم ما استطاعوا من إسهامات، باحثين عن السبيل لإيصالها لمستحقيها، ولسان حالهم يقول للأهالي الموجوعين، "ابتسموا فلستم موجوعيون وحدكم".

مشاهد الازدحام في أماكن جمع التبرعات تعكس مستوى التضامن العالي للعائلات المغاربية (الجزيرة) حماسة الشباب

في وسط العاصمة المغربية الرباط قبالة متحف بنك المغرب، تبدو الحركة غير عادية في مرآب إحدى العمارات في شارع علال بن عبد الله، كان المشهد لافتا لكل المارة.

تكوّمت بجانب المرآب فُرُش، بينما يقف بعض الشباب أمام الباب يجرون اتصالات هاتفية، أو يرتبون ما جاد بها بعض المواطنين، وفي الداخل يبدو المشهد أكثر حماسة، عشرات الشبان والشابات موزعون على أركان المكان، تقف عدد من الفتيات والنساء في المدخل وحولهم أكياس وحقائب كثيرة داخلها ملابس.

الشباب المتطوعون يركزون على جمع وفرز الحاجات الأساسية من الطعام واللباس والأدوية (الجزيرة)

تفتح آسية بن السيمو وصديقتها ياسمين الشايب، حقيبة سوداء كبيرة ممتلئة بالملابس، تقول آسية للجزيرة نت، إنها تفرز مع باقي زميلاتها في هذا الركن الملابس وتوزعها حسب جنس وسن مستحقيها، ثم تضعها في أكياس مختلفة، وتضع الملابس الصوفية والأحذية في أكياس أخرى، وتكتب محتويات كل كيس على شريط لاصق.

جاءت آسية وياسمين إلى هذا المركز صباح اليوم الثلاثاء، بعدما علمتا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاق مبادرة لجمع المساعدات لمتضرري الزلزال، تقولان، "أحضرنا ما استطعنا توفيره من مساعدة، ثم رأينا المتطوعين يعملون على ترتيب ما جُمِع، عرضنا تقديم المساعدة وانخرطنا مباشرة في العمل".

آسية وياسمين جاءتا للتطوع مع فريق مبادرة جمع التبرعات الذي يفرز الملابس ويصنفها (الجزيرة)

في جانب آخر يفرز شبان المواد الغذائية والمياه ومواد التنظيف وغيرها دون توقف، بينما الأصوات المتصاعدة في المكان تدل على أهمية وجدّية العمل الذي يفعله هؤلاء المتطوعون.

انطلقت أولى الشاحنات نحو القرى المتضررة يوم الأحد الماضي، محملة بأطنان من المساعدات الإنسانية، يقول محمد مليحي -وهو أحد المشرفين على المبادرة-، إن الجميع يعمل بحماسة لتسريع وصول المساعدات لمستحقيها، ويؤكد للجزيرة نت أنهم أرسلوا في اليوم الأول للمبادرة 5 شاحنات اتجهت نحو قرى مراكش والحوز، وانطلقت أخرى ليلة أمس الاثنين.

ويضيف مليحي، "نعمل حتى وقت متأخر من الليل، نتوزع إلى فرق ولا نتوقف إلا بعد أن تتحرك الشاحنات في طريقها نحو المناطق المتضررة".

بالنسبة لمحمد فهذه المبادرة لا سقف زمني لها، فهي مفتوحة وستستمر إلى أن تعود حياة الناجين إلى طبيعتها، وتشرق شمس جديدة على القرى الجبلية المنهكة هناك خلف جبال الأطلس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فاطمة الزهراء للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

«عم ربيع» حياته اتغيرت بعد مساعدة «حياة كريمة» له.. كيف دعمته؟

موقف إنساني سطَّره «عم ربيع» في حياته، جعله محبوبًا ومعروفًا بين الجميع، خاصة بعد واقعة إلقاء البرتقال على الشاحنات المتجهة إلى فلسطين من أجل مساعدة أهلها، لتتغيَّر حياته كليًا بعد ذلك الموقف، وتهدف العديد من المؤسسات إلى مد يد العون له، خاصة «حياة كريمة» التي فتحت ذراعيها له، لتتواصل «الوطن» مع عم ربيع، لمعرفة كيف تبدلت أحواله بعد مساعدة مؤسسة حياة كريمة له.

كيف تبدلت أحوال «عم ربيع» بعد مساعدة «حياة كريمة» له؟

«آخر مواقفها كانت النهارده لما سددت الديون اللي عليا».. بهذه الكلمات روى عم ربيع تفاصيل مساعدة حياة كريمة له، إذ كان عليه مبلغ كبير من المال قدره 186 ألف جنيه، وبمجرد معرفة ذلك الأمر، لم تتردد مؤسسة حياة كريمة في مساعدته، وذلك عبر الذهاب إلى الأشخاص أصحاب الدين والعمل على سداد 100 ألف منه، ليكون ذلك واحدًا من المواقف الداعمة لمؤسسة حياة كريمة لمساندة من يحتاج لها: «كان بعض التجار ليهم فلوس، والحمد لله هم سدوها ربنا يكرمهم ويجازيهم كل الخير».

تابع «عم ربيع» ذلك ليس الموقف الأول لمؤسسة حياة كريمة له، إلا أنها سطَّرت العديد من المواقف، كان من بينها تقديم 50 ألف جنيه له من أجل مساعدته على شراء بضاعة جديدة، إلى جانب تكريم مؤسسة حياة كريمة له، حينما أقدم على مساعدة شباب فلسطيني ليس معه ما يعينه على سداد إيجار شقته، فلم يتردد الأول في مساعدته وذلك عبر إعطائه على قوت يومه، بعد ما حصله طوال اليوم.

عبَّر بائع الفاكهة عم ربيع عن امتنانه لدور «حياة كريمة» في حياته معلقًا على ذلك قائلًا: «مؤسسة محترمة، مهما أشكرهم مش هوفي حقهم، مقابلتهم كويسة، هما أول ما شافوا الفيديو بتاع واقعة إلقاء البرتقال على عربيات القوافل، بعتوا ليا رجالتهم ومن هنا عرفوا مشاكلي وبدأوا يتابعوا معايا وماسابونيش أي لحظة».

مقالات مشابهة

  • تعاون مجتمعي حكومي.. كيف تصل المساعدات الماليزية إلى فلسطين؟
  • بنسعيد يطلع على تقدم أشغال ترميم المواقع التاريخية المتضررة من زلزال الحوز
  • وريثة ديزني توقف التبرعات للديمقراطيين حتى ينسحب بايدن من سباق الرئاسة
  • البنك الدولي: زلزال الحوز يرفع وتيرة التحويلات المالية في المغرب بنسبة 5.2% في 2023
  • «عم ربيع» حياته اتغيرت بعد مساعدة «حياة كريمة» له.. كيف دعمته؟
  • تقرير.. زلزال الحوز كشف عن ضعف الجاهزية الاستباقية للبنيات الاستشفائية وفك العزلة
  • الشروع في بناء وتجهيز مركز للفحوصات الخارجية بمستشفى محمد السادس إقليم الحوز
  • وفيات واصابات بالجملة.. فيروس فتاك يستوطن إسرائيل
  • مجلس حقوق الإنسان يحذر السلطات من المخاطر المترتبة عن زلزال الحوز والتدبير السيء للأزمات في المستقبل
  • مطالبات بإيجاد حلول لوصول المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة