هب فتاك لبّى نداك .. شعار فعّله المغاربة في مساعدة متضرري زلزال الحوز
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
الرباط- فقدت 18 فردا من عائلتها في الزلزال وتقول، "لم أستطع أن أقف مكتوفة الأيدي بينما أهالينا مشردون في العراء"، بهذه الكلمات تتحدث المغربية فاطمة الزهراء بنعمي للجزيرة نت، وهي تتابع أعمال فرز وتنظيم المساعدات الإنسانية أمام مسجد الهدى، بمدينة تمارة في ضواحي العاصمة المغربية الرباط.
عندما اقترحت هذه الشابة فكرة التطوع على زوجها وعائلتها، وجدت دعما كبيرا ومساندة غير متوقعة، بل وتطوع والدها بنفسه في نقل المساعدات على متن شاحنته، وكذلك تطوع أشقاؤها بنشر الخبر بين معارفهم والتوجه إلى المناطق المتضررة بسياراتهم.
بعد دفن الأموات من عائلتها في قرية وناين في إقليم تارودانت المنكوب، كان لا بد لفاطمة الزهراء -كما تحكي للجزيرة نت- أن تفعل شيئا من أجل الأحياء الذين فقدوا كل ما يملكون، وتقول، "اخترنا التوجه لقرى إقليم تارودانت لأن معظم القوافل الإنسانية -كما تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي- ذهبت إلى إقليم الحوز ومراكش، في حين أن تارودانت جريحة -أيضا- وقراها تئنّ تحت الخراب والموت".
وتأتي قرى إقليم تارودانت في المرتبة الثانية من حيث الدمار الذي سببه الزلزال، الذي كانت بؤرته في إقليم الحوز، وأسفر عن وفاة حوالي 976 فردا في هذا الإقليم وحدة، من أصل 2862 حالة وفاة معلنة حتى الآن، إذ سقطت البيوت الطينية على رؤوس سكانها في زلزال قوي امتد تأثيره على مسافة تجاوزت 500 كيلومتر.
يفرز أفراد عائلة فاطمة الزهراء التبرعات التي وصلتهم من المعارف والأقارب والجيران ويصنفونها في ساحة مسجد الهدى، بينما تقف شاحنة والدها ومركبة شقيقها بالجوار، وعليها ورقة مكتوب فيها "مساهمات ضحايا الزلزال".
يتوقف العابرون بالمكان، يستفسرون عما يحدث، يغيبون ثم يعودون بما استطاعوا من تبرعات عينية من شاي وسكر وحليب ومياه وأفرشة وأغطية وملابس.
لم تتوقع فاطمة الزهراء هذا التجاوب السريع والعفوي، تقول للجزيرة نت، إنها خططت لجمع التبرعات في يومين ثم نقلها لمستحقيها، لكنها تمكنت في اليوم الأول من الحصول على مساعدات كثيرة، فبدأت رحلتها مع عائلتها في الليلة نفسها باتجاه القرية المنكوبة المستهدفة.
في حي آخر من المدينة نفسها، فتحت المغربية حليمة الموساوي مرآب بيت العائلة لتخزين المساعدات الإنسانية، وفرزها قبل إرسالها.
تقول حليمة للجزيرة نت، إن العديد من معارفها الذين يعرفون نشاطاتها المدنية في الميدان الاجتماعي اتصلوا بها وأحضروا تبرعاتهم، وطلبوا منها إيصالها لمستحقيها، لذلك خصصت مرآب المنزل لجمع هذه التبرعات، وتعتزم إرسالها مع القوافل المتوجهة إلى القرى المتضررة.
مع اتضاح هول فاجعة الزلزال للمغاربة وانكشاف فداحة المصاب خلال الساعات التالية، بدأت حالة من التضامن تسري بين المواطنين من مختلف المدن المغربية، وكذلك بين المغاربة المقيمين في الخارج، مبادرات وأفكار وهواتف لا تتوقف عن الرنين، وتحولت المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاءات لترتيب وتنظيم التبرعات والمساعدات الموجهة للقرى المنكوبة في الجبال، بالتعاون مع جمعيات مدنية وبالتنسيق مع السلطات المحلية في مدنهم وفي المناطق المنكوبة.
هذه القرى معروفة بالنسبة للفاعلين المدنيين، فقد كانوا كل سنة ينظمون إليها قوافل تضامنية مع حلول فصل الشتاء، لمساعدة سكانها على مواجهة البرد القارس، حيث يقطع التساقط الكثيف للثلوج الطرقات ويعزلهم عن العالم لأيام.
وسط الأحياء السكنية وفي الشوارع والساحات ودور الشباب، عاينت الجزيرة نت مشاهد لتجمعات المواطنين، وهم يجمعون المساعدات في مشهد تضامني غير مسبوق، ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، فقد هبّ الجميع لتقديم ما استطاعوا من إسهامات، باحثين عن السبيل لإيصالها لمستحقيها، ولسان حالهم يقول للأهالي الموجوعين، "ابتسموا فلستم موجوعيون وحدكم".
في وسط العاصمة المغربية الرباط قبالة متحف بنك المغرب، تبدو الحركة غير عادية في مرآب إحدى العمارات في شارع علال بن عبد الله، كان المشهد لافتا لكل المارة.
تكوّمت بجانب المرآب فُرُش، بينما يقف بعض الشباب أمام الباب يجرون اتصالات هاتفية، أو يرتبون ما جاد بها بعض المواطنين، وفي الداخل يبدو المشهد أكثر حماسة، عشرات الشبان والشابات موزعون على أركان المكان، تقف عدد من الفتيات والنساء في المدخل وحولهم أكياس وحقائب كثيرة داخلها ملابس.
تفتح آسية بن السيمو وصديقتها ياسمين الشايب، حقيبة سوداء كبيرة ممتلئة بالملابس، تقول آسية للجزيرة نت، إنها تفرز مع باقي زميلاتها في هذا الركن الملابس وتوزعها حسب جنس وسن مستحقيها، ثم تضعها في أكياس مختلفة، وتضع الملابس الصوفية والأحذية في أكياس أخرى، وتكتب محتويات كل كيس على شريط لاصق.
جاءت آسية وياسمين إلى هذا المركز صباح اليوم الثلاثاء، بعدما علمتا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاق مبادرة لجمع المساعدات لمتضرري الزلزال، تقولان، "أحضرنا ما استطعنا توفيره من مساعدة، ثم رأينا المتطوعين يعملون على ترتيب ما جُمِع، عرضنا تقديم المساعدة وانخرطنا مباشرة في العمل".
في جانب آخر يفرز شبان المواد الغذائية والمياه ومواد التنظيف وغيرها دون توقف، بينما الأصوات المتصاعدة في المكان تدل على أهمية وجدّية العمل الذي يفعله هؤلاء المتطوعون.
انطلقت أولى الشاحنات نحو القرى المتضررة يوم الأحد الماضي، محملة بأطنان من المساعدات الإنسانية، يقول محمد مليحي -وهو أحد المشرفين على المبادرة-، إن الجميع يعمل بحماسة لتسريع وصول المساعدات لمستحقيها، ويؤكد للجزيرة نت أنهم أرسلوا في اليوم الأول للمبادرة 5 شاحنات اتجهت نحو قرى مراكش والحوز، وانطلقت أخرى ليلة أمس الاثنين.
ويضيف مليحي، "نعمل حتى وقت متأخر من الليل، نتوزع إلى فرق ولا نتوقف إلا بعد أن تتحرك الشاحنات في طريقها نحو المناطق المتضررة".
بالنسبة لمحمد فهذه المبادرة لا سقف زمني لها، فهي مفتوحة وستستمر إلى أن تعود حياة الناجين إلى طبيعتها، وتشرق شمس جديدة على القرى الجبلية المنهكة هناك خلف جبال الأطلس.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فاطمة الزهراء للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
رفضوا مغادرة بيوتهم.. سكان الخرطوم يروون للجزيرة ما عاشوه خلال الحرب
عندما كانت آلاف الأسر تغادر العاصمة السودانية بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها قبل أكثر من عام، رفض آخرون ترك بيوتهم وقرروا مواصلة العيش تحت أزيز الرصاص واحتمالات الموت الكبيرة.
عائلة الفاتح التي تسكن حي الصبابي بالخرطوم بحري، كانت واحدة من تلك العائلات التي رفضت مغادرة بيوتها، وقد عاشت شهورا طويلة مثقلة بالمرض وتداعيات القتال في واحد من أحلك فصول حياتها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بكثير من الفرح والأمل.. نازحو "ود مدني" يعودون لبيوتهم التي هجروها بسبب الحربlist 2 of 2عملية حاجز تياسير تحدث اضطرابا داخل إسرائيلend of listوتقول والدة الفاتح -لمراسل الجزيرة هيثم أويت- إن الحياة خلال فترة الحرب لم تكن إلا معاناة شديدة حيث كان بناتها يذهبن لجلب الدقيق من أحياء أخرى بعيدة حتى يتمكن من توفير الخبز.
وعندما يذهبن لقضاء المتطلبات الأساسية للحياة، كن يواجهن العديد من المخاطر والمصاعب، كما تقول السيدة الطاعنة في السن.
عودة مظاهر الحياة
وبعدما منعت الحرب الناس من التجمع والحديث إلى بعضهم البعض، بدأت هذه المظاهر العودة مجددا للبيوت بعدما تمكن الجيش من استعادة السيطرة على غالبية مناطق العاصمة.
ولكن الأيام التي سيطرت فيها قوات الدعم السريع على المدينة لم تكن سهلة على هؤلاء، فقد نكلت هذه القوات بالرجال والشباب، كما تقول إحدى السيدات.
وحتى المستشفيات نالها ما نالها من التخريب خلال هذه الفترة، بما في ذلك مستشفى الخرطوم بحري الذي تقول السلطات الصحية إنها ستحاول تشغيله بما يتوفر لها من إمكانيات كما فعلت من مستشفيات أخرى.
إعلانووفقا لسهيل عبد القادر -مدير إدارة المستشفيات بوزارة الصحة ولاية الخرطوم- فقد تعرض المستشفى لنهب كبير جدا وجرى تحطيم معداته وتكسير مبانيه.
لكن هذه الأنقاض الكثيرة -التي خلفتها الحرب- لم تمنع الناس من العودة لاستئناف حياتهم مجددا، حيث بدأت طلائع النازحين في العودة للديار رغم استمرار المعارك في بعض مناطق العاصمة.
وبعد نحو عامين من الصمود في مواجهة الحرب وأهوالها وما خلفته من جوع ومرض وخوف وفقد للأحبة، يحاول سكان المناطق التي انحسر فيها القتال لملمة جراحهم وبدء حياة جديدة على أنقاض الماضي الذي لا تزال ظلاله حاضرة أمام عيون الناس وشظاياه عالقة في عقولهم.