هل يساعد قرار حل الدعم السريع في وضع حد للحرب بالسودان؟
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
نزع قائد الانقلاب في السودان، الجنرال عبد الفتاح البرهان، ثوب الشرعية عن قوات الدعم السريع شبه العسكرية، ما يطرح تساؤلات عديدة عن قدرة القرار في إحداث اختراق في حلحلة المشهد المعقد، وآثاره على الوضع في الميدان، وليس نهاية بسؤال هل سيفاوض الجيش كياناً لا يعترف بوجوده؟.
الخرطوم: التغيير
بعد أشهر من اندلاع الحرب بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، اتخذ رئيس مجلس السيادة الانقلابي، قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، قراراً سيادياً بحل قوات الدعم السريع وإلغاء قانونها المجاز في 2017 من قبل حكومة المعزول عمر البشير، مع إلغاء التعديل الذي أجراه –البرهان- بنفسه في العام 2019 ومنح القوات استقلالية كاملة عن الجيش.
الوضع الميداني العسكري في الحرب التي تقارب من شهرها السادس؛ لا يزال تشوبه حالة من الضبابية، جراء عجز كل طرف في إنفاذ تهديداته بالحسم العسكري.
وفي ظل وضع شديد الحركية والديناميكية، تقول معظم المشاهدات بانتشار قوات الدعم السريع في معظم أحياء العاصمة الخرطوم، مع امتدادات نواحي ولايات جديدة، لم تكن ضمن ساحة المعركة السابقة، مثل الجزيرة، جنوبيّ العاصمة.
القرار الذي جاء متأخراً وعقب 5 أشهر منذ اندلاع الحرب؛ أثار تساؤلات بشأن قدرة الجيش على تحقيق انتصار فعلي في ميدان المعركة، ما جدا البرهان إلى نقل ساحة المعركة إلى سؤال الشرعية، مستفيدا من الضوء الأخضر الذي منحته له الحكومة الأمريكية بتوقيع عقوبات على بعض قيادات الدعم السريع شملت قائد ثاني القوات، الجنرال عبد الرحيم دقلو.
تأثيرات ونتائجقرارات حل الدعم السريع وتعديل قانونه، وصفها أستاذ السياسة العامة والإدارة بجامعة (لونق ايلند)، بكري الجاك بأنها بلا قيمة. مضيفاً: “ليس بمقدور الجيش حلها بالحرب، وإلا كان قد فعل”.
اتفق مع الجاك في عدم جدوى القرار؛ مدير مركز الخاتم عدلان، الباقر العفيف، الذي زاد على ذلك بأن البرهان لا يملك أي شيء لتحريك الميدان، فاتخذ قراره بحل الدعم السريع، مذكراً بأنه قرار تم اتخاذه من قبل.
وأكد العفيف على أن “ورقة” تحمل توقيع البرهان بقرار الحل تمثل حالة خداع للنفس والعالم، مؤكداً ضرورة امتلاك الجيش قدرة هزيمة الدعم السريع على الأرض. وزاد: “هذا هو الحل”.
تساؤل آخر يجول في الأذهان حول تأثير هذا القرار على أرض المعركة، وإمكانية إنفاذه.
يؤكد العفيف عدم تأثيره القرار على الميدان، وعلل رؤيته بضرورة وجود قوة لإنفاذ القانون، الذي يبدو أنه في “النزع الأخير”، في ظل حالة اللادولة التي تعيشها البلاد منذ منتصف أبريل الماضي.
وتابع العفيف: “الدولة الموجودة حالياً هي دولة الكيزان الذين يستخدمون سخائم نفوسهم وانتقاماتهم الصغيرة ضد من لا يحبون، وحادثة جواز ابنة القيادي بالحرية والتغيير طه عثمان أكبر دليل”!
وأضاف مدير مركز الخاتم عدلان: “كان على البرهان أن يلتزم فضيلة الصمت بدلاً عن قراره الذي أثار السخرية”.
ضم الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير، جعفر حسن، صوته لصوت العفيف حول عدم تأثير القرار ميدانياً، مؤكدا أن الطرفين اتخذا قرار خوض الحرب، وأضاف: “هذا ما يقومان به حالياً”.
طاولة التفاوض
سمت معظم المبادرات التي انطلقت إقليميا ودولياً المتحاربين في السودان بـ”طرفي النزاع”، وهو الأمر الذي اعترضت عليه بصورة متكررة الخارجية السودانية والجيش مطالبين الجميع بالتعامل مع قوات الدعم السريع باعتبارها قوات متمردة.
وقبيل القرار؛ كان الدعم السريع يستمد شرعيته من القانون المجاز بالبرلمان الذي جعلها تابعة للجيش السوداني؛ إلى جانب الاستقلالية الكاملة التي منحها له قرار “البرهان” بالتعديلات التي قام بها على قانون العام 2019، بمنحها صفة الاستقلالية والتبعية لقائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وكان نص المادة 5 التي لغاها البرهان تنص على تبعية الدعم السريع للقوات المسلحة وتأتمر بأمر القائد الأعلى للجيش.
نزع الشرعية عن الدعم السريع هو مقصد قرار البرهان وفق الجاك، الذي قال إنه نقل القوة من كونها قوات نظامية متمردة إلى قوات “خارج القانون” وبات يمكن وصفها بالمليشيات.
وأكد أستاذ السياسة العامة والإدارة بالجامعات الأمريكية بأن هذا القرار يجب أن يغير من الطريقة التي تمثل بها قوات الدعم السريع في المفاوضات، مستدركا: “مع العلم أن الوسطاء كانوا يتعاملون مع ممثلي القوات المسلحة كـ”قادة للجيش” لا كقادة حكوميين.
وأعرب الجاك عن تخوفه من أن يعقد قرار البرهان المشهد في عملية التفاوض، مؤكدا أن أزمة التفاوض الحقيقية تكمن في أن جميع الوسطاء لا يملكون تصورا واضحا لأي عملية سياسية.
من جانبه، أكد الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير، جعفر حسن على وجود تصور واضح للواقع السياسي بعد انتهاء مفاوضات إيقاف الحرب، يتمثل في عودة العسكر للثكنات والبعد عن العمل السياسي. مؤكداً في الوقت نفسه على ضرورة بناء جيش قومي ومهني.
وحول تأثير قرار البرهان على مسار التفاوض، يرى حسن أن الحديث حول منبر جدة، غض النظر عن قرار البرهان يدفع للتساؤل: هل يوجد خصم أم لا؟ هل ستتفاوض معه أم لا؟
حتمية المضي في هذا الاتجاه جعلت القيادي بالحرية والتغيير يؤكد على عدم تأثير قرار حل الدعم السريع على مسار التفاوض.
وقال حسن لـ(التغيير): إذا كان القرار يعني “عدم الاعتراف” فهو متبادل بدليل أنهم يتقاتلون حالياً.
من جهته قطع مدير مركز الخاتم عدلان، الباقر العفيف بأن التأثير على المفاوضات يصنعه الطرف الذي يحاصر الآخر، ويقطع خطوط إمداد الآخر ومن يستلم الأرض ويقرر فيها، هذا ما يؤثر على المفاوضات.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع قرار البرهان
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع جيش وطني لا جنيدي ولا عطوي
انتشرت في الآونة الأخيرة "بروباقندا" للفلول والمرتزقة "المشتركة"، تعمل على وصم جيش التحرير الوطني – قوات الدعم السريع، بأنها مشروع لكيان اجتماعي يسمى العطاوة والجنيديين، جاءت هذه الدعاية المغرضة بعد أن تكبد الفلول ومرتزقتهم الهزائم في جميع المحاور، وقصد من هذه الاشاعة تحجيمها وحصرها في الإطار الإثني والقبلي الضيق، ليسهل بعد ذلك عزلها من المجتمع، متناسين الموقف المشهود لقائدها حينما ألقى القبض على ابن عمه الشيخ موسى هلال بمستريحة، وعندما حاول مقدم البرنامج التلفزيوني آنذاك جرّه لفخ القبيلة، وأراد مخاطبته كرزيقي (جنيدي – عطوي)، رفض ذلك التعريف، وهدد بالانسحاب من الحوار، لو أن مقدم البرنامج أصرّ على استنطاقه من المنطلق القبلي، فنزع السماعة والمايك، ومن جميل صفات القائد بحسب شهادة المقربين منه، أنه مطلقاً لا يحتفي بمن يتقرّب إليه من باب القبيلة أو الجهة أو العرق، لهذا السبب التف حوله الشرق والشمال والوسط والجنوب قبل الغرب، ومعلوم أن الانسان السوداني البسيط قد تأثر كثيراً وما يزال، بخبث طرائق الآلة الإعلامية لفلول النظام البائد، والتي نجحت إلى حد ما في تفكيك المجتمع، لملل ونحل وعشائر وقبائل لكي تسهل قيادته، إنّ قوات الدعم السريع نشأت بقانون، أجازه نفس البرلمان الذي بارك شراكة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، في حكم السودان بعد اتفاقية السلام الشامل، والتي جاءت برائد ثورة التحرير الوطني الدكتور جون قرنق نائباً للرئيس، ورئيساً لحكومة جنوب السودان، فالتطور الطبيعي لأي جيش وطني أن يقف مع ثورة الشعب عندما يصل الجميع لمفترق الطرق، وهو ذات الخيار الذي اختاره القائد بعد اندلاع ثورة ديسمبر، فكان القشة القاصمة لظهر بعير النظام السالف، فجاء انتقام فلول المنظومة الاخوانية المندحرة، ممثلاً في الصاق فرية العشائرية على هذه القوات الوطنية الصرفة.
عندما كان البشير رأساً للنظام سمعنا بعض من أبناء قبيلته يقولون أن مقاليد الحكم بيدهم، وهذه الظاهرة من الظواهر الاجتماعية السودانية المشهورة، كذلك فعل بعض ممن ينتمون قبلياً للقائد بحسب بساطتهم وفخرهم المستحق، بابنهم الذي قاد ثورة التحرير الوطني، لكن هذا لا يعني أن المؤسسة تؤيد ذلك، أو تحذوا حذو الانحياز القبلي، على الرغم من أن جيش الفلول قد ارتكب الفظائع عبر طيرانه المأجور، بحق المجتمعات المحسوبة على القائد، لخلق بذرة فتنة جهوية تجعل خيار تفتيت وحدة السودان ممكناً، باستفزاز الكيانات الاجتماعية ودفعها لاختيار الانفصال رغبة ورهبة، لكن فات على الفلول أن القبائل المستهدفة بالقصف الجوي تمثل مع أخواتها الأخريات من جهات السودان الأربع، عصب الدولة المؤسسة قبل أكثر من مائة سنة، الدولة الوطنية الأولى التي قادها الإمام محمد أحمد المهدي وخليفتاه عبد الله ودقنه، ففلول الإخوان – فرع السودان، لا علاقة تجمعهم بالمنهاج الإسلامي، والدليل على ما نقول هو عملهم ضد الموروث المهدوي الذي رسم لنا حدود هذه الدولة العظيمة أرض (المليون) ميل مربع، والتي خانتها الحركة (الإسلامية) – المؤتمر الوطني – الاخوان المسلمون، بلعب الدور نفسه الذي جعل انفصال جنوب السودان عن شماله ممكناً، ولأن الجماعة الاخوانية لا يهمها الوطن في شيء انتقلت لبورتسودان، بعد أن دحرتها قوات الدعم السريع في الخرطوم، لكي تقيم لها وطناً بديلاً، فهي لا تؤمن بقيمة الأوطان طالما أن هنالك إمكانية لممارستها للسلطة ولو من جزيرة توتي، فهي تحتضن قوم جبلوا على حب الكرسي بصرف النظر حيوات أو موات الناس، لذلك نشاهد قائد جيشهم يتغول على سيادة الوطن ويحاول سارقاً أن يمثل الدولة في المحافل الدولية.
من نعم الله على شعب السودان أن سخّر له هذه القوة العسكرية الوطنية لأن تقول لا للدكتاتورية، وأن تضع حداً فاصلاً بين الدولة القديمة والمستقبل الجديد للسودان الجديد، الذي حلم به الدكتور جون قرنق ولم يستطع تحقيقه، نسبة لصلف وجبروت وسطوة الاخوان المسلمين في السودان في تلك الحقبة، والذين لم يتبقى لهم سوى مخلفات نوايا خبيثة لتفكيك ما تبقى من لحمة اجتماعية، ظهرت ملامحها في شرق السودان أيضاً، باستخدام ذراع الفلول – "المرتزقة" في جر أهل الشرق للاقتتال البيني، وما طفح في الاعلام من خلافات بين زعامات الشرق ما هو إلّا سيناريو آخر مثيل لسيناريو حرب دارفور العرقية، التي أشعلتها مليشيات "المرتزقة" الذين يتواجدون اليوم بميناء السودان، فهم الذين يسوقون لبروباقاندا عطوية وجنيدية قوات الدعم السريع، التي احتوت نسيج السودان الاجتماعي الكبير، ومثلت طيف واسع من الداعمين السياسيين والناشطين الذين يحبون السودان، ويعلمون تمام العلم أنه لا توجد قوة عسكرية وطنية وحدوية، ظلت تقدم الغالي والنفيس في سبيل رفعة راية الوطن وجعلها عالية خفاقة، غير قوات الدعم السريع، فقوميتها ووطنيتها لا يجب أن يجادل فيها مرتزق أو فلول منتفع، فلو كانت لحقبة "الإنقاذ" حسنة واحدة تحمد لها، فهي تكوين هذه القوة العسكرية التي تمثل الدرع والحصن الحصين للدفاع عن الوطن، وسوف تنقشع سحب النفاق والتدليس قريباً، وسيكتشف السودانيون أنها السد المنيع الذي قاوم تسونامي تمزيق الوطن الجريح.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com