يمن مونيتور:
2025-04-29@22:39:12 GMT

قيس عدن وليلى إسبانيا!

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

قيس عدن وليلى إسبانيا!

يوسف علي الضباعي

عندما زارت الكاتبةُ الإسبانية، كلارا خانيس، اليمن وتعرّفت على مدنه، لم أكن قد ولدتُ بعد. وعندما كتبت روايتها “رَجُلُ عدن والمرأةُ ذات العيون الزرقاء”، كنتُ في سنوات طفولتي الأولى.

قرّرتُ زيارة “كلارا” للتعرّف عليها عن قربٍ بعد أن قرأتُ روايتها سالفة الذكر، إذ دفعني الفضول لمعرفة السبب الذي قادها إلى اليمن، وتساءلتُ: “أيُّ قدرٍ ذلك الذي ساقها إلى اليمن؟! وأيُّ ريحٍ حملتها نحوه؟!”.

ولماذا يا تُرى اتجهت كلارا نحو الجنوب (عكس التيار)، بينما نحن في مواسم الهجرة للشمال، شعوب بأكملها تهاجر بحثاً عن الأمان والعيش الكريم؟!

في طريقي إلى مدريد وضعتُ السماعة على أذني لأنأى بنفسي عن صَخَبِ الحافلة وصوت محرّكها، ولأطردَ عنها مَلَل الرحلة، وكان أن صادفتُ أغنية أم كلثوم “ودارت الأيام”!.

فعلاً، لقد دارت الأيامُ ومرّت الأعوامُ، فإذا بي التقي بكلارا خانيس في مدريد،  وقد تجاوزت الثمانين بعامين، ولأفاجأ بأنّها كانت تستمع لأغاني أمُ كلثوم منذ طفولتها!

تتمتع كلارا التي ولدت في برشلونة عام 1940م بكاريزما قوية وحضورٍ طاغ، إضافة إلى ذاكرة عجيبة مكنتها من استحضار كثير من التفاصيل الدقيقة التي مرّت بها، حيثُ سردت لنا بدقة عالية كثيراً من الأحداث والمواقف في رحلة حياتها  الغنية والزاخرة بالشعر والأدب والترجمة، وكأنَّ تلك الأحداث وقعت أمس وليس قبل سنوات عديدة.

مازالت كلارا تترجمُ وتقرأُ وتكتبُ وتواصلُ رسالتها الإنسانية النبيلة رغم تقدّمها في السن، وهذا يثبت أنَّ العُمُرَ مجرّدُ رقمٍ إذا ما قِيْسَ بهمة الإنسان العالية ونشاطه المتجدّد. ولعلَّ الكُتَّابَ والشعراءَ حالة استثنائية، فهم يواصلون العمل ومشوار الكتابة لآخر نَفَس، إذ إنّ حياتهم مُكرّسة للقلم، ولذلك لا بدَّ أن يسيلَ مِداده لآخر قطرة. وهكذا أخبرتنا كلارا أنّها الآن بصددئترجمة بعض الأعمال الأدبية لشاعر إيطالي.

إنّ الشعراء والكُتّاب لا بدَّ أن يقولوا شيئاً، حتى لو كان “لا شيء” كما ذكر أنيس منصور في أحد كتبه عن الشاعر كامل الشناوي، أنه لمّا مات وجدوا تحت رأسه ورقة بيضاء عنوانها “لا شيء”، وفي نهاية الصفحة إمضاؤه.

أثناء الحديث مدّتْ لي بورقة بيضاء مطبوعة عليها صورة بالأسود والأبيض، يَظهَرُ فيها رجلان. أشارتْ بيدها إلى أحدهما قائلة: “هذا هو قيس! هذا هو رَجُلُ عدن!”.

لم يكن  من الصعب عليَّ التعرّف على أنّ هذين الرجلين من اليمن، وأنّ كليهما، أو أحدهما على الأقل، من الجنوب، فنحن اليمنيين، كما قال البردوني:

عرفتهُ يمنيٌ   في تلفُّتهِ

خوفٌ وعيناهُ تاريخٌ من الرمدِ

اختارت كلارا اسم قيس لتكون هي ليلاه، لرمزية القصة في التراث العربي الذي حوّل قصة قيس بن الملوّح وليلى العامرية وحبّهما العذري، إلى أسطورة على كلّ لسان، ورواية خالدة تُعيدُ نفسها في كلّ زمان ومكان، ليُرمز لكلِّ عاشقين بقيسٍ وليلى إبهاماً. كما أنّ قربها من الثقافة العربية وتشبعها بالإرث الثقافي الأندلسي مكنها من تلمُّس روح وجمال الأدب العربي وفتح لها آفاقا واسعة ورحبة للغوص في عمق ذلك الجمال وسَبَرَ أغواره.

تنوّعت أعمال “كلارا” الأدبية بين الشعر والرواية والسيرة الذاتية والمقالة وتُرجمت أعمالها إلى عدد من اللغات، من بينها العربية حيث ترجم الدكتور طلعت شاهين ديوانها الشعري “حجر النار”، والذي يظهر فيه تأثرها بالفيلسوف والمتصوف ابن عربي وروايتها “رَجُلُ عدن والمرأة ذات العيون الزرقاء”، والتي يبدو واضحا فيها تأثرها بمجنون ليلى وشعره وقصة حبّه الخالدة لليلى.

تحتفظ “كلارا” بكثير من الذكريات عن اليمن، ومناطقه المختلفة وموسيقاه، وخصوصاً صنعاء وعدن، مشيرةً إلى تنوّع واختلاف مظاهر الحياة والعادات والتقاليد بينهما بشكل ملحوظ في بداية التسعينيات.

تلمّست من خلال حديثي مع كلارا أنّ السبب الذي قادها لليمن، هو حبّها للشرق الذي تعود علاقتها به إلى سنوات طفولتها الأولى، حيث كان المستعرب، إيمليو غارسيا، صديقاً لوالدها، وكان يحدّثها عن الشرق وما فيه من سحر وجمال، فغرس حديثه الأثير في داخلها بذرة الحُبِّ الأولى التي نمت مع الأيام وأثمرت شعراً ونثراً، فكان أن يمّمت وجهها ناحية الشرق وزارت بلدانه، وتعرّفت بذلك على تراثه العظيم وشخصياته الخالدة في الأدب والشعر كأبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري.

مازال الشرق متألقاً منذ الأزل بحضاراته وفلسفته وتاريخه وآدابه، وما زال أيضاً يستهوي الأدباء والشعراء من كلِّ حَدَبٍ وصَوْب، يستلهمون منه وينهلون من معينه الذي لا ينضب.

الشرق العجيب الذي يسكن في مخيلة ووجدان كلّ الشعراء والأدباء بما فيه من خيال وجمال وسحر وغموض، وهناك في إحدى مدن الشرق (عدن)، وجدت كلارا خانيس ضالتها حيثُ زرقة البحر تطابق زرقة عينيها، وحيثُ أمواج الساحل الذهبي الهادرة ورماله البيضاء تحيطها بذلك الحُبِّ وتحفُها به… هناك حيثُ كان الحُبُّ الذي تؤمن به وتبحث عنه!.

ليست رواية “رَجُلُ عدن والمرأة ذاتُ العيون الزرقاء” إلا صورة للتقريب بين الشرق والغرب، ومحاولة لفهم الآخر، واستكشاف عالمه بما فيه من غموض. وتبقى (من وجهة نظري) الأعمال الأدبية من رواية وشعر وموسيقى وترجمة في مقدمة الفنون الإنسانية التي تقرّب بين الشعوب وتوّحدها، هذا ما قاد كلارا خانيس إلى أن تقرأ الآخرين من خلال هذه الفنون وتعيد صياغة ما استشعرته من جمال في أدبهم إلى لغتها الإسبانية، شعراً ونثراً.

المصدر: العربي الجديد

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الثقافة اليمن عدن

إقرأ أيضاً:

ترامب يتغيّر بعد 100 يوم… فما نصيب الشرق الأوسط من ذلك؟

"دخل ترامب ولايته الثانية كأسد، لكنه الآن يبدو أقرب إلى الحمل"، هكذا علّق ستيفن كوك في Foreign Policy  على الأشهر الثلاثة التي أعقبت تنصيب ترامب. لكن السؤال هو: هل يسعى ترامب للاحتفاظ بهذا الاستئساد في الشرق الأوسط، الذي بات يشغل موقع "المسرح الثانوي" في السياسة الأميركية؟

تتسم سياسة ترامب في المنطقة بتوجهات متعددة. فقد دعا إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، سواء بالقوة أو طوعًا، ويؤيد البيت الأبيض حاليًا هجومًا إسرائيليًا متجددًا على القطاع، بهدف الضغط على حماس لتسليم الرهائن المتبقين أو القضاء عليها.

وفيما يتعلق بإيران، يجمع نهجه بين التفاوض، والتهديد باستخدام القوة، وممارسة أقصى الضغوط.

كما شن حربًا واسعة على الحوثيين في اليمن، معلنًا هدفه: تأمين إسرائيل وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، وأصدر تعليمات لوزير خارجيته بالعمل على عبور السفن الأميركية التجارية والعسكرية من قناة السويس مجانًا. وبالتوازي مع ذلك، منح إسرائيل حرية التحرك عسكريًا في لبنان، على الرغم من جهود مبعوثه للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بينها وبين حزب الله.

لا يمتلك ترامب إستراتيجية متماسكة وشاملة للشرق الأوسط، بل مجموعة من الأولويات والاتجاهات، والاهتمام ببعض الملفات التي ترسم معالم نهجه في المنطقة.

إعلان

تتسم أهدافه بقدر من التضارب؛ فالأهداف التي أعلنها، مثل دعم الهيمنة الإقليمية الإسرائيلية، والرغبة في الوقت نفسه في إنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى اتفاق مع إيران، وتوسيع اتفاقات التطبيع، تبدو متعارضة إلى حد كبير.

ويُضاف إلى ذلك أن تركيز ترامب على العلاقات الشخصية قد يسفر عن سياسة تفتقر إلى الاتساق، وتتسم بقدر من المفاجأة، بناءً على تفاعلاته مع القادة الأفراد.

يتسم نهجه بتيارات متضاربة تتأرجح بين الانعزالية والتدخلية. ففي حين يرفض التدخلات العسكرية الواسعة ويسعى للانسحاب من الشرق الأوسط، فإنه ينخرط في الوقت نفسه في ضرب الحوثيين دون وجود رؤية واضحة لنهاية هذه الحملة.
تجعل هذه السياسات من الصعب على الأطراف الإقليمية توقّع الإجراءات الأميركية والتخطيط على أساسها.

قد تجد بعض الإجراءات تفسيرها في تفضيلاته الشخصية، مثل التفاوض مع "قادة أقوياء" أو السعي للحصول على جائزة نوبل للسلام. يُوصف بأنه "لديه نفاد الصبر"، ورغبة في أن يكون "زعيمًا قويًا وحاسمًا"، لكنه يفتقر إلى التفكير طويل الأمد بشأن العواقب الأوسع لأفعاله.

ينطلق ترامب في تحركاته من إطار واقعي محدد قوامه مبدأ "أميركا أولًا". ولكن تطبيقه لهذا الإطار على منطقة الشرق الأوسط يبدو ضيقًا للغاية، ويفتقر إلى المشاركة الدبلوماسية والمدنية الشاملة، ولا يستثمر فاعلية العمل مع الحلفاء، وهو ما عزّز النفوذ الأميركي على مر التاريخ.

ترامب: نهج مختلف للسياسة الخارجية

يشكّل نهج ترامب في السياسة الخارجية في ولايته الثانية تحولًا عن النظام الدولي الليبرالي الذي ساد بعد الحرب الباردة، حيث يعطي الأولوية للمصلحة الوطنية "أميركا أولًا" في إطار المنافسة بين القوى العظمى.

هذا النهج يقوّض الأعراف والتقاليد الدولية والقيم الإنسانية المشتركة مثل تهجير الفلسطينيين ودعم الإبادة الجماعية لهم. ينحرف هذا النهج عن الدبلوماسية الأميركية التقليدية من خلال إعادة توجيه التحالفات، وتجاهل الشركاء التقليديين في كثير من الأحيان، وإعطاء الأولوية لأسلوب التفاوض القائم على الصفقات والرافعة المالية، وهو أسلوب يتجاوز التشاور الدولي.

إعلان

كما تُستخدم الأدوات الاقتصادية، وعلى رأسها التعريفات الجمركية والعقوبات الاقتصادية، كأسلحة إستراتيجية، بما في ذلك التوجه نحو الانفصال الاقتصادي. وإلى جانب ذلك، يبرز التركيز على الولاء، والتجاهل الواضح لإجماع الخبراء والمعايير المؤسسية في صياغة السياسات.

ويمكن رصد الملامح التالية لنهج ترامب في السياسة الخارجية:

1- التحول من النظام العالمي الليبرالي إلى الواقعية والمنافسة بين القوى العظمى

يرتكز نهج ترامب على تقليد واقعي راسخ يمثّل خروجًا عن نموذج النظام العالمي الليبرالي الذي ميّز حقبة ما بعد الحرب الباردة في ظلّ الهيمنة الأميركية.

ترى إدارته أن النظام الدولي تهيمن عليه المنافسة بين القوى العظمى، وليس الصداقة الدولية. ويعتبر المستشارون الرئيسيون أن النظام العالمي الليبرالي "وهْم خطير"، ويدعون إلى تبنّي سياسة خارجية تركز على المصلحة الوطنية.
وهذا التركيز على "أميركا أولًا"، والذي يقسم العالم على طول خط الصدع بين الولايات المتحدة، وجميع الدول الأخرى، يتناقض مع نماذج أخرى مثل التقسيم بين الديمقراطية، والاستبداد الذي كان سائدًا في خطاب بايدن.

يُوصف نتنياهو بأنه يدرك أن "الحرب الدائمة" هي "صديقته"، مما يسمح له بقمع المعارضة السياسية، وتجنّب التحقيقات في الإخفاقات التي تؤدي إلى الصراع، والحفاظ على تماسك حكومته. وهذا يجعل ترامب ونتنياهو متوافقين في الإجراءات التي يُنظر إليها على أنها تستفيد من استمرار الحرب على غزة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الموقف من إيران يبدو مختلفًا. ففي الوقت الذي يحرص ترامب على التنسيق مع إسرائيل؛ فإنه يواجه اختبارًا لإعطاء الأولوية لـ"أميركا أولًا" على "إسرائيل أولًا"، نظرًا للتكلفة العالية للصراع المحتمل مع إيران. يعتقد قطاع من النخبة الأميركية أن السياسة الخارجية الأميركية غالبًا ما تعطي الأولوية للمصالح الإسرائيلية.

إعلان

مبدأ ترامب "أميركا أولًا"، الذي يعطي الأولوية للمصالح الأميركية على غيرها، قد يؤدي إلى احتكاك أو صدامات مع المصالح الإسرائيلية، خاصة إذا كان تحقيق الأهداف الأميركية (مثل إنهاء حرب غزة أو مواجهة إيران) يتطلب اتباع نهج يختلف عن موقف إسرائيل أو يستفيد منه.

2- إعادة توجيه التحالفات وتجاهل الشراكات التقليدية

يتضمّن نهج إدارة ترامب إعادة توجيه الدبلوماسية والتحالفات الأميركية بعيدًا عن الشراكات القديمة لصالح شراكات جديدة. وينتقد المسؤولون التحالفات التقليدية مثل حلف شمال الأطلسي (NATO).

تشمل هذه الإستراتيجية تقليص الالتزامات في مناطق تعتبر ثانوية مثل أوروبا والشرق الأوسط، بهدف تركيز الموارد على المناطق الإستراتيجية الرئيسية مثل منطقة آسيا والمحيط الهادئ لاحتواء الصين. وغالبًا ما يتعامل هذا النهج مع الحلفاء الديمقراطيين بقدر من "التجاهل" و"الازدراء".

ويُلاحظ نقص الاهتمام بالحفاظ على القوة الناعمة للولايات المتحدة، أو تعزيزها، وهي القدرة على حشد الحلفاء وجذب الكفاءات. تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة أكثر فاعلية عندما تحشد دعم أصدقائها، وهي أداة يتجاهلها ترامب إلى حد كبير، مفضّلًا "صدمة الحلفاء والشركاء" على كسب تأييدهم.
هو يقلل من شأن الموارد الدبلوماسية، ويفشل في حشد الدعم الدولي، مثلما جرى مع إيران.

3- أسلوب التفاوض القائم على الصفقات والرافعة المالية

تتضمّن إستراتيجية التفاوض المفضّلة لدى ترامب التهديدات والمطالب المبالغ فيها؛ بهدف تضليل الطرف الآخر ودفعه في النهاية إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق، فيما يمكن وصف طريقته المفضلة غالبًا بأنها "التصعيد من أجل التهدئة".
يُوصف بأنه يجيد استخدام "النفوذ"، الذي يمكن أن يكون قسريًا. ويمكن ملاحظة هذا النهج في محاولات ممارسة الضغط على دول مثل دول أميركا اللاتينية فيما يتعلق بقضايا مثل الهجرة.
وعند التعامل مع قضايا مثل إيران، تمضي الإدارة قدمًا في تكتيكات الضغط دون حشد الدعم الدولي أولًا، أو التشاور مع الحلفاء والشركاء الإقليميين، وهو ما يمثل تكرارًا لأخطاء الماضي.

إعلان

يسعى إلى إبرام صفقات، حتى وإن كانت مشابهة للصفقات السابقة أو تلك التي تخلى عنها سابقًا حتى ينسبها إلى ذاته، مثل الوصول لصفقة الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، ربما تحت اسم جديد مثل "خطة العمل الشاملة المشتركة لترامب". يبدو أنه يهتم بالتوصل إلى اتفاقيات لأغراض خاصة به.

وَفق نهج الصفقات، يعتبر أنه: "لا يوجد للولايات المتحدة حلفاء أبديون، وليس لدينا أعداء دائمون.. مصالحنا أبدية ودائمة".

4- الاستخدام الإستراتيجي للجيو-اقتصاد والانفصال الاقتصادي

تولي إستراتيجية ترامب اهتمامًا كبيرًا للجيو-اقتصاد ودور القوة المالية في السياسة العالمية. ويُنظر إلى الصفقات التجارية والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا من منظور المنافسة على النفوذ الإستراتيجي بين القوى العظمى، وليس فقط الكفاءة الاقتصادية أو التقدم العلمي.

وتُستخدم التعريفات الجمركية في المقام الأول كسلاح اقتصادي ضد الصين؛ بهدف تعزيز المصالح الجيو-اقتصادية الأميركية، وتوجيه الشركات بعيدًا عن الاستثمار في الصين.

يدعو هذا النهج إلى انفصال اقتصادي تدريجي، ولكن متعمّد عن الصين، في تحوّل عن المعايير السابقة للتعايش الاقتصادي على الرغم من الخلافات الإستراتيجية. ويتم دمج سياسة الطاقة في الإستراتيجية الكبرى بهدف تحقيق "الهيمنة العالمية على الطاقة".

5- تجاهل المؤسسات والخبرة والسياسة القائمة على الحقائق

تُوصف الإدارة الأميركية الآن بأنها تضع ولاء العاملين على رأس الأولويات. هناك حالات تظهر فيها السياسات بناءً على افتراضات خاطئة بشكل واضح، مثل الادعاء بأن التعريفات الجمركية تمثل تخفيضًا للضرائب. شملت التعيينات في المناصب الرئيسية "متشددين ومبتدئين". وهناك شعور بأن المؤسسات والقيم المهنية تتعرض للتقويض.

يشير هذا النهج إلى الابتعاد عن نماذج الحكم التقليدية التي تعتمد على الخبرة والمؤسسات القائمة والدقة الواقعية في صنع السياسات.

إعلان

تُعزى الفوضى جزئيًا إلى الصراعات الداخلية في الحزب الجمهوري بشأن السياسة الخارجية، بما في ذلك وجهات النظر المختلفة بشأن روسيا وإيران وإسرائيل.

إنّ المعيّنين والمرشحين للتعيين يحملون آراء أكثر تدخلية ومؤيدة بشدة لإسرائيل، وهو ما قد يتعارض مع رغبة الرئيس المعلنة في الانسحاب من المنطقة. هذه الديناميكيّة الداخلية تخلق نتائج سياسية غير متوقّعة.

باختصار، ترتكز رؤية إدارة ترامب للشرق الأوسط على إطار واقعي يُعطي الأولوية للمصالح الوطنية الأميركية في عصرٍ يشهد تنافسًا بين القوى العظمى، مُعتبرةً المنطقة ذات أهمية إستراتيجية، لكنها قد تكون ثانوية مقارنةً باحتواء الصين.
يتضمّن هذا النهج تقليص الالتزامات التقليدية، مع استخدام الضغط والنفوذ بشكل انتقائي للسعي إلى إبرام صفقات، لا سيما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ونفوذها الإقليمي، والتعامل مع علاقات معقدة مع شركاء مثل إسرائيل.
بيدَ أن السياسات الداخلية وغياب المشاركة متعددة الأطراف، وقلة استخدام الموارد الدبلوماسية والمدنية قد يُعيق الفاعلية الأميركية في المنطقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ترامب يتغيّر بعد 100 يوم… فما نصيب الشرق الأوسط من ذلك؟
  • الصليب الأحمر: استهداف مركز إيواء بصعدة يسلط الضوء على المأساة التي يتعرض لها المدنيون في اليمن
  • من هدوء المدينة إلى نار الاشتباكات والطائفية... ما الذي حدث في جرمانا السورية؟
  • المشهد اليمني الذي يشبهُ غزة
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • هل تتحول اليمن إلى “مستنقع ” يستنزف الولايات المتحدة ؟! 
  • قيادي حوثي يوجه انتقادا لاذعاً للحوثيين ويوكد ان القرارات التي ورطت اليمن جاءت بدوافع طائفية ضيقة بعيدًا عن المصلحة الوطنية العليا
  • من هو القيادي الحوثي عبدالله الرصاص الذي استهدفه الجيش الأمريكي في اليمن؟
  • فوكس نيوز: حرب ترامب في اليمن صراع يهدد بالتحول إلى مستنقع يستنزف قدرات واشنطن العسكرية (ترجمة خاصة)
  • ياويل عبدالرحيم دقلو الذي لن يجد جحراً يلوذ به