عربي21:
2024-09-10@19:52:48 GMT

النضال الصامت الصارخ بخيانة الديمقراطية

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

ألقى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل تصريحا جلب له موجة سخرية وجعله "كاراكوز".. "النضال في بعض الأحيان يكون بالصمت"، هكذا بصريح العبارة. كان قبل ذلك بأيام قليلة قد خرج من صمت الصيف الطويل وقال لقد برد الطقس وسنعود إلى النضال، بما ذكّر الناس بقوم هربوا من القتال في الحر والقرّ فانهزمت دعوتهم.

غير أن أمر النقابة في تونس يختلف عن ذلك الجيش وأولئك الأنصار، فصمت النقابة عن الانقلاب يجلب لها مكاسب أكثر من انحيازها إلى معارضيه (دسم مائدة معاوية).

نتحدث هنا عن مكاسب سياسية لا مكاسب نقابية، فالنقابة التونسية حزب سياسي يلبس لبوس نقابة ويُلْبِس على الناس. هنا مفتاح فهم تصريح الأمين العام وهنا مفتاح فهم موقف النقابة عامة لا من الانقلاب فحسب؛ بل من الثورة ومكاسبها السياسية وفي مقدمتها الحرية العزيزة على كل نفس حرة فقط.

الحديث عن النقابة مملّ

أحبذ أن اعتذر لقارئ محتمل عن تكرار الحديث عن موقف النقابة من الثورة ومن الديمقراطية وبالتالي ومن الانقلاب، لأن موقفها من الوضوح بحيث يدخل تحت باب توضيح الواضحات من الفاضحات.

النقابة التونسية حزب سياسي يلبس لبوس نقابة ويُلْبِس على الناس. هنا مفتاح فهم تصريح الأمين العام وهنا مفتاح فهم موقف النقابة عامة لا من الانقلاب فحسب؛ بل من الثورة ومكاسبها السياسية وفي مقدمتها الحرية العزيزة على كل نفس حرة فقط
يزعم كثير ممن يتناول أمر النقابة التونسية الأشهر محليا وعربيا أن الصف النقابي ليس واحدا، فهناك تياران يشقانها؛ التيار الأول ترتيبيا هو تيار العاشوريين (نسبة إلى الحبيب عاشور- أمين عام سابق) أو ما يسمى عند اليسار بالبيروقراطية النقابية، وهو التيار المنعوت بأنه نقابي خالص لا يستعمل النقابة استعمالا سياسيا. أما التيار الثاني فهو تيار اليسار المتطرف، وانضم إليه القوميون العرب بعد أن كانوا يرون العمل النقابي خيانة ثورية.

التيار الأول متهم من التيار الثاني بمهادنة السلطة وخيانة العمال وذلك منذ ما قبل أزمة كانون الثاني/ يناير 1978، حين اصطدمت النقابة بالحزب الحاكم وحدثت مجزرة فعلية، لكن السلطة وللمفارقة سجنت العاشوريين وسلمت النقابة لليسار الثوري في مؤتمر قفصة بعد ثلاث سنوات.

بعد الثورة لم نر فرقا بين التيارين فقد وقفت النقابة بكل جامعاتها القطاعية وتمثيلياتها الجهوية ضد الثورة، وخاصة بعد خسارة اليسار للانتخابات 2011 التي تقدم فيها الإسلاميون. كلمة السر: لا يجب أن يحكم الإسلاميون تونس وحدهم أو مع شركاء، وكل طريق تؤدي إلى مشاركتهم في السلطة وجب قطعها ولو بتخريب البلد وإسقاط مطالب الثورة ومسار بناء الديمقراطية. وقد حصل ذلك بحذافيره حتى انتهينا إلى الانقلاب، ولقد تباهى بذلك الأمين العام السابق حسين العباسي قائلا: لم نسمح لهم بالراحة طيلة العشرية، وهو يعني الإسلاميين فقط دون أي فريق سياسي آخر. والنتيجة كانت انهيار كل المسار.

ولقد كان واضحا منذ ساعة الانقلاب الأولى أن النقابة تقف معه وتدعمه، ومنحته منذئذ الوقت الكافي ليستقر ويرسخ قدمه، وهو ما سماه الأمين العام الحالي بالنضال بالصمت.. إنه "نضال" ضد الديمقراطية وضد الثورة وضد الحريات.

لمصلحة من خربت النقابة الثورة والديمقراطية؟

كان واضحا منذ ساعة الانقلاب الأولى أن النقابة تقف معه وتدعمه، ومنحته منذئذ الوقت الكافي ليستقر ويرسخ قدمه، وهو ما سماه الأمين العام الحالي بالنضال بالصمت.. إنه "نضال" ضد الديمقراطية وضد الثورة وضد الحريات
لقد كان واضحا منذ الثمانيات أن اليسار التونسي عاجز عجزا مطلقا عن بناء حزب يساري كبير، والأمر نفسه بالنسبة للقوميين ولو كان تحالفا أطروحاته الفكرية وأساليب عمله السياسي والتنظيمي جعلت منه أقلية معزولة شعبيا، بينما تمدد الإسلاميون في كل ناحية وكل مؤسسة بدءا من الجامعة رغم كل ما تعرضوا له من ملاحقات وسجون طيلة نصف قرن.

وقد أكدت انتخابات 2011 التعددية واقع التشرذم اليساري والقومي (هناك أكثر من عشرة فرق قومية تعتبر نفسها أحزابا)، فلم يبق لدى اليسار والقوميين لمواجهة الإسلاميين إلا التحصّن بالنقابة واستعمالها سياسيا لمنع الإسلاميين من الحكم ومن ترسيخ أقدامهم في الدولة والمجتمع. حصل اليسار على مبتغاه السياسي، لقد أُقْصِيَ الإسلاميون من كل مشاركة وعادوا إلى وضع المطاردين الأزليين، لكن حصلت مع ذلك نتائج أخرى.

لقد عادت منظومة الفساد والاستبداد للحكم بالتدريج مستفيدة من التخريب النقابي خاصة في المؤسسات العمومية، وانتهى الأمر بعودة مظفرة على ظهر الانقلاب. من استعمل من في النتيجة، ولو بفرضية حسن النية النقابي ونحن لا نرجحها؟

النتيجة: أقصت النقابة الإسلاميين لمصلحة منظومة الفساد، بما وضح لكل ذي بصيرة الموقع السياسي الحقيقي لليسار التونسي وللقوميين كجزء مكين من المنظومة الفاسدة. إنهم ذراعها الضاربة وقوتها في الشارع، إنهم زبانية المنظومة التي اصطنعتها عصا غليظة ولم تدفع في استخدامها من جيبها وإنما من جيب المواطن التونسي فلم يكلفها الأمر شيئا، لقد زرعتهم في مواقع القرار بحيث عطلوا ما وجب تعطيله حتى سقط الإسلاميون؛ العدو الحقيقي للمنظومة.

وجب أن نضيف هنا أن لقاء مصالح قد حدث ولا نظنه إلا مخططا مدروسا، فقد التقت المنظومة الفاسدة مع مصالح المحتل القديم في منع بناء الديمقراطية في تونس، فالثورة التي طرحت سؤال محاسبة المحتل على جرائم الاحتلال لا يجب أن تحكم. وكان اليسار ونقابته في ماكينة قطع الطريق على المحاسبة، بما يجعلهما أداة للاحتلال. وهنا نفهم سر جائزة نوبل ومسارعة النقابة للاحتفال بالجائزة مع الرئيس الفرنسي قبل أن تعود بالأوسمة إلى تونس، وغير مهم هنا إن كان حسين العباسي عاشوريا أو يساريا فقد ذاب الفرق بين الشقين في خدمة المحتل ومنظومة التبعية المحلية.

والحل مع هذه النقابة؟
يظن كثيرون أن تجاهل الانقلاب للنقابة يضر بالنقابة وهو تحليل خاطئ بالجملة، فمطالب النقابة تتحقق على الأرض بواسطة الانقلاب وهذا تفسيرنا للنضال الصامت. إنه لا يتجاهلها بل يترك لها فسحة وقت وهو يعرف (الحقيقة أن المنظومة الكامنة وراء الانقلاب تعرف) قدرتها على إعادة توظيف النقابة في أية لحظة، فالنقابة جاهزة دوما لخوض المعركة نفسها لصالح المنظومة
لم يرتق خيال السياسيين التونسيين إلى تصور تونس دون هذه النقابة، لذلك لا يخلو خطاب من تمجيدها وذكر مآثر مؤسسيها، وهو خطاب يخفي خوفا بل رعبا من مواجهة النقابة، وما دام هذا الخوف يملأ صدور السياسيين بمن فيهم الإسلاميين فإن أمام النقابة أيام زاهية. بل لعل الإسلاميين أكثر الأطراف السياسية خوفا أمام النقابة، لقد كانوا يرون النقابة تخرب على حكومتهم بمنخرطي حزبهم، إذ تمنع أنصارها من كسر الإضرابات أو فسخ الانخراط من النقابة، لقد رسخت النقابة في عقول كثيرة أن كسر إضراب يرتقي إلى جريمة شرف أو خيانة وطن.

يظن كثيرون أن تجاهل الانقلاب للنقابة يضر بالنقابة وهو تحليل خاطئ بالجملة، فمطالب النقابة تتحقق على الأرض بواسطة الانقلاب وهذا تفسيرنا للنضال الصامت. إنه لا يتجاهلها بل يترك لها فسحة وقت وهو يعرف (الحقيقة أن المنظومة الكامنة وراء الانقلاب تعرف) قدرتها على إعادة توظيف النقابة في أية لحظة، فالنقابة جاهزة دوما لخوض المعركة نفسها لصالح المنظومة. لم يُعتقل نقابي واحد منذ الانقلاب، ولحست النقابة كل مطالبها التي رفعتها ضد حكومات ما بعد الثورة، وهو اتفاق غير مكتوب مع الانقلاب؛ نتيجته سلامة النقابة حتى تحتاجها المنظومة من جديد.

المنخرط الشجاع الذي لا يتبع النقابة في أي أمر من أمورها "النضالية" لم يولد بعد، والسياسي الشجاع الذي سيحل النقابة لم يولد بعد، لذلك سيتحمل التونسيون كابوس النقابة لزمن أطول مما يتوقع الجميع.

ونختم بيقين: ستدعم النقابة المنقلب في انتخابات الرئاسة لسنة 2024 مقابل المزيد من تصفية الإسلاميين.. هؤلاء الإسلاميون لا يموتون إذن ليُمنح الانقلاب فرصة أخرى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسي اليسار الإسلاميين الإنقلاب تونس الإسلاميين اليسار نقابات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمین العام النقابة فی

إقرأ أيضاً:

ماذا يحدث للجسم عند السهر بشكل يومي؟.. احذر «القاتل الصامت»

«البوم الليلي» مصطلح شائع يُطلق على الأشخاص الأكثر نشاطًا في الليل، والذين يميلون إلى السهر بشكل يومي، إلا أن الحقيقة هي أن هذه العادة قد تعرضهم لمخاطر صحية خفية، كما كشفت دراسة حديثة، التي أطلقت تحذيرًا لهم من الاستمرار في هذه العادة، فما القصة؟   

«الأشخاص الأكثر نشاطًا في الليل والذين يميلون إلى السهر هم أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني»، هكذا كشفت دراسة أجراها معهد علم الأوبئة الهولندية للسمنة، والمنتظر قديمها في الاجتماع السنوي للجمعية الأوروبية لدراسة مرض السكري في مدريد، بحسب صحيفة «دايلي إكسبريس».

تحذير من السهر بشكل يومي.. يهدد بالإصابة بمرض السكري

قال الباحثون إن أولئك الذين يبقون مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل، هم أكثر عرضة للتدخين أو اتباع نظام غذائي غير صحي، على الرغم من أنهم أكدوا أن زيادة خطر الإصابة بمرض السكري، قد لا ترجع إلى نمط الحياة وحده.

واقترح الباحثون أن يحاول الأشخاص الذين يحرصون على السهر خوفًا من الإصابة بمرض السكري، الذي يصفه الأطباء بأنه «القاتل الصامت»، تجنب تناول الطعام في وقت متأخر من الليل. 

ماذا يحدث عند السهر بشكل يومي؟

الدراسة حللت توقيت النوم ومحيط الخصر ومؤشر كتلة الجسم لنحو 5026 شخصًا، من بين المجموعة خضع 1576 شخصًا لفحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لقياس الدهون الحشوية والكبدية، بينما جرى استخدام السجلات الصحية الإلكترونية؛ للتحقق من مدى إصابة الأشخاص بمرض السكري من النوع 2.

وعند تعديل العوامل المرتبطة بالعمر والجنس وإجمالي الدهون في الجسم ونمط الحياة مثل ممارسة الرياضة والنظام الغذائي والتدخين، وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يفضلون البقاء مستيقظين، حتى وقت متأخر من الليل لديهم خطر أعلى بنسبة 46%؛ للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، مقارنة بالأشخاص في المجموعة المتوسطة.

الدكتور فان دير فيلدي رئيس الباحثين في الدراسة، قال: «إن التفسير المحتمل هو أن الإيقاع اليومي أو الساعة البيولوجية، في الأشخاص الذين يعانون من تأخر في النمو، لا يتزامن مع جداول العمل والأنشطة الاجتماعية التي يتبعها المجتمع، وهذا يمكن أن يؤدي إلى اختلال الساعة البيولوجية، وهو ما نعلم أنه يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات التمثيل الغذائي وفي نهاية المطاف مرض السكري من النوع 2».

مقالات مشابهة

  • عذراً للعالم الحرّ فقط على نشر المقطع.. ولكن هل يمتلك العالم العربي والاسلامي الصامت الشجاعة ولو لمرة واحدة على المشاهدة؟!
  • الأردنيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية وسط توقعات بزيادة دعم الإسلاميين بسبب حرب غزة
  • محافظ ديالى يزور نقابة الصحفيين ديالى ويشيد بأدائها المتميز ودورها الفاعل في المجتمع
  • ماذا يحدث للجسم عند السهر بشكل يومي؟.. احذر «القاتل الصامت»
  • أبو الغيط يهنئ الرئيس تبون بمناسبة إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لولاية ثانية
  • موظفو مستشفى الثورة بإب يشكون توقف مستحقاتهم المالية
  • حساني: أنا مرتاح.. أديت واجبي من أجل الوطن
  • لافتات سبتمبرية (2) هيئة النضال
  • العرادي عن قرار الرئاسي بتشكيل مفوضية للاستفتاء: مظهر آخر من مظاهر الانقلاب واغتصاب للسلطة
  • «المحامين» تجري مقابلات شخصية للراغبين في القيد بالنقابة اليوم