أضواء كاشفة : قمة مجموعة العشرين .. محلك سر
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
رغم أنَّ القمَّة الـ18 لمجموعة العشرين التي أنهت أعمالها مؤخرًا في الهند حملت شعار «أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد» من أجْلِ تحقيق التنمية المستدامة والنُّمو الاقتصادي بشكلٍ أكثر توازنًا بَيْنَ البُلدان المتقَدِّمة والنامية.. إلَّا أنَّه في رأيي أنَّ هذه القمَّة يُمكِن أن نطلقَ عليها قمَّة «محلك سر» فهي لَمْ تخرج بجديد يحرِّك الركود العالَمي الذي يصيب العديد من القضايا الشائكة التي تحتاج إلى حلول جذريَّة وحاسمة لفكِّ أزمتها، إلى جانب أنَّها طغى عليها طابع «المجاملة» وأعني هنا الجانب الروسي الذي نجح في تجنُّب الضغط عَلَيْه في شأن العمليَّة العسكريَّة الروسيَّة الخاصَّة في على أوكرانيا.
إنَّ زعماء مجموعة العشرين لَمْ يتمكنوا من الاتِّفاق على رأي موَحَّد سواء لتحديد مستقبل محدَّد للنفط أو حلٍّ لمشكلة المناخ أو دعم التوجُّه للطَّاقة المتجدِّدة والنظيفة، وتعزيز التنمية الخضراء أو إلزام الدوَل الصناعيَّة بضرورة التخلص من الوقود الأحفوري لِمَا ينتج عَنْهُ من انبعاثات كربونيَّة تُهدِّد الكرة الأرضيَّة بأكملها أو توفير التمويل اللازم لبنوك التنمية المتعدِّدة الأطراف وغيرها من القضايا التي تؤرق بال شعوب العالَم أجمع.
عِنْدما قرأنا شعار القمَّة تفاءلنا خيرًا وكان يحدونا الأمل أن تسودَ الوحدة على قرارات القمَّة.. ونعني هنا وحدة الرأي وتحقيق الهدف التنموي تجاه التحدِّيات التي تواجه العالَم وليس وحدة الثقافات التي تصبُّ في خانة العولمة المذمومة.. ففي ظلِّ التقَدُّم التكنولوجي الرهيب أصبح العالَم قرية كونيَّة صغيرة يتواصل مع بعضه البعض بضغطة زر؛ وبالتَّالي فإنَّ وحدة «الأرض والعائلة والمستقبل» كما كانت تدعو القمَّة لو تحققت لحصلت الشعوب في كُلِّ مكان على التنمية المستدامة المنشودة.. ولكن زعماء القمَّة وضعوا أصابعهم على المشاكل وتهرَّبوا من الحلول.
كان الأجدر بزعماء العالَم الاستماع لصوت سلطنة عُمان الحكيم عِنْدما أعلن صاحب السُّمو السَّيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثِّل الخاصُّ لجلالة السُّلطان الذي ترأَّس وفد السَّلطنة المشارك في القمَّة ممثلًا لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه اللهُ ورعاه ـ حيث أكَّد أنَّ العمل المشترك سيُحقِّق التقَدُّم والازدهار للبَشريَّة جمعاء وليس صون الأرض وحمايتها فقط، مشيرًا إلى أنَّ «السَّلطنة تؤمن بروح التعاون والمسؤوليَّة المشتركة، وتلتزم بهما سعيًا لتحقيق المنفعة العامَّة».. أي أنَّ الجميع هنا في مَركَب واحد ويجِبُ أن يقومَ كُلٌّ بِدَوْره حتَّى تنجوَ وتصلَ لبَرِّ الأمان وتتجاوز التحدِّيات بنجاح.
كنا نتطلع من زعماء دوَل تمتلك 59% من تعداد سكَّان العالَم و75% من حصَّة التجارة العالَميَّة أن ينقذوا البَشَريَّة.. فالكوارث الطبيعيَّة تفتك بالدوَل والأوبئة تنتشر بشراسة والأزمات الاقتصاديَّة الناتجة من الصراعات الزائلة تنذر بانهيار الحياة على الأرض وكان لا بُدُّ للمُجتمع الدولي أن يوقفَ هذا الانهيار والتفكير بمستقبل أكثر إشراقًا واستقرارًا وازدهارا.. فالتحدِّيات عابرة للحدود وتقع ضحيَّتها كافَّة الدوَل لا فَرق بَيْنَ الغنيَّة والفقيرة لذلك فإنَّ مواجهتها ضرورة تحتاج الاستناد لمبادئ العدالة والتعاون المشترك.
عمومًا نتمنَّى أن تنجحَ قمَّة مجموعة العشرين المقبلة في ريو دي جانيرو بالبرازيل في نوفمبر 2024 في تحقيق ما لَمْ تتوصل إليه قمَّة هذا العام ويفكِّر زعماء المجموعة في كيفيَّة التعاون من أجْلِ تحقيق التنمية المستدامة التي تعمُّ الجميع.
**********
بدأت أنظار العالَم تتجه مؤخرًا نَحْوَ الاهتمام بالبيئة وصارت حمايتها من القضايا التي تشغل بال المُجتمع الدولي، خصوصًا بعد تزايد الكوارث الطبيعيَّة التي تتعرض لها بعض الدوَل وتسبِّب الكثير من الخسائر البَشَريَّة والمادِّيَّة.. إلَّا أنَ عُماننا الحبيبة بقيادتها الحكيمة أدركت منذ فجر النهضة المباركة أهمِّية الحفاظ على البيئة والتنوُّع الأحيائي لها وصونها من التلوُّث، وتأمين الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعيَّة حتَّى يتمَّ وصولها للأجيال القادمة وهي نظيفة وسليمة، فانتهجت سياسة حماية المحيط البيئي من التلوُّث وتنمية مواردها وجعلتها ركنًا أساسيًّا من أركان التنمية التي تُحقِّق الرفاهية والتقَدُّم لأبنائها والضمان الحقيقي لاستمرار مَسيرة البناء والتطوُّر؛ لِمَا لذلك من تأثير إيجابي على صحَّة الإنسان والبلاد.
وفي هذا الإطار يأتي مؤتمر الرابطة الدوليَّة لإدارة النفايات (ISWA)، الذي سيعقَد في مسقط وتستضيفه هذا العام الشركة العُمانيَّة القابضة لخدمات البيئة «بيئة» في الفترة من 30 أكتوبر إلى 1 نوفمبر المقبلَيْنِ كأوَّل تجربة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. حيث سيدعو المؤتمر لإدارة الموارد المستدامة والاقتصاد الدائري حتَّى نصلَ لمستقبل بدُونِ انبعاثات أو انبعاثات صفريَّة.. وسيتضمَّن المؤتمر مناقشات وحلقات لخبراء من مختلف القِطاعات لاكتشاف أفضل التقنيَّات المتطوِّرة لإدارة النفايات.
بالتأكيد هذا المؤتمر إلى جانب أنَّه يؤكِّد على قدرة سلطنة عُمان على تنظيم المؤتمرات الدوليَّة ومكانتها المرموقة في هذا المجال، فإنَّه يتناول قضيَّة غاية في الأهمِّية وهي إعادة إدارة النفايات التي تُشكِّل عاملًا أساسيًّا في تلويث البيئة الجوِّيَّة والبَرِّيَّة والبحريَّة.. فتحويل النفايات السَّامة والضارَّة بالبيئة لموارد مفيدة أو التخلُّص من النفايات بصورة آمنة سيُسهم في إنقاذ العالَم من خطر داهم.
إنَّ المؤتمر المزمع عقدُه سيناقش مواضيع مهمَّة للغاية على رأسها التخفيف من ظاهرة التغيُّر المناخي وزيادة كفاءة استخدام الموارد واعتماد التقنيَّات الجديدة، والتوجُّه نَحْوَ الاقتصاد الدائري وحماية صحَّة الإنسان وجودة البيئة.. وهي قضايا أصبحت حرجة وملحَّة لتحقيقها في ظلِّ ما يواجِه العالَم من تحدِّيات بسبب الانبعاثات الكربونيَّة التي تسبِّب الاحتباس الحراري الذي بِدَوْره يزيد من معدَّل الكوارث الطبيعيَّة التي تقضي على الأخضر واليابس.
لا شكَّ أنَّنا في حاجة ماسَّة لمِثل هذا المؤتمرات التي تُسهم في حُسن استخدام الموارد والعمل على تحقيق الاستدامة لها.. إلى جانب الوصول للانبعاثات الصفريَّة التي وضعتها السَّلطنة هدفًا رئيسًا من أهداف التنمية المستدامة.
حفظ الله بيئتنا الخلَّابة من التخريب والتلوُّث، وأدام على وطننا الحبيب نعمة الاستقرار والأمن والرخاء.. وكُلُّ التحيَّة لِمَن يشارك في الحفاظ على النعمة التي حبانا الله بها.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: التنمیة المستدامة العال م ة التی التی ت
إقرأ أيضاً:
مكتبة الإسكندرية تشارك في تحقيق التنمية المستدامة بالوطن العربي
تشارك مكتبة الإسكندرية اليوم الاثنين في فعاليات الأسبوع بجلسة علمية تحت عنوان "مكتبة الإسكندرية والاستدامة: دور المؤسسات الثقافية في تحقيق التنمية المستدامة بالوطن العربي" يشارك فيها عدد كبير من خبراء الاستدامة بالوطن العربي وهم الدكتور حسين أباظة؛ مستشار دولي للتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، ورئيس برنامج الاقتصاد والتجارة الدولية بمنظمة الأمم المتحدة للبيئة سابقًا، والمهندسة سماح صالح؛ رئيس وحدة التنمية المستدامة بوزارة البيئة المصرية، والسيد حسن محمد بوهزاع؛ رئيس الاتحاد العربي للتطوع، مملكة البحرين، والدكتور حمد عبد الرحمن البقيشي؛ المدير التنفيذي لجمعية الفجيرة الاجتماعية والثقافية بدولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتور هشام العسكري؛ أستاذ الاستشعار عن بُعد وعلوم نظم الارض بجامعة تشابمان بالولايات المتحدة الامريكية، ونائب الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية الأسبق، والدكتورة أكاتسوكي تاكاهاشي؛ أخصائي برامج الثقافة بالمكتب الإقليمي لليونسكو في القاهرة.
تدير الجلسة الدكتورة مروة الوكيل؛ رئيس قطاع البحث العلمي الأكاديمي بمكتبة الإسكندرية.
جاء ذلك خلال برنامج دراسات التنمية المستدامة وبناء قدرات الشباب ودعم العلاقات الإفريقية التابع لقطاع البحث الأكاديمي بالمكتبة وإدارة التنمية المستدامة والتعاون الدولي بجامعة الدول العربية، حيث سيتم التعاون بين المكتبة والجامعة في عقد مؤتمرات علمية وندوات متخصصة وبرامج تدريبية وورش عمل وغيرها من الأنشطة المختلفة في مجال التنمية المستدامة مع التركيز على قطاعي الشباب والمرأة، إلى جانب إجراء دراسات وأبحاث مشتركة متخصصة في مجال التنمية