تُعرف الدبلوماسيَّة بأنَّها السِّياسة الخارجيَّة للدولة، أو هي رعاية المصالح الوطنيَّة في السِّلم والحرب. أمَّا التعريف الشَّامل لها والمُتَّفق عَلَيْه هو (أنَّها مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والأعراف الدوليَّة التي تنظِّم العلاقات بَيْنَ الدوَل والمنظَّمات الدوليَّة والممثِّلين الدبلوماسيِّين والشركات والقِطاع المختلط والخاصِّ؛ بهدف خدمة المصالح العُليا للجميع).


وتُعدُّ صياغة قرارات مجلس الأمن في غاية الحنكة والمهنيَّة الأكاديميَّة التي تستند إلى المنطق السِّياسي لتحقيق هدفٍ ما، وعلى الدبلوماسي أن يقرأَ ويتمعَّنَ ما بَيْنَ السطور وليس ما هو مكتوب ومسموع؛ لأنَّ ما أخفي من هدف أكبر بكثير ممَّا كُتب في القرار.
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّه ومن الضروري جدًّا وعلى الدَّولة ووزارة خارجيَّتها في أن تفكِّرَ مليًّا قَبل أن ترسلَ طاقمها إلى الأُمم المُتَّحدة ومؤسَّساتها، على أن يتمتعَ أعضاؤها باحترافيَّة ومهارة عالية من حيث بُعد النظر وتحليل وقراءة ما بَيْنَ السطور، والأفضل أن يكُونُوا من حملة الشهادات المتخصِّصة في مجال العلوم السِّياسيَّة واللغات والقانون الدولي لكَيْ يكُونُوا على بَيِّنَة بما يَدُور حَوْلَهُم؛ لأنَّ أيَّ موافقة أو رفض قَدْ يؤدِّي إلى عواقب وخيمة لبلدهم بسبب سوء التحليل وعدم القراءة الصحيحة لقرارات مجلس الأمن وبقيَّة مؤسَّساته، لذلك يجِبُ أن يكُونَ اختيار أعضاء السِّلك الدبلوماسي في غاية الدقَّة بعيدًا عن العشائريَّة والمذهبيَّة والمصالح والعلاقات الشخصيَّة.
وعلى الدبلوماسي وممثِّل الدولة في هيكلة الأُمم المُتَّحدة في جميع مؤسَّساتها أن يكُونَ على دراية كبيرة وتخصُّص في لُغته الأُمِّ، ثمَّ باللغة الإنجليزيَّة (المُسوَّدة الأولى) من حيث آداب اللغة العربيَّة (عِلْم اللغة العامُّ) وكذلك أن يكُونَ محترفًا ومتمرسًا باللغة الإنجليزيَّة أيضًا (بعِلْم اللغة العامِّ والترجمة).
الدبلوماسي الذي يشغل مقعد دَولته عَلَيْه واجب التحليل للقرار، استنادًا إلى معلوماته المهنيَّة والأكاديميَّة وخبرته الدبلوماسيَّة في سلك الأُمم المُتَّحدة، وإن لَمْ يكُنْ موفَّقًا في التحليل عَلَيْه التغيُّب في وقت التصويت كجزء من موقف الدوَل المعتدل، وقَدْ يحسب سلبيًّا حتَّى لا يضيعَ هُوِيَّة واستراتيجيَّة دَولته.
إنّ قوَّة القرار وهُوِيَّته تأتي من عدد الأفعال وأنواعها، الصِّفات وأماكنها، حروف الجر، الظروف، علامات الترقيم، الأسماء المركَّبة والجُمل المركَّبة والجُمل المعقَّدة استنادًا إلى المنطق الذي تمَّ بناء وصياغة القرار.
لذلك عَلَيْنا تحليل القرار معتمدين على ثلاثة أعمدة رئيسة وهي: (وظيفة عِلْم المعنى في قرارات مجلس الأمن Semantic-Function of the Security Council، عِلْم الكلمة Lexical، عِلْم النَّحْوSyntactic)، وبتحليل أيِّ قرار استنادًا لهذه النظريَّات اللُّغويَّة عَلَيْنا أن نبدأَ مباشرة بإحصاء وعَدِّ ما يلي: عدد الأفعال ووظيفتها، أفعال (المضارع)، أفعال الماضي ووظيفتها، عدد الصِّفات وأماكنها وأنواعها ووظيفتها، ظروف الزمان والمكان، حروف الجر، الأسماء المركَّبة.. وغيرها من الأمور اللُّغويَّة الضروريَّة بعيدًا عن المغزى السِّياسي الذي تمَّ بناء القرار عَلَيْه.
فالجميع يعرف أنَّ اللغة تستند إلى جُملة (فعليَّة أو اسميَّة) والجُملة الاسميَّة دائمًا تبدأ باسم وتتكوَّنُ من ركنيْنِ أساسيَّيْنِ هما: المبتدأ والخبر، وتنقسم الجُملة الاسميَّة المنسوخة إلى ثلاثة أنواع هي: الجُملة المُثبَتة، والجُملة المنفيَّة، والجُملة المؤكَّدة، ولا داعيَ للخوض فيها بقدر ما هو مقَدِّمة للقرار. أمَّا الجُملة الفعليَّة فتتكوَّنُ من:(فعل، فاعل، مفعول به، صِفَة، ظرف زمان أو مكان، حرف جر، اسم مجرور)، وتُبنى الجُملة في اللغة العربيَّة من الوظائف التي تقوم بها الأنواع المختلفة من الكلام سواء الجُملة (الفعليَّة أو الاسميَّة).
وينبغي التنبيه على أنَّ الجملة يجِبُ أن تفيدَ معنىً ما ذات هدف معيَّن، والقصد في كُلِّ هذه المقَدِّمة اللُّغويَّة بأنَّ الجُملة التي نعرفها تتكوَّنُ هي من سطر أو سطريْنِ، ولكن في قرارات مجلس الأمن نلاحظ بأنَّ الجُملة الأُمميَّة تعتمد كثيرًا على علامات الترقيم أو باللغة الإنجليزيَّة (Punctuation) قَدْ تكُونُ صفحة كاملة أو صفحتيْنِ بفاعل واحد وقَدْ تتجاوز ذلك كما في القرارات التي صدرت سابقًا ضدَّ جمهوريَّة العراق الشَّقيق حيث تجاوزت الجُملة الواحدة أكثر (10) صفحات بفاعل واحد غير قابل للفيتو أو التغيُّر أو الاعتراض أو الرَّفض ولو على كلمة واحدة؛ لكون هذه الصفحات كُلِّها جُملة واحدة، وهو دهاء وحنكة قرارات مجلس الأمن.
بقراءة ومتابعة بسيطة لقرارات مجلس الأمن نجد الفعل غالبًا يكُونُ مقرونًا بحرف التوكيد (إذ) على سبيل المثال (إذ يؤكِّد، إذ يلاحظ، إذ يتصرَّف) وهذا الأسلوب جاء من الصياغة الربانيَّة في القرآن الكريم، حيث ذكرت كلمة (إذ) أكثر من 25 مرَّة في سورة البقرة ووظيفته التأكيد على قوَّة الفعل والذي لا يقبل المناقشة أو التغيير.

د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

بريطانيا تدين بشدة اعتقالات موظفي المنظمات وتؤيد حق إسرائيل في الرد على الحوثيين

أدانت المملكة المتحدة، اليوم الأربعاء، بشدة الاعتقالات الحوثية لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من قبل الحوثي، مطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطفين في سجون الحوثيين.

 

جاء ذلك في كلمة المندوبة الدائمة لبريطانيا في مجلس الأمن باربرا وودوارد، معبرة عن قلقها العميق إزاء مزاعم الحوثيين بارتكاب المزيد من الاعتقالات التعسفية وغير القانونية للمواطنين اليمنيين.

 

ودعت مجلس الأمن، إلى الاتحاد في إدانة الاعتقالات الحوثية بأشد العبارات ومطالبة الحوثيين بـ "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، وتمكين بيئة عمل آمنة لتسليم المساعدات الإنسانية لمن هم في أمس الحاجة إليها".

 

وأكدت أن تمكين بيئة عمل آمنة لتسليم المساعدات في اليمن، يعد "أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث يحتاج ما يقرب من 20 مليون يمني الآن إلى المساعدة".

 

وتعهدت "باربرا"، بمواصلة المملكة المتحدة لدعم حرية الملاحة بما في ذلك في البحر الأحمر وخليج عدن، متطلعة "إلى تمديد ولاية قرار مجلس الأمن رقم 2722 في وقت لاحق اليوم".

 

وأدانت المملكة المتحدة، الهجمات الحوثية المستمرة والمتهورة ضد المراكز السكانية الإسرائيلية، مضيفة: "نحن واضحون بشأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات".

 

واستدرك حول حق إسرائيل في الرد على الهجمات الحوثية بقولها: "يجب أن يتم ذلك وفقا لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الحاجة إلى تجنب إلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية الحيوية مثل ميناء الحديدة، نقطة الدخول الرئيسية للغذاء والإمدادات الإنسانية إلى اليمن".

 

وأشارت إلى أن المملكة المتحدة حازمة في دعمها للحكومة اليمنية، لافتة إلى استضافة بريطانيا حدثا هذا الشهر ـ في إشارة لمؤتمر المانحين ـ لحشد الدعم الدولي للحكومة كممثل شرعي للشعب اليمني، ومن أجل تعزيز الاستقرار والحكم المستقر.

 

وأوضحت أنه لا يمكن لليمن أن يزدهر "إلا عندما يتمكن جميع اليمنيين من القيام بدورهم في بناء مستقبل أفضل لبلادهم".

 

وأشادت بجهود الجنرال بيري وإحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، مثمنة جهوده في دعم بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة والشعب اليمني في محافظة الحديدة.


مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: حل أزمة اليمن بات ضرورة عاجلة
  • بريطانيا تدين بشدة اعتقالات موظفي المنظمات وتؤيد حق إسرائيل في الرد على الحوثيين
  • مجلس الأمن يعقد جلسته بشأن المستجدات في اليمن
  • وزير الخارجية الروسي يؤكد ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي
  • قانون القوة وعدالة الإجرام
  • يونامي ترحب بقرار تمديد عمل مفوضية الانتخابات
  • الأمم المتحدة ترحب بتمديد عمل مجلس مفوضية الانتخابات
  • من هو رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة نواف سلام (بروفايل)
  • تكليف رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية (بروفايل)
  • رئيس محكمة العدل الدولية نواف سلام الأقرب لرئاسة وزراء لبنان (بروفايل)