لن يستولي عليها.. الذكاء الاصطناعي سيعزز الوظائف في الدول النامية
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
على عكس المتوقع، فإن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر في أماكن العمل بالدول النامية، بل سيعزز ويستكمل الوظائف ويؤثر على نوعيتها، في تلك الدول، بحسب ثالف دين، في مقال بمركز "أوراسيا ريفيو" للأبحاث (Eurasia review).
دين أضاف، في المقال الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن دراسة جديدة بعنوان "الذكاء الاصطناعي التوليدي والوظائف: تحليل عالمي للتأثيرات المحتملة على كمية ونوعية الوظائف"، تفيد بأن معظم الوظائف والصناعات معرضة جزئيا فقط للتغيير، ومن المرجح أن يتم استكمالها بدلا من استبدالها عبر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل نموذج "شات جي بي تي" (ChatGPT).
وأفادت الدراسة، الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومقرها جنيف في 21 أغسطس/ آب الماضي، بأن التأثير الأكبر لهذه التكنولوجيا من المرجح أن لا يكون "تدمير الوظائف، بل التغييرات المحتملة في نوعية الوظائف، ولا سيما كثافة العمل، وزيادة العمالة".
وأوضحت أن العمل الكتابي هو الأكثر تعرضا لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، فنحو ربع مهام هذا العمل معرض بدرجة عالية وأكثر من نصف المهام بدرجة متوسطة، أما في المجموعات المهنية الأخرى، وبينها المديرون والمهنيون والفنيون، توجد نسبة ضئيلة من المهام معرضة بدرجة عالية، في حين أن حوالي ربعها ذت مستوى تعرض متوسطة.
اقرأ أيضاً
سباق التكنولوجيا يتصاعد.. "ميتا" تطور نظاما أكثر قوة للذكاء الاصطناعي
فجوات تكنولوجية
والدراسة، ذات النطاق العالمي، توثق اختلافات ملحوظة في التأثيرات على البلدان ذات مستويات التنمية المختلفة المرتبطة بالهياكل الاقتصادية الحالية والفجوات التكنولوجية القائمة.
ومن بين نتائجها أن حوالي 5.5% من إجمالي العمالة في البلدان المرتفعة الدخل من المحتمل أن يتعرض لتأثيرات التكنولوجيا، في حين أن الخطر في البلدان المنخفضة الدخل يتعلق بنحو 0.4% من العمالة.
كما خلصت إلى أن احتمالات تأثير الذكاء الاصطناعي متساوية تقريبا بين البلدان، مما يشير إلى أنه مع وضع السياسات الصحيحة، يمكن لهذه الموجة الجديدة من التحول التكنولوجي أن تقدم فوائد مهمة للدول النامية.
ووفقا للدراسة، فإن "التأثيرات المحتملة للذكاء الاصطناعي التوليدي من المرجح أن تختلف بشكل كبير بين الرجال والنساء، مع احتمال تأثر أكثر من ضعف حصة توظيف الإناث بهذه التكنولوجيا".
ويرجع ذلك إلى التمثيل الزائد للمرأة في العمل الكتابي، وخاصة في البلدان المرتفعة والمتوسطة الدخل؛ نظرا لأن الوظائف الكتابية كانت تقليديا مصدرا مهما لتوظيف الإناث مع تطور البلدان اقتصاديا.
اقرأ أيضاً
لأول مرة.. جلسة لمجلس الأمن تحذر من تهديد الذكاء الاصطناعي للسلم
تأثيرات متنوعة
"وستعتمد التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي التوليدي إلى حد كبير على كيفية إدارة انتشاره، وتؤكد الحاجة إلى تصميم سياسات تدعم التحول المنظم والعادل والتشاوري"، بحسب نتائج الدراسة.
وشددت على أن "صوت العمال، والتدريب على المهارات، والحماية الاجتماعية الكافية، ستكون أساسيات لإدارة المرحلة الانتقالية، وإلا فلن يستفيد من التكنولوجيا الجديدة سوى عدد قليل من البلدان المستعدة جيدا".
ووفقا للدراسة، فإن "نتائج التحول التكنولوجي ليست محددة مسبقا، فالبشر هم الذين يقفون وراء قرار دمج مثل هذه التقنيات، ويحتاج البشر إلى توجيه عملية التحول".
دين قال إن "الأمم المتحدة تعمل على تطوير "مدونة قواعد السلوك لسلامة المعلومات على المنصات الرقمية"، قبل قمة الأمم المتحدة للمستقبل المقررة في سبتمبر/ أيلول 2024.
وفي 12 يونيو/حزيران الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحفيين إن "مدونة قواعد السلوك ستكون عبارة عن مجموعة من المبادئ التي نأمل أن تنفذها الحكومات والمنصات الرقمية وأصحاب المصلحة الآخرون طواعية".
اقرأ أيضاً
مذيعات الذكاء الاصطناعي.. ظاهرة جديدة في الكويت وقطر ومصر تفعل شيئا آخر
خطر على البشر
ونقلا عن تقرير صادر عن مركز سلامة الذكاء الاصطناعي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في 31 مايو/ أيار الماضي، أن أكثر من 350 من قادة صناعة الذكاء الاصطناعي حذروا من أنه يشكل خطرا جديدا متزايدا على البشرية، ويجب اعتباره "خطرا مجتمعيا على قدم المساواة مع الأوبئة والحروب النووية".
وقال غوتيريش إن الاتفاق الرقمي العالمي المقترح، والأجندة الجديدة للسلام، والاتفاق بشأن الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي، ستوفر حلولا متعددة الأطراف تعتمد على حقوق الإنسان.
كما تدعو منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومقرها باريس، الحكومات إلى تنفيذ اللوائح المناسبة وتدريب المعلمين لضمان اتباع نهج يركز على الإنسان لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم.
ولتحقيق هذه الغاية، نشرت المنظمة أول إرشادات عالمية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم والبحث، وهي مصممة لمعالجة الاضطرابات التي تسببها تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وقالت "اليونسكو" إن الذكاء الاصطناعي الإنتاجي يمكن أن يكون فرصة للتنمية البشرية، ولكنه يمكن أن يسبب أيضا الأذى والتحيز، مشددة على أنه لا يمكن دمجه في التعليم دون مشاركة الجمهور والضمانات واللوائح اللازمة من الحكومات.
اقرأ أيضاً
ChatGPT.. هل تحرم ثورة الذكاء الصناعي ملايين البشر من عملهم؟
المصدر | ثالف دين/ أوراسيا ريفيو- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: ذكاء اصطناعي وظائف الدول النامية فجوات تأثيرات الذکاء الاصطناعی التولیدی للذکاء الاصطناعی اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي: ثورة عقلانية في فضاء التقنية الحديثة
في خضم التحولات التقنية الكبرى التي يشهدها العالم، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أهم الابتكارات العلمية التي تمثل نقطة تحول في تاريخ البشرية. فقد تجاوز الذكاء الاصطناعي كونه تقنية جديدة إلى كونه مجالًا فلسفيًا وعلميًا يسعى إلى فك ألغاز العقل البشري ومحاكاته بأسلوب يثير إعجاب العلماء والمفكرين على حد سواء. ومع تعاظم تطبيقاته في مختلف الميادين، يغدو الذكاء الاصطناعي قاطرة تقود العالم نحو أفق جديد من الفرص غير المسبوقة، وكذلك التحديات التي تلامس جوهر وجود الإنسان.
تعريف الذكاء الاصطناعي وأبعاده المتعددة
الذكاء الاصطناعي هو مجال من مجالات علوم الحوسبة يهدف إلى تطوير أنظمة قادرة على محاكاة القدرات العقلية للبشر، مثل التفكير المنطقي، التعلم من التجارب، اتخاذ القرارات، وحل المشكلات. لكن ما يميز الذكاء الاصطناعي ليس فقط قدرته على تنفيذ المهام، بل أيضًا قدرته على التعلم والتكيف مع التغيرات، مما يجعله يشبه، وإن لم يكن يطابق، عمليات التفكير البشري.
هذا التعريف العلمي يغفل البعد الفلسفي العميق الذي يحمله الذكاء الاصطناعي، فهو يمثل محاولة لتفسير الذكاء البشري بآليات رياضية وبرمجية، ما يثير تساؤلات عميقة حول ماهية العقل ذاته. هل يمكن ترجمة المشاعر، الإبداع، والتفكير الأخلاقي إلى رموز خوارزمية؟ أم أن الذكاء الاصطناعي سيظل في جوهره تقنيًا لا روح فيه؟
الأثر الاقتصادي للذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي لا يُعدّ فقط ثورة في مجال التكنولوجيا، بل إنه إعادة تعريف لمفهوم الاقتصاد والإنتاجية. فقد أصبح أداة مركزية في تحقيق الكفاءة الاقتصادية من خلال تسريع العمليات، تقليل الأخطاء البشرية، وتقديم حلول مبتكرة. في القطاعات الصناعية، على سبيل المثال، تساهم الروبوتات الذكية في تحسين الإنتاج وخفض التكاليف. كما أظهرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات، مثل الطب والرعاية الصحية، إمكانيات هائلة في التشخيص المبكر للأمراض، وتخصيص خطط علاجية موجهة تعتمد على البيانات.
علاوة على ذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي محركًا أساسيًا للاقتصاد الرقمي. فالشركات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي تشهد نموًا كبيرًا في الإيرادات، لا سيما مع تطور مجالات مثل تحليل البيانات الضخمة، تقنيات التعلم العميق، والشبكات العصبية الاصطناعية. وتشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تتجاوز تريليونات الدولارات خلال العقد المقبل .
الأثر الاجتماعي والثقافي
على المستوى الاجتماعي، يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل العلاقات بين الأفراد والمؤسسات. فقد ظهرت أنماط جديدة من التفاعل الإنساني بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعليم، حيث أصبحت منصات التعلم الإلكتروني تعتمد على تقنيات تحليل البيانات لتوفير تجربة تعليمية مخصصة لكل طالب. كما يتيح الذكاء الاصطناعي فرصًا لدمج الفئات المهمشة في المجتمع من خلال توفير أدوات تعزز من قدرتهم على التواصل والإنتاج.
لكن في الوقت ذاته، يثير الذكاء الاصطناعي قلقًا عميقًا حول تأثيره على القيم الإنسانية. إذ إن الأتمتة الواسعة قد تؤدي إلى تقليل فرص العمل التقليدية، ما يفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. كما أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع المهارات البشرية التقليدية، ويثير تساؤلات حول فقدان الإنسان لسيطرته على قرارات حيوية.
التحديات الأخلاقية والقانونية
لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي دون التطرق إلى التحديات الأخلاقية التي يطرحها. فالقدرة على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحليلها بأسلوب يفوق القدرات البشرية يثير مخاوف حول الخصوصية وسوء الاستخدام. على سبيل المثال، تعتمد الشركات الكبرى على خوارزميات ذكاء اصطناعي لجمع وتحليل بيانات المستخدمين، ما يثير تساؤلات حول حدود استخدام هذه البيانات ومدى احترامها لحقوق الأفراد.
من ناحية أخرى، يواجه المشرعون صعوبة في تطوير أطر قانونية قادرة على مواكبة التطورات السريعة للذكاء الاصطناعي. كيف يمكن تحديد المسؤولية القانونية إذا اتخذ نظام ذكاء اصطناعي قرارًا تسبب في ضرر؟ وهل يمكن محاسبة الشركات أو الأفراد الذين صمموا هذه الأنظمة؟ هذه الأسئلة تعكس حاجة ملحة إلى وضع أطر تشريعية توازن بين الابتكار وحماية الحقوق.
الإبداع والذكاء الاصطناعي
من بين أكثر الجوانب إثارة للجدل هو تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع. هل يمكن لنظام ذكاء اصطناعي أن يكون مبدعًا؟ الإجابة ليست بسيطة. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يولّد أعمالًا فنية، يؤلف الموسيقى، ويكتب النصوص، فإنه يفتقر إلى الحس الإنساني الذي يمنح الإبداع معناه العميق. فالذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل الأنماط والبيانات السابقة، مما يجعله “مقلدًا ذكيًا” أكثر من كونه مبدعًا حقيقيًا.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيواصل تطوره ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للبشرية. لكن السؤال الذي يظل قائمًا هو: كيف يمكن للبشرية أن تضمن استخدام هذه التقنية بطريقة تخدم مصالحها وتُعزز من قيمها الأخلاقية؟ الإجابة تكمن في بناء شراكة بين الإنسان والآلة، شراكة تستند إلى التفاهم العميق للحدود والقدرات، وإلى رؤية واضحة لمستقبل يشكل فيه الذكاء الاصطناعي وسيلة للارتقاء، وليس أداة للهيمنة.
الذكاء في خدمة الإنسانية
في نهاية المطاف، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإعادة تعريف معاني التقدم والإبداع. لكنه يحمل في طياته مسؤولية كبيرة تتطلب من البشرية تبني نهج شامل ومتزن، يوازن بين الطموح التكنولوجي واحترام القيم الإنسانية. ولعل أعظم درس يمكن أن نتعلمه من هذه الثورة التقنية هو أن الذكاء، سواء كان طبيعيًا أو اصطناعيًا، لا يكتمل إلا إذا اقترن بالحكمة.