على عكس المتوقع، فإن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل البشر في أماكن العمل بالدول النامية، بل سيعزز ويستكمل الوظائف ويؤثر على نوعيتها، في تلك الدول، بحسب ثالف دين، في مقال بمركز "أوراسيا ريفيو" للأبحاث (Eurasia review).

دين أضاف، في المقال الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن دراسة جديدة بعنوان "الذكاء الاصطناعي التوليدي والوظائف: تحليل عالمي للتأثيرات المحتملة على كمية ونوعية الوظائف"، تفيد بأن معظم الوظائف والصناعات معرضة جزئيا فقط للتغيير، ومن المرجح أن يتم استكمالها بدلا من استبدالها عبر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل نموذج "شات جي بي تي" (ChatGPT).

وأفادت الدراسة، الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومقرها جنيف في 21 أغسطس/ آب الماضي، بأن التأثير الأكبر لهذه التكنولوجيا من المرجح أن لا يكون "تدمير الوظائف، بل التغييرات المحتملة في نوعية الوظائف، ولا سيما كثافة العمل، وزيادة العمالة".

وأوضحت أن العمل الكتابي هو الأكثر تعرضا لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، فنحو ربع مهام هذا العمل معرض بدرجة عالية وأكثر من نصف المهام بدرجة متوسطة، أما في المجموعات المهنية الأخرى، وبينها المديرون والمهنيون والفنيون، توجد نسبة ضئيلة من المهام معرضة بدرجة عالية، في حين أن حوالي ربعها ذت مستوى تعرض متوسطة.

اقرأ أيضاً

سباق التكنولوجيا يتصاعد.. "ميتا" تطور نظاما أكثر قوة للذكاء الاصطناعي

فجوات تكنولوجية

والدراسة، ذات النطاق العالمي، توثق اختلافات ملحوظة في التأثيرات على البلدان ذات مستويات التنمية المختلفة المرتبطة بالهياكل الاقتصادية الحالية والفجوات التكنولوجية القائمة.

ومن بين نتائجها أن حوالي 5.5% من إجمالي العمالة في البلدان المرتفعة الدخل من المحتمل أن يتعرض لتأثيرات التكنولوجيا، في حين أن الخطر في البلدان المنخفضة الدخل يتعلق بنحو 0.4% من العمالة.

كما خلصت إلى أن احتمالات تأثير الذكاء الاصطناعي متساوية تقريبا بين البلدان، مما يشير إلى أنه مع وضع السياسات الصحيحة، يمكن لهذه الموجة الجديدة من التحول التكنولوجي أن تقدم فوائد مهمة للدول النامية.

ووفقا للدراسة، فإن "التأثيرات المحتملة للذكاء الاصطناعي التوليدي من المرجح أن تختلف بشكل كبير بين الرجال والنساء، مع احتمال تأثر أكثر من ضعف حصة توظيف الإناث بهذه التكنولوجيا".

ويرجع ذلك إلى التمثيل الزائد للمرأة في العمل الكتابي، وخاصة في البلدان المرتفعة والمتوسطة الدخل؛ نظرا لأن الوظائف الكتابية كانت تقليديا مصدرا مهما لتوظيف الإناث مع تطور البلدان اقتصاديا.

اقرأ أيضاً

لأول مرة.. جلسة لمجلس الأمن تحذر من تهديد الذكاء الاصطناعي للسلم

تأثيرات متنوعة

"وستعتمد التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي التوليدي إلى حد كبير على كيفية إدارة انتشاره، وتؤكد الحاجة إلى تصميم سياسات تدعم التحول المنظم والعادل والتشاوري"، بحسب نتائج الدراسة.

وشددت على أن "صوت العمال، والتدريب على المهارات، والحماية الاجتماعية الكافية، ستكون أساسيات لإدارة المرحلة الانتقالية، وإلا فلن يستفيد من التكنولوجيا الجديدة سوى عدد قليل من البلدان المستعدة جيدا".

ووفقا للدراسة، فإن "نتائج التحول التكنولوجي ليست محددة مسبقا، فالبشر هم الذين يقفون وراء قرار دمج مثل هذه التقنيات، ويحتاج البشر إلى توجيه عملية التحول".

دين قال إن "الأمم المتحدة تعمل على تطوير "مدونة قواعد السلوك لسلامة المعلومات على المنصات الرقمية"، قبل قمة الأمم المتحدة للمستقبل المقررة في سبتمبر/ أيلول 2024.

وفي 12 يونيو/حزيران الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحفيين إن "مدونة قواعد السلوك ستكون عبارة عن مجموعة من المبادئ التي نأمل أن تنفذها الحكومات والمنصات الرقمية وأصحاب المصلحة الآخرون طواعية".

اقرأ أيضاً

مذيعات الذكاء الاصطناعي.. ظاهرة جديدة في الكويت وقطر ومصر تفعل شيئا آخر

خطر على البشر

ونقلا عن تقرير صادر عن مركز سلامة الذكاء الاصطناعي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في 31 مايو/ أيار الماضي، أن أكثر من 350 من قادة صناعة الذكاء الاصطناعي حذروا من أنه يشكل خطرا جديدا متزايدا على البشرية، ويجب اعتباره "خطرا مجتمعيا على قدم المساواة مع الأوبئة والحروب النووية".

وقال غوتيريش إن الاتفاق الرقمي العالمي المقترح، والأجندة الجديدة للسلام، والاتفاق بشأن الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي، ستوفر حلولا متعددة الأطراف تعتمد على حقوق الإنسان.

كما تدعو منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومقرها باريس، الحكومات إلى تنفيذ اللوائح المناسبة وتدريب المعلمين لضمان اتباع نهج يركز على الإنسان لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم.

ولتحقيق هذه الغاية، نشرت المنظمة أول إرشادات عالمية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم والبحث، وهي مصممة لمعالجة الاضطرابات التي تسببها تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وقالت "اليونسكو" إن الذكاء الاصطناعي الإنتاجي يمكن أن يكون فرصة للتنمية البشرية، ولكنه يمكن أن يسبب أيضا الأذى والتحيز، مشددة على أنه لا يمكن دمجه في التعليم دون مشاركة الجمهور والضمانات واللوائح اللازمة من الحكومات.

اقرأ أيضاً

‏ChatGPT.. هل تحرم ثورة الذكاء الصناعي ملايين البشر من عملهم؟

المصدر | ثالف دين/ أوراسيا ريفيو- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: ذكاء اصطناعي وظائف الدول النامية فجوات تأثيرات الذکاء الاصطناعی التولیدی للذکاء الاصطناعی اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

محمد مغربي يكتب: من «ترامب» إلى «دافوس».. استعدوا لعالم الذكاء الاصطناعي

في فنون البروتوكول الرئاسي كل شيء مقصود، وكل مساحة تعني شيئا ما ورسالة ما وتداعيات بقدر حجم الحدث، وخلال الأيام الماضية لم يكن هناك حدث أهم من تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية لمدة 4 سنوات مقبلة، ولأن الرجل صريح كان الحاضرون للحفل يعبرون عن سياسته وما ينتوي فعله في سنين ولايته، ولذلك أيضا فإنّ وقوف إيلون ماسك ومارك زوكربيرج وجيف بيزوس بجوار بعضهم البعض لم يكن من قبيل الصدفة أو الفراغ، فالثلاثة تتخطى ثروتهم التريليون دولار، والثلاثة أكبر رواد التكنولوجيا العالمية وأكبر المستثمرين في الذكاء الاصطناعي، ورغم اصطدام «ترامب» ببعضهم أثناء ولايته الأولى، لكن وجودهم كان يعني رسالة حاسمة وهي أنّ القادم سيكون تكنولوجيا في المقام الأول، وسيتربع الذكاء الاصطناعي على عرش الاستثمارات، والدليل أن الرئيس الأمريكي يبدأ ولايته برواد هذا القطاع.

بالتزامن مع ذلك ومن الأراضي السويسرية، حيث مؤتمر دافوس الاقتصادي الذي عُقد أيضا خلال الأيام الماضية، نشر المؤتمر ورقة بحثية تفيد بأنّ الذكاء الاصطناعي باتت لديه القدرة على إعادة تشكيل الاقتصادات والمجتمعات، وبمعنى أبسط من لغة التقرير، فإنّه خلال القرن العشرين على الأقل مرت اقتصاديات العالم بعدة مراحل، فكانت هناك مرحلة اقتصاديات النفط التي باتت علامة على ثراء أو فقر أي دولة، وهناك اقتصاديات الصناعة المتمثلة في أوروبا، خاصة ألمانيا، بجانب الصين وأمريكا، ومع نهاية القرن كانت اقتصاديات الاتصالات هي السائدة فى ظل ثورة التكنولوجيا التي بدأت من أمريكا وتبعتها عدة دول في هذا الشأن.

معنى تقرير «دافوس» أنّ المعيار الحقيقي لاقتصاديات الدول لن يكون من خلال كم تنتج وكم هو الفائض لديها فقط، ولكن سيكون مدى استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، ومدى قوة بنيتها التحتية التي تتحمل ذلك، وهل تتوافر لديها طاقة جيدة لاستيعاب الأجهزة الحديثة وهلم جرا، وسيكون أمام دول العالم مساران لا ثالث لهما، إما أن تدخل هذا المسار أو تخرج من النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

لذلك أيضا أوضح تقرير «دافوس» أنّ العالم الجديد لن يترك الدول الفقيرة أو الضعيفة في هذا القطاع، لذلك أطلق تحالف حوكمة الذكاء الاصطناعى شبكات تنشيط الذكاء الاصطناعي الإقليمية ومهمتها تقديم حلول مخصصة للتحديات المحلية وتعزيز الابتكار وسلاسل القيمة المستدامة وحوكمة البيانات المحسنة في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا.

وبمعنى آخر، فإن تلك الآليات مع مبادرات أخرى ستدعم جميع الدول بداية من البنية التحتية القوية التي تجعلها مؤهلة لاستثمارات الذكاء الاصطناعي، وذلك من أجل خلق تنافسية عالمية، مرورا بدعم الحكومات من أجل الاستفادة من التكنولوجيا في النمو الاقتصادي والتقدم المجتمعي، ووصولا إلى تقوية استراتيجيات الذكاء الاصطناعي.

العنصر الثاني الأهم الذي حدده تقرير «دافوس» العالمي هو ضرورة أن يتم كل ذلك وفق سياسات محافظة للبيئة ومن خلال بنية تشريعية قابلة للتطوير، وهذا ما يتطلب استثمارات كبيرة وتكثيفا بين القطاعات المحلية والإقليمية والعالمية، مؤكدا أن البيانات حين تكون متاحة ومتنوعة وشاملة وعالية الجودة ستنعكس بالإيجاب على الدولة أولا ثم على محيطها ونموها الاقتصادي العالمي.

هكذا رُسمت الخريطة الاقتصادية الجديدة والتي تقول بوضوح إنّ يد المساعدة ستمتد للجميع لكن السباق قد بدأ، فإما أن يركض الجميع سريعا أو سيخرج خارج السياق والاقتصاد الجديد الذي سيصبح رقم التريليون دولار فيه رقما عاديا مقارنة برجال الأعمال وميزانيات الدول، وكما أشرنا في مقال سابق أن الذكاء الاصطناعي تحت قيادة «ترامب» وإيلون ماسك سيكون على موعد مع طفرة جديدة، فها هو ما قلنا يتحقق لكن بأسرع مما توقعنا وبخريطة عالمية لم تقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية فقط.

مقالات مشابهة

  • محمد مغربي يكتب: من «ترامب» إلى «دافوس».. استعدوا لعالم الذكاء الاصطناعي
  • حسام زكي: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تسوية النزاعات
  • «أبو العينين» يحذر من تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي .. فيديو
  • البرلمان العربي يدعو لتوطين صناعة الذكاء الاصطناعي في الدول العربية
  • البرلمان العربي يدعو لتوطين صناعة الذكاء الاصطناعي
  • أبو العينين يدعو لوضع استراتيجية عربية لمواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي.. ويؤكد: الشباب أكثر وعيا باستثمار قدراته في التكنولوجيا
  • "أبو الغيط" يدعو لوثيقة عربية لتنظيم الذكاء الاصطناعي
  • تطور الذكاء الاصطناعي يثير مخاوف المبدعين من هيمنة التكنولوجيا
  • أبو الغيط: الاحتلال وظف تطبيقات الذكاء الاصطناعي الشريرة في حربه على غزة
  • اليماحي: الذكاء الاصطناعي أداة حاسمة لتغيير المستقبل