رافد أساسي هو رافد الفكر الفلسفي كطاقة إيجادية متجددة، تُطلب بها الحقائق والدلالات، إذ المفكر (أو الفيلسوف) هو هذا الفاعل المحنك في إلحاق الجزء بالكل، والشيء بمفهومه، والمتمرن، أكثر من غيره، على إبداع المقولات ونحتها لإحسان التعبير عن أشياء ووقائع، كما على طرح قضايا جوهريةٍ رئيسية.

إن فعل الفلسفة، هو محاولة الذهاب إلى عمق الظواهر والأشياء بقصد الكشف عن طبيعتها الحقة، وليس المصطنعة والمنحولة، كما عن نشأتها ووظائفها.

ويحسن إذن فهم الفلسفة بكونها هذا الفكر الذي، على امتداد قرون تاريخه الطويل، أنتج وخلّف نصوصا أمهات، غنية بتوافقاتها وتواتراتها، كما بخلافاتها وقطائعها.

أن أي فلسفة لا تمارس النقد والنقد الذاتي تظل دون استحقاق تسميتها ودون السعي إلى إيقاظ العالمين من سباتهم وسهوهم لتوعيتهم بوجودهم وأنفسهم وشؤونهم. ذلك أن تلك الممارسة هي التي تصلح للفيلسوف، فوق التنظيرية الخالصة والتجريبية الصرفة، لاجتياز سبل الفكر المديدة الوعرة، متجنبا المكرورات والقبليات المترسخةِ الضارة، وكذلك الانطواءات العقائدية والصنميات والجاذبيات الاستلابية.

حين نقول ذلك، لا نعني مطلقا أننا ممن يدعون إلى تعبد الفلسفة وتخويلها احتكارا حصريا للفكر، أي بجعلها كبومة مينرڤ التي تنظر بجلاء في الظلام الدامس ولا تطير إلا بُعيد سجو الليل، حسب تعبير شهير لهيـغـل، بل إن الأمر يتعلق بفك العزلة عنها على صعيد الموضوعات والمفاهيم وصعيد المناهج والمعالجات، أي بتحريرها من قبضة الفكر الواحدي الدوغمائي، إيديولوجياً كان أم دينياً. وفي هذا المنحى، يلزم دوما إبعادها عن الشَّرك الكامن في كل نزوع إلى الدَّعوية الناجم عن تصور ضيِّق ومتهافت للفلسفة كديانة جديدة، تأوي الحقيقة المطلقة وتنفرد ببث الأنوار واستصدار مقالات الفصل والحسم. فهذا التصور يوجد في قطيعة مع انفتاح الفكر المخصِّب والنهج التساؤلي، ومع سعة الروح التي أحسن تنظيرها وتفعيلها والثناء عليها كل من الفيلسوف الألماني لايـبنتز والفيلسوف العربي ابن رشد.

نظريا، يمكنني القول: إن فيلسوف الأنوار الألماني إيمانييل كانط قد كان في التاريخ الفكري والنقدي بوصلة محفزة ناجعة، وذلك من حيث إنه وضع ثلاثة أسئلة محورية تعرِّف حقل الفلسفة: ماذا يمكنني أن أعلم؟ ماذا يجب علي أن أفعل؟ ماذا يجوز لي أن أترجاه؟ وكلها تتحدر أصلا من سؤال واحد هو: ما هو الإنسان؟

المحصل أننا عربيا وإقليميا نوجد في حالة تبخيس الذات وحقها في الحداثة المبدعة كلما كنا تجاه الغرب في وضع تبعيٍّ عيليٍّ عقيم، أي عبودي إرادي (كالذي حلله إيتيان دي لا بوييسي من القرن السادس عشر).طبعا يتعلق الأمر هنا، في الفكر الفلسفي، بقنوات صورية ليست حصرية ولا صارمة التحديد، وبالتالي يمكنها أن تنميَ ما ظل في الكانطية مضمرا أو مختصرا، ومنه على وجه الخصوص فلسفة التاريخ التي خلف لنا فيها كانط نصين هامين مؤسسين، الأول هو "ما الأنوار؟"، ومنه هذه الفقرة الشيقة: "إنها خروج الإنسان من قصوره، وهو نفسه المسؤول عنه؛ قصوره، أيّ العجز عن تسخير عقله من دون قيادة الغير، إذ أن سبب ذلك ليس في نقص العقل، بل في انعدام القرار والجرأة لاستخدامه من دون تلك القيادة. فلتكن لك الشجاعة في فعل ذلك: هذا هو شعار الأنوار"، (فلسفة التاريخ ط. 1974، ص 46).

والمحصل أننا عربيا وإقليميا نوجد في حالة تبخيس الذات وحقها في الحداثة المبدعة كلما كنا تجاه الغرب في وضع تبعيٍّ عيليٍّ عقيم، أي عبودي إرادي (كالذي حلله إيتيان دي لا بوييسي من القرن السادس عشر).

إن عدم الوعي بالطابع الاستنقاصي والحَجري لهذا الوضع ينجم عنه، ضمن أضرار أخرى، إلحاق الأذى بالمبادئ التي نحق بالتشبث بها حين نحسن تدبيرها كلوازم للديمقراطية وحقوق الإنسان، أي بحرية الفكر والتعبير وبالتنوع والتعدد والاختلاف.

أما النص الثاني فهو مشروع من أجل سلام دائم استلهمته عصبة الأمم SDN إبان نشأتها)، وبه أحدث الفيلسوف قطيعة صارمة بين السياسة في خدمة المثل والقيم ورخاء الحياة الإنسانية وبين السياسة التي ليست سوى متابعة الحرب بوسائل أخرى؛ وعليه فإن شروط إمكان تحالف للسلام (foedus pacificum) وهو غير معاهدة سلام (foedus pacis) لهي بمثابة أمر موجب قطعي ينطبع في المؤسسات العمومية ولخصوصية، كما في الأوعاء والسلوكات الفردية والجماعية.

إن ثقافة السلام الدائم (بالمعنى الكانطي للمفهوم) بعيدا عن كل تحابٍّ مشاعريٍّ صوري وكل صنمية مصطلحية، آخذة شيئا فشيئا في نصب أدرع فعالة (ضوابط معقلِنة، اتفاقيات، معاهدات، إنجازات محسوسة)، كما في إطلاق دينامية الممارسة التواصلية (من صنف ما نظّر له يورچن هابيرماس)، دينامية من شأنها أن تغالب المخاطر التي تمثلها إرادة القوة وعجز المعرفة والإستعراف والتصامم واللاتسامح.

إن ساكنة الأرض، وهذا ما يذكرنا به الحكماء، يوجدون في نفس السفينة، وكل خلل يلحق إحدى جوانبها يعرضها كاملة لمخاطر الرسوب والتلف. وعليه، فإن بوصلة الحكامة الجيدة يلزم أن تكون في التنمية المشتركة والمبادلة العادلة، وكلتاهما تنضوي في الديمومة وتستهدف صحة الأرض والبيئة ونمو أخضر واقتصاد تضامني على الصعيد العالمي. وفي كل هذا تكمن مخصِّبات سلام كوني لا بارد (على غرار الحرب الباردة) بل تعايشي مستطاب، يمتح من ثقافة سخية أخوية، منتجة لثروات مشتركة ولأخلاق التقاسم واللاعنف.

إن فلسفة التاريخ التي، من حيث مواضيعها ومفاهيمها ومساراتها، يلزم أن تكون من إحدى الرافعات الكبرى، القمينة بوقاية ذلك الفكر من الممارسات النرجسية أو من التشدق المفاهيمي اللغْوي (logomachie) الشائعة في بعض التيارات المعاصرة. ذلك لأن في ميدان فلسفة التاريخ، وإذن بعيدا عن المركزية العقلانية (logocentrisme)، يمكن لفاعليها إعادة زيارة الثقافات والمأثورات الحِكمية المشرقية والإفريقية، واللاتينو-أمريكية والأسيوية، ثم التفكير، استنادا إلى هذه العطاءات، في كبريات قضايا العالم الحديث.

بعد النقد الكانطي للعقل الخالص، لم يعد من الممكن اختزال الفلسفة في الميتافزيقا، خصوصا منها التي يصح لنا أن نضع عليها مع ڤولتير هذه الكلمة: غير واضح (non liquet). وهكذا فإن الفكر الفلسفي نمّى ـ كما يشهد تاريخه ـ مجموعة من التيارات والمدارس المختلفة والمتعارضة، وبعضها يتموقع خارج منطقة "العقل الخالص"، أي حول الخطابات والممارسات والمؤسسات من أصناف شتى، ذهب فريدريك نيتشه إلى عرضها على تفكيك جينيالوجي بضربات المطرقة، وذلك حتى يكون جدَّ قريب من تركيبتها العلِّية القادرة على كشف نشأتها والتمكن من معرفة طبائعها ودواليبها ووظائفها.

ومعنى هذا أنْ ليس لأحد سلطة من أيِّ صنف كانت لمنع الفلسفة من حق الإقامة في الحقول الوسيعة لـ "التاريخ من أجل الحياة" (بتعبير نيتشه) ما دامت قادرة على شرعنة أساس ذلك واستحقاقه بفعل تألقات نتاجاتها وجودتها. إن أعمال ميشل فوكو حول تاريخ الجنون في العهد الكلاسيكي وتاريخ الجنس والمؤسسة السجنية، علاوة على دراسات إدگار موران عن التشعبية (complexité) الإنسانية ومناهج المقاربات المتعددة الإختصاصات، لتعطي جميعها أمثلة منيرة على تدخل ثري ومتميز للفيلسوف في مواضيع ظلت زمنا مديدا حكرا على المؤرخين وأخِصَّائيين آخرين.

ليس لأحد سلطة من أيِّ صنف كانت لمنع الفلسفة من حق الإقامة في الحقول الوسيعة لـ "التاريخ من أجل الحياة" (بتعبير نيتشه) ما دامت قادرة على شرعنة أساس ذلك واستحقاقه بفعل تألقات نتاجاتها وجودتها.وإذن، إن للفلاسفة، من حيث المبدأ، القدرات البحثية والفكرية لكي يكون فكرهم مستطيعا العمل على تشغيل إحدى مواهبه البدئية، التي هي عقلنة ظواهر التاريخ والإمساك جذريا بالمشاكل التي تطرحها، أي بعلل العجز المتزايد الذي تشكو منه قيم المساواة والعدالة والتضامن في عالم قاسٍ مختل مثل عالمنا.

وبالتالي، فإن الفكر الفلسفي إذا ما أُحسن تمثله المفهومي وتدبيره المنهجي، يمكنه أن يقوم كأحد أنماط البحث في شتى الشؤون المحدثة، كالتنمية البشرية النوعية المبدعة، والحداثة كمعين إنتاج وتحصيل لقيم عليا مضافة وحضورٍ حقيقي ودالّ، علاوة على الإقتصاد والبيئة ومجتمع المعرفة، وسوى ذلك من القضايا ذات الصلة بالديمقراطية التي لها بالفلسفة علاقة عضوية، لا يستطيع الإستبداد صرمها أو تبديدها، ذلك لأن هاته بأسبقيتها وقوتها الذاتية قد أسهمت جدّيا في تاريخ ولادة تلك مفهوما وممارستةً، وهذا حدث إبان عهد الزعيم العظيم بيريكيلس مؤسس الديمقراطية والمنتخَب بمقتضى النظام الجديد رئيسا ما بين 443 و429 قبل الميلاد.

إن الفلسفة، باعتبارها صديقة (فيلان) الإنسجامية (هرمونْيا) والحكمة (صوفيا) لا يمكنها إلا أن تتبنى القضايا الإنسية وتسحب البساط من تحت الفكر الواحدي وبالضرورة الجائر، مع ما يحويه من دوغمائية وعنف وتسلط. إنها تشع وتعطي أحسن ما لديها في أنظمة حرية الفكر والتعبير، لكنها تنتكس وتمرض في ظل أجواء تنعدم فيها الديمقراطية ولوازمها، أو تضحو عبارة عن زخرف وخدعة.

صحيح أن كل فيلسوف إنسوي، منذ سقراط، يعلم يقينا أن العالم كما يسير مرفوض وجهةً ومعنى، لكن يلزم اليوم أن تجد هذه الحالة الشعورية إحدى تعابيرها القوية في مؤشرات ورصود شاهدة على الاختلالات والتفاوتات الثاوية بين الأمم وفي المجتمعات، كما على بؤس الحياة لدى أغلبية العالَـمين، وكلها ثيمات خصبة مبرَّزة في الإنتاج الأدبي، والروائي تخصيصا.

وحاضرا، أمام واقع الأحوال العالمية الذي نُجمع على الإقرار بـأنه ليس آمنا ولا واعدا بالتحسن، فإن الفلاسفة والمفكرين عموما، كفعاليات ثقافية وحوارية، وبصفتهم "موظفي الإنسانية"، حسب تعبير الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، لا يسعهم إلا أن يستميتوا في مقاومتهم للشر المتعدد الأشكال والمظاهر، وللإنزياحات من كل نوع، كما للعجز الفكري المهيمن؛ وذلك لأنهم، من حيث تكوينهم وطبيعتهم، يظلون عموما مُعْرضين عن الإنهزامية والتشاؤمية المبرمة (أي في الذكاء والإرادة معا)، وكلاهما يحكم على متخذيهما بأن يكونوا مشاهدين خاضعين ولا مسؤولين.

من باب الشهادة الذاتية، ومقتديا بالغزالي وديكارت وباسكال، أقول إن أقرب النصوص الفلسفية إلى وظائف الكتابة الروائية وفعاليتها، كما عاينت وجربت، ليس النص الشمولي النسقي، أو ما كان على شاكلته، إذ كيف نريد للروائي أن يستقر في نسق ما ويطمئن إليه، وأن يتمذهب به ويحتمي، ذلك أن الكتابة النسقية تعبئ مبادئ الاستمرارية والكلية والعقلنة، فتنشد التمامية والاكتمال، أي حشر الحياة في منظومة تحدد هي ماهيتها وتبرمج ديمومتها وتنسِّقُ خفقانها. وهذا ما جعل أكبر فيلسوف نظامي، هيـغل، يقول إنه آخر الفلاسفة، آخرهم لأنه وضع الأطروحة وضدها، وأطل على أتباعه ومعارضيه معا من شرفة تركيبه آمنا، معتبرا كل حالات اختبار الوجود لحظاتٍ زائلة في سيرورة دنو الروح من الفكرة المثال وانصهار التاريخ في المطلق.

المعطيات الوجدانية من شرفة هيـغـل هي كلا شيء، الفرد بكل معاناته وتجاربه هو كلا شيء، وعي الأنا بذاته وبالخارج والآخر وعي شقي لأنه مطبوع بالانشطار والتمزق، فهو كلا شيء؛ وكل هذه "الاغتيالات" المثالية هي من أجل غاية لا تعني أحدا ولا يطلع عليها أحد، ألا وهي حياة الكل وانتعاش الوعي الشمولي بذاته. هكذا يسقط الفرد ليعيش النسق وتتخلص المثالية المطلقة من مكابدات المعيش وآلامه، فترتاح إلى انسجام مقدماتها مع خواتمها وتنعم بتسلسل تدبيراتها ومنطقها.

لكنْ مع ما عرفته من أنساق فلسفية استفدت، على أيِّ حال، شيئا مهما: تيسير البناء الروائي وهندسة السرد، وما عدا هذا فإني أمامها، وخصوصا ما منها وجد ترجمته في أنظمة سياسية كليانية قامعة، أنزع إلى إيثار النص الفلسفي اللانسقي، أي الحيوي والمقطعي الشذري (كما في مؤلفي كتاب الجرح والحكمة) وهو الأنجع والأجدى في مجال اختبار الوجود وإيجاد الأفكار والرؤى؛ مع هذا النص، أراني في صحبة الوجوديين أهتف جهرا أو خفتا: عاش الفرد، هتاف يجد مرجعه في آيات قرآنية مثل ﴿ستلقون ربكم فرادى﴾ و﴿كلُّ امرئٍ بما كسبَ رهين﴾؛ وإنه هتاف من أجل الفرد وليس الفردانية). طاقات الفرد الذاتية وهي على محك تجربة المعنى والعلاقة بالعالم والآخر، ذلك ما بتُّ أوليه مكانة مخصوصة في انشغالاتي الروائية. والسبب أنه "ما دام الإنسان يحيا، كما سجل سورين كيركجور، فلن ينتهي التناقض والألم والصراع. ولن ينتهي ذلك كله ما دام الإنسان في الوجود. أما في السرمد فكل شيء يُفسر".

إيماني أو قل تعلقي الفكري بالفرد هو الذي حدا بي، على مستوى الكتابة، إلى إدراك إمكانات الرواية التعبيرية ونجاعتها التبليغية في مجال خلق شخوص، وتتبع منحنيات حياتهم من خلال أنسجة العلاقات والعقد التي يتحركون فيها. وبالطبع يكون الفرد-الشخصية، لا بالمعنى الملحمي أو حتى البطولي للكلمة، هو من يتظاهر كعنصر حيٍّ متكلمٍ عاملٍ داخل مجموعة بشرية، يتفاعل معها وينتج، أو كصاحب شهادة تستحق في نظر الروائي الإلتقاط والحكي.

بمعانٍ عديدة، أدرك إذن أن للرواية علائق مدلولية وثيقة بالفلسفة اللانسقية، الوجودية والحيوية، التي تحفل بأخصب مراتع التفكير في قضايا الإنسان، وهي في صيغتها الدينامية والحدية تتعلق أساسا بإشكال المعنى (أو اللامعنى) في جدلية الحياة والموت، المتمظهرة مثلا في ثيمات دوستويفسكي وتولستوي البارزة: الإنسان والشر/ الإنسان والحرية / الإنسان والله، وهي ثيمات أمهات تتفرع عنها أخرى كثيرة، كالحرب والثورة والسلطة، أو كالحب والقلق والانهيار النفسي وخراب التواصل بين الذوات، وسوى ذلك.

وإذا كان الحضور الفلسفي في أعمال ذينك الروائيين قويا، كما رصده  وحلله نقاد (باختين وطوما باڤيل في كتابه فكر الرواية)، فإنه ليس أقلَّ اعتمالا عند كتاب كبار لاحقين، أمثل عليهم باثنين فقط، هما نيكوس كازانتساكيس وخورخي لويس بورخيس. فالأول فيلسوف في تكوينه، تأثر كثيرا بالمذهب الحيوي (نيتشه وبرگسون) إضافة إلى المذهب البوذي. وهذا التأثر وجد عنده إطار استقبال مواتٍ في إحدى أهم روافد ثقافة اليونان القديمة، ممثلة في فكر هيراكليدس الشعري وفي الأبيقورية أو مذهب اللذة (إيدونيا) ومذهب السعادة (إيفديمونييا). ولعل أقوى وأجلى استثمار للبعد الفلسفي عند كازانتساكيس يتبدى في رائعته حياة ومغامرات أليكسيس زوربا، وذلك على مستويات عدة، منها مثلا ما كان عند سقراط والمفكرين قبله عبارة عن مولِّدٍ حراري وسمادٍ للنهج الفلسفي، أي المساءلة والتعجب والدهشة أمام أشياء الحياة وظواهر الوجود والكون.

وهكذا نرى زوربا يعبر عن ذلك بشكل عفويٍّ حار، إذ يتحدث مبهورا وراقصا عن الكواكب والأشجار أو الأحجار المتدحرجة، كما لو أنه يراها لأول مرة ("إيني بروتي فورا نا ﭬليبو"، يقول في لغته البسيطة الشيقة)، كما أنه لما هوى صرح شبكته ذات الأعمدة والأسلاك الذي أقامه لاستغلال منجم للفحم الحجري في موقع مرتفع، لم يكن ردّ فعله سوى الدخول في رقصة السرتاكي الشهيرة التي أعجب بها مشغله وصديقه بازيل الكاتب الأنجليزي ورب المنجم في جزيرة كريتي، فطلب منه أن يعلمه الرقصة للتلهي عن الكارثة ونسيانها..

إذا كان الفاعلون السياسيون والاقتصاديون عبر العالم يقرون بحاجتهم إلى قوة فكرية واقتراحية، فلن يستطيعوا في جانب مهم منها تلبيتها إلا مع وجوه النخب الساهرة على نسق القيم والثقافة الإنسوية، وهي التي يمثلها أساسا المفكرون والفلاسفة. في الوضع العالمي الحاضر، الزاخر بالمآسي والقلاقل، إنهم الأقدرون على تحريك وإعلاء الأفكار والمؤشرات الهادفة إلى إرساء ورعاية قواعد العدالة والكرامة وحياة اليسر التي يطمح إليها الناس وبها يكتسب وجودهم دلالة ومعنى.أما بورخيس فقد كان ينكر انتماءه إلى أي نسق فلسفي، بدعوى أن النسق في المعرفة والفكر يقوم على الإختزال والغش، كما رأى ذلك نيتشه من قبله، وما يقر به في غير ما موضع هو أنه في أعماله كلها لم يفعل شيئا آخر سوى التنقيب في الإمكانات الأدبية لنظريات فلسفية أو ثيولوجية، مثل العود الدائم والمثالية والسرمدية، التي يحركها كما لو أنها شخوص أو فعاليات روائية، هذا علاوة على أنه كان يشتغل بثيمة نفي الأنا والمكان وبثيمة معارضة الزمان، وإنْ كطرائق للتسلية أو السلوان..

لكنْ ما أُلح في التأكيد عليه هو أن أولئك الروائيين جميعهم لم يتوفقوا في علاقتهم بالفلسفة إلا لأن فنهم السردي كان من الجودة والعمق بحيث جنبهم الوقوع في فخاخ الخطابة والوعظ أو في زلات الرواية ت الأطروحة. ومقتفيا أثرهمصرت كلما سُئلت عن فلسفتي قلت إنها في مضان أعمالي الفكرية وبالتشخيص في رواياتي التي كنت بها –محاكيا دوستويفسكي تخصيصا- أجيب على قضايا ومسائل ذات طابع فلسفي.

***

إذا كان الفاعلون السياسيون والاقتصاديون عبر العالم يقرون بحاجتهم إلى قوة فكرية واقتراحية، فلن يستطيعوا في جانب مهم منها تلبيتها إلا مع وجوه النخب الساهرة على نسق القيم والثقافة الإنسوية، وهي التي يمثلها أساسا المفكرون والفلاسفة. في الوضع العالمي الحاضر، الزاخر بالمآسي والقلاقل، إنهم الأقدرون على تحريك وإعلاء الأفكار والمؤشرات الهادفة إلى إرساء ورعاية قواعد العدالة والكرامة وحياة اليسر التي يطمح إليها الناس وبها يكتسب وجودهم دلالة ومعنى.

إن أعضاء تلك النخب، بمعته الرجال والنساء ذوي الإرادات القوية الحسنة، يمكنهم السعي حثيثا إلى تمنيع المستقبل القريب والأبعد بإقامة تصاميم ومواثيق تفاهم وتعاون بين الأوطان والحضارات. ومن هذا المنحى فلقد اتسم هتننغتون بنوع من اليقظة الفكرية إذ سجل: "إن الأنموذج السياسي الموروث عن الحرب الباردة كان نافعا وجديرا طوال أربعين عاما، ولكنه أضحى متقادما في أواخر سنوات الثمانينيات، وفي يوم مّا سيعرف البراديغم الحضاري المصير نفسه"، (صدام الحضارات، ص 32).

وهذا اليوم، في تقديرنا، قد حلَّ من خلال مؤشرات وأفعال في الجنوب كما في الشمال، تضع وتنشر بتأنٍّ وحزم سلطاتٍ وآمالا من شأنها تطويق المخاطر التي تتهدد حياة البشر على الأرض وسلامهم. وبكلمات إيمانويل كانط نقول إن استثمار شروط إمكان ثقافة الحوار والسلام يقوم اليوم كـ "أمر قطعي"، ويلزم بهذه الصفة أن ينطبع في المؤسسات العمومية والخاصة، وكذلك في الأوعاء والسلوكات الفردية والجماعية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير العالمين العالم رأي أوضاع دور أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کما فی من حیث من أجل

إقرأ أيضاً:

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «5- 13»

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟

قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024

(5- 13)

إهداء المؤلف لكتابه:

“إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)”. المؤلف

بقلم: سمية أمين صديق

محمود محمد طه

نواصل الحديث عن كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام، والذي انطوى، عبر تسعة فصول، على الإجابة عن الكثير من الأسئلة، وعلى رأسها السؤال الذي وسمنا به سلسلة مقالاتنا هذه: ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ ونواصل الحديث استكمالا للحلقة السابق.تناول المؤلف دعوة الأستاذ محمود محمد طه للدستور الإنساني، يقول المؤلف: يتيح تطوير الشريعة الإسلامية على أصول القرآن، كما يري محمود محمد طه، الفرصة لوضع الدستور الإنساني انطلاقاً من قرآن الأصولومن ثم قيام الحكومة الإنسانية.والدستور الإنساني، يجعل المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق وليس بالدين أو الجنس أو العنصر أو اللون. أو أي اعتبار آخر. ويكفل الدستور الإنساني الحقوق الأساسية للجميع، حق الحياة، وحق الحرية، و ما يتفرع منهما، و لايوجد حجر على حرية المواطنين و على حرية الفكر و العقيدة. وفي هذا المستوي، كما يقول طه: “لا يُسأل الإنسان عن عقيدته، وإنما يُسأل عن صفاء الفكر، وإحسان العمل”. ومن هنا، حيث المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق، كما يقول المؤلف، إن محمود محمد طه يرى بأنه لا يقع تمييز ضد مواطن بسبب دينه ولا بسبب عدم دينه، وبهذا تنتقل الفضيلة، من قوة العضل، إلى قوة العقل، و قوة الأخلاق، ولن يكون حظالمرأة، في هذا الميدان، حظاً منقوصاً، و إنما هي فيه لتبز كثيراً من الرجال. وبهذا، كما يقول المؤلف: ينتفي الاستضعاف والتهميش والإقصاء، فلكل مواطن الحق في أن يعتقد ما يشاء من الأفكار و الأديان وكل مواطن يحمل افكاراً مهما كان دينه أو مذهبه، أو كان ملحداً او لا أدري… إلخ، فله الحق أن يدعو لأفكاره بالوسائل الديمقراطية. فالملحد، “يطرح أفكاره وإلحاده لمصلحته و لمصلحة المجتمع و يواجه الآخرين”في وسائل الإعلام و منابر الحوار. كذلك المواطن غير المقتنع بالإسلام و لديه فكر، فمن حقه أن يدعو بالوسائل الديمقراطية للفكر الذي يعتنقه، و على من لديهم معرفة بالإسلام أن يواجهونه بالفكر والحجة ويردونه عن أفكاره.

ويوضح عبد الله أن الإسلام في هذا المستوي، مستوي آيات الأصول، وهو المستوي العلمي، كما يقول الأستاذ محمود محمد طه: ” يعيش في مجتمعه جميع المواطنين على احترام وتساو بينهم (بحق المواطنة لهم كل الحقوق) ولا يميز ضد أحد باعتبارات المِلة” كذلك في متطلبات و شروطالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية مثلاً، ليس هناك داعي أن يكون من بين الشروط أن تقول “أنّ رئيس الجمهورية لازم يكون مسلم” و إنما يجب وضع القامة المطلوبة في الكمالات الإنسانية التي يراها الناس من أجل الترشيح للمنصب. فالديانة هنا ليست شرطاً و إنما الكمالات الإنسانية.  ويشتمل الكتاب على المزيد من التفصيل عن موضوع الدستور الإنساني.

عبد الله الفكي البشير الموقف من الصوفية

“الصوفي يخلو إلى الله في خلوته ليبني شخصيته ثم يبرز لخدمة المجتمع في جلوته”

محمود محمد طه، 1972

في هذا المحور أجاب المؤلف، كما أوضح وفصل،عن جملة من الأسئلة التي تكررت عليه، ووجهت إليه في العديد من المنابر الحوارية والندوات العلمية في الجامعات، ومن تلك الأسئلة:هل محمود محمد طه صوفي؟ وما موقفه من التصوف؟ وما هو رأيه في الطرق الصوفية؟ هل لديه مفهوماً جديداً للصوفية؟ وقياساً على دعوته لتطوير الشريعة السلفية، هل للحقيقة قابلية للتطور مثلما هي قابلية الشريعة للتطور؟ وهل في التصوف رأي سلفي متخلف؟ وهل يختلف الصوفي المعاصر عن الصوفي القديم؟وفي الإجابة عن الأسئلة عن التصوف الإسلامي وموقف الأستاذ محمود محمد طه، منه وحوله، كما ورد أعلاه، يقول المؤلف:(يرى محمود محمد طه بأن حقيقة القرآن الكريم، لا تعرف عن طريق القراءة، وإنما تعرف عن طريق الممارسة في تقليد المعصوم، النبي الكريم محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، عبادة، وسلوكاً، وهو ما سُمي، في أُخريات الأيام، بالتصوف. ويقول إن التصوف مركوز في الإسلام إذا ما رُفع إلى حياة النبي، وهو الزهد و الإصرار علي القيمة، وهذا جوهر التصوف، الزهد و الإصرار على القيمة. والتصوف هو سنة النبيصلى الله عليه وسلم، والصوفية هم اتباع السُنة المحمدية، وهم أنصار السنة المحمدية. هنا يجب الاحتراز، فليس المقصود، كما يُبين محمود محمد طه، أنصار السنة الذين يدعونها على عهدنا الحاضر ويجعلون وكد تعاليمهم الاعتراض علىالأولياء وعلى سقف الأمة الصالحة.).ويواصل المؤلف ليوضح:( والسنة النبوية غير الشريعة، لأن السنة النبوية هي عمل النبي في خاصة نفسه و هي (طريق محمد)، وهو القائل: “قولي شريعة، وعملي طريقة و حالي حقيقة”. إن سائر الأمة مكلفة بالشريعة، وليست مكلفة بالسُنة بكل تفاصيلها، و إنما هم مندوبون إلى مايطيقون منها، وفقاً لقوله تعالي :(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ). وعن موقف التصوف من الشريعة الإسلامية، يوضح محمود محمد طه، قائلاً: إن التصوف ليس ضد الشريعة، و ليس خارج الشريعة، لأن التصوف يري أن الشريعة هي طرف الحرف للكلمة وهو يريد أن يدخل للمعنى).وزاد المؤلف في التفصيل والتبيين.

النبي في خاصة عمله هو عُمدة الصوفية

“الفكرة خطها صوفي لكنها مرحلة لم يصلها صُوفي بعد”

محمود محمد طه، 1968

يقول المؤلف:التصوف الإسلامي، في حقيقته، وإن كان الاسم لم يظهر إلا مؤخراً، هو تقليد السيرة النبوية، والنبي، في خاصة عمله، قبل البعث، وبعد البعث،هو عمدة الصوفية”. لقد ازدهر التصوف في القرون السبعة التي تلت القرن الثالث، وكانت قمته في القرنين السادس و السابع، ثم لحق به التبديل، والتغيير، والضعف ما لحقة، مما نراه الآن. و بين المؤلف، موضحاً، أن  التصوف  الإسلامي، يرجع في الأصل كما يقول،  محمود محمد طه، إلى النهج النبوي، فالنبي كان صوفياً بمعني أنه زاهد، و أنه صاحب قيمة، ينظر إلى قيم الأشياء، فلا يقدم الفاضل على المفضول. وعنده الدنيا وسيلة الآخرة، ولا يمكن أن يضع أي أمر من أمور الدنيا أمام أمر الآخرة حتي قيل عنه :”كان محمد كأنما نُصب له علمٌ فشمر يطلبهُ”. ( والسنة النبوية، كما يري محمود محمد طه، لم تغادر صغيرة ولا كبيرة نحتاجها في أمر ديننا إلا بينتها، و من ها هنا فليس هناك موجب لابتداع البدع. والبدع هي كل ما لم يعمله النبي في خاصة نفسه.)وعن دخول الصوفية واتباعهم، إلى المغارات فكان ذلك، بعدما استيأس أنصار الدين من صلاح أمر الناس، ففروا بدينهم إلى المغارات والفلوات والكهوف ليقيموا الدين في أنفسهم، من غير أن يتعرضوا إلى منازعة السلطة الزمنية ويقول عبد الله أن ذلك العمل لم يكن من البدع، و إنما هو سُنة بيد أنها سُنة النبي قبل البعث أيام تحنثه في غار حراء. وعند الصوفية كل عمل النبي قبل البعث وبعده، إنما هو عمل مسدد و موجه ومرعي، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :( كنت نبياً وآدم بين الماء والطين). ويقول صلي الله عليه وسلم في إشارة إلى هذه الحقبة من حياته (أدَّبني ربَّي فأحْسن تأديبي). وهنا يلفت عبد الله النظر  توكيداً لما جاء في الفصل السابق :( أن محمود محمد طه قد اعتكف في خلوة امتدّت لمدة خمس سنوات ..، و مما تجدر الإشارة إليه أيضاً، أن الإسلام في السودان على الخصوص، دخل على أيدي الصوفية الذين، كما يوضح محمود محمد طه أحبهم السودانيون و أحبوا الدين الذي حملوه إليهم فتغلغلت روح الدين بين الشعب و برز رجال التصوف السوداني الذين ظلوا يحملون راية التربية و الإرشاد خلفاً عن سلف حتي وقت قريب.

ثم يواصل المؤلف في الإجابة عن العديد من الأسئلة منها: هل محمود محمد طه صوفي؟وما هو موقع الفكرة الجمهورية من خريطة التصوف؟ وهلأتي محمود محمد طه بمفهوم جديد للصوفية؟ وما الفرق بين الصوفي السابق والصوفي المعاصر؟ وقياساً على دعوة محمود محمد طه لتطوير الشريعة الإسلامية الحاضر (الشريعة السلفية)، هل في التصوف رأي سلفي؟ وهل للحقيقة قابلية للتطور مثلما هي قابلية الشريعة للتطور؟ أجاب المؤلف عن هذه الأسئلة بتفصيل، وأدعو القراء للاطلاع على الإجابات في الكتاب موضوع دراستنا.

بعض ما يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين

العنوان أعلاه هو عنوان الفصل الثالث من الكتاب. يقول المؤلف إن هذا الفصل، يقدم   محاولة، للتوسع في إجابة عن سؤال مركزي كثيراً ما طُرِح عليه في المنابر العامة، والمقابلات الإعلامية، وفي اللقاءات الخاصة، ووضح بأن هذا السؤال قد ورد، كذلك في ندوات ومحاضرات كانت في تونس، والمغرب والعراق، ولبنان، وألمانيا، وغيرها، وكان آخرها في الجزائر خلال شهر يونيو 2023. ويقول عن تلك المناسبة:( لقد كنت مشاركاً في ندوة دولية بمدينة وهران، الجزائر، بعنوان:الإنتاج المعرفي للمؤسسات الدينية في شمال إفريقيا:الرهان ومتطلبات الواقع المعاصر، وقد قدمت ورقة كانت بعنوان:”إنتاج المعرفة الدينية في السودان وموقف مؤسساتها من تجديد الخطاب الديني: مشروع الفهم الجديد للإسلام نموذجاً” فجاء سؤال من أستاذة جامعية، بعد تقديمي للورقة على النحو الآتي: ما الذي يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين؟ و تضمنت الإجابة عن هذا السؤال، رداً على ثلاثة أسئلة، تقول:ماهو مصدر معرفة محمود محمد طه؟ وكيف بدأ محمود محمد طه؟ وإن كان محمود محمد طه قد وصل، كما أخبرنا في محاضراته، حتى قال له النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: “ها أنت وربك”، فكيف وصل محمود محمد طه؟ وكيف بدأ؟ كذلك نجد في هذا الفصل إجابات على أسئلة أخرى تكررت في معظم المحاضرات التي قدمها المؤلف والندوات العديدة التي شارك فيها ومن ضمن تلك الأسئلة: لمن قرأ الأستاذ محمود محمد طه؟ هل تتلمذ على مُفكر بعينه؟ و هل قرأ لأي من المُفكرين الإسلامين المُعاصرين؟ و بمن تأثر من المفكرين في تطوير أفكاره؟ وماهي نقطة الخلاف مع المفكرين الإسلامين؟

يقول عبد الله: (يصعب في تقديري، رصد كل ما يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين، ولكنني أقدم هنا بعض المميزات التي استطعت رصدها، وقد يلتقي  بعض المفكرين معه في طرف منها ، ومرد اللقاء في بعض هذه المميزات إلى أن العقول كبيرة تلتقي، كون المعلم واحد، كما يقول محمود محمد طه :”الله هو المعلم الأصلي”

قدم الكتاب سبع مميزات، وفصل فيها، كما أجاب على الأسئلة أعلاه، وقد بين المؤلف أن بعض هذه الأسئلة كان قد طُرح على الأستاذ محمود محمد طه منذ الخمسينات و ستينات وسبعينات القرن الماضي، وأجاب عليها، كما أجاب على سؤال آخر ظل متجدداً، كما أنه لم يغب عن الكثير من محاضرات مؤلف هذا الكتاب ومحاضراته ولقاءاته بالمثقفين،والسؤال هو:هل أخذ محمود محمد طه من مُحي الدين بن  عربي( 558هـ –648 هـ/1164 م– 1240 م)؟ وهنا يضيف عبدالله: (بل يجزم البعض، بدون احتراز أو ورع علمي،بأن محمود محمد طه أتي بمعارفه من ابن عربي). وقد ذكر عبد الله بأن الأستاذ محمود محمد طه قد أوضح بأن “ما جاء به لم يأت به السابقون حتى ولا ابن عربي فهو جديد كل الجدة”. وأضاف عبدالله بأن الأستاذ محمود ذكر، قائلاً:”من يأخذ معارف الآخرين، هو نبات ظِل، فأنا لا آخذ معارف الآخرين..”. ثم قدم المؤلف المزيد من التفصيل في إجابته مبيناً موقع ابن عربي مما أتي به الأستاذ محمود محمد طه، وبتوسع. كما أضاف المؤلف، قائلاً:(و في ندوة قدمها المؤلف (الدكتور عبدالله الفكي البشير) في منبر حواري ببرلين -ألمانيا، كانت في يوليو 2023،سألته أستاذة جامعية، قائلة :( لاحظنا توافق في بعض مما جاء به محمود محمد طه مع ابن رشد (1126م– 1198م)  فهل يمكن القول إن محمود محمد طه أخذ من ابن رشد أو تأثر به؟.

قدم المؤلف إجابات مفصلة عن كل هذه الأسئلة التي وردت أعلاه وغيرها، كما لخص سبع مميزات تميز بها المفكر محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين. كذلك أجاب بتوسع عن الأسئلة القائلة: لمن قرأ محمود محمد طه؟ وبمن تأثر من المفكرين؟ وماهي نقاطالخلاف مع المفكرين الإسلاميين؟ وماهي غاية الفهم الجديد للإسلام؟ ولمَّا كانت الغاية هي إنجاب الفرد الحر حرية فردية مطلقة، وإن كل شيء في الرسالة الثانية من الإسلام،هو وسيلة إلى انجاب الفرد الحر حرية مطلقة، وكذلك المجتمع، والإسلام، و القرآن، والعبادات من باب أولى.. فماهي الوسائل التي يتم بموجبها إنجاب الفرد الحر؟ أجاب المؤلف عن هذا بتفصيل، متناولاً ما أوضحه الأستاذ محمود محمد طه عن الوسيلتين، وذكر المؤلف، أن الوسيلة الأولى هي: وسيلة المجتمع الصالح، كون “المجتمع و سيلةموسلة لحرية الفرد”، وفصل المؤلف في ذلك. والوسيلة الثانية لإنجاب الفرد الحر، كما يقول المؤلف، هي المنهاج التربوي العلمي الذي يواصل به الفرد مجهوده الفردي. وهذا المنهاج، كما أضاف المؤلف، هو تجسيد حياة محمد الإنسان، النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما بينه الاستاذ محمود محمد طه في كتابه: طريق محمد. ويوضح المؤلف بأن الطريق هو النهج العملي الذي يوصل إلى الله، أي الحضور مع الله. وقد قدم المؤلف المزيد من التفصيل.

نلتقي في الحلقة السادسة، وهي تتمحور حول لماذا يقول المؤلف المفكر محمود محمد طه؟ وأحيانا المبشر محمود محمد طه؟ ومن أين جاء المؤلف بصفة المفكر والمبشر للأستاذ محمود محمد طه؟وتتناول الحلقة كذلك تربية التلاميذ وتكوين المجتمع الجمهوري، وإعداد الدعاة الجدد (الإخوان الجمهوريون والأخوات الجمهوريات)، وما هي أساليب الدعوة؟ وعن أركان النقاش باعتبارها إحدى آليات الدعوة للفهم الجديد للإسلام، ما هو مفهوم أركان النقاش عند الجمهوريين؟ ومتى كانت بداية نشاط الجمهوريين في جامعة الخرطوم- صحيفة عطارد 1965؟ وكيف تطور نشاط الجمهوريين في جامعة الخرطوم- صحيفة الفكر (1967)؟ وما هي قصة تسمية الحوار بركن نقاش في فضاء جامعة الخرطوم- 1972؟ ومتى كانت البداية الفعلية لأركان النقاش بمكان وزمان معلومين في جامعة الخرطوم (1974)؟ والسؤال السابق لكل هذه الأسئلة، متى ظهر مصطلح أركان النقاش، لأول مرة، في فضاء الفكر الجمهوري؟

ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «4- 13»

مقالات مشابهة

  • نائب وزير روسي سابق: تنازلات ترامب لبوتين تفوق توقعات الكرملين
  • ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ «5- 13»
  • بعد النجاحات التي حققها.. العربي الأوربي لحقوق الإنسان يتحصل على صفة «مراقب»
  • التعليم العالي: صندوق رعاية المبتكرين يدعم المشروعات التي تحقق التنمية المستدامة
  • وزير الخارجية الأمريكي: لقاء ترامب وبوتين مشروط بتقدم إنهاء حرب أوكرانيا
  • وزير بريطاني سابق: أي حلول مستقبلية يجب ارتكازها على خطط متماسكة لإعادة إعمار غزة
  • وزير بريطاني سابق: تهجير الفلسطينيين غير مقبول .. ولن يجدي نفعا
  • وزير بريطاني سابق: عمليات الاستيطان في الضفة الغربية غير قانونية
  • وزير بريطاني سابق: الحلول المستقبلية بغزة يجب أن ترتكز على خطط لإعادة الإعمار
  • وزير بريطاني سابق: الرئيس السيسي سيقدم خطة لإعادة إعمار غزة