بيان منزلة الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه وفضائله
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه ورد في كتب السنة -التي تلقتها الأمة بالقبول على مدى تاريخها الحافل، وبنى عليها العلماء فهمَهم لدين الإسلام- أبوابٌ عَقَدَها أهل العلم في فضائل الصحابة عامة وفي فضائل بعض الصحابة خاصة، منها ما ورد في "سنن الترمذي" عن فضائل أبي هريرة رضي الله عنه: أَتَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بتَمَراتٍ، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ادعُ اللهَ فيهِنَّ بالبَرَكةِ.
أضافت الإفتاء، أنه جاء أيضًا رَجُلٌ إلى طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رضي الله عنه فقال: يا أبا محمدٍ، أَرَأَيتَ هذا اليَمانِيَ -يَعنِي أبا هُرَيرةَ رضي الله عنه-، هو أَعلَم بحَدِيثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنكم، نَسمَعُ مِنه ما لا نَسمَعُ مِنكم -أو: يَقُولُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يَقُل-؟ قال: أَمَّا أَن يَكُونَ سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم نَسمَع، فلا أَشُكُّ إلا أَنَّه سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم نَسمَع؛ وذاكَ أَنَّه كان مِسكِينًا لا شَيءَ له، ضَيفًا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، يَدُه مع يَدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، وكُنَّا نحن أَهلَ بُيُوتاتٍ وغِنًى، وكُنَّا نأتِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم طَرَفَيِ النَّهارِ، فلا نَشُكُّ إلا أَنَّه سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم نَسمَع، ولا نَجِدُ أَحَدًا فيه خَيرٌ يَقُولُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يَقُل. قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وفيه أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لأبي هريرة رضي الله عنه: يا أبا هريرة، أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحفظنا لحديثه.. قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن، وفيه كذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، أسمع منك أشياء فلا أحفظها. قال: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ»، فبسطتُ، فحدث حديثًا كثيرًا فما نسيت شيئًا حدثني به. قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
دار الإفتاء المصريةوفي "تحفة الأحوذي": [قال صاحب "السعاية في شرح الوقاية" -وهو من علماء الحنفية- ما لفظه: كون أبي هريرة رضي الله عنه غير فقيه غير صحيح، بل الصحيح أنه من الفقهاء الذين كانوا يفتون في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما صرح به العلامة ابن الهمام في "تحرير الأصول"، والإمام ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" انتهى. وفي بعض حواشي "نور الأنوار": أن أبا هريرة رضي الله عنه كان فقيهًا؛ صرح به العلامة ابن الهمام في "التحرير"، كيف وهو لا يعمل بفتوى غيره، وكان يفتي بزمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وكان يعارض أجِلَّةَ الصحابة رضي الله عنهم كابن عباس رضي الله عنهما؛ فإنه قال: إن عدة الحامل المتوفَّى عنها زوجها أبعد الأجلين، فرده أبو هريرة رضي الله عنه وأفتى بأن عدتها وضع الحمل، كذا قيل. انتهى. قلت: كان أبو هريرة رضي الله عنه من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم ومن كبار أئمة الفتوى، قال الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ": أبو هريرة الدوسي اليماني رضي الله عنه الحافظ الفقيه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع. انتهى. وقال الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين": ثم قام بالفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بَرْكُ الإسلام وعِصابة الإيمان وعسكر القرآن وجند الرحمن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا بين مكثر منها ومقلٍّ ومتوسط، وكان المكثرون منهم سبعةً: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة رضي الله عنهم ..إلخ. فلا شك في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان فقيهًا من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى].
وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب "الصحيح": [وإنما يَتَكلَّم في أبي هريرة رضي الله عنه لدفع أخباره مَن قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معاني الأخبار؛ إما معطِّل جهمي يسمع أخباره التي يرونها خلاف مذهبهم الذي هو كفر، فيشتمون أبا هريرة رضي الله عنه، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه تمويهًا على الرِّعاءِ والسَّفِلِ أن أخباره لا تثبت بها الحجة، وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام، إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف مذهبهم الذي هو ضلال، لم يجد حيلة في دفع أخباره بحجة وبرهان، كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة رضي الله عنه، أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفَّر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدرها الله تعالى وقضاها قبل كسب العباد لها، إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إثبات القدر لم يجد بحجة يريد صحة مقالته التي هي كفر وشرك، كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبي هريرة رضي الله عنه لا يجوز الاحتجاج بها، أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه فيما يخالف مذهب مَن قد اجتبى مذهبه وأخباره تقليدًا بلا حجة ولا برهان تكلم في أبي هريرة رضي الله عنه ودفع أخباره التي تخالف مذهبه، ويحتج بأخباره على مخالفته إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه، وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبي هريرة رضي الله عنه أخبارًا لم يفهموا معناها].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أبو هريرة دار الافتاء الإفتاء دين الإسلام صلى الله علیه وآله وسلم م رسول الله
إقرأ أيضاً:
لماذا كان الرسول يقرأ السجدة والإنسان في فجر الجمعة؟.. حكم التكاسل عنهما
لماذا كان الرسول يقرأ السجدة والإنسان في فجر الجمعة؟.. سؤال يشغل ذهن كثير من الناس، خاصة فيما يتعلق بسنن يوم الجمعة التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم.
ويوم الجمعة من خير أيام الأرض وأعظمها منزلة في الإسلام، فهو خير يوم طلعت عليه الشمس، وفيه ساعة إجابة لذلك نسلط في التقرير التالي الضوء على سؤال لماذا كان الرسول يقرأ السجدة والإنسان في فجر الجمعة؟، وكيف نتقرب إلى الله في هذا اليوم.
لماذا كان الرسول يقرأ السجدة والإنسان في فجر الجمعة ؟كان مِن سُنَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة الصبح يوم الجمعة بسورتي السجدة والإنسان؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورتين كاملتين، ولم يكن يختار آية السجدة وما حولها من آيات كما يفعل بعض الناس اليوم، ولا أدري ما الذي جعل الناس تعتقد أن المراد بقراءة سورة السجدة هي آية السجدة تحديدًا! إنما السُّنَّة أن نقرأ سورة السجدة كاملة في الركعة الأولى، ثم نقرأ سورة الإنسان كاملة في الركعة الثانية، ولا حُجَّة لمن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُطَوِّل في صلاته بالناس. لأن التطويل أو التخفيف أمر نسبي، والمعيار الدقيق له هو سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي في فجر الجمعة تكون كما وضَّحنا.
أما لماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتين السورتين لفجر يوم الجمعة؟ فهذا لم تُصَرِّح به الأحاديث؛ ولعلَّه لأنه جاء في السورتين ذِكْرُ خَلْقِ الإنسان، وقيام الساعة، ودخول الجنة، وكلها أمور حدثت أو تحدث في يوم الجمعة؛ وذلك لما رواه مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ».
فلْنحرص على هذه السُّنَّة، وأن لا نلوم أو نعتب على مَنْ قرأ بالسورتين بدعوى أنه أطال؛ بل نُشَجِّعه وندعمه، ولْنتدبَّر في معانيهما؛ ففيهما من الخير الكثير.
لماذا كان الرسول يقرأ السجدة والإنسان في فجر الجمعة ؟تقول دار الإفتاء المصرية في بيانها فضل سورتي السجدة والإنسان في صلاة الفجر يوم الجمعة ، إنها من السنن التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد ذلك في "الصحيحين"، بل وجاء في رواية الطبراني أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يُديم ذلك، وهذا يدفع اعتراض مَن ينكر المداومة على ذلك أو من يدعي أن من السنة ترك السنة؛ فإن هذا كلام غير صحيح على عمومه، ولو فُهِم على ظاهره لكان تناقضًا؛ إذ حقيقة المستحب والمندوب والسنة هو ما أُمِر بفعله أمرًا غير جازم؛ فهو مأمور به وليس بمستحبٍّ تركُه أصلًا، بل المستحبُّ تركُه إنما هو المكروه الذي نُهِيَ عن فعله نهيًا غير جازم، فصار تركُه لذلك مستحبًّا.
وتابعت الإفتاء أنه قد كان فعل الصحابة رضي الله عنهم على خلاف هذه المقولة؛ فكانوا يتعاملون مع المستحب والمندوب من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكَأَنّه واجب، فيداومون على فعله ويتلاومون على تركه؛ حرصًا منهم على التأسي بالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في كل صغيرة وكبيرة من أفعاله الشريفة، حتى كان بعضهم يتأسى بأفعاله الجِبِلِّيَّة صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنَّف" عن الشعبي رحمه الله تعالى أنه قال: "ما شهدت ابن عباس قرأ يوم الجمعة إلا بـتنزيل وهل أتى".
وشددت: لعل مقصود من قال ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يترك بعض المستحبات خوفًا من أن تفرض على أمته، أو يظن الناس أنها واجب، وأن العالم والمقتدى به قد يفعل ذلك لنفس الغرض، وذلك من باب سد الذرائع، كما يقوله بعض العلماء من المالكية وغيرهم.
ولفتت إلى أن التحقيق أن التوسع في باب سد الذرائع غير مَرضِيٍّ، وقد يُتَصَوَّر هذا قبل استقرار الأحكام، أما بعد استقرارها وتميز المستحب من الواجب فلا مدخل لهذه المقولة، ولا مجال للأخذ بها، فضلًا عن أنَّ هذه السنة بخصوصها ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المداومة عليها، ولا يصح أن يُجعَل سدُّ الذرائع وأمثال هذه المقولات حاجزًا بين الناس وبين المواظبة على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال أهل العلم: سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالاتباع على كل حال.