العراق: 3 آلاف مزرعة تصارع من أجل البقاء في البصرة
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
الاقتصاد نيوز-بغداد
لا يختلف الحال عما هو عليه في محافظة البصرة المطلة على مياه الخليج العربي، جنوبي العراق، عن بقية المحافظات العراقية، وقد تكون الأسوأ في تاريخ البلاد لما تشهده من عمليات تجريف وتوسعة سكانية، فضلاً عن العوامل الطبيعية المتمثلة بالجفاف والتصحر.
وتشهد المحافظة الغنية بالنفط 550 كيلومتراً جنوبي العراق، أزمة زراعية حادة ضربت جميع مناطقها بعدما كانت ضمن قائمة المحافظات الزراعية التي كانت تغذي جميع مناطق العراق بعدد من المحاصيل وأبرزها التمور والقمح، حيث انخفض معدل الزراعة في المحافظة بنسبة 80 بالمائة قياساً عما كانت عليه قبل سنوات بحسب مختصين.
وقال عضو الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق، توفيق علي مزيد، إن "الجفاف والتصحر الذي تشهده محافظة البصرة يعد الأسوأ في تاريخها، ويشكل تهديدا مباشرا لحياة السكان، فضلاً عن انتشار الفقر وتدهور الأحوال الاقتصادية التي أدت إلى هجرة أعداد كبيرة من المزارعين. وأوضح مزيد أن المحافظة كانت تضم أكثر من 30 مليون نخلة، وبحدود عشرة آلاف مزرعة طماطم ومساحات شاسعة من المحاصيل الاستراتيجية كالحنطة (القمح) والشعير إضافة الى الخضروات والحناء والكروم.
وبيّن أن المحافظة تعاني من شح العائد الزراعي نتيجة تدني مستوى الإنتاج وانحسار الواقع الزراعي، بسبب قلة زيادة مساحات التصحر والجفاف، مما أدى الى ارتفاع نسبة الملوحة في مياه شط العرب. وقال مزيد إن استيلاء شركات النفط مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وكذلك توسع المدن، أدى الى انحسار المساحات الزراعية التي تم ضمها الى التصميم الأساسي للمدن وانتفاء صفة الزراعة منها وتجريف الأراضي وإنشاء مجمعات سكنية عليها. وأشار إلى أن المحافظة بعد أن كانت تغطي حاجة السكان وتصدر الفائض الى الخارج، أصبحت الآن تستورد الخضروات والحبوب والتمور من دول الجوار.
الخطة الموسمية
كشفت مديرية زراعة محافظة البصرة عن خطتها السنوية للموسم الصيفي الحالي، والتي انخفضت بمعدل 11 ألف دونم زراعي قياساً بالعام الماضي 2022، وأن جهودها متواصلة لتوفير احتياجات المزارعين وفق إمكانياتها المتوفرة.
وقال مدير زراعة المحافظة، هادي حسين، إن مديريته أتمّت الخطة الصيفية للموسم الحالي بمساحة أكثر من 39 ألف دونم، فضلاً عن مصادقة وزارة الزراعة على زراعة 28 ألف دونم للمناطق الصحراوية التي تروى بالآبار خلال الخطة، بالإضافة تزويد عدد من الفلاحين بوسائل ري حديثة وأسمدة.
وأشار إلى خروج المناطق الإروائية من الخطة الصيفية لهذا الموسم، مما تسبب بخسارة أكثر من 11 ألف دونم خلال هذا الموسم فقط بسبب شحة المياه، وأن مديريته تعمل على استثمار وسائل الري الحديثة للنهوض بالواقع الزراعي.
وطالب حسين، في حديث مع "العربي الجديد"، بضرورة بذل الجهود ووضع الحلول المناسبة لحل أزمة شحة المياه، وتفعيل الجهود الدبلوماسية من خلال وزارة الخارجية مع الدول المتشاطئة مع العراق وتطبيق القرارات والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية رامسر واتفاقية الجزائر وغيرها من الاتفاقيات التي تنص على سيادة العراق وحصوله على الحصص الكافية من المياه.
غياب الدعم
من جانبه، قال عضو لجنة الزراعة في البرلمان العراقي، هيثم الزركاني، إن جهود البرلمان متواصلة لدعم القطاع الزراعي العراقي الذي يواجه الكثير من التحديات المتمثلة بشح المياه وتوفير وسائل الزراعة الحديثة للمزارعين. وأضاف الزركاني، لـ"العربي الجديد"، أن الدعم الحكومي للفلاحين والمزارعين يشهد غيابا تاما، ولم تقدم الحكومة الدعم اللازم من أسمدة وبذور ووقود وأغطية بلاستيكية، منتقداً، خطط وزارة الزراعة والموارد المائية في مواجهة الأزمة الكبيرة التي تعاني منها محافظة البصرة.
وأشار إلى أن مستويات التصحر والجفاف التي تشهدها المحافظة تنذر بمخاطر بيئية كبيرة سوف تنعكس سلباً على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والصحي للسكان، مطالباً الحكومة العراقية والوزارات المعنية بضرورة إيجاد حلول واقعية لتجاوز مخاطر الأزمة. ونوه الزركاني إلى أن سوء استخدام المياه وقلة الأمطار فضلاً عن عوامل تأثير التغيير المناخي التي انعكست كثيراً على الواقع العراقي، بالإضافة إلى تراجع إمدادات المياه من دول المنبع، عوامل أدت إلى تهديد مباشر يجب الوقوف عنده وتجاوزه بالسرعة الممكنة.
انحسار المساحات الزراعية
لم تؤثر العوامل الطبيعية وارتفاع درجات الحرارة بشكل مباشر على الزراعة في محافظة البصرة، لأن أغلب المحاصيل التي يتم زراعتها في المحافظة تعتمد على درجات حرارة عالية، لكن أزمة المحافظة تتعلق بسوء السياسة الزراعية وتراجع دور الدبلوماسية العراقية في توفير الحصص الكاملة للعراق من المياه. وفي حديثه لـ "العربي الجديد"، قال الباحث الاقتصادي، علي العامري، إن مناطق شرق وشمال محافظة البصرة كانت تضم أكثر من 12 ألف مزرعة لمختلف المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من بساتين النخيل، فيما تضم مناطق جنوب وغرب البصرة أكثر من 7 آلاف مزرعة لمحصول الطماطم فقط، فضلاً عن أكثر من 5 آلاف مزرعة أخرى مختصة بزراعة المحاصيل الصيفية الأخرى.
وأضاف العامري، أن مجموع المزارع الحالية في محافظة البصرة لا يتجاوز عددها 3000 مزرعة فقط، فيما خرجت بحدود 9000 مزرعة عن الخدمة الزراعية، بسبب الاتساع الكبير في رقعة الجفاف والتصحر. وأوضح أن المحافظة تعتمد حاليا على استيراد المحاصيل الزراعية من إيران، على الرغم من إمكانية استثمار الأراضي الموجودة، واستصلاح مساحات كبيرة من أراضي غرب وجنوب البصرة التي تحتوي على كميات كبيرة من المياه الجوفية عن طريق استخدام وسائل الري والتقنيات الزراعية الحديثة.
المصدر/ العربي الجديد
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار محافظة البصرة العربی الجدید ألف دونم کبیرة من أکثر من
إقرأ أيضاً:
العطش يكتب فصله الأخير في بلاد الرافدين
7 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: اشتد العطش في بلاد الرافدين، وبدأت الأرض تتكلم لغة الانهيار. لم يعد الماء هناك مجرد مورد طبيعي، بل أصبح ملفًا سياديًا، تطرق بابه الدبلوماسية، ويقلّب صفحاته المزارعون والباحثون والسياسيون في آن واحد.
العراق الذي كان يروي حضاراته من دجلة والفرات، صار يتسول قطرة من خلف السدود، ويعيد هندسة زراعته بقلق وارتباك.
,أحدثت منظمة اليونيسيف والمديرية العامة للماء في العراق صدمة بتحذير صريح: البلاد تواجه “أزمة مائية خانقة”، والجفاف يتسلل إلى ملايين البيوت.
هذا التحذير الصادر في مطلع أبريل 2025، لم يكن الأول، لكنه جاء بلهجة أشد قسوة وواقعية، في ظل ارتفاع درجات الحرارة واستمرار التصحر وتقلص المساحات الخضراء. لم تعد الأزمة مجرد تحذير بيئي، بل باتت عنوانًا لتغيير مصيري في الجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد.
وأفقدت الأزمة العراق نصف أراضيه الزراعية، وفق المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي. وأكد أن خطط الوزارة لم تعد تغطي إلا ما تبقى من الأراضي القابلة للإنقاذ.
لم يخفِ الخزاعي في تصريحاته المتعددة حجم الخسائر، والتي وصفها بـ”الكبيرة جدًا”، مؤكداً أن المشكلة تتجاوز التغير المناخي، لتشمل خلافات مستعصية مع دول المنبع، خاصة تركيا وإيران.
واستعرضت وزارة الموارد المائية حزمة من الإجراءات، بحسب المتحدث خالد الشمال، الذي كشف عن تنسيق مباشر مع الأمم المتحدة لتدويل ملف المياه، وتوقيع اتفاقية إطار مع تركيا. لكن، ورغم هذه التحركات، يزداد القلق الشعبي على المنصات الرقمية. كتب الناشط البيئي “مهند الدليمي” في تغريدة بتاريخ 4 أبريل: “متى نفهم أن الماء أصبح سلاحًا جيوسياسيًا؟ كل يوم نخسر نخلة، وكل صيف نخسر ألف فدان”. وتداول المستخدمون صورًا ملتقطة بالأقمار الصناعية تُظهر تراجع المياه في الأهوار ومجاري الفرات بنسبة تفوق 60% مقارنة بعام 2020.
ودفع الجفاف الحكومة لتخصيص أكثر من 628 مليون دولار للتحول نحو أنظمة الري الحديثة. وتم توزيع 13 ألف مِرشّة محورية، وفق خطة تشجيعية تتضمن دعمًا حكوميًا وتقسيطًا طويل الأمد. ونجحت وزارة الزراعة في تجربة زراعة أصناف جديدة من الرز المقاوم للجفاف، ضمن مشروع تجريبي في محطة المشخاب.
غير أن الخبراء، ومنهم تحسين الموسوي، شككوا في فاعلية هذه الإجراءات، واعتبروها “حلولًا ترقيعية”. ونبّه الموسوي في حديثه لقناة الرشيد بتاريخ 3 أبريل إلى أن الأزمة نتيجة تراكمات طويلة، أهمها غياب اتفاقات ملزمة مع دول الجوار، وسوء الإدارة، واعتماد زراعي لا يواكب التغير المناخي. ودعا لثورة مائية شاملة تشمل الترشيد، الحصاد المائي، الزراعة الذكية، وحماية المخزون الجوفي.
ووفق بيانات منظمة “وورلد ريورسز إنستيتيوت” (WRI) لعام 2025، حل العراق في المرتبة الرابعة عالميًا ضمن قائمة الدول الأكثر تعرضًا للإجهاد المائي، متقدمًا على دول ذات طبيعة صحراوية بالكامل، ما يشير إلى حجم التهديد الذي يواجه بلدًا كان يومًا يُلقب بـ”جنة النهرين”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts