جيوبوليتيكا القرن العشرين: فخ البنية التحتية وتجارة السلاح (٣-٦)
تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT
تشكلت الجيوبوليتيكا العالمية الجديدة على فيزياء نيوتن وسيطرت على القرن التاسع عشر. شهد القرن التاسع عشر ( من اليوم الأول لعام 1801 إلى اليوم الأخير من عام 1900)،استكمال السيطرة البريطانية متحكمةً بأكثر من ربع سكان الأرض في حين بدأت كل من الإمبراطورية الإسبانية والإمبراطورية البرتغالية والدولة العثمانية بالاضمحلال، والإمبراطورية المغولية التي مكنت كل من ألمانيا وإمبراطورية اليابان والولايات المتحدة من أن تصبح قوى عظمى على الساحة الدولية، وأدى بدوره لظهور عصر الاستعمار الجديد.
كان من نتائج الافكار الاجتماعية والسياسية لما بعد الثورة الفرنسية والنظريات العلمية النيوتونية وغيرها، تطور الرأسمالية وسيطرة جيوبوليتيك المرحلة الاستعمارية المباشرة القائمة على السلب والنهب لشعوب افريقيا وامريكا اللاتينية والاسيوية واستراليا، وتطبيق المخرجات الفكرية والعلمية السائدة. على ضوء فيزياء نيوتن وتطبيقاته واستعمالاته، اصبحت تتوفر اهم تطبيقات الطاقة من الفحم الحجري والبترول، والكهرباء ووسائل اتصالاتها من التلغراف والتلفون والراديو والتلفزيون، كما برزت منها اهم اشكالاتها التي واجهتها البشرية.
مع ظهور فيزياء اينشتين والكمومية في اوائل القرن العشرين ومن ثم تطورها واكتشافاتها -خاصة الطاقة النووية، بدأت هذه النظريات تشكل الجيوبوليتيكا الجديدة. انتهى عصر الاستعمار المباشر بعد الحرب العالمية الثانية في بداية الخمسينات، وصعدت الولايات المتحدة ودفعت الثورة البلشفية روسيا والمسيرة الطويلة الصين وتراجعت بريطانيا وبلجيكا واسبانيا والبرتغال، واستطاعت فرنسا الحفاظ على مكانتها لانها نشرت الثقافة الفرنسية وبفضل ديجول. شكل البترول والطاقة النووية اهم محاور الاقتصاد وبالتالي الجيوبوليتيك في رسم خريطة القوى المسيطرة والتحالفات ومراكز التأثير. واصبحت عصب الاقتصاد الدولي والقوة. ربطت الاسعار بالدولار وتمت السيطرة على طرق التجارة والنظام المالي والنقدي وبناء المنظمات الداعمة لهذة السياسات ( ماسميت منظمات بريتون وودز) واتفاقات سايكس بيكو.
شكل الصراع بين النظام الراسمالي والاشتراكي مجمل جيوبوليتيك النصف الثاني من القرن العشرين، وقدم مساحة حرية لدول العالم الثالث في الابتزاز والتطور والنمو. لكن انتقال السلطات والتأثير كان في الدول البترولية، خاصة الخليج ونيجريا والجزائر وليبيا وفنزويلا وغيرها. كان البترول يصدر للغرب واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها وبعدها الصين بالدولار وتحفظ المداخيل في بنوك الغرب. كانت الفترة بين السبعينات والتسعينات مرحلة بناء البنية التحتية من نفس الدول الغربية، وباسعار كبيرة، بالتعاون مع قوى كمبرادورية محلية ادت لفساد كبير ونشوء طبقة طفيلية واسعة. تم بناء البنية التحتية على اسس جني الاموال وليس الحاجة او ترتيبات المستقبل. الفخ الاخر كان تجارة السلاح. دخل في هذا المجال الغرب والاتحاد السوفيتي والصين بريطانيا وفرنسا في الاغلب، وتمت الصفقات الميليارية لتنتهي اغلبها كخردة. كانت تجارة السلاح تدار بواسطة الدول وعبر وكلائها وضد اعداء وهميين.
ومع تفجير القنبلة النووية في هيروشيما ونجازاكي، اصبح الصراع محموماً بين الاطراف الدولية ونمت هذه الصناعة بشكل سريع ومتسارع وعنفوان. وشكلت في نهاية القرن عاملاً حيوياً في الجيوبوليتيكا في دول مثل اسرائيل وكوريا الشمالية والهند والباكستان، كعامل تهديد، اكثر من الانفجارات الاجتماعية في هذه الدول واثرت هذه الصناعة في الحد من رفاهية هذه الشعوب.
في نهاية القرن العشرين كانت فيزياء اينشتين قد اعطت كل مالديها في مجالاتها التطبيقية واوصلت الانسان الى القمر وطورت الصناعة والطاقة والفضاء والطب وتكنولوجيات عديدة. واعطت كذلك أسوأ مخرجاتها من التلوث النووي والبيولوجي والحراري ليصبح مهدداً حقيقيا لاستمرار الحياة في الارض. في نفس الوقت كانت الفيزياء الكمية تتطور بتسارع شديد وتعطي تطبيقاتها العملية واستعمالاتها. وسوف تبدأ في القرن الحادي والعشرين في تغيير القوى الدافعة وبالتالي تغيير الجيوبوليتيكا وهو ما سنواصله في المقال القادم.
حاشية: اتاحت الويكيبيديا واليوتيوب والانترنت عموما مكتبات مقرؤة ومسموعة ضخمة تتطرق لكل الافكار الاجتماعية والتطورات العلمية، تتراوح مستوياتها من البسيط الذي يطرح المفاهيم العامة والاطارات الى التفاصيل المتخصصة بكل نظام علمي.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القرن العشرین
إقرأ أيضاً:
كاتب صحفي: تطوير البنية التحتية ساهم في جلب المشروعات الاستثمارية ونمو الاقتصاد
قال الكاتب الصحفي، محمد عز الدين، إن هناك أهمية كبيرة للغاية لترتيب المسرح الاقتصادي أو الإجراءات المتعلقة بالإصلاح الاقتصادي، مشيرًا إلى أنه كان هناك ضرورة لتنفيذ إصلاحات هيكلية، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ عام 2014، كان حريصا على استكمال دوائر الأمن القومي المصري، التي من أساسيتها الأمن الاقتصادي.
وأضاف «عز الدين»، خلال لقاء مع الإعلاميتين لمياء حمدين و يارا مجدي، ببرنامج «هذا الصباح»، عبر شاشة قناة «إكسترا نيوز»: «كان لا بد من إعادة النظر في هيكلة كثير من القطاعات، وتغيير بعض السياسات المالية والنقدية، وأيضًا ما يتعلق بالبنى التحتية».
تطوير البنية التحتيةتابع الكاتب الصحفي: «الانفتاح الاقتصادي الموجود حاليًا، والحديث المتزايد عن الصادرات والمشروعات والاستثمارات العربية الأجنبية المباشرة التي تأتي إلى مصر يزيد من النمو الاقتصادي، وكل هذا لم يكن يحدث إلا بتحسين وتطوير البنية التحتية بشكل كبير».