تشكلت الجيوبوليتيكا العالمية الجديدة على فيزياء نيوتن وسيطرت على القرن التاسع عشر. شهد القرن التاسع عشر ( من اليوم الأول لعام 1801 إلى اليوم الأخير من عام 1900)،استكمال السيطرة البريطانية متحكمةً بأكثر من ربع سكان الأرض في حين بدأت كل من الإمبراطورية الإسبانية والإمبراطورية البرتغالية والدولة العثمانية بالاضمحلال، والإمبراطورية المغولية التي مكنت كل من ألمانيا وإمبراطورية اليابان والولايات المتحدة من أن تصبح قوى عظمى على الساحة الدولية، وأدى بدوره لظهور عصر الاستعمار الجديد.

في حين فشلت الإمبراطورية الروسية وسلالة تشينغ الحاكمة في الصين في الاستمرار وبقيت خارج الزمن.

كان من نتائج الافكار الاجتماعية والسياسية لما بعد الثورة الفرنسية والنظريات العلمية النيوتونية وغيرها، تطور الرأسمالية وسيطرة جيوبوليتيك المرحلة الاستعمارية المباشرة القائمة على السلب والنهب لشعوب افريقيا وامريكا اللاتينية والاسيوية واستراليا، وتطبيق المخرجات الفكرية والعلمية السائدة. على ضوء فيزياء نيوتن وتطبيقاته واستعمالاته، اصبحت تتوفر اهم تطبيقات الطاقة من الفحم الحجري والبترول، والكهرباء ووسائل اتصالاتها من التلغراف والتلفون والراديو والتلفزيون، كما برزت منها اهم اشكالاتها التي واجهتها البشرية.

مع ظهور فيزياء اينشتين والكمومية في اوائل القرن العشرين ومن ثم تطورها واكتشافاتها -خاصة الطاقة النووية، بدأت هذه النظريات تشكل الجيوبوليتيكا الجديدة. انتهى عصر الاستعمار المباشر بعد الحرب العالمية الثانية في بداية الخمسينات، وصعدت الولايات المتحدة ودفعت الثورة البلشفية روسيا والمسيرة الطويلة الصين وتراجعت بريطانيا وبلجيكا واسبانيا والبرتغال، واستطاعت فرنسا الحفاظ على مكانتها لانها نشرت الثقافة الفرنسية وبفضل ديجول. شكل البترول والطاقة النووية اهم محاور الاقتصاد وبالتالي الجيوبوليتيك في رسم خريطة القوى المسيطرة والتحالفات ومراكز التأثير. واصبحت عصب الاقتصاد الدولي والقوة. ربطت الاسعار بالدولار وتمت السيطرة على طرق التجارة والنظام المالي والنقدي وبناء المنظمات الداعمة لهذة السياسات ( ماسميت منظمات بريتون وودز) واتفاقات سايكس بيكو.

شكل الصراع بين النظام الراسمالي والاشتراكي مجمل جيوبوليتيك النصف الثاني من القرن العشرين، وقدم مساحة حرية لدول العالم الثالث في الابتزاز والتطور والنمو. لكن انتقال السلطات والتأثير كان في الدول البترولية، خاصة الخليج ونيجريا والجزائر وليبيا وفنزويلا وغيرها. كان البترول يصدر للغرب واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها وبعدها الصين بالدولار وتحفظ المداخيل في بنوك الغرب. كانت الفترة بين السبعينات والتسعينات مرحلة بناء البنية التحتية من نفس الدول الغربية، وباسعار كبيرة، بالتعاون مع قوى كمبرادورية محلية ادت لفساد كبير ونشوء طبقة طفيلية واسعة. تم بناء البنية التحتية على اسس جني الاموال وليس الحاجة او ترتيبات المستقبل. الفخ الاخر كان تجارة السلاح. دخل في هذا المجال الغرب والاتحاد السوفيتي والصين بريطانيا وفرنسا في الاغلب، وتمت الصفقات الميليارية لتنتهي اغلبها كخردة. كانت تجارة السلاح تدار بواسطة الدول وعبر وكلائها وضد اعداء وهميين.

ومع تفجير القنبلة النووية في هيروشيما ونجازاكي، اصبح الصراع محموماً بين الاطراف الدولية ونمت هذه الصناعة بشكل سريع ومتسارع وعنفوان. وشكلت في نهاية القرن عاملاً حيوياً في الجيوبوليتيكا في دول مثل اسرائيل وكوريا الشمالية والهند والباكستان، كعامل تهديد، اكثر من الانفجارات الاجتماعية في هذه الدول واثرت هذه الصناعة في الحد من رفاهية هذه الشعوب.

في نهاية القرن العشرين كانت فيزياء اينشتين قد اعطت كل مالديها في مجالاتها التطبيقية واوصلت الانسان الى القمر وطورت الصناعة والطاقة والفضاء والطب وتكنولوجيات عديدة. واعطت كذلك أسوأ مخرجاتها من التلوث النووي والبيولوجي والحراري ليصبح مهدداً حقيقيا لاستمرار الحياة في الارض. في نفس الوقت كانت الفيزياء الكمية تتطور بتسارع شديد وتعطي تطبيقاتها العملية واستعمالاتها. وسوف تبدأ في القرن الحادي والعشرين في تغيير القوى الدافعة وبالتالي تغيير الجيوبوليتيكا وهو ما سنواصله في المقال القادم.

حاشية: اتاحت الويكيبيديا واليوتيوب والانترنت عموما مكتبات مقرؤة ومسموعة ضخمة تتطرق لكل الافكار الاجتماعية والتطورات العلمية، تتراوح مستوياتها من البسيط الذي يطرح المفاهيم العامة والاطارات الى التفاصيل المتخصصة بكل نظام علمي.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القرن العشرین

إقرأ أيضاً:

وزير النفط يلتقي وفداً دولياً لبحث فرص تطوير البنية التحتية

عقد خليفة رجب عبدالصادق، وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية، اجتماعًا ثنائيًا مع وفد رفيع المستوى من شركة Chevron العالمية على هامش مشاركته في أعمال الندوة العالمية التاسعة لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

وضم وفد Chevron مدير إدارة الاستكشاف والإنتاج جو كوش، وMamadou Beye، نائب الرئيس الإقليمي للعلاقات المؤسسية، وJane Curtis، رئيسة الشؤون الإقليمية لمنطقة البحر المتوسط وشمال إفريقيا.

وتم خلال الاجتماع مناقشة فرص دخول Chevron إلى السوق الليبي، متماشياً مع التحسن المستمر في البيئة الاستثمارية وعودة عدد من الشركات الدولية الكبرى إلى العمل في ليبيا، كما استعرض الطرفان الخطوات الممكنة للتعاون في دعم أهداف وزارة النفط والغاز والمؤسسة الوطنية للنفط، من أجل رفع معدلات الإنتاج وتطوير البنية التحتية في القطاع.

ومثل الجانب الليبي في الاجتماع مصطفى بن عيسى، محافظ ليبيا لدى منظمة أوبك، وحسين صافار، عضو مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط لشؤون الحفر والتحول الرقمي، ويوسف الشتوي، مدير إدارة المعلومات الفنية، وعبد المنعم بطيخ، مدير إدارة الاستكشاف، وعبد الناصر بن زيتون، رئيس فريق الإعداد لجولة العطاء العام لسنة 2024.

ويأتي هذا اللقاء في إطار سعي وزارة النفط والغاز لتعزيز شراكاتها مع كبرى الشركات العالمية، بهدف تطوير القطاع، وخلق فرص استثمارية مستدامة تدعم الاقتصاد الوطني وتعزز مكانة ليبيا كمزود موثوق للطاقة في الأسواق العالمية.

مقالات مشابهة

  • شبهات غش في مشاريع البنية التحتية تستنفر والي جهة الدار البيضاء -سطات
  • وزير النفط يلتقي وفداً دولياً لبحث فرص تطوير البنية التحتية
  • فيريرا يتحفظ على البنية التحتية داخل الزمالك ويطالب بتطوير عاجل
  • تنمية الموارد الذاتية..الشباب والرياضة بالجيزة تحقق نقلة نوعية في تطوير البنية التحتية
  • بنظام حق الانتفاع.. الشباب والرياضة بالجيزة تحقق نقلة نوعية في تطوير البنية التحتية
  • كود الطرق السعودي يحدد معايير البنية التحتية للمركبات ذاتية القيادة
  • قنصل فرنسا: الإسكندرية شريك استراتيجي..ونعمل على دعم البنية التحتية
  • الشورى يوجّه بتحديث المخططات وتطوير الخدمات ويصدر توصيات لدعم البنية التحتية
  • «مستقبل وطن»: الدولة تتحرك سريعًا بتوجيهات الرئيس السيسي لمواجهة أي قصور في البنية التحتية الرقمية
  • خبير اتصالات: حريق سنترال رمسيس «جرس إنذار» عن ضعف البنية التحتية يستدعي مراجعة عاجلة